|
الحمام الاشتراكي
|
الحمام الاشتراكي خالد القشطيني
في معظم الدول المتأخرة يتم الغسل في الحمام باستعمال طاسة يغرف بها المستحم الماء الساخن من حوض صغير ويصبه على بدنه. هكذا كان الحال في حمامات بغداد التقليدية. في الدول المتطورة يستعملون الدوش. في بريطانيا يستعملون البانيو، الحوض الكبير الذي يملأ بالماء ويغطس فيه المستحم بجسمه. حمل ذلك معظم زملائي العرب على الاعتقاد بأن الانجليز قذرون لأنهم يغمسون اجسامهم في نفس الماء الذي يغسلونها به. فما يزيلونه من قذارات اجسامهم يعودون فيضعونه عليها. انا استعمل البانيو للنوم. فبعد ان املأه بالماء الساخن واغطس فيه، اسرح في التفكير بآخر ما سمعته من المصائب العربية. والمصائب العربية توحي للانسان بالنوم. فبعد ان أيأس من فهمها، اغمض عيني وانام. تمضي ساعة او ساعتان وانا اشخر في البانيو. استفيق واتذكر موعدا ادركني وقته فاخرج من البانيو على عجل دون ان اكون قد اغتسلت او نظفت نفسي بالصابون. عيب البانيو ان ملأه بالماء يتطلب كثيرا من الماء الساخن. وهي حقيقة اكتشفها ادوارد هيث رئيس الوزراء السابق لأنه اعزب ويأخذ الحمام لوحده. فعندما اندلعت ازمة الوقود اثناء اضراب عمال الفحم، دعا هيث الجمهور البريطاني الى الاشتراك في الحمام. فعندما يكون في البانيو جسمان بدلا من جسم واحد تكون كمية الماء اللازمة لملء البانيو اقل. تبنت الحكومة وروجت لشعار: «اقتصد بالوقود. خذ الحمام مع شريكتك». انني معتاد على الالتزام بالتعليمات والارشادات المفيدة، ولكن شريكة حياتي «أم نايل» رفضت مشاركتي في الحمام على اعتبار انني سأوسخ الماء الى درجة غير مقبولة لديها. استمرت ازمة الوقود، بل وتعاظمت وادت الى قطع حتى الكهرباء بضع ساعات في اليوم. واخذ شعار الحمام الاشتراكي والبانيو المشترك يلح عليّ ويوخز ضميري. سيقول الناس هذا الزلمة العربي لا يعبأ بأحوال بريطانيا. التفت الى شريكة حياتي وقلت انت لا تريدين مشاركتي في البانيو، والمستر هيث يشد علينا بالاقتصاد بالماء الساخن. ألديك مانع في ان ادعو جارتنا ماري تشاركني في الحمام؟ قالت اذا كان الموضوع يهمك الى هذه الدرجة، فدعني ادعو لك زوجها بيتر ينضم اليك في البانيو. عنده كرش كبير سيوفر لنا الكثير من الماء الحار. فكرت لبضع ساعات ان اكتب للمستر ادوارد هيث اقترح عليه ان انضم اليه ونشترك في الحمام اقتصادا بالوقود طالما لم يكن معه من يشاركه البانيو. ولكنني تذكرت انه رجل رياضي وربما يكتفي بالماء البارد كمعظم الرياضيين، وهذا ما لا اطيقه في جو بريطانيا القارس. للبانيو تاريخ مأساوي طويل مع المغتربين العرب. فمعظمهم اعتمدوا في ثقافتهم على دراسة الفقه وقانون فيثاغورس لا يدخل في ذلك. يأتي المواطن العربي فيملأ البانيو بالماء دون ان يدخل في الحساب حجم جسمه، ثم يدخل في البانيو فيفيض البانيو ويغرق البيت بالماء بمقدار حجم جسمه. ولما كانت حيطان البيوت الانجليزية مزوقة بالورق الملون، فإن الماء الساخن يذيب الصمغ فيتساقط الورق على رأس الرجل المستحم فيتصور ان الورق قد تساقط لأن الانجليز استعملوا شحم الخنزير في لصقه وانحل بالماء الحار. فيهرع خارجا من الحمام كمن مسه الجن خوفا ان يصيبه شيء من شحم الخنزير. يعدو الى الصالون ويدخل على الحريم واصحاب البيت عريانا كما خلقه الله والماء يتساقط من شعره وانفه واذنيه. في اليوم التالي يجد على طاولته رسالة مؤدبة تدعوه للبحث عن غرفة في بيت آخر. وهذه واحدة من مساوئ الحمامات الانجليزية.
|
|
|
|
|
|