|
ماذا يريد دكتور عبد الله ان يقول؟؟؟
|
السهم في كنانته: فاطمة أحمد إبراهيم والإمام محمد عبده بقلم/ د. عبد الله علي ابراهيم "الى روح اختي قمر القسوم (1936-2002) التي حال دون تعلىمها حائل. ولم تتوقف عن طلبه مع ذلك في حلقات الامية التي ادارها الاتحاد النسائي بحي الداخلة بعطبرة في نحو 1956. وكانت تأتيني بمجلة صوت المرأة، منبر الاتحاد النسائي، التي بها اهتديت الى معان غراء عن وجع ظاهر شغلت عمري. رحمها الله وأمطرها بشآبيب البرد والثلج والرحمات" . حدثت السيدة فاطمة أحمد ابراهيم كاتبة اسمها مهناز أفخامي بطرف من سيرتها في كتاب عنوانه "نساء في المنفى" صدر بالانجليزية في عام 1994 وجعلت الكاتبة لفصل فاطمة عنواناً هو "السهم في كنانته". ومصدر التسمية ان افخامي لما التقت فاطمة لم تصدق ان الذي سمعته عن طاقة وجهاد المرأة وقوة شكيمتها وعارضتها مما يمكن أن يحتمله هذا الجسد الناحل بحضوره الاريحي اللطيف أو ان يعبر عنه صوتها الخفيض الأجش. فبدت فاطمة للكاتبة سهماً في غمده ومحارباً في اجازة. وقالت إنها مثل السهم في كنانته يبدو آلة من الحطب والحديد لا خطر منها. وليس يتسنى للمرء ادراك شوكة هذه المراة وعزائمها المقاتلة حتى يراها في المعمعة الاجتماعية كما السهم يؤخذ من كنانته ويصوب بقوة وإرادة فيطعن غرضه بقوة وتصميم. ووجدت في حديث فاطمة السخي الى أفخامي زواية للنظر الى إسلوب فاطمة القيادي لم تقع لي قبلاً. فمنذ اول يوم استمعت الى فاطمة في الستينات الاولى بالقاعة رقم 102 بآداب جامعة الخرطوم وجدتها تربط بين حرصها على الحشمة (المبالغ فيها كما يراها البعض) في مظهرها وبين خدمة قضية المرأة في بلد يواتي خصوم تلك القضية من البطراكيين (عتاة المعتقدين في سلطة الرجل والممارسين لها) نصوص الاسلام لافسادها وضبطها. فقد حكت لنا كيف أنها ورفاق لها في الخمسينات الأولى كن يتحجبن من أعلى الى اسفل ليذهبن للشغل في مكتب مجلة صوت المرأة، الناطقة باسم الاتحاد النسائي، او المطبعة. وقالت إنهن اقبلن يوماً على المطبعة ولما رآهن أحد عمال المطبعة بادر بالقول: "الله يدينا ويديكم." فقد ظن العامل انهن من الفلسطينيات الملثمات اللائذات الى السودان ممن كن يضطررن احياناً لتكفف الناس. ولم يغر فاطمة تبدل الاحوال في الستينات ، الذي به كفت البطراكية عن النظر البوليسي لزي المرأة، لتغير من اسلوبها في الحشمة. فقد جاء في حديث فاطمة الى أفخامي أنها حين دخلت البرلمان في 1965 إمراة وحيدة بين (365) نائباً ذكراً احتشمت في اللبس كثيراً. وقد هزمت بذلك عتاة خصوم المرأة الذين لم يتأخروا ابداً بعد ذلك في التصويت لمشروعاتها بشأن تقدم المرأة. وقد أخذت أجيال تلت فاطمة في الحركة النسائية علىها الحاحها على الحشمة في المظهر والتضييق علىهن في ضوابط اللبس وغير اللبس. وقد استعانت فاطمة بنصوص من لينين، المظنون فيه السفه والمشاعية، في محاضرة لها يوماً لتزجر التقدميين عن الاسفاف الجنسي باسم التقدم. وربما بالغت فاطمة في المطابقة بين الحشمة واسلوب لبسها، الذي هو ثمرة بيئة تعنتت على المرأة في الخمسينات وماقبلها، تعنتاً كبيراً. غير انني لم اجد من نقدة اسلوب فاطمة هذا من كان في تفهم أفخامي له وحسن ادراكها لمغازيه. فقد قالت أفخامي بعد استماع مطول لحكاية فاطمة عن نفسها ومااضطرته لها دعوتها الى تحرر المرأة: "أنها لواقعة معذبة أن تكون مناضلاً مبادراً من اجل تحرير المرأة في بلد مسلم. فالشأن الشخصي لمثل هذه القائدة المبادرة يتحول الى شأن سياسي عام." وخطرت لي اغنية من اغاني الربوع الامريكية الرائجة هذه الايام تنعى على الناس انهم "لايرون الألم من وراء القناع." فلم تكن فاطمة بما ذكرته عن ليبرالية أسرتها وخفض عيشها بحاجة للبس هذا القناع الثقيل. كانت فاطمة في حل عن قيد الاسراف في اللبس لو لم تخرج من أمن بيتها الى العمل العام تنتصر لبنات جنسها الغبينات في ظل بطراكية الخمسينات المدججة. فقد كانت امها قارئة بالعربي والانجليزية وتدير مع ابنائها وبناتها جلسات مشتركة للمطارحة الشعرية. وكانت الاسرