|
Re: من ذاكرة الستينيات..... مذكرات فتي القاع... (Re: جمال المنصوري)
|
3
هنا في قري المناصير كما هو الحال في كل قري الريف السوداني من نيمولي الي حلفا، يتعلم الصبي كيف يكون رجلا مسئولا، لا مكان للكسل او الخمول، يومه يبدأ من صلاة الفجر بغذاء الروح والبدن معا، فبعد الصلاة مباشرة، ياتيك فك الريق الذي لا جوع بعده في صحبته الشاي واللبن، فالريوق كان اما فطيرا باللبن او شعيرية او سكسكانية، والثابت زينة كل بيت الزلابية، كنا نترس بطوننا منه ترسا، باعادد لا حصر لها من فناجين الشاي، وللحقيقة كنا نحن الصغار نستعمل برطمانات ( المربي) الفارغة وكانت اكبر حجما بكثير عما نشاهده اليوم، وبعد الفراغ من هذا تجود عليك امك بكورية مليئة باللبن، تنال منها نصيبا يجعل البطن نديا، وكثيرا ما سمعنا صوتا قل سماعه هذه الايام ( هع كرررررررراع) مما يعني ان (فك الريق) كان حتي الاشباع، وبعدها يذهب الكل الي العمل، الصبية الاصغر للرعي، والاكبر الي المدرسة، والاباء من كان يعمل بالسكة حديد فاليها، وما عداها نسوة ورجال الي الحقول، حتي موعد الفطور، حيث لا عمل بعد الفطور ، في ذلك الزمن الجميل كان الفطور يتراوح بين القراصة بالروب، الي الفطير والبيض مسلوقا ومطبوخاـ سمنة بلدي بالسكر، فرصة (واسمها الحالي الزبده او القشطة) وقد يحشر الفول والرغيف انفه احيانا، يخلد بعدا الكل كبارا راحة ومقيلا، اما الصبية الصغار، فالي هوايات، تتراوح بين السباحة ولعب الطاب، يتم اثناءها تناول البلح بكميات كبيرة، ويستمر هذا الي منتصف النهار، حيث يتم تناول الغداء،الذي يتكون يوميا مما تنبت الارض من فومها وبصلها وعدسها، ورجلتها وملوخيتها، فأن لم تجد فسناسن (كسرة) بالسخينه (السليقة) كنا نشرب الشاي 5 مرات في اليوم، ابيض للصغار، واحمر للكبار، وتمتد هذه الفترة الي صلاة العصر ، الذي كان له نصيبا في الشاي ايضا ،بعدها ينطلق الكل مرة اخري الي العمل حتي مغيب الشمس، نعود بعدها محملين بكل خيرات الارض التي اعطت وافاضت، فكل معاشنا منها، لم نكن في حاجة مما استورد في الكانتين الا الزيت والسكر والشاي والملح والخيوط والقماش(دبلان ودمور) والقطن، اما ما تبقي تتكفل به الدولة، مثل العلاج المجاني والتعليم المجاني، والثقافة المجانية، هذا ما كان من الامر قبل دخولي الي المدرسة، اما في العا م1965 الذي ذهبت فيه الي مدرسة الكاب الاولية اول مرة، ما كان حينها في المناصير من منابر العلم الا مدرستان ( الكاب، وشري)، وبرغم ان المناصير بكل المقاييس تمثل هامش الهامش، الا اننا لا ننكر ما قدمته لنا الدولة في مجالي الصحة والتعليم، وشهادتي تتمثل في انني حين دخلت الصف الاول، اعطتني امي (خرتاية) من قماش الدمور لها حزام من نفس القماش ، فارغة وخرجت بها نهاية الاول اليوم وهي مليئة ه(شهادة لمن يهمه الامر) بالتالي: عدد واحد علبة الوان زيتية، عدد واحد صندوق طباشير ملون، عدد واحد مقص، عدد واحد علبة الوان مائية، عدد واحد لوح اردواز، ولوح الاردواز يا سادتي كان عبارة عن نسخة مصغرة من السبورة داخل اطار خشبي جميل. مدير المدرسة رجل من الزمن الجميل يدعي الاستاذ / محمد مدثر الحجاز، وهو من اسرة الحجاز المشهورة في مدينة بربر، جمعنا في اول يوم دراسي في صفوف مربعة عرفنا ان اسمها الطابور، وبعد الترحيب بنا نحن التلاميذ الجدد انشدت الصفوف الاخري نشيدا ظل عالقا حتي اليوم في ذاكرتي:
اصبح الصبح لا السجن ولا السجان باق (ابدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا)
وضمنها شطرا شطر الفؤاد، والهب الروح حماسا: التقي جيل البطولات بجيل التضحيات التقي كل شهيد قهر الظلم ومات بشهيد لم يزل يبذر الارض بذور (الذكريات) اسف اذا نسيت هذه الكلمة، عندها فقط عرفت ان هناك مكانا خارج دائرة المناصير يسمي وطني السودان، وعرفت اني لي معلما يسمي عثمان الحلفاوي، واخر عبد الرحيم الدنقلاوي، وان الذي يصرف علي تعليمي يستقر في مكان اسمه الخرتوم، لم تكن ذاكرتي قبلها تعرف من العالم الا عبر الروادي المنتشرة بكثرة، هنا ام درمان، الشرق الاوسط من القاهرة، وهيئة الاذاعة البريطانية من لندن، .. وجوبا مالك عليا حيث ان والدي (اطال الله في عمرة ) تركنا وذهب منقولا اليها، وكثيرا ما كنت احن اليه وانشد في سري ، جوبا مالك عليا، شلتي نوم عينيا..
اترككم في رعاية الله وحفظه
|
|
|
|
|
|
|
|
|