ما غابت عنه الشمس يوماً واحداً، ومافتيء هو لم يبارحها، قدراً مقدورا. ما صدت رياح الخماسين أرطال الرمل التي حوله، كومان من جهة الشرق، ولكنهما لم يصدا وهج الهجيرالغائظ ولهيبه، ولا حمو الحر الحارق ، . وكوم من جهة الغرب، إستمرت إضافات ذرات الرمل عليه كل لحظة لناطح النواطح، فصار ناطحة من نواطح العالم الثالث. ولكن فتحته باقية لا تسمح بدخول نملتين في إتجاه واحد، أو معاكس، فالحركة ذات إتجاه واحد. ودهاليزه طويلة في الداخل، حسب معطيات الحواس. والإحتمالات تؤكد أنه يعج بالسكان، حتي من غير جنسهن، لأن الحفر قاس فى متاهات الصحراء، وما كل خنفسة تحفر جحراً، ولا كل نملة قادرة قوارضها على الغوص في المجهول.. فهم يحسدوهن على حفر ذلك الجحر. ولذلك شاطروهن ما حفرن، وانتفت العداوات، لأن الواقع لا يحتمل ذلك، لم يرتفع الواقع ولكن الفكر قد إرتفع، فرفع الواقع قسراً، فارتفع الواقع مجبوراً، فحمد مسعاه ووعي. ربما قد يتبادر سؤال سائل بأنهم لم يصلوا الى هذه النتيجة الماثلة إلا بقرصتين من كبيرة النمل للضب، أو بنفرة سم من الضب، زخها على النمل والعصفور.. فهدأت العداوات من أجل المصلحة العامة وتلاشت. فالجحر يميد بأهله إن هم بادروا بها كما يميد المركب براكبيه. دعته صخرة صغيرة الى مرافئ سترها، فسترته من الإنطماس، فلم تنطمس معالمه، لأن لا غيره هنا وكل ما حوله رمال. هو كوخ لعناكب، وجحر لنمل أبيض، وأسود، زاحف وطائر، وملجأ لضب، ووكر لعصفور صغير، وهو لا يميد بكل هذه المخلوقات الضعيفة، المتنافرة، لأن المصلحة واحدة ودونه الهلاك. فأخفت النملة قوارضها عن الضب، والطائر منقاره الحاد صار مدبباً، لم ولن ولا ينقر به الضب، والضب سمومه تقلصت، في أمعائه، وأحشائه، وعضته صارت فاهاً مفتوحاً كثقر يبتسم. إقتضت المصلحة المشتركة أن يكونوا هكذا. وما أعمق دفء الفكر، حين يسبل غطاءه على المتنافرات، ويسدل باب الفرقة والشتات ويقفله. هل هو الفكر الواعي! أم فكر الإحساس والغريزة.. هل فكر الإحساس والغريزة فكر واعِ ! أعمق! أم الفكر الواعي الصافي أعمق! أم هي لا هذا ولا ذاك وإنما غريزة إستمرارية الحياة، لإستمرارها. هذا فكرهن، وفكرهم، أشبه بغريزة الحياة المجبولة وهو كذلك. ولكن إذا تدفق الفكر الواعي، هل سيأت بنتيجة أعمق من هذا..! هذا شعور غريزي من حشرات وطيور وعناكب. النملة الكبيرة الحمراء، رأسها اكبر من جسمها، ونصفها مضمور وضامر، كاد أن ينقطع، ليته خصر أنثى.. هل إقتضت الحالة في الصحراء ان يكبر رأسها على باقي أجزاء جسمها وما تقلص وسطها، فضمر جهاز الهضم الراقي عندها، إلا لشح موارد الصحراء عندها. أو لقناعتها.. ما بال حشرات المدن من جنسها لها ( كروش) وما بال رجال المدن لهم (كروش) وما بال نساء المدن لهن( كروش) وما بال تجار المدن لهم (كروش) ومخازن فهي كروشهم ايضاً.. هل لو تقلصت حاجياتنا، لزكت وذكت نفوسنا وأجسادنا مثلها؟. العصفور ينتظرني أن أغادر، ليجلس تحت الصخرة، وأمام الجحر، لأن الحر قد بدأ يدب فى المكان والضب شارف كعادته ليأتي. كيف عرفت أن هذه سكناه؟ وجدت أثره زاحفاً، وكذا العصفور كان بالداخل لحظة إقترابي من الجحر، واثر قدميه ذات الثلاثة أصابع مطبوعة على مدخل الجحر، وإقتضت المصلحة المشتركة أن يكون مدخل الجحر كبيراً،مشرعاً... ولكني قلت آنفاً هو ضيق، ولكني رأيت الفتحة الأخري الكبيرة فيه لاحقاً. قلت لهم ولهن مهلاً، استميحوني عذراً لأني إقتحمت عليكم داركم، دعوني آخذ الحكمة المجترة المعادة منكم. ودعوني أن آخذ الحكمة المحيطة من لدن حكيم خبير.. هم تركوني ولكن( الكمساري) لم يتركني، فقال لي: نفخنا اللستك، خلاص أركب) ودعتهن وودعته وودعت الإنبطاحة أمام جحر نائي في فيافي رمال الشمال.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة