عزمى بشارة: الفساد... والفساد!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 05:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-05-2003, 11:15 AM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عزمى بشارة: الفساد... والفساد!

    الحياة 4/9/2003

    الفساد... والفساد!

    عزمي بشارة

    يصم المعنى الدارج على ألسن العرب بالفساد الاستفادة الشخصية من التعامل مع الشأن العام بحكم الوظيفة او الموقع، وذلك بادخال اعتبارات ليست ذات علاقة، ولا تمت للشأن العام بصلة بل قد تضر به. وبكلمات غير دارجة غياب الفصل بين الحيز العام والحيز الخاص، وبين المال العام والمال الخاص. وتقوم الادارة الحديثة لشؤون الدول والمجتمعات على افتراض ان القرار العقلاني بالشأن العام يتخذ على اساس الصالح العام، وان الفرد، مهما عظم شأنه وعلا مركزه وكثرت صلاحياته، لا يمثل ولا يجسد بشخصه أو بمزاجه او بجيبه المصلحة العامة، وانه إذا كان على رأس عمل عام، فإنه يحمل صفتين صفة خاصة وصفة عامة. ومهما كانت هذه الصفات متنافرة او ومتداخلة الى ان يصبح شأن الخاص شأناً عاماً، اذ قد يشعر المجتمع بأن من حقه معرفة تفاصيل صحة الشخصية العامة وميولها وما إلى ذلك، إلا انه يبقى هنالك فصل بين الصالح العام وصالح الخاص، أو صالح أسرته، أو أصدقائه، أو أقربائه.

    وينبغي أن يكون الموظف او الوزير او السياسي قادراً على اتخاذ القرار أو المساهمة في اتخاذ القرار في إطار وظيفته على اساس عقلاني، وعلى اخذ العوامل ذات الصلة في الاعتبار وباقصاء الاعتبارات الغريبة عن الصالح العام او الضارة به، مثل الحب والكره، والميل والنفور، كما لا يجوز مثلاً أن يورط رغباته أو رغبات عائلته المادية او طموحات ابنائه الاستهلاكية في اتخاذ قرار مثل: ان يغض الطرف عن صحة الجمهور، او خط مرور شارع، أو موقع منطقة صناعية، وأي ارض تضم لمسطح البناء، وأين يقام فندق، ومن يستلم هذه الوكالة او تلك، ومن يعين مديراً لمؤسسة علمية، ومن يحظى بعفو ومن يعاقب على جناية بسنة سجن ومن لا يعاقب عليها إطلاقاً، ومن يُعفى من الخدمة العسكرية ومن يلزم بها؟ ولا شك ان ادخال اعتبارات حزبية وارضاءات انتخابية الطابع في اتخاذ مثل هذه القرارات يدخل في باب فساد الدول الديموقراطية، ولكنه فساد بنيوي معروف وتبتكر باستمرار ادوات لمقاومته اذ لا ديموقراطية بدون احزاب وانتخابات. وتقوم الشركات الكبرى في الدول الديموقراطية ايضاً بمحاولة شراء السياسيين عبر "التبرع" لتمويل الانتخابات وغيرها.

    لا يصح أن يثري موظفو دولة من وظيفة لا يمكن ان يفوت المواطن المتوسط أنها لا تثري صاحبها بالراتب وحده. وإذا تسلم شاب نبيه منصباً وزارياً وهو متواضع الحال فلا يجوز أن ينهي عمله في الوزارة وقد أثرى من دون أن يثار السؤال كيف؟ وعلى حساب أي من اعتبارات الصالح العام؟

