|
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر (Re: ahmed babikir)
|
نواصل
ابن خلدون يرى أن السود معروفون بالهزل والطيش والعاطفية الزائدة وأنهم "يتصفون بالغباء أينما وجدوا". وهو يفسر هذا الغباء وحب الملذات بإرجاعه إلى "تمدد وشيوع الروح الحيوانية". أسطورة العهد القديم القائلة بأن السود هم أبناء حام، تبناها ووسعها بعض الكتاب العرب مثل ابن جرير . ولكن ابن خلدون لم يقبل هذه الحكمة السائدة في زمانه، بل حاول أن يتوصل إلي تفسير "علمي" لسواد الأفارقة يقوم علي حرارة الشمس . وفي وصفه لسكان خط الاستواء قال الدمشقي ما يلي: "خط الاستواء تسكنه أقوام من السود يمكن اعتبارها من الحيوانات المتوحشة. ألوان أجسادهم وشعورهم محروقة، وهم غير طبيعيين جسديا وروحيا. إن عقولهم تكاد تغلي من حرارة الشمس." ويسير ابن الفقيه الهمذاني على نفس المنوال. وقد اعتمد في رأيه علي نظرية يونانية جغرافية قديمة، تقسم الأرض إلى سبعة أقاليم عرضيه، حيث يمثل الإقليم الأول والسابع الحرارة الشديدة والبرودة الشديدة علي التوالي. ويفترض أن هذين النقيضين ينتجان متوحشين، بينما في الإقليم الأوسط، حيث اعتدال المناخ، يوجد الناس المتحضرون. وبالنسبة إليه فإن أهل العراق لهم "عقول راجحة، وعواطف حميدة، وطبيعة متزنة، وإنتاج غزير في كل الفنون، مع أطراف متناسبة متناسقة، ولون أسمر رقيق، هو أنسب الألوان وأصحها." ولكن الزنج الذين يسكنون الإقليم الأول وهم "مفرطون حتى درجة الاحتراق، ولذلك يجئ الطفل منهم أسودا، معتكراً، كريه الرائحة، ومفتول الشعر، بأطراف غير منسجمة، وعقول ناقصة وعواطف منحرفة." ويلاحظ جون هنويك أن تحيز الهمذاني ضد السلاف ينحصر في ألوانهم " البرصاء"، إلا أن عداءه للزنج يتخطى اللون ليصور "أجسادهم الشائهة"، "وعقولهم الضعيفة" و"روائحهم البخرة". وكان ابن خلدون يعتقد أن الأفارقة أقرب إلى الحيوانات منهم إلى البشر، وأنهم يأكلون لحوم البشر. فهو يقول : "خصائص شخصياتهم أقرب إلى الحيوانات البكماء .. أنهم يسكنون الكهوف، ويأكلون الأعشاب، ويعيشون في عزلة وحشية، ولا يجتمعون، ويأكلون بعضهم البعض."
استجابات السود : في وجه هذه العداوة الصارخة، يمكن تصور نوعين من ردود الأفعال : المقاومة واستبطان الاحتقار. ففي الوقت الذي تصدي بعض السود لمواجهة هذه الآراء المتحيزة ضدهم، استسلم آخرون لمصيرهم التعيس، وصاروا يرون أنفسهم من خلال انعكاسها العربي. ولكن المقاومة نفسها أخذت طابعين : أحدهما رفض الصورة النمطية معلنا أن اللون الأسود هو اللون الجميل، والثاني قبل المرأى السائد بأنه قبيح، واعتذر عنه، وتغنى بالخصائص الإنسانية الأخلاقية. ويخبرنا عبده بدوي بما يلي : "نظر الشعراء إلى أنفسهم وإلى ذويهم كقوم مضطهدين، ومع أن هذا الشعور بالاضطهاد يختلف من قرن إلى قرن، ومن شاعر، إلا أن الرجل الأسود لم يتردد في أن يكون صوت احتجاج على الحياة من حوله وعلى مأساوية أوضاعه الشخصية. وسنرى فيما بعد (الشعراء السود) وهم ينفجرون في وجوه أولئك الذين يشيرون إلى سواد الوانهم، كما يشهد علي ذلك شعر "الشعراء الثلاثة الغاضبون" وهم الحيقطان، صنيج وعاكم (أوائل القرن الثامن). فبالنسبة لهؤلاء لم يكن يكفى أن يدافعوا عن أنفسهم فحسب. بل تراهم يفخرون بسواد ألوانهم، وبتاريخ قومهم السود والبلدان التي جاءوا منها، بل كانوا يهاجمون العرب بما كان هؤلاء يفخرون به.
استبطان الاحتقار : المثال على استبطان الاحتقار هو نسيب الأكبر، الشاعر ذو الأصول النوبية. إن مسلكه شبيه بمسلك "أنكل توم" في الثقافة الغربية. فقد اختار ألا يواجه المجتمع بل يتواءم معه، ويقبل تحامله. وعندما تقدم ابنه لخطبة فتاة من عائلة مالكيه السابقين، والذين كانوا مستعدين للموافقة عليه، جاء نسيب وأمر بعض عبيده السود بجر ابنه من رجليه وضربه ضربا مبرحا. وقد ضرب العبيد ابنه ضربا شديدا. ثم رأى نسيب رجلا شابا من أصل نبيل، فقال لعم الفتاة "زوّج بنت أخيك لهذا الشاب وسأقوم أنا بدفع المهر." وهكذا لم يجد ابنه أهلا للزواج من فتاة نبيلة الأصل، بل ضربه ليعرف مكانه الصحيح. وتقول حكاية أخرى، أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، طلب من نسيب أن ينضم إلى ندمائه، ولكن الشاعر اعتذر بأنه أحط من أن يستحق هذا الشرف وقال للخليفة: "يا أمير المؤمنين، لونى اسود، وقامتي عوجاء، ووجهي دميم، ولست أهلا لهذا المكان". وتقول قصة أخري انه كان يلوذ بالخفاء. كان يحب أن يخفى سواده عن مستمعيه، عندما طلب منه أن يلقى شعره على بعض النساء، حتى لا يجرح شعورهن. وقال في ذلك: "دعوني أقرأ من وراء حجاب. لماذا يردن رؤيتي. لونى أسود، وشِعري أبيض. دعوهن يستمعن لي من وراء حجاب." ويعطينا عنترة، الشاعر الفارس، مثالا آخر على استبطان الاحتقار. فكان يظهر كراهية لأمه الأثيوبية، زبيبة، باعتبارها المسؤولة عن سواده. وكان يراها تجسيدا للقبح. وكان يدعوها الضبعة، ويشبه رجليها بساقي النعامة، وشعرها بالفلفل الأسود .
المقاومة (1) : المثال علي المقاومة، على غرار المنهج الأول، نجده في أعمال الكاتب الكلاسيكي العظيم الجاحظ، الذي عاش ببغداد في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، والذي كان هو نفسه أسود اللون. كان لا يفتأ يذكر العرب أن السود خلقهم الله، وأنه لا يمكن أن يكون صحيحا أن الله قصد تشويه خلقه، كما يعتقد العرب، قال : "لم يشوهنا الله بخلقنا سودا. فألواننا السوداء جاءت نتيجة أحوال البلاد (البيئة). والشاهد على ذلك أننا نجد السود بين القبائل العربية، مثل بنى سليم بن منصور الذين يعيشون بالحرّة. فكل سكان الحرّة سود، وحتى دببتها، ونعامها، وذئابها، وضباعها وبغالها ومعيزها وطيورها سوداء، بل إن هواءها نفسه أسود." وقد كتب الجاحظ "فخر السودان علي البيضان" وهو يمجد البشرة السوداء مشبها لها بالحجر الأسود المقدس، حجر الكعبة، فضلا عن عناصر الطبيعة الداكنة اللون والقوية، مثل التمر، الأبنوس، الأسود، النوق، المسك، الليل والظل . وبعد ثلاثة قرون أخري، سينهض كاتب بغدادي آخر، هو الجوزي، الذي عاش في نهاية القرن السادس الهجري (الثالث عشر الميلادي)، للدفاع عن السود. وقد كتب الجوزي "تنوير الغبش، في فضل السودان والحبش". وكان يمجد اللون الأسود، ويمدح فضل وأخلاق ونبل ملوك وملكات السودان وأثيوبيا، إضافة إلي صحابة النبي السود.
