|
Re: من ذاكرة الستينيات..... مذكرات فتي القاع... (Re: جمال المنصوري)
|
4
في المدرسة ، تعلمت بجانب ما هو مقرر، عادات صحية وبدنية كانت جزء من التعليم الاساسي، تتمثل في النظافة والالعاب الرياضية، فقد منحت ادارة المدرسة صابون جميلة معطرة لكل طالب، وعلمته ان يصنع لنفسه مسواك من جريد النخيل، وقطعة قماش عرفنا ان اسمها منديل، وتعلمنا الجمباز ورمي (الرنغ) والكرة الطائرة، وكرة القدم،.في اول العام الدراسي قسم الطلبة الي ثلاث مجموعات، الاولي الذين تبعد منازلهم مسافة قريبة من المدرسة، وهؤلاء عليهم احضار افطارهم بانفسهم، والمجموعة التي تبعد منازلهم ابعد عن الاولي ويمكنهم الذهاب والعودة قبل وبعد انتهاء اليوم الدراسي، وهؤلاء توفر لهم المدرسة وجبة الفطور، اما المجموعة الثالثة والاخيرة فللطلبة الذين تبعد منازلم مسافة لا تمكنهم من الذهاب والعودة في نفس اليوم، وهؤلاء استوعبوا في الداخليات، ويتم توفير جميع الوجبات والاحتياجات لهم، من اسرة ومراتب ومخدات، ومفارش، وحمامات، ويقوم علي خدمتهم نساء ورجال تدفع رواتبهم من الدولة، ولا يدفع الطالب اي مقابل لهذه الخدمات، كما انني نسيت ان اذكر انه لم تكن هناك ضرائب غير ما يسمي بالعوائد، وهي تدفع عن النخل المثمر فقط ، وعرفت فيما بعد ان هناك فيئة رابعة، وهي الفئية التي كان يبعثها الناظر (بدفتر العيادة) وهؤلاء من يري النظار ان ظاهر اجسامهم واجساده في حوجة للكشف الطبي، الذي يوقعه حكيم الشفخانة (اذ لم تكن هناك مستشفي في عموم المناصير، واقرب مستشفي في كريمة وابو حمد، الذي يقرر مدي حوجتهم لنظام غذائي خاص، وكان هذا الغذاء يوفر باشراف الطبيب، ويذهب هؤلاء الطلبة الي العيادة يوميا لتناول الفطور الذي كان يحوي من الطازج ما يسيل اللعاب، وللحق ابتدع هذا النظام حكيم وفد الينا من ام درمان اسمه الحقيق (عبد الله) ويلقبه المناصير (بكوسيجين) الاسم الذي لم اعرف معناه في ذلك التاريخ، والذي تلاعبت به السنتنا كثيرا في غير حمد، ويبدو من معاملته للناس وطيب معشرة وبساطته انه كان شيوعيا والله اعلم والا ما معني ان يلقبه المناصير بكوسيجن، كانت الدولة تبعث لنا بجانب الثقافة والتعليم فرق الجبكسين، ومكافحة الافات، لغاية عندنا، وفي مواسمهم تلك كانوا يجوبون البلاد طولا وعرضا لمكافحة الافات التي كانت تتمثل في ذلك الحين في (القمل والجراد) اذا كانت افاتنا علي قدر احتياجاتنا، ونحند الله كثيرا انه لم يرزقنا بال (ابتلاءات) في ذلك الزمن الجميل، ولا انسي ان اسرد قائمة الطعام التي كانت تقدم للداخليات في ذلك الوقت، (الرغيف الشفيف النظيف، الساردين، الجبنة الرومي، العدس، والفول، اللحمة، الخضروات الممزوجة باللحمة بجميع انواعها، الرز) وكان الكل مجانا...قضيت في المدرسة عامين، عرفت فيهم الكتابة والقراية، وكانت الخرتاية تزداد امتلاءا كل عام، وكل ذلك بفضل من الله وبنعمة منه مجانا، حتي درس العصر(الذي كان يسمي المذاكرة) كان بالمجان، في اوائل العام 67 وبمجرد دخول اوان الاجازة السنوية، جاءنا والدي من الجنوب، وقد فرحنا به كثيرا، وكنا نتسابق انا واخوتي علي من ينام معه ليلا، ويندفس دفسا معه في البطانية الدافية، غير مبالين بمشاعر الوالدة عليها رحمة الله، وبعد ايام قليلة من وصوله علمنا بانه جاء منقولا من جوبا الي كوستي بعد ان طلبت الجدة تدخل الشيخ احمد الجعلي (تور كدباس) واننا سنذهب معه الي هناك، وما ادراك ما هناك، فبعد ان تمت كافة الاستعدادات، والترتيبات، والحجوزات، جاء اليوم الموعود، وبدأ البكاء، وذكريات الوداع الاليم، وتم اعداد الزوادة في سرية تامة، خوفا من العبد لله الذي كان يكن عداوة شديدة لكل انواع اللحوم والجني جداد، فلا يطل منها احد الا وكان البطن الشرير مأواه ومثواه، وبدأ الوقت يقترب لوصول قطار كريمة ، عندها كان قطار كريمة الذي يجره قطر بخار، وكان يومها مرجعا اساسيا لضبط الوقت الساعة اربعة تعني الساعة اربعة، اتنين يعني اتنين، ذهبنا الي المختة محملين وراجلين، وجاء المرجو في الموعد تماما، وبمجرد وصوله الي المحطة ذهب الوالد وصحبة لمراجعة الحجز، الذي كان قد امتلأ بقاطنين من ديار بني شايق، وبدأت معركة حامية الوطيس انتهت بعد تدخل الاجاويد باقتسام السلطة والثروة، ولم يتحرك القطار الا قليلا وبدأت علاقة تعرفت عليها لأول مرة في حياتي، فقد عرفت ان هناك علاقات تبدأ بشكلة في القطار وتنتهي بعلاقة تتحول دائما الي علاقة اسرية بين اقوام لم يجمع بينها الا القطار والسودان.
اترككم في رعاية الله وحفظه ..
|
|
|
|
|
|
|
|
|