    وطبعاً تصعب محاربة الفساد في حالة غياب الفصل بين السلطات ورقابة سلطة على اخرى، فالسلطة المطلقة تؤدي الى الفساد المطلق. كما يسهل التحكم بالفساد في حالة غياب احتكار الدولة للنشاط الاقتصادي. وهذا لا يعني ان اقتصاد السوق لا يؤدي الى الفساد بل قد يقود الانفتاح واقتصاد السوق بسهولة اكبر الى فساد اعظم في غياب سيادة القانون واستقلال القضاء والقيم الديموقراطية. ولكن اذا توفرت سيادة القانون والفصل بين السلطات فإن الفصل بين السطوة السياسية والاقتصادية يسهل عملية تشخيص حالات الفساد. وهي قائمة في الديموقراطيات لا شك في ذلك، لكنها تدخل في باب الجناية والجريمة، وليس الشطارة وتدبير الحال. هذه أسئلة سهلة للغاية وتتعلق بحكم القانون وسيادته، ولا يمكن الحديث بشكل جدي عن استقرار اجتماعي وامن استثماري ونمو من دون سيادة القانون. ولا يمكن الحديث بجدية عن إصلاحات ديموقراطية أو باتجاه الديموقراطية من دون أن يسبقها تثبيت قيمة سيادة القانون والمساواة امام القانون والمواطنة.

    لقد سهل بيع مادة خام على العرب امكان الشروع في نمو اقتصادي، لكن مع توفر أيد عاملة رخيصة وبنى تحتية متطورة وانفتاح على خدمات الترفيه قد تنشأ حالات نمو اقتصادي سريع من دون الاعتماد على بيع النفط وحده. وهنالك أمثلة ذات خصوصية عربية عن دول يقطنها عدد قليل من المواطنين وتتوفر فيها أيدي عاملة رخيصة مستوردة من دول قريبة متبدلة باستمرار ومعدومة الحقوق الى جانب بنى تحتية متطورة. هذا النموذج الذي يسبح بحمده بعض المثقفين داعين ان تحذو الناس حذوه، هو تجسيد لاستراتيجية شركة اقتصادية، وليس كمجتمع أو دولة حديثين. وتفترض الدولة أو المجتمع الحديثان، في حالة توفرهما، أن يستفيد المجتمع بأسره من النشاط الاقتصادي.

    في مثل هذه الحال تطرح أي دولة تخطط كدولة اسئلة مثل: هل يتطور مجتمع المواطنين إلى درجة تمكنه من أن يقوم بهذا الاقتصاد كمجتمع؟ أو هل تعد الدولة نفسها لإمكان أن تطالب منظمة العمل الدولية او العمال الأجانب، مثل الأتراك في ألمانيا، بحقوق العمل، او حقوق المواطنة؟ عندها لن تبقى الأيدي العاملة رخيصة، ويزول مكون أساسي من مكونات الاقتصاد القائم على هجرة رأس المال إليه لهذه الأسباب، إضافة إلى توفير أسباب الترفيه والخدم والحشم لموظفي الشركات الكبرى الذين لا يحلمون بجليس اطفال لساعتين في اليوم في بلادهم التي تتوفر فيها حقوق وحد أدنى من الاجور للخدم ايضاً.

    في أي حال تبقى هذه الحالات التي يطالب بتقليدها وبتجاهل الفساد الكامن فيها حالات استثنائية. فالحاكم يتصرف فيها كأن العام هو ملكه الخاص، ولذلك لم تصل حتى مرحلة وعي الفساد. فتشخيص الفساد يفترض الفصل بين الخاص والعام كقاعدة، ويفترض ان الفساد هو الخلط بينهما كاستثناء. وفي هذه الحالات المثيرة لإعجاب بعض المثقفين، وهو نوع من فساد المثقفين، لا توجد قاعدة ليكون استثناء. ولا تقوم هذه الحالات على المواطنة، لأن المواطنة بحد ذاتها استثناء، وتكاد تكون انتماء إلى طبقة اقتصادية مشغلة لغالبية السكان، او امتيازاً بمشاركة المستثمرين للأجانب انها الضريبة، الجمارك، التي يجبيها المواطن بشطارته من الاجانب، انها رخصة للمواطن من دولة تسمح له بالمشاركة في فساد لا يعيه.

    الحالة الأكثر أهمية هي حالة الغالبية الساحقة من البلدان العربية التي يشكل فيها المواطنون غالبية السكان، وهم العاملون وليسوا المشغلين. ولا تمنحهم المواطنة أي امتياز لأنها عبارة عن لقب يمنح لرعايا الدولة، وهم في الواقع سكان ومقيمون. والمرأة منهم لا تستطيع حتى أن تمنح المواطنة لأبنائها، اما الرجل فلا يستطيع أن يفعل بالمواطنة شيئاً مفيداً اللهم إلا أن يمنحها لأبنائه.

    في هذه الدولة يفترض أن هنالك فصلاً بين العام والخاص. وينطلق الخطاب الرسمي للدولة كجمهورية من وجود مثل هذا الفصل. والحاكم لا يجسد الدولة، ولا يدعي انه يملكها. والمواطنون ليسوا رعاياه بل "جماهيره" التي يستمد منها شرعيته. ينتشر في هذه الدولة قانون الفساد من القمة إلى القاعدة مثل الخيط الناظم لحبات متناثرة من المصالح المتناثرة التي لا تؤسس لصالح عام او لبناء امة حتى يكاد الفساد يصبح نمط إنتاج قائم بذاته. الراتب هو دخل البؤساء وحدهم. وهو في حالة الفساد مجرد بقشيش يضاف إلى الدخل الحقيقي الناجم عن استغلال الصلاحية أو الوظيفة أو السطوة أو القوة أو علاقات القرابة والنسب. والفساد هو عملياً عملية إعادة توزيع "أكثر عدالة" للدخل. ولكن إعادة التوزيع هذه تتم بدوس المواطن وسحقه، اي بتحويل حقوق يستحقها المواطن الى رهائن تحرر مقابل فدية. وتدفع الفدية مقابل الحقوق ذاتها، او مقابل النجاعة وعدم التأجيل، او مقابل التخلي عن "تطليع الروح" وهو اختصاص قائم بذاته. أو يتم التأثير على قرارات هيئات مقابل المال، أو يتم استغلال النفوذ السياسي لتسهيل التراخيص والمعاملات مقابل نسبة مئوية، أو لإعاقتها وعرقلتها بدون مقابل، ولو كانت عرقلتها ضد الصالح العام.

    ولا يخفى على العين المجردة أن أبناء قسم كبير من السياسيين والمسؤولين العرب ينجحون في الـ "بزنس" على أنواعه، دونما حاجة إلى اختصاص، في فترة "نجاح" الوالد في السياسة. ابناء السياسيين والمسؤولين العرب فالحون في الـ "بزنس" بشكل مثير. وعادة لا يؤمن الأبناء بجماهير الوالد، والشعارات والكلام الفارغ، ويتبنون نهجاً ومزاجاً "عملياً" يترجم النفوذ إلى المال عداً ونقداً، ويؤيدون التسويات على انواعها، وقد ملوا القضية الفلسطينية، وهم مستعدون لأن يقايضوا اميركا موقفاً مؤيداً لها وللبراغماتية والعملية مقابل ان تغضّ هي الطرف عن انعدام الديموقراطية وعن الفساد. وهم متحررون من الرومانسيات القومية القديمة التي يتميز بها فساد الأهل لصالح فساد دون رومانسيات وزخرفات.

    وظاهرة ابناء المسؤولين قائمة في الدول الديموقراطية المتطورة، ولكن: أولاً، ليس بهذا الاتساع، وثانياً، قد ينتخب في تلك البلاد سياسيون من أصول ناجحة في مجال الاعمال أصلاً، ويستخدمون الاقتصاد لغرض النجاح في السياسة، وثالثاً، قد يستغل الناس نفوذهم وعلاقاتهم التي نسجوها في مرحلة وجودهم في موقع كرأسمال بعد الانتهاء منه. وهو امر غير مستحب، لكنه ثمن يدفع لأن المجتمع الديموقراطي يحمل أيضاً ضعف البشر. المهم ألا يتم الاثراء اثناء استغلال الوظيفة وبسبب الصلاحيات التي تمنحها. ويعتبر استغلال السياسي لموقعه لغرض تحصيل عطاءات لابنه، أو توجيه الشركات بالتوجه إليه قبل منحها الترخيص، كما يعتبر تسريب معلومات عن أراض سيرتفع سعرها فجأةً مثلاً، فساداً وإفساداً يحاكم عليه القانون في أي دولة ديموقراطية تعتمد سيادة القانون.

