أهداء خاص إلى الأحباء مصطفى مدثر أبكر آدم إسماعيل يحي فضل الله منى الجزولي
اتاه الصيف .. قرر الهروب من هجير صحاري الزيت الحارة ليستظل بفيافي كندا الباردة .. في البدء كان الخيار أمامه صعبا، الإختيار بين قضاء إجازته في أوروبا .. المملكة المتحدة وبها ثلة من الأصدقاء .. الخاتم .. عبد السلام سيد أحمد .. محمد المهدي عبد الوهاب .. أشرف أبو عكر .. مها الجزولى .. حسن الجزولي .. فينا وفيها إشراقة مصطفى دولة الإبداع المرتحلة.. هولندا وهي عامرة بلفيف من الزملاء والأصدقاء .. سويسرا وبها ود عزة الثوري النقي .. كندا .. كانت اختصارا للمسافات فهي الأكثر استقطابا لأصحاب العقول النيرة .. مائة إلف من الأقباط السودانيين " من خيرة المهنيين " والمئات من الجنوبيين المثقفين وفيها أبكر ويحي ومصطفى ومني .. فهل من إغراء أكثر من ذلك ، لهذا قد رجح كفتها بعد أن اسبعد دول شرق آسيا التي ملاها من كثرة ارتياده لها .. ، أما لماذا أستبعد السودان والولايات المتحدة من خياراته ربما بسبب تعقيدات تأشيرات الخروج من الأولى و الدخول للثانية . زوجته حزمت أمرها سريعا وأخذت تعد نفسها للذهاب للسودان قبل سته أشهر من إجازة المدارس.. أعددت حقائبها منذ أكثر من شهر وحملتها متخمة للوطن العتيد. صعد إلى أعلا الخزانة ليتناول حقيبته .. أنزلها ، تمعن فيها ما زالت تتمتع بكامل عنفوانها رغم كثرة الأسفار .. أخذ ينزع عنها الملصقات والآثار التي خلفتها المطارات التي عبرها .. هيثرو .. شارل ديغول .. فارنا.. فرانكفورت .. بانكوك .. دلهي .. القاهرة ..بيروت ..هز الحقيبة وفتحها تماما كما ذكر له البائع عشر سنوات ضمان . يذكر قول زوجته له ساخرة حين كان يباهي أمامها بمتانة حقيبته - سفرة واحدة لمطار الخرطوم وتتفرتق بدأ يعبأها ، لن يحمل معه أغراض كثيرة .. أهمها أدوات الحلاقة ومزيل رائحة العرق وقنينة العطر الفاخرة التي أهدتها له زوجته قبل سفرها .. ملابس رياضية وداخلية وقمصان هفهافة ملونة وشورتات وبنطلونين أحدهم جنز والآخر كاكي .. ولم ينسي أن يترك مكانا لمؤلفه الجديد وحيزا لروايته الوحيدة. وهو في طريقه للمطار قرر أنه لن يشتري من السوق الحرة سوي زجاجتين من الخمر الفاخر ورغما عن تركه التدخين إلا أنه لا بأس من شراء بعضا من السجائر للأصدقاء ... في مطار أبوظبي الدولي وكان يقف أمام ميزان الخطوط الجوية البريطانية .. والمكان مزدحما بالهاربين من أمثاله .. ولفيف من السودانيين يودعون جسمانا عائد في تابوت ليدفن في بقيع الوطن .. وجد نفسه وسطهم ، بعض الوجوه مألوفة لديه ، رفع يديه لعزاء الرجل المرافق للميت بقراءة الفاتحة .. رددها بعمق وصدق من بسم الله حتى ولا الضالين وكان نادرا ما يفعل ، كان الرجل يبكي بحرارة فأخذه بعد قراءة الفاتحة في حضنه وبكى معه.. كان لايدري أيعزيه أم يعزي روحة التائه .. أخذ يبكي ويتشنج في البكاء .. ولم يوقظه من نوبة الحزن التي إنتابته إلا أصوات المعزيين له .. ورجل أشيب ملتحي يهمس في أذنه أستغفر الله يا أبني.. والبقاء لله .. فأستغفر واستعاذ من الشيطان الرجيم ثم أخذ يتقبل عزاء الآخرين له ، التفوا حوله واخذوا يقرأ ون عليه الفاتحة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة