|
توفيق صالح جاويش أو توفيق صالح الحب
|
ما لا أدري كنهه تعثري ووجومي عندما أود الحديث أو الكتابة عن الحبيب الجميل توفيق صالح جاويش ذلكم الحب الذي نسميه إنسان، حاولت أن أتصيد طناساً أو أن ابحث عن إنسان أعرفه ولا أعرفه كما ينبغي لقصر قامتي من بلوغ هامته، وجدته في كتابات عدة كصحافي ضخم أو ظريف من ظرفاء أم درمان. تهت وتعبت، لكن دعوني بأن أبدأ الكتابة عنه وقد يتممه من هم أقدر مني في الخوض في تلكم المساحة أمثال أخي دكتور احمد طراوة، قابلت أبي توفيق صالح جاويش لأول مرة في العام 1990م عندما عملت بمكتبة البشير الريح العامة بأم درمان وكان مديرها العام حينئذ وقد عرفت منه الكثير العميق أما الأكثر عمقاً أنه لا يستمر غضبي أكثر من ساعة مهما عظمة الأسباب كما كان يفعل ذلكم الكهل الشاب. جاءني يوماً تهل من وجهه فرحة يسبقها ضياء، قال لي عندما سألته عن كنهها بالأمس سمعت في لندن برنامج عن مؤتمر اللاات الثلاثة بالخرطوم عام 1968 فكانوا يذيعون جزء من خطاب عبد الناصر على خلفية من هتاف شارع الخرطوم يطالب جمال عبد الناصر بسحب الاستقالة قال لي طربت لدرجة (والله لو طلع أبوداود من القبر اسع وغني ما أطرب زي ما طربت للبرنامج دا) نعم هكذا كان توفيق سهل الفرح عميق الحب، كان يحب ناصر ككل الذين يتوقون للثورة، كتب محمد الحسن محمد سعيد وفيما نحن نتابع حديث عمر الحاج موسى دق الباب دقات قلقة، ووجدت بالباب زميلي توفيق صالح جاويش، وقد لحظت قلقه وانزعاجه وسألته ما الخبر؟ رد: أن أنور السادات أذاع قبل قليل وفاة جمال عبد الناصر، هذا هو توفيق الخبر الصادق السريع وقد كتب كاتب بعمود مدد بالرأي العام: كنا أنا وجمال عبد القادر، وإسماعيل محمد على، وصديق الشم، وإبراهيم على إبراهيم، وشاكر عثمان، وعمر احمد الحاج ، والراحل وديع خوجلي، وشادية حامد، وفوزية محمد صالح، وإيمان خليل، وآخرين، كنا محررين صغار في قسم الأخبار نسمي رئيس القسم توفيق صالح جاويش سرا:«الرجل السفلي». فكان توفيق في جلب الأخبار عجاجته «بعيده». يعرف كل شئ في الدولة. ولو دخل الخبر في جحر ضب لوجده. كان «قرقاب» صلب الدولة، يعرف عاليها وسأفلها، باطنها وظاهرها، ولكنه ما كان ينشر الا ما يستحق النشر. وما يستحق النشر يسميه توفيق خبراً، وما لا يصلح للنشر يطلق عليه «طق حنك»، ولا يغامر بمصداقيته، أبداً. يضحي بالخبر ولكنه لم يكن مستعدا للتراجع، قيد أنملة، عن مصداقيته، ومن شروطه في العمل: افقد الخبر ولا تفقد المصدر، لقناعته بان المصدر هو العين التي تغذي مجرى أخبارك. انسداده يعني انسداد ما في مجرى الأخبار. أكثرنا ورث من جاويش هذه العادة الحميدة. وما أعرف جيداً توفيق صالح جاويش وقد حان الآن لكتابته، لم يكن مرتبه ملكاً له يوماً ما فكنت أحمل مرتبه كاملاً وأقوم بتوزيعه لناس أصحاب حاجة بل كان توفيق يأخذ فلوس من قادرين ليمنحها لمحتاجين. رجاءاً اطلبوا الرحمة للأستاذ توفيق صالح جاويش أو كما يحلو لي تسميته توفيق صالح الحب فقد كان كل الحب.
|
|
|
|
|
|