    لا يمكن الحديث عن نمو اقتصادي اجتماعي ولا يجوز التشدق بالديموقراطية والحريات من دون تطبيق سيادة القانون والمساواة أمام القانون والفصل بين الحيز العام والخاص. ويطرح بحق السؤال: هل في الامكان تطبيق ذلك كله من دون رقابة سلطة لسلطة، ومن دون حرية اعلام واستقلال القضاء؟ وهل يمكن التوصل إلى هذا كله من دون ديموقراطية؟

    نظرياً، لا. وفي السطر الاخير لا يمكن ان يتم ذلك على المدى البعيد من دون ديموقراطية. لكن الصورة أكثر تركيباً من الناحية العملية. فغالباً ما نحكم على مجتمعات ودول بأنها تمارس الديموقراطية لأنه تجري فيها عملية تداول للسلطة بين حزبين يمثلان نخباً سياسية واقتصادية في الهند والمكسيك وغيرها. ولكن الفساد في هذه الدول ينخر في عظم الأحزاب والسلطة والاقتصاد ذاته. لأن الديموقراطية السياسية في هذه الحال لم تقم على تطور تدريجي للقيم الديموقراطية في المجتمع ولا حتى في أوساط النخب ذاتها، ولألف سبب آخر. وايطاليا مثال معروف للفساد بين الديموقراطيات الاوروبية، لكن هنالك من يرفع راية محاربة الفساد باعتباره وضعاً غير سليم في ايطاليا ايضاً.

    من ناحية اخرى توفرت حالات تاريخية محدودة غير ديموقراطية مثل حالة بسمارك في ألمانيا حيث فرض نظامٌ بيروقراطي يعتمد على ثقافة الواجب وأخلاقياتها وحاربت الفساد من دون ديموقراطية وأقامت مؤسسات مدنية لصنع القرار عملت بنجاعة مرتفعة وبناءً على اعتبارات وتفسيرات دقيقة للصالح العام كما فهمته. لقد شهدت أنظمة ملكية مطلقة عديدة في الغرب إقامة جهاز دولة حديث وغير فاسد ويعتمد على أخلاقيات محددة في تأدية الوظيفة. وأكاد أصل الى حد الزندقة والمروق عندما أدعي أن جهاز الموظفين العرب الذي أقامته السلطات الاستعمارية الإنكليزية والفرنسية كان أقل فساداً بكثير من جهاز الدولة العربية المستقلة. ويحق لمن يرغب في أن يرد على هذا الكلام وان يجيب بأن أجهزة الموظفين في الحقبة الاستعمارية كانت صغيرة ونخبوية وذات دخل مرتفع نسبياً لمعدل المداخيل بحيث لا تحتاج إلى رشاوى وفساد عصرنا. وهذا صحيح، لكن الطامة الكبرى أن أجهزة الموظفين العرب في السلطة الاستعمارية في حينه كانت أيضاً أكثر وطنية في دفاعها عن الصالح العام، وعن موضوعية القرار بشأنه ضد تدخل اعتبارات غريبة لا تمت إليه بصلة.

    لا اعرف عن لغة غير العربية تشترك فيها المعاني على لفظ "الفساد"، بمعنى العطب والفناء والاندثار decay، وبالمعنى الدارج على لسان الناس تذمراً من حالة الإثراء من المال العام أو الاستفادة من الموقع العام والسلطة والسطوة والقوة لغرض الإثراء أو استغلال سوء الإدارة وشراء الذمم من اجل اتخاذ قرار وغيرها من الدلالات corruption. وليس لدي شك بأن الحديث هنا ليس عن كلمتين متجانستين بلاغياً بدلالتين مختلفتين. انه لفظ واحد تشتق دلالاته من بعضها. ولا ندري ما الذي دلت عليه التجربة العربية بأكثف وأوفى من التجربة الانسانية لتصر الدلالات على اللفظ ذاته. إن فساد النظام هو طريق أكيد الى فساده بالمعنى الثاني.

    كاتب عربي.
    http://www.daralhayat.com/opinion/09-2003/20030903-04P09-03.txt/story.html

    ===

    Sudan for all the Sudanese ..السودان لكل السودانيين [/b

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de