المقاومة 2: المقاومة وفق المنهج الثاني، تقبل سلبية اللون الأسود، ولكنها تركز على الخصائص الأخلاقية والعقلية. والحجة هنا تتخذ الشكل التالي : "نعم نحن سود، ولكننا ذوو فضل. " الشاعر النوبي، سحيم عبد بنى الحساس يقول : " إن كنت عبداً فنفسي حرة كرماً أو أسود اللون إني أبيض الخلق
ويقول أيضا : أتيت نساء الحارثيين غـــــــدوةً بوجهٍ براه الله غير جميل فشبهنني كلباً ولســـت بفوقــــــه ولا دونه إذ كان غير قليل
وقال أيضاً : فلو كنت ورداً لونه لعشقنني ولكن ربي شانني بسواد"
الشاعر خفاف بن ندبة، وهو شاعر أسود أيضاً، نسج على نفس المنوال. فهو يقبل حقيقة أن سواده سُبّة، ولكنه يفخر بصفاته كمحارب صعب المراس، يصفي حساباته مع من يذمونه في ميدان المعركة. يقول : أقول له والرمح يأطر متنه تأمل خفافـــــــاً أنني أنا ذلكــــــا ويقول : فجادت له يُمنى يديّ بطعنة كست متنه من أسود اللون حالكا سلك عنترة نفس الطريق. فهو يقول : ينادونني في السلم يابن زبيبة وعند صدام الخيل يابن الأطايب ويقول كذلك : فأنا الاسود والعبــــــد الذي يقصد الخيل إذا النقع إرتفع نسبتي سيفي ورمحي وهما يونساني كلما إشتدّ الـــفزع ويقول عن أمه : وأنا ابن سوداء الجبين كأنها ضبع ترعرع في رسوم المنزل الساق منها مثل ساق نعامـة والشعر منها مثل حب الفلفـــل ويتمنى لو أن عبلة تقبله علي "علاته"، أي سواده : لعل عبلة تضحى وهي راضية علي سوادي وتمحو سورة الغضب ولكن أعمال المقاومة الشحيحة هذه، لم يكن لها أثر أبعد من إثبات حقيقة الرفض. فالتحامل علي اللون الأسود صار أكثر حدة في الثقافة العربية الإسلامية، مع نمو الإمبراطورية، وانخراط العرب في اصطياد العبيد. وبمرور الزمن نشأ ارتباط بين العبودية والسودان، أي السود. وكما يكتب أكبر محمد، مع اتساع الإمبراطورية، "اختفت بشكل كامل تقريبا، وانهارت نزعات المساواة التي كانت سائدة علي عهد النبي، تحت ثقل التمدن، والتثاقف، والانقسامات الاثنية الداخلية، والمركزية العربية." وهذه النزعات تنعكس بصورة واضحة، وبأشكال لا حصر لها في الأدب العربي الكلاسيكي.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 09-28-03, 09:03 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 09-28-03, 09:08 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 09-28-03, 09:12 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 09-28-03, 09:14 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 09-28-03, 09:16 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 09-28-03, 09:18 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 09-28-03, 09:20 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 09-28-03, 09:22 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 09-28-03, 09:24 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 09-28-03, 09:26 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 09-28-03, 09:28 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 09-28-03, 09:30 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 09-28-03, 09:36 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | kamalabas | 09-28-03, 11:53 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | أحمد أمين | 09-30-03, 07:50 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | altahir_2 | 09-30-03, 09:23 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 10-01-03, 07:13 AM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | altahir_2 | 10-01-03, 09:24 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 10-02-03, 05:32 AM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | altahir_2 | 10-02-03, 11:34 AM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | متوكل بحر | 10-02-03, 03:25 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | أحمد أمين | 10-01-03, 05:30 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 10-01-03, 06:11 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | Shao Dorsheed | 10-01-03, 06:27 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 10-01-03, 06:31 PM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 10-02-03, 06:30 AM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | ahmed babikir | 10-02-03, 07:15 AM |
Re: متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء /د.الباقر عفيفى عرض متوكل بحر | degna | 10-02-03, 08:44 AM |
|
|
|