وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 03:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-23-2009, 04:45 PM

محمد صلاح

تاريخ التسجيل: 12-07-2004
مجموع المشاركات: 1276

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام

    التقرير السياسي العام
    المجاز من المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني يناير 2009م

    إضاءة حول التقرير العام:
    • اعُتمد لأعداد التقرير العام للمؤتمر الخامس، ذات الوجهة والمواصفات التي تم على ضوئها إعداد التقرير العام للمؤتمر الرابع (الماركسية وقضايا الثورة السودانية). ذلك ان تلك الوجهة لا تزال بصورة عامة سليمة. مفردات هذه الوجهة هي:
    أ‌- التقرير العام لن يكون سرداً للأحداث فما أكثرها.
    ب‌- يهتم التقرير بالأحداث الكبرى التي أثرت ولا تزال تؤثر على مجريات الحياة في بلادنا.
    ج‌- يهتم بالقضايا الفكرية ذات الأثر على سير العمل الثوري في بلادنا.
    د‌- يناقش تجاربنا سلباً وإيجاباً بهدف توسيع الحركة الثورية وإجراء تحسينات أساسية في أدوات نضالها.
    هـ- يوضح آفاق الثورة.
    • وبعد الوقوف على المناقشات التي دارت في سكرتارية اللجنة المركزية للحزب حول هذه الوجهة والمواصفات، وعلى المساهمات الواردة في الأوراق التي رفعها بعض الزملاء والزميلات التي تضمنت بعض المقترحات لما يجب ان يشمله التقرير العام، طُرحت ضوابط إضافية للوجهة العامة لتقرير السياسي وهي:
    1- عدم التصدي لطرح مهام برنامجية في التقرير العام. فهذه مكانها الطبيعي المناسب هو البرنامج. التقرير العام يركّز على الأساس النظري والوجهة العامة لبرنامج الحزب وأساليب عمله استناداً إلى الدراسة النقدية لما هو واقع.
    2- تجاوز الأسلوب السوفيتي الذي يركّز بصفة خاصة، في كتابة التقارير للمؤتمرات، خاصة المنشورة أو المعلنة أو عموماً تلك التي يتاح لنا الإطلاع عليها، على العملية الثورية العالمية أكثر من تركيزها على الأوضاع الداخلية، من منطلقات التقدم في العملية الثورية العالمية إبان فترة القطبية الثنائية للعالم. وبطبيعة الحال اتضح ان هنالك قضايا داخلية عديدة نوقشت داخل تلك المؤتمرات، لكنها عادة لا تتاح لنا الوقوف عليها.
    ولكن هذا التجاوز، بما يتطلبه واقع الحركة اليوم، يجب ان لا يحجب عنا ان الأوضاع الداخلية التي تجري في إطار صراعات عالمية وإقليمية تؤثر فيها بهذا القدر أو ذاك. أضف إلى ذلك ان هناك اليوم متغيرات نوعية جديدة، سلبية وإيجابية، في الساحة العالمية، تتطلب ان نعطيها الأسبقية في التقرير، كالانهيار في المعسكر الاشتراكي، والعولمة، والتطورات الإيجابية في بعض بلدان أمريكا اللاتينية، خاصة وهي تلقي بظلالها وآثارها على معظم أبواب التقرير، غير أن معالجة هذه المتغيرات النوعية الجديدة يجب أن لا تقود إلى اختزال معالجة الأوضاع الداخلية في السودان .
    * وبناءاً على ذلك فان التقرير يسعى لمعالجة المتغيرات الأساسية في الوضع العالمي والإقليمي، وفي الواقع السوداني، ويطرح المهام التي تواجه العمل الثوري في الفترة القادمة. ويحدد بدقة التصور للأفق الاشتراكي، كما يطرح قضية تأهيل الحزب فكرياً وسياسياً وتنظيمياً ليجدد نفسه ويواكب هذه المتغيرات، ويواصل مشواره في البناء استناداً إلى أفكار ومفاهيم الخط التنظيمي.
    * لن يكون التقرير العام، بمثابة رصد لنشاط مركز الحزب منذ المؤتمر الرابع، من زوايا: اجتماعات اللجنة المركزية للحزب ونشاطها بين المؤتمرين، وما طرحته من قضايا ومواقف الخ، مثل هذه المتابعة والتقويم مكانها تقرير منفصل بعنوان: "التقرير التنظيمي".
    * كذلك لن يكون التقرير تاريخاً للحزب منذ المؤتمر الرابع، ولكن طبيعي ان المؤتمر من صلاحياته تكوين لجنة أو تحديد جهة ما لاستكمال كتابة تاريخ الحزب الذي بدأه الشهيد عبد الخالق بكتيب "لمحات من تاريخ الحزب". وحقيقة يفتقر الحزب إلى توثيق واف وصحيح ودقيق لتاريخه. وطبيعي ان مثل هذا التوثيق يصبح أكثر مشقة مع مضي الزمن.
    ونحن الآن فقدنا كل مؤسسي الحزب باستثناء أفراد قلائل. وهناك مناطق حزبية رحل جُلَّ الذين شاركوا في تأسيسها. إن مهمة التأريخ لحزبنا ليست مهمة ثانوية. بل لها قيمة تاريخية وفكرية ونضالية عظمى.( الما عندو قديم يشتري ليهو واحد). ونحن عندنا قديم عظيم . إن المأثرة التي حققها من أسسوا الحزب الشيوعي السوداني، ومن واصلوا بناء الحزب ونضاله، تستحق ان تسجل وتنشر. فهي ذات قيمة لنا وللبلدان ذات الظروف والواقع المشابه لواقعنا. إنها تؤكد قدرة المنهج الماركسي على التعامل مع هذا الواقع وبناء حزب متقدم فيه والحفاظ عليه.كما إنها تؤكد القدرات الفكرية والنضالية الكبيرة التي أبداها مؤسسو الحزب وأعضاؤه رغم ما تعرضوا له.
    * واتُخذت المراجع الآتية كأساس لصياغة هذا التقرير .
    1- كتيبات الحوار الداخلي والسمنارات التي تضمنت آراء الزملاء والهيئات الحزبية والفروع لتجديد الحزب.
    2- تقرير المؤتمر الرابع "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" كهمزة وصل بين المؤتمرين الرابع والخامس (إثبات ما له راهنيته وإضافة ما طورنا أفكارنا حوله، خاصة بالنسبة لبناء الحزب).
    3- الدراسات التي أُعدت لصياغة البرنامج الذي سيقدم للمؤتمر الخامس.
    4- دورات اللجنة المركزية ( وبصفة خاصة دورة أغسطس 2001).
    5- مطبوعات حزبية متنوعة (حول البرنامج، قضايا ما بعد المؤتمر، لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، الخطابات الداخلية التي أصدرها مركز الحزب خلال السنوات الماضية .. الخ).

    أُتبع المنهج الآتي لصياغة التقرير :
    أ‌- سيادة النظرة الانتقادية التي لا يتطور العمل بدونها.
    ب‌- وفق قدرات الحزب حالياً في هذه الظروف، وكسباً للوقت، فان مشروع التقرير للمؤتمر الخامس لن يغطّي كل القضايا بصورة شاملة ومكتملة. لذا نركّز على القضايا الجوهرية وقضايا الساحة السياسية الراهنة. وطبيعي ان المؤتمر السادس سيستكمل النقص في ظروف أفضل واحسن تتمكن فيها تنظيمات الحزب على المستوى الوطني من تطوير الدراسة الباطنية للمجتمع السوداني التي بدأها المؤتمر الرابع.
    ج‌- لا يكفي ان نقول أو نعلن على رؤوس الأشهاد اننا سنجدد الحزب، بل لابد ان تتخلل التقرير كله، كوجهة محددة مدعومة بأكبر قدر من الحيثيات والأسانيد، سياستنا لتجديد الحزب فكراً وبنياناً وممارسات، إستناداً إلى دراستنا الانتقادية لتجربتنا وإلى دروس تجربة الانهيار في المعسكر الاشتراكي. وعلى سبيل المثال يشمل هذا: الانفتاح والإستنارة في التعامل مع المنهج الماركسي، مفهوم التغيير الاجتماعي والتحول الاشتراكي في الماركسية الديمقراطية وحقوق الإنسان ..... الخ . نبذ أفكار الطليعية والموروث الستاليني،
    د- لضرورة توسيع المشاركة طرحت تكليفات محددة لعدد من الزملاء والزميلات والهيئات الحزبية داخل وخارج السودان، على سبيل المشاركة في إعداد بعض مواد التقرير من بينها البحث في علاقة الحزب الشيوعي بالطبقة العاملة وحركة الشباب والنساء وقضايا التعليم العالي والعام والملامح والأساليب الجديدة الملائمة للعمل بين الطلاب، والأوضاع السياسية والاجتماعية في جنوب الوطن بعد نيفاشا وآفاق الوحدة والعمل الديمقراطي في الجنوب، والتحالفات الديمقراطية ضد الاحتكارات في البلدان الصناعية المتطورة، والمنبر العالمي لمناهضة الوجه المتوحش للعولمة، وتجربة التجمع الوطني الديمقراطي وتجربة مجد، وجبهة حقوق الإنسان وقضايا التضامن .. الخ.
    وبصورة مباشرة شاركت مكاتب: الجنوب، الشباب، الدراسات النقابية، طلاب الجامعات، الثانويات، العلاقات الخارجية. وكذلك عدد من الزميلات تم تحديدهن عن طريق تنظيم الحزب بالعاصمة القومية. ومما يجدر ذكره عقدت لقاءات مشتركة مع ممثلين لمعظم هذه الجهات لمناقشة الأوراق التي تم إعدادها بناءً على طلبها.
    ان توسيع المشاركة يكفل ان يأتي التقرير – إلى جانب المادة الواردة في كتيبات الحوار الداخلي – نتاجاً لعمل وجهد جماعيين يغطيان الأطر والمحاور الثلاثة: متغيرات العصر والوضع العالمي الراهن ومتغيرات المجتمع السوداني وتأهيل الحزب فكرياً وتنظيمياً وسياسياً لمهامه. وبطبيعة الحال ستظل هذه المحاور والأطر مفتوحة للتطوير النظري والفكري أمام العقل الجمعي للحزب بعد المؤتمر بمختلف الأشكال والأساليب الواجب ابتداعها: مركز دراسات ودوريات فكرية وورش عمل تتمتع بإدارات ذات استقلال واسع وتصبح سمة ثابتة في حياة الحزب ونشاطه.
    واستناداً إلى ان يكون التقرير متضمناً القضايا والمواضيع التالية:
    واستناداً إلى ذلك يكون التقرير متضمنا للقضايا والمواضيع التالية :-
    1- الوضع العالمي والإقليمي
    2- الأوضاع الداخلية في السودان
    3- قضايا فكرية وسياسية
    4- بناء الحزب


    قدمت اللجنة المركزية النقد الذاتي الآتي و أجازه المؤتمر
    * نقد ذاتي حول تأخير انعقاد المؤتمر الخامس:
    40 عاماً بدون مؤتمر !!
    من قضايانا الكبيرة التي تنتظر العلاج في المؤتمر الخامس ان حزبنا لم يعقد مؤتمراً طيلة الأعوام الأربعين الماضية، علماً بان النظام الداخلي ينص على عقد المؤتمر مرة كل عامين.
    ان مؤتمرات الحزب هي مواسم التشمير عن ساعد الجد واستنهاض الهمة والفكر لمراجعة أداء الحزب في كل مفاصله وتصحيح الأخطاء وحل المشكلات النظرية والعملية التي تعترض نشاطه ولمحاسبة اللجنة المركزية للحزب عن أعمالها . إن المؤتمرات الحزبية تحتل موقعاً مفصلياً في ممارسة الرقابة الجماعية والديمقراطية الداخلية والحياة المعافاة داخل الحزب . ان عدم عقد المؤتمر الخامس وغياب المؤتمرات طيلة أربعين عاماً تقصير جسيم لابد من النظر في أسبابه ومعالجتها وتحديد المسئولية فيها واتخاذ كل ما يلزم لمنع تكرارها. ان عقد المؤتمرات في مواعيدها من شروط ترسيخ الديمقراطية في الحزب.
    وحسب النظام الداخلي فان مسئولية دعوة المؤتمر للإنعقاد والتحضير له تقع على عاتق اللجنة المركزية. ويجيز النظام الداخلي أيضاَ دعوة المؤتمر للإنعقاد بناءً على طلب من منظمات حزبية تمثل ما لا يقل عن ثلثي أعضاء الحزب، إلا انه لم يبين كيفية عقد المؤتمر في هذه الحالة.وهي حالة تعني وجود مشكلة داخل الحزب تحتاج لحل . ويبدو انه ترك ذلك للظروف وقدرات الكادر.
    فما الذي عطل عقد المؤتمر الخامس؟
    نأخذ في الاعتبار أنه لم يتبق من أعضاء اللجنة المركزية التي انتخبها المؤتمر الرابع في مواقعهم سوى 6 . وخلال الأعوام الأربعين الماضية جرت أحداث غيّرت من وجه البلاد ومن حالة الحزب بصورة شاملة . وقد تغيّرت تركيبة اللجنة المركزية عدة مرات . ومع ذلك فأن اللجنة المركزية بتركيبتها القائمة الآن تتحمل مسئولية كامل الإجابة على السؤال عن أسباب عدم انعقاد المؤتمر الخامس . ذلك إن المسئولية هنا تضامنية ، وفق النظام الداخلي ، يتحملها فردياً وجماعياً كل من قبل أن يكون عضواً في اللجنة المركزية .
    ونأخذ في الاعتبار أيضاً ما استجد في حزبنا وبلادنا من تطورات وأحداث منذ المؤتمر الرابع كان من أبرزها إن تياراً يمينياً تصفوياً أخذ في التشكّل والتكّون داخل اللجنة المركزية ووسط الكادر القيادي الجماهيري والتنظيمي المحيط بها خلال الصراع السياسي والاجتماعي الذي احتدم في البلاد بين القوى الوطنية الديمقراطية والحلف اليميني الرجعي .وكان صوت ذلك التيار خافتاً من الناحيتين الفكرية والعملية. ثم وقع انقلاب 25 مايو 1969، الذي سرعان ما تمخض عن سلطة من البرجوازية الصغيرة أرادت الاستقواء بالشيوعيين دون حزبهم . ووجد التصفويون في السلطة الجديدة سنداً شجعهم على رفع صوتهم . ونشب صراع حاد داخل الحزب الشيوعي. وفي أغسطس 1969 قررت اللجنة المركزية بناء على اقتراح من عبد الخالق عقد مؤتمر تداولي لكادر الحزب لحسم الخلاف حول التكتيكات، وأستمر التحضير للمؤتمر عاماً كاملاً احتدم العداء أثناءه بين الحزب من جهة والسلطة وحلفائها التصفويين من جهة أخرى ، وتم خلاله نفي عبد الخالق إلى مصر ثم اعتقاله تحفظياً لفترة ثم أطلاق سراحه . وعقد المؤتمر في 21 أغسطس 1970، وانتهى بهزيمة ساحقة للتصفويين الذي انتهى بهم الأمر إلى الخروج من الحزب في انقسام هو الأكبر في تاريخه ضم 40% من أعضاء اللجنة المركزية وعشرات من كادر الحزب. وفي 16 نوفمبر التالي نفذت السلطة نصيبها من ردة الفعل بإبعاد بابكر النور وهاشم العطا وفاروق حمد الله من جميع مناصبهم ، كما اعتقلت عبد الخالق وعز الدين على عامر . ومضى الصراع في طريق التصعيد إلى نهايته المعلومة في 19 يوليو ومذابح 22 يوليو واعتقالات الشيوعيين ومطارداتهم والتنكيل بهم .
    ولم تكن الأوضاع تسمح حتى نهاية حكم نميري بعقد مؤتمر ، بما في ذلك خلال الفترتين القصيرتين للاسترخاء السياسي اللتين صاحبتا إجازة الدستور عام 1973 والمصالحة عام 1977.
    ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الأوضاع بعد 30 يونيو 1989 حتى يناير 2005 . غير أن الصورة تغيرت بعد انتفاضة أبريل 1985 التي أسقطت ديكتاتورية نميري واستعادت الديمقراطية . وصار ممكنا بالفعل ضمن أمور أخرى ، عقد المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي متأخراً 20 عاماً تقريباً .
    كما يمكن القول إنه منذ 2005 صار ممكناً الشروع في الإجراءات العملية لعقد المؤتمر . وكانت المناقشة العامة التي أُفتتحت بقرار من اللجنة المركزية عام 1992 قد عكست رغبة حقيقية لدى الأغلبية الساحقة من الشيوعيين للتداول حول القضايا التي تشكل جدول أعمال المؤتمر الخامس . وتقدم نتيجة المناقشات أساساً متيناً لتطوير حزبنا وتعزيز وحدته .
    يمكن القول أن السبب الرئيسي لتعطيل انعقاد المؤتمر كان تغليب الاعتبارات التأمينية لسلامة الحزب وكوادره على ضرورات التمسك بقواعد النظم الحزبية ومبادئها. ولقد كان في الإمكان اختيار وتطبيق بدائل تتيح عقد المؤتمر بتنازلات في بعض الجوانب ( مثل عدد أعضاء المؤتمر) بأشكال التفويض ، تجنباً لغيابه أكثر من أربعين عاماً . وهو تقصير جسيم تتحمل مسئوليته دون شك اللجنة المركزية .

    الفصل الأول
    الوضع العالمي والإقليمي

    أ-التجربة الاشتراكية السوفيتية
    ب-تجربة النمط السوفيتي والماركسية
    ج- العولمة
    د- العالم الثالث: أفريقيا والعالم العربي والتطورات في بعض بلدان أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا

    أ- التجربة الاشتراكية السوفيتية:
    مترسمين خطى المدرسة الموضوعية في علم التاريخ، نبتعد عن حرف "لو" الشرطي في تقويمنا للتجربة الاشتراكية السوفيتية، التي أمتدت في الزمان لما يقرب من ثلاثة أرباع القرن (1917- 1991). وقد حققت هذه التجربة خلال هذا المدى الزمني انتصارات كبيرة وباهرة، وكذلك ارتكبت أخطاء كبيرة ومدمرة. فهي تجربة إنسانية رائدة جديرة بالتقويم الموضوعي واستخلاص الدروس المناسبة منها للتزود بها مستقبلاً. فالتاريخ نفسه يعلمنا ان الهزيمة والفشل ما هما إلا مأساة كارثية تثير كوامن الأسى والحزن والغضب الثوري النبيل. والنضال ، كما قال كارل ماركس، لا يسير دوماً في خط صاعد إلى النجاح. ولكن تكرار الهزيمة والفشل مرة بعد أخرى بأثر ذات العوامل والأسباب التي قادت لهما في المرة الأولى، فهو ملهاة بائسة لا تثير إلا الرثاء والسخرية ولا تستحق غير اللعنات.
    والواقع ان هناك محاولات عديدة جرت، ولاتزال تجري، لقطع الطريق أمام التقويم الموضوعي لتلك التجربة. فهناك مثلاً الدعوة لفتح ملف صراعات البلاشفة مع خصومهم السياسيين مجدداً، ومن ثم الوصول لإستنتاج مفاده ان ثورة اكتوبر الاشتراكية كانت خطأً تاريخياً كبيراً وكفى !! وفي ذات السياق هناك الزعم بان الاشتراكية السوفيتية لم تولد من رحم رأسمالية متطورة، وبالتالي لم يكن هناك مجال لإصلاحها من الداخل وتصحيح مسارها، بل انه كان مكتوباً لها الهلاك المحتوم والأكيد في نهاية الأمر.
    ومن ناحية أخرى هناك المنبهرون بالتجربة السوفيتية للدرجة التي يستبعدون معها كلية وجود أية أسباب داخلية للإنهيار. ويعزون بالتالي ما حدث من انهيار للتآمر والضغوط الخارجية وخيانة بعض القادة السوفييت. وبطبيعة الحال ما كان بإمكان تآمر وضغوط الامبريالية، وسباق التسلح الذي كان يمتص ثلث الدخل القومي السوفيتي سنوياً، ونشاط أعداء الاشتراكية داخلياً ان ينجح في مرماه لو لا وجود أخطاء داخلية في تجربة النمط السوفيتي.
    وهناك التقويم الذي يروّجِ له مفكرو الامبريالية الذين طووا جميع الصفحات، وزعموا ان الصنم الماركسي بالذات قد سقط بصوت أكثر دوياً في الانهيار الاشتراكي الكبير، وان المسمار الأخير قد تم دقه في تابوت البديل الماركسي لليبرالية الغربية. ثم ينشط هؤلاء المفكرون في إرساء منظومة مفاهيم وطروحات ما بعد الماركسية والصراع السياسي / الاجتماعي على حد زعمهم.
    مهما يكن الأمر، فان البحث والتقصي سيستمر لسنوات عديدة في التجربة الاشتراكية السوفيتية، للوقوف على مجمل العوامل الداخلية والخارجية التي أودت بها للانهيار. وهناك حالياً رؤية جديدة لأسباب الانهيار عبّرت عن نفسها في عدد من المؤلفات الحديثة، وعموماً الموضوع برمته يحتاج منا لتمحيص شديد خاصة ونحن لم نلامس تلك التجربة بعمق. ولكن ما يمكن قوله بكل اطمئنان، إن انهيار التجربة الاشتراكية السوفيتية جاء نتيجة لانعدام الديمقراطية الذي قاد لتفاقم أخطاء لا مفر منها مع تجربة جديدة. إن ما انهار حقيقة هو النموذج الستاليني للاشتراكية وليس الحلم الاشتراكي والنظرية الاشتراكية التي تحتاج طبعاً للتجديد الثوري الجذري بما يجعلها قادرة على تقديم بديل اشتراكي علمي، واقعي وديمقراطي.
    غير ان تزامن التصدع والانهيار في بلدان اشتراكية عديدة، وفي نماذج التطور اللاراسمالي المترسم خطى النمط السوفيتي في انحاء مختلفة من العالم، كفيل بان يلفت الانتباه لوجود سلبيات وأخطاء داخلية مشتركة في تلك التجارب مهدت الطريق للهزيمة وقادت لها.

    فما هو الإطار العام الذي نقّوم على ضوئه تلك التجربة الرائدة؟
    لقد كانت ثورة اكتوبر الاشتراكية ثورة عمالية وشعبية حقيقية باعتراف خصومها جميعاً. ورغم حروب التدخل والحصار الاقتصادي من الدول الإمبريالية، ومن القوى الطبقية الداخلية التي كانت تشكل دعامات اجتماعية للنظام القيصري شبه الإقطاعي، صمدت وانتصرت. ثم خاضت معارك بناء مستقلة تمكن بأثرها الاتحاد السوفيتي من اختراق جبهة الرأسمالية العالمية ووصل إلى مصاف قوة عالمية عظمى في زمن قياسي وجيز. واستناداً إلى انجازاته الاقتصادية الكبيرة تمكّن من تحقيق قدر ملموس من العدالة الاجتماعية والرفاه لشعوبه، كما تجلى في كفالة حق العمل وتلبية الاحتياجات المعيشية والخدمية. كما تمكن من الإسهام الأكبر في دحر الفاشية والنازية، ومن دعم حركات التحرر الوطني في النضال ضد الاستعمار. لقد خسر الاتحاد السوفيتي عشرين مليوناً من البشر, غير الخسائر المادية الرهيبة في الحرب العالمية الثانية التي كانت امتدادا لحروب التدخل ضد الثورة البلشفية. وفقد مئات الألوف من الشيوعيين أرواحهم في القتال ضد العدوان النازي والفاشي. وحقيقة هزت الثورة البلشفية العالم ووضعت حداً لقطبيتة الأحادية، وحركت ساكن وكوامن الثورة في كل أرجائه.
    غير ان حالة الحصار التي فرضت على الاتحاد السوفيتي، وتخلف الريف السوفيتي، وفشل الثورة في بلدان غرب اوربا المتطورة صناعياً، وفي ألمانيا بالذات، قادت جميعها لأن يراجع البلاشفة حساباتهم وأسبقياتهم استناداً إلى معطيات الواقع الداخلي المحدد والملموس حفاظاً على تأمين انتصارهم التاريخي. فقدم لينين على سبيل تصحيح المسار والخروج من المأزق الذي وجد البلاشفة أنفسهم فيه، ما عُرف بالسياسة الاقتصادية الجديدة لتحل محل الشيوعية الحربية التي فرضها التدخل الأجنبي لتنكيس رايات ثورة أكتوبر . ورمت السياسة الاقتصادية الجديدة للتراجع المحسوب عن بعض قضايا التحول الاشتراكي المباشر، ولإفساح المجال للرأسمالية المحلية والاستثمارات الأجنبية، بهدف توسيع القاعدة الاقتصادية والاجتماعية لنظام اكتوبر في المدينة والريف. واستناداً إلى هذه السياسة تم إحراز نجاحات لا يستهان بها اقتصاديا واجتماعياً. غير ان قصور السياسة الاقتصادية الجديدة تجلّى بصفة خاصة في الجانب السياسي،إذ لم يصاحب التعددية الاقتصادية والاجتماعية التي اعتمدتها تعددية سياسية بأي مستوى من المستويات.
    وبديلاً لمواصلة السياسة الاقتصادية الجديدة، واستكمال نقائصها في الجانب السياسي، عمد ستالين بعد وفاة لينين المبكرة، إلى تجاوز هذه السياسة كلية، وبدأ السير قدماً في فرض التحول الاشتراكي المباشر عن طريق:
    - ضرب مصالح البرجوازية في المدينة والريف.
    - فرض المزارع الجماعية والتعاونية في الريف السوفيتي بالقوة والقسر.
    - إعطاء الأسبقية للصناعة الثقيلة.
    - تجاوز أسس الحل الماركسي الديمقراطي للمسألة القومية وفرض اتحاد فدرالي لقوميات وشعوب الإمبراطورية القيصرية.
    وهكذا قطع ستالين الطريق أمام تصحيح المسار، وتخطى القوانين الموضوعية الماثلة وقتها للتطور الاقتصادي والاجتماعي وقفز فوقها. ثم أقدم على ضرب واحتواء المعارضة العمالية والحزبية لسياساته بفرض تعميمات نظرية مغلوطة على غرار: " تنامي شراسة العدو الطبقي كلما تصاعد البناء الاشتراكي"، وجرى اتخاذ مثل هذه التعميمات النظرية تكأة لتصفية الخصوم السياسيين داخل الحزب نفسه بوصفهم امتداداً للعدو الطبقي. وضرب الديمقراطية وفرض الشمولية والدولة البوليسية ومن ثم سلب حق العاملين في الإضراب وحوّل النقابات والسوفيتيات إلى تنظيمات سلطوية، بل أن شعار ( كل السلطة للسوفيتيات ) تحول في واقع الأمر إلى شعار كل السلطة للحزب الذي لم يسلم هو الآخر من السلطوية .
    إن غياب الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج والتسيير الذاتي للعملية الانتاجية والحريات السياسية والنقابية والقومية جعل النظام الاقتصادي / الاجتماعي للاشتراكية السوفيتية أقرب إلى رأسمالية الدولة وليس نظاماً اشتراكياً. لقد قادت الستالينية في الواقع لتكريس التطابق المتعسف بين مفهوم ملكية الدولة ومفهوم الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج. ان حجب الإرادة المستقلة لحركة الجماهير افقد النظام السوفيتي جهازه المناعي الكفيل بتقويم السلبيات وتصحيح المسار، وأدخله في متاهات الجمود والانغلاق. ورفد هذا العامل ودعمه اجتماعياً، تشكل وتخلق فئات بيروقراطية مميزة ومحافظة في إدارات الاقتصاد والدولة.
    لقد قاد زخم الثورة البلشفية ومنجزاتها وحروب التدخل ضدها إلى توحيد الجبهة الداخلية لكل قوميات وشعوب الاتحاد السوفيتي. ولكن هذه الحقيقة يجب أن لا تحجب عنا أنه ونقيضاً للطرح الماركسي بالحل الديمقراطي للمسألة القومية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً، وكفالة حق تقرير المصير كحق ديمقراطي أصيل، فرضت الستالينية اتحاداً فدرالياً لا مكان فيه لحق تقرير المصير إلا بصورة شكلية وبعد انجاز التحول الاشتراكي! ومهّد هذا الطريق لتنامي شوفينية القومية الروسية الأكبر وإلى تعقيدات خطيرة في المسألة القومية.
    وبعد الحرب العالمية الثانية، وعلى ضوء نتائجها، أخذ الاتحاد السوفيتي يلعب دور العّراب لإلهام أو فرض النمط السوفيتي بحذافيره على بلدان شرق أوربا الاشتراكية. وذلك رغم ان المنهج الماركسي الجدلي يشير إلى ان القوانين العامة التي تحكم مسار تطور المجتمعات البشرية، تتجلى بصور مختلفة ومتنوعة باختلاف وتنوع الواقع الموضوعي. وتحركت الجيوش والدبابات السوفيتية مرات عديدة لسحق وتنكيس رايات الانتفاضات الشعبية التي رمت للإصلاح والديمقراطية وتقويم سلبيات النمط السوفيتي في تلك البلدان. وكغطاء وتبرير لذلك التدخل الفظ كان يتم تشويه وابتذال الأهداف الحقيقية لتك الانتفاضات وطمس أهدافها وقواها الاجتماعية والسياسية. فهي حيناً أعمال تخريب نظمتها حفنة مرتدة تم طردها من قيادة الحزب، وحيناً آخر يتم إرجاعها لأثر الكنيسة المناوئ للاشتراكية لعدم انجاز الإصلاح الزراعي بصورة جذرية. وفي كل الأحيان يتم الترويج لدور المخابرات الأجنبية واتجاهات العداء للاشتراكية كمحرك لتك الانتفاضات الشعبية.
    وبطبيعة الحال كان القهر والبطش يطول القوى الرامية للإصلاح والتجديد داخل الأحزاب الشيوعية نفسها. إن إفرازات الجمود والانغلاق والرأي الواحد الأحد في تجربة النمط السوفيتي لم تقد فحسب إلى طمس النظرة الانتقادية التي لا يتم إصلاح الخطأ وتصحيح المسار بدونها، بل أيضاً إلى رفضها كلية ومحاربتها.
    صفوة القول ان النمط السوفيتي الذي جرى تسويقه بوصفه تجسيداً حياً للماركسية بلحمها ودمها، اكتنفته أخطاء عديدة. وان الذي قاد للإنهيار في نهاية المطاف لم يكن الماركسية، بل كان الابتعاد عن بعض مبادئها الأساسية. فالماركسية في جوهرها منهج علمي يتم الاسترشاد به في الوصول للقوانين التي تحكم التغيير الاجتماعي في هذا الواقع أو ذاك. انها نظرية تتنافى تماماً مع الأحادية والنمط الواحد والنموذج الصالح لكل زمان ومكان. ان فشل واخفاق مشروع تاريخي كان يدعي الانتساب للماركسية لا يعني ان الماركسية قد عفا عليها الزمن وتجاوزها.
    لقد كانت هناك امكانية حقيقية للعلاج والإصلاح وتصحيح المسار في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي عام 1956. ولكن ما حدث في ذلك المؤتمر كان تعداد جرائم الستالينية دون تشخيص عميق لمسوغاتها النظرية والفكرية، ودون وضع اليد على مرتكزاتها الدستورية والقانونية القائمة في تجربة النمط السوفيتي. صحيح ادخل المؤتمر بعض الاصلاحات الديمقراطية الهامشية، وتم رد الاعتبار، دون شفافية تذكر لضحايا القهر الستاليني، غير ان النظام الشمولي المنغلق ظل قائماً بكل ركائزه ودعائمه النظرية والسياسية والقانونية بدون شخص ستالين. وأيضاً رغم ما توصل له ذلك المؤتمر حول امكانية الوصول للإشتراكية بطرق متعددة، تواصل التدخل الفظ في بلدان شرق أوربا الاشتراكية.
    ثم هبت قوى الحرس القديم المنتفعة بسلبيات النظام (النومنكلاتورا)، مستفيدة من بقاء أركان وركائز النظام دون تغيير، لإلغاء إصلاحات المؤتمر العشرين على ضعفها وهشاشتها. فكانت المحاولة الانقلابية للإطاحة بخرتشوف عام 1957، ثم كانت المحاولة الانقلابية الناجحة التي أطاحت به في اكتوبر 1964.
    وكذلك ذهبت أدراج الرياح كل محاولات الإصلاح الأخرى في ظل بقاء ركائز النمط السوفيتي. وكان جوهر تلك المحاولات يرمي إلى معالجة موجات الركود الاقتصادي المصاحبة لنمط رأسمالية الدولة والمركزة الصارمة بفتح هامش ضيق جداً لاقتصاد السوق الذي يحتمه واقع تعدد الانماط الاقتصادية، وبوضع خطط قصيرة المدى تفسح مجالاً لدور المنتجين في التخطيط والإدارة والحوافز المادية في حالة زيادة الانتاجية.
    غير انه كما يقولون: لا يستقيم الظل والعود اعوج! لقد استعصى الخلل على الإصلاح لأنه خلل هيكلي وأساسي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بركائز نظام النمط السوفيتي.
    وإذا امعنا النظر في حركة البريسترويكا والغلاسنوست، أو إعادة البناء والصراحة والشفافية، نجدها لا تخرج من الإطار العام لترقيع نظام النمط السوفيتي. ما تميزت به حقاً هو ان جرعتها الإصلاحية كانت أكبر وأشمل وانها أتت متأخرة جداً وبعد ان اتسع الفتق على الراتق. وكان أقصى ما رمت إليه البريسترويكا هو إزالة أثار الستالينية من جمود وبيروقراطية وفساد. ولكنها انتهجت للوصول إلى هذا الهدف، ليس الطريق الثوري الراديكالي، بل طريق تمويه سوءات النظام الأساسية. فهي قد ألقت تبعات الجمود على برجنيف بينما هي عيوب هيكلية في النظام نابعة من رأسمالية الدولة والشمولية والمركزة الصارمة اقتصاديا وسياسياً وغياب الارادة المستقلة لحركة الجماهير المنظمة في الحزب والنقابات والسوفيتات والتي تحولت جميعها إلى تنظيمات سلطوية مسلوبة الإرادة.
    لقد سعت حركة البريسترويكا في الواقع، مع الإبقاء على ركائز النظام الشمولي وحزبه الواحد، لتفكيك المركزة اقتصاديا. فعمدت لتوسيع النظام التعاوني واتاحة الفرصة للقطاع الخاص واقتصاد السوق في حدود بعينها واضفاء مسحة ديمقراطية على إدارات الاقتصاد والانتاج.
    غير ان البريسترويكا فجّرت حركة نشطة لتفكيك وتغيير كل اركان النظام السوفيتي. وفي الواقع كانت الأمور في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق أوربا الاشتراكية كذلك، قد وصلت إلى درجة الأزمة المركبة والمتفاقمة والتي كان من الصعب، بل ومن المستحيل فيها، ألا يقود الشروع في تفكيك المركزية الاقتصادية لتفكيك الأنظمة بأسرها ومن جذورها.
    ومن زاوية معينة فان حركة البريسترويكا، ركّزت على الإصلاح في الجانب الاقتصادي/الاجتماعي واهملت الجانب السياسي. فالغاء المادة 6 من الدستور والخاصة بالدور القيادي للحزب في السلطة والدولة والمجتمع في جمهورية روسيا الاتحادية مثلا لم يقرره الحزب وإنما تم إقراره رغماً عنه من قبل البرلمان الروسي. وفي هذا السياق فقد أتت لاحقاً وبعد فوات الأوان، الطروحات المستنيرة للمؤتمر 27 للحزب الشيوعي السوفيتي، حول الديمقراطية والرأي الآخر وعدم احتكار الحقيقة.
    لا نقول ان البريسترويكا لو أهتمت بالجانب السياسي لتغير مسار الأمور، فما كان ذلك ممكناً. فقد تخطت أزمة الجمود والركود والفساد التي غرست بذرتها الستالينية، والتي ارتدت أبعاداً نوعية وصلت لكل خلايا المجتمع، نطاق الإصلاح من الداخل مهما كانت درجة ونوعية هذا الإصلاح الباطني.
    والجدير بالذكر ان قوى الحرس القديم المحافظة والمنتفعة بالنظام وجموده وفساده (النومنكلاتورا)، والتي حاولت أجيالها السابقة قطع الطريق امام إصلاحات خرتشوف منتصف الخمسينات، ثم أطاحت به في منتصف الستينات، كررت ذات السيناريو مع قورباتشوف في منتصف الثمانينات. فقد سعت إلى عرقلة مسار البروسترويكا وإضعافها وإلى تعويق مسار الاصلاحات الاقتصادية ثم أخيراً لجأت للمحاولة الانقلابية الحمقاء الفاشلة في أغسطس 1991 والتي أعطت الضوء الأخضر ليس للإطاحة بقورباتشوف وحده، وانما أيضاً بسلطة الحزب وبالاشتراكية وبالاتحاد السوفيتي جميعاً.
    ان جوهر ما يجب ان نتعلمه من التجربة السوفيتية، ونحن نناضل من أجل التغيير الوطني الديمقراطي وصولاً للأفق الاشتراكي، يرتبط مباشرة بقضية الديمقراطية. ونعني تحديداً الديمقراطية داخل الحزب والديمقراطية كحقوق لحركة الجماهير، والنأي بالحزب من السلطوية.، والاندغام في جهاز الدولة كشرط موضوعي لمواصلة العمل الثوري وتصحيح مساره.

    ب-التجربة السوفيتية والماركسية:
    لقد صدق تماماً من قال "ان النظرية رمادية، وشجرة الحياة خضراء يانعة ومتجددة ابداً"
    ان الانهيار الاشتراكي الكبير قد اوضح بجلاء ان الفكر الاشتراكي يمر بأزمة عصيبة. وكان من الطبيعي ان يجري التساؤل في ظروف مثل هذه الأزمة عن جدوى النظرية الماركسية ذاتها التي انتجت وأفرخت مثل ذلك الفكر.
    وسرعان ما بادرت ماكينة الدعاية الامبريالية، على سبيل التبشير بسرمدية وأبدية الرأسمالية والليبرالية الغربية، للترويج لدعاوي ومزاعم نهاية الأيدولوجيات والصراعات السياسية والاجتماعية. وقدمت بديلاً لها البراغماتية وصراع الحضارات والاستنزاف الحسابي،وغير ذلك من النظريات والمناهج التي تعبر في جوهرها عن موقف طبقي ماكر وناعم يسعى لتغبيش وتعمية الوعى الاجتماعي والسياسي . وقد درجت القوى الرأسمالية منذ نشأتها على صياغة مصالحها كما لو أنها مصالح كل الشعب .
    ومن المعروف ان الماركسية ليست علماً تطبيقياً، وإنما هي منهج يتم الاسترشاد به لدراسة الواقع . وقد غدا المنهج الماركسي جزءاً من التراث البشري، وتختلف نتائج الاسترشاد به من بلد لآخر على ضوء خصائص واقعه. وقد أكد لينين أن كل بلد سيصل إلى الاشتراكية بطريقه الخاص . ونصح شيوعيي الشرق بترجمة الماركسية التي كتبت لشعوب غرب أوربا إلى لغاتها الخاصة التي يمكن أن تفهمها بها شعوبها. كما أكد ان التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية التي تحدثت عنها المادية التاريخية لا تحكم تطور كل المجتمعات وقع الحافر على الحافر.و دعي مؤسسو الاشتراكية العلمية للاستفادة من كل الومضات الايجابية في التيارات الفلسفية والفكرية الأخرى . ومعروف أن فردريك انجلز قد أستند في كتابه ( أصل العائلة ) إلى أعمال المؤرخ والكاتب الإمريكي مورغان .
    فالماركسية ليست هي فصل الخطاب، ولا هي الكلمة النهائية التي تطوى بعدها الصحف وتجف الأقلام. جوهر الماركسية هو منهجها الجدلي لدراسة الواقع. انها ليست عقيدة جامدة تتحجر في اصول نمطية عقيمة. والمنهج الماركسي لدراسة الواقع، وصولاً للقوانين العامة التي تتحكم في مسار هذا الواقع، قادر على تجديد نفسه على الدوام. انه منهج قابل للتعديل حذفاً وإضافة وفق ما تمليه ضرورات تجدد الواقع وحصاد التجارب النضالية والتطورات في العلوم الطبيعية والإنسانية.
    يقول مؤسسا الماركسية، على سبيل المثال، عن هذا المنهج:
    - انه حجر الزاوية لبناء يجب ان يشيد في جميع الاتجاهات ، ويجب ان يتجدد مع كل اكتشاف علمي جديد.
    - انه منهج يتحول إلى نقيضه عندما نستخدمه كنمط جاهز نقيس عليه وقائع التاريخ، ونغصبها فيه غصباً لنرضي أهواءنا.
    - ان الافتراضات النظرية ليست حتميات قدرية جبرية. انها لن تنزل إلى أرض الواقع دون توفر الشروط والظروف الموضوعية والذاتية اللازمة والضرورية لذلك.
    - وقد قال كارل ماركس قولته الشهيرة رفضاً للجمود الذي يجرٍّد المنهج الماركسي من ديناميكيته ويجعله يدير الظهر للواقع المحدد والملموس... " إذا كانت هذه هي الماركسية فكل ما اعرفه انني لست ماركسياً".
    فالماركسية استناداً لمنهجها ذاته، تقتضي النظر إليها في تاريخيتها، وليس كنصوص مذهبية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
    ويتفق الكثيرون في ان الخطاب الستاليني الشمولي المنغلق، قد اختزل الماركسية في برشامات نظرية ووصفات جاهزة وصالحة لكل زمان ومكان. وهذا أمر حولها إلى عقيدة جامدة تنضح بالاستعلاء والانغلاق والغرور المهلك.
    الستالينية ، على سبيل المثال، اختزلت قوة الدفع للتطور التاريخي في الصراع الطبقي، بينما لم تسقط الماركسية وجود عوامل أخرى فاعلة ومؤثرة في ذلك التطور: ثقافية وقومية وغيرها. صحيح ان الاقتصاد محرك للتاريخ، ولكن هذه مقولة عامة ونسبية وتتطلب رفدها بعوامل أخرى ذات فعل وتأثير في الزمان والمكان حسب خصائص الواقع الماثل. وتأثر الحزب بالفعل بكتيبات ستالين المختزلة والمبتسرة حول المنهج المادي الجدلي والمادية التاريخية والاقتصاد السياسي.
    ان الستالينية قد طمست بالفعل جوهر الماركسية. فبينما تقول الماركسية ان الحقيقة دائماً وأبداً نسبية، وان التطور دائماً وأبداً مطلق ولا سقف له، يدّعي الخطاب الستاليني الذي تبلور في ظل السلطة الشمولية والتسلط لنفسه الكمال والإحاطة الشاملة وتملك علم الماضي والحاضر والمستقبل. ولن تفضي مثل هذه النظرة الضيقة المتعصبة وغير العلمية إلاّ إلى ضرب الديمقراطية وهيمنة القلة وإلى رفض وتجريم الرأي الآخر. وحقيقة ما جدوى وما فائدة الرأي الآخر مع مثل هذا الخطاب الشمولي المنغلق؟!
    والواقع ان المفاهيم الأساسية للماركسية غدت اليوم جزءاً لا يتجزأ من نسيج العلوم الاجتماعية المعاصرة. فالمفهوم المادي للتاريخ مثلاً قد أصبح أساساً للمدرسة الموضوعية في التاريخ بتيارها الكاسح الذي غمر كثيراً من الجامعات ومراكز البحث المتخصصة في جميع أنحاء العالم. ويتزايد الاعتراف بأثر اسلوب الانتاج المادي على البناء الفوقي. وفي العلوم السياسية يتأكد ان العوامل الداخلية لها قصب السبق والصدارةفي استقرار وتطور أنظمة الحكم قبل العوامل الخارجية.
    ان اطلاق القول، بعد تجربة الانهيار في المعسكر الاشتراكي، بالاحتياج لنظرية جديدة بديلة للماركسية، مفارق للحقيقة تماماً. ان الاحتياج الماثل ليس هو التخلي عن الماركسية، بل هو القيام باختراق جديد في حقل النظرية، استناداً للمنهج الماركسي ذاته، للوصول إلى ماركسية عصر الثورة التكنولوجية والقرن الحادي والعشرين. وغني عن القول ان التخلي عن الماركسية لن يقود إلاّ للرجعية السياسية والاجتماعية، فلا حركة ثورية بدون نظرية ثورية. كما ان دعوة بعض الماركسيين للتواضع، واعتبار الماركسية كسواها من الفلسفات السابقة التي تجاوزها الزمن وانتهي عمرها الافتراضي، دعوة باطلة تعكس بصورة مزدوجة التمويه لتغطية الهروب والرعب والهلع الناجمين عن تراجع وانحسار الحركة الثورية في العالم. إن الاختراق الذي نطرحه في حقل النظرية يشمل جوانب عديدة منها ، بما في ذلك أسهام لينين بنظرية الاستعمار كمرحلة أعلى في تطور الرأسمالية . ومعروف أن أسهام لينين هنا كان محكوماً بعصره حيث أعتبر الامبريالية رأسمالية محتضرة . لكن الرأسمالية استطاعت أن تمدد عمرها وتنجز الثورة العلمية التقنية وتسخر انجازات هذه الثورة في تطوير إنتاجية العمل .

    الحقوق الديمقراطية ودور حركة الجماهير
    مفاهيم محورية في التحول الاشتراكي:
    تشير الماركسية إلى ان التحول الاشتراكي عملية تطور اجتماعي/تاريخي وليس هندسة اجتماعية يتم إخضاع الواقع الموضوعي وقوانين سيره الموضوعية قسريا لها. فالتحولات الاجتماعية في الماركسية لا تصنعها الأقليات الفدائية أو الطليعية، وانما تأتي من خلال الصراع الطبقي والاجتماعي والسياسي. وبطبيعة الحال كذلك لا يحققها مستبد عادل يمتطي صهوة نظام شمولي لإحقاق الحق وانصاف المظلوم. فلا حق ولا عدالة تحت مظلة الاستبداد والطغيان. كما لا تعتمد التحولات الاجتماعية على دور فردي لقائد فذ أو نخبة صفوية تمسك حركة التاريخ والتطور الاجتماعي بين يديها من جميع النواصي وتطوٍّعها لإرادتها الثورية. بل تقول المفاهيم الماركسية ان الجماهير هي القوى المحددة في صنع التاريخ وفي انجاز التحولات الاجتماعية. ومن أجل هذا تقوم اركان التكتيك الماركسي وأساليب عمله على تنمية حركة الجماهير، والحضور الفاعل للجماهير المنظمة ومراكمة العمل الثوري بصورة مثابرة وصبورة.
    ان الإمكانية للتحول الاشتراكي لا تتوفر إلا عندما تنضج الظروف موضوعياً وذاتياً لذلك. ولذا يقول كارل ماركس في مقدمة كتابه"اسهام في نقد الاقتصاد السياسي":
    "ان تشكيلاً اجتماعياً معيناً لا يزول قبل ان تنمو كل القوى الاجتماعية التي يتسع لاحتوائها. ولا تحل قط محل هذا التشكيل علاقات انتاج جديدة ومتفوقة ما لم تنفتح شروط الوجود المادي لهذه العلاقات في صميم المجتمع القديم نفسه. ومن أجل ذلك لا تطرح الإنسانية على نفسها قط سوى مسائل قادرة على حلها. ذلك انه إذا نظرنا إلى الأمر عن كثب، وجدنا ان المسألة نفسها لا تظهر إلاّ حين تتوافر الشروط المادية لحلها، أو حين تكون على الأقل على أُهبة التوافر".
    فالتحول الاشتراكي في الماركسية لن يكتب له النجاح إلاّ إذا أتى لضرورة موضوعية اختمرت عناصرها وشروطها ومقوماتها في احشاء المجتمع القديم. وبالتالي تضحى أية محاولة لفرض التحول الاشتراكي في واقع لم ينضج له بعد، مجرد معاندة لقوانين التطور التاريخي والاجتماعي الموضوعية وقفزاً فوق المراحل ولن يكتب لها النجاح والاستمرارية. وبالإمكان القول بكل اطمئنان ان القفز للثورة الاشتراكية دون توفر المقومات الضرورية لها لن يفضي إلى الاشتراكية بل سيقود بالضرورة إلى طغيان الأقلية والبيروقراطية. إن التعميمات النظرية الخاطئة للنمط السوفيتي حول الأزمة العامة الثالثة للنظام الرأسمالي وعصر الانتقال للإشتراكية وقدرات الديمقراطيين الثوريين في هذا الصدد، لم تقد إلاّ لتشجيع التكتيك الانقلابي.
    وينبغي الإشارة هنا إلى انه لا توجد في مؤلفات مؤسسي الماركسية تأكيدات أو حتى تلميحات بان الاشتراكية ترفض الديمقراطية التعددية أو تستبعد نظام تعدد الأحزاب. صحيح انهما أشارا لأوجه القصور في الديمقراطية البرجوازية وخاصة تحكم الرأسمالية في آلياتها وإغفالها للديمقراطية الاجتماعية، ولكن الواقع ان مؤلفات ماركس وانجلز بدءاً من كتاب "الأيدلوجية الألمانية" تعج بالحديث عن مفهم "الديمقراطية" و "الرقابة الشعبية" و"الرقابة الشعبية المباشرة". وطبيعي إنه لا مكان لرقابة شعبية من أي نوع وبأي درجة في ظل الشمولية، بل ان الرقابة الشعبية في مختلف تجلياتها وأشكالها لا تزدهر إلا في ظل الديمقراطية والإرادة المستقلة لحركة الجماهير المنظمة. ان ما حرص عليه مؤسسا الماركسية أكثر من غيره هو التأكيد بان الديمقراطية البرجوازية، بحكم سيطرة رأس المال على كل آلياتها وفعالياتها، لا تجسد سوى ديكتاتورية البرجوازية. وان الديمقراطية لن تقف على رجليها دون استكمالها بالديمقراطية الاجتماعية وستنبثق عن هذا الاستكمال في نهاية المطاف دكتاتورية البروليتاريا. أي ان دكتاتورية البروليتاريا من منظور مؤسسيْ الماركسية، لا تعني مطلقاً الشمولية وهيمنة الحزب الواحد وغيرها من سمات تجربة النمط السوفيتي. بل تفتح الطريق لأكثر النظم ديمقراطية في تاريخ الإنسانية. ويرفد هذا ما أشار له كارل ماركس بصفة خاصة عن ضرورة توفر القواعد والأسس الديمقراطية التي طبقتها كومونة باريس في الدولة الاشتراكية، مثل انتخاب جميع شاغلى المسئوليات بمن في ذلك القضاة مع كفالة حق سحب الثقة منهم في أي وقت . صحيح أنه وباستثناء ما ورد حول تجربة الكومونة ، لم تطرح الماركسية تعميمات نظرية مكتملة حول الدولة الاشتراكية . وبالتالي هناك احتياج ماس لتأصيل نظري جديد للدولة الاشتراكية في الظروف المعاصرة يتجاوز سلبيات تجربة دولة النمط السوفيتي .
    ومعلوم أن ماركس كان قد أشاد بتجربة الكومونة في 1871 كأول سلطة عمالية في العالم، وذلك رغم تعدد الاتجاهات الفكرية والسياسية لقادتها، ورغم ضعف التيار الماركسي بالذات بين هذه الاتجاهات.
    وتثبت الماركسية مفهوم التعددية في كل مؤلفاتها منذ البيان الشيوعي في عام 1848. لقد أشار ذلك البيان إلى أحزاب الطبقة العاملة في البلد المعين وليس إلى حزبها الوحيد.
    وكذلك معلوم ان ثورة اكتوبر الاشتراكية لم تحجر نشاط حزب الاشتراكيين الثوريين وحزب المناشفة. وظل هذان الحزبان يتمتعان بالشرعية ويمارسان نشاطهما العلني بين الجماهير, وكان لهما وجود كثيف في السوفيتات المحلية والمركزية. بل أكثر من ذلك اشترك حزب الاشتراكيين الثوريين في السلطة السوفيتية واستنكف حزب المناشفة رغم دعوته للمشاركة.
    ولا جدال حول ان الماركسية طرحت نظرياً وعملياً قيادة الحزب الماركسي للتحول الاشتراكي. ولكن هذا الطرح يقف، ليس كضربة لازب، وانما كفرضية نظرية وعملية واردة في ظل الانحسار الطبيعي في الصراعات الطبقية والاجتماعية والثقافية أبان التحول الاشتراكي، وهو أمر يطرح في جدول عمل الثوريين إمكانية توحيد الأحزاب العمالية والماركسية والديمقراطية. ولكن طالما ظل التعدد والتنوع قائما،
                  

العنوان الكاتب Date
وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام محمد صلاح04-23-09, 04:45 PM
  Re: وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام محمد صلاح04-23-09, 04:47 PM
    Re: وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام محمد صلاح04-23-09, 04:49 PM
      Re: وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام محمد صلاح04-23-09, 04:51 PM
        Re: وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام محمد صلاح04-23-09, 04:52 PM
          Re: وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام محمد صلاح04-23-09, 04:54 PM
            Re: وثائق المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 1- التقرير السياسي العام محمد صلاح04-23-09, 04:57 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de