|
رحيل المفكر المناضل إدوارد سعيد
|
@منقول@
رحل الصوت العربي المناضل في أمريكا والعالم عن قضية العرب فلسطين أنه ادوارد سعيد المفكر اللامع والشخصية الثقافية العربية الأبرز في العالم الغربي كان ادوارد سعيد يعادل جيشا بكامله في الدفاع عن قضية العرب المصيرية في أقوى دولة تدعم العدوان واحتلال أرض ويمارس أبشع أنواع الغطرسة التي عرفها التاريخ كما نحتاج إلى ادوارد سعيد وكم نتمنى من ملايين العرب الذي يقطنون في بلاد الغرب أن يفعلوا جزءا يسيرا مما فعله ادوارد سعيد هذه إحدى المقالات الصحفية التي كتبت برحيله بقلم سمير عطا الله في جريدة الشرق الأوسط:
أفاق ادوارد سعيد من الغيبوبة قبل يومين، فطلب ورقة وقلماً ليكمل مقالاً كان بدأه قبل انهيار قواه، لكنه اكتشف ان يده لا تطاوعه واصابعه لا تلبي عقله ويقظته، فنادى على زوجته يريد ان يملي عليها، فوهن وغاب من جديد. لقد فقدنا عربياً شجاعاً من نوع نادر. في شجاعة هائلة حارب المرض. وفي شجاعة مطلقة ناضل من اجل فلسطين. وفي شجاعة لا ترتد عارض مشروع السلطة وما اعتبره خللاً في المسيرة القومية. وفي شجاعة كاملة عاش يعمل من اجل فلسطين في مدينة نيويورك، التي يسميها البعض الضاحية الغربية من تل ابيب. عندما ادرك ادوارد سعيد انه محدود السنين حوَّل يومه الى عام. واخذ ينتج ويعمل ويسافر ويحاضر ويخضع للعلاج، وكأنه جماعة لا فردا. وكان يفعل كل ذلك بنبض سريع وهمة خارقة. وكان يتبرع للتجارب الطبية الجديدة، لعلً الحياة تمنحه الوقت لكتابة مقال آخر او حضور حفل موسيقي آخر. لم يضع أحد فلسطين على خريطة العقل الاميركي كما فعل ادوارد سعيد. ولم يكبّر
أحد عقدة الذنب لدى الاميركيين، كما فعل ادوارد سعيد. ومن موقعه الفريد في جامعة كولومبيا اقتحم سبات النخب الاميركية والاوروبية وجعل من نفسه رمزاً مغايراً لفلسطين. ليس رمز المشرد الذي يعتمر الكوفية ويفترش الجوع، بل الفلسطيني الناقد القادر المتربع في صدارة الاكاديميا الاميركية، ومع ذلك يرفض ان يهادن او ان يسايس او ان يتراجع. لقد اعطانا ادوارد سعيد سر مواجهة اسرائيل في العقل الغربي: من اجل ان تحاربهم يجب اولاً ان تتفوق عليهم. ليس بالكلام المفرَّغ والمكرر تنتصر عليهم. لقد انتصر عندما تفوق تلميذاً في برنستون وهارفارد ثم استاذاً في كولومبيا ثم محاضراً في هارفارد وبيل واوكسفورد وسواها. ولم يلق كلمة ويمضي بل ظل يعمل ويفلح ويناضل وينتج ويجتهد ويسائل ويحاسب ويتقدم الجميع في مسيرته الحضارية، الفائقة الحضارة، نحو بلده وارضه وامته. سره انه كان متفوقاً، سره انه اقتحم اميركا بصفته النموذج الآخر للعربي. ذلك المثقف الذي يعمل ناقداً موسيقياً في أهم مجلات اميركا، ويعزف البيانو امام رؤساء اميركا وقادتها ويدرس الادب الانكليزي في كولومبيا، ولكنه ينام ويفيق كمشرد من فلسطين. تلك هي قضيته وحربه. لكنه ايضاً كان متعدد الآفاق والاعماق والثقافات والاهتمامات. وقد فوجئت مرة عندما كتب رثاء جميلاً في تحية كاريوكا. وفوجئت مرة اخرى عندما كتب عن روجيه تمرز، رجل الاعمال المصري اللبناني الاميركي، الذي كان جار العائلة ايام القاهرة.
صورة ادوارد سعيد هي السر. وصوته المخترق عقول الغربيين. وبلاغته. وتلك الذاكرة التي في حجم جبل والتي كان يخفيها في جسمه القليل ووسامته وحدته وشجاعته وحماسه الفوار واندفاعه العظيم. لقد ألغى من العقل الغربي وثقافته صورة العربي الخامل، المتكئ على التكايا، المنغلق مثل الصدف الخائف. حارب حتى اللحظة الاخيرة. ولم يكن يريد ان يستريح كما يفعل المحاربون. وموته ليس راحة. انه جزء من حربه.
|
|
|
|
|
|
|
|
|