|
Re: راى الاستاذ محجوب محمد صالح ...فى اتفاق نيفاشا (Re: الكيك)
|
حازم صاغيّة :السودان على خلفية العراق السبت 27 سبتمبر 2003 04:39
ما حدث في السودان، حتى اللحظة، مهم وكبير. تم تذليل عدد ملحوظ من الخلافات الضاربة في تاريخ مديد: تم تنظيم وضع القوتين المتقاتلتين واعادة الانتشار ووقف النار في مناطق الاشتباك في الجنوب والنوبة والنيل الأزرق. تم هذا وسط ترحيب واسع من القوى السياسية والشعبية في البلد. طبعاً، بقيت قضايا متنازع عليها لا تقل أهمية بالضرورة، إلا أنها بقيت... للتفاوض، لا للحرب. والتفاوض على أعلى المستويات، بنائب رئيس الجمهورية ورئيس "الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان"، وكذلك الترحيب الداخلي، والاحتضان الخارجي الفاعل، والانجازات التي أحرزها التفاوض حتى الآن... كلها تسمح بالقول إن احتمالاً جدياً بانهاء الحرب السودانية يلوح في الأفق. هذا يعني في حال استكماله: وقف دورة الدم التي طحنت السودان لعقود، ووقف النزف الاقتصادي الذي تسبب في تجويع شعب غني كالسوداني. لكنه يعني أيضاً: وضع مزيد من العوائق في طريق الاستبداد العسكري الذي عانى منه السودانيون الأمرّين منذ استقلالهم وقيام حكم ابراهيم عبود. ويعني، كذلك، تقريب المسافة التي تفصل عن الديموقراطية. فالسلام إذا ما تم، يحرم الاستبداد ذريعته الأولى، أي الخطر والعداوة وما يسمى معارك المصير والهوية. بيد أنه أيضاً يؤسس لإرادة تعددية في ذروة السلطة، بما يجعل كلاً من أطرافها يوازن الآخر ويشرطه ويحد من رغبته في الاستبداد. وما الاتفاق على تحديد الجنوب بموجب الترسيم الموروث عن الاستعمار إلا إشـارة في الطريق الصحيح: فهذا الترسيم يعترف بأن ميول الدمج والضم كيفما اتفق، والتي سادت في عهود عدة لا سيـما عهدي جعفر نميري وعمر البشير، ستكون مستبعدة في المستقبل. لكن ما حصل في السودان وغاب عنه العرب، يستحق ملاحظتين أخريين: أولاً، أنه اتفاق ايجابي يحصل بالضغط على الخرطوم ولـيس بالحرب عليها. وهذا إنما يجافي سلوك الادارة البوشية في ظل تأثيرات "المحافظين الجدد" (بالمناسبة، كانت السودان إحدى الدول المرشحة للأعمال العسكرية بحسب السيناريوات المجنونة التي ظهرت بعيد 11 أيلول/ سبتمبر). ثانياً، أن الوضع العربي وممثليه لم يحاولوا التطاول على الصيغة السودانية الجديدة، كما فعلوا ويفعلون مع الوضع العراقي الجديد. وهذا علماً بأن الغياب العربي هو نفسه في البلدين والامتعاض العربي هو نفسه. لماذا؟ بالضبط لأننا، في الخرطوم، حيال ضغط لإزاحة حال استبدادية، وفي بغداد حيال حرب لإزاحتها. ربما كان في ذلك درس برسم الكثيرين: الأميركان الذين حضروا في السودان والعرب الذين غابوا عنه!
الحياة اللندنية ارسل هذا الموضوع
|
|
|
|
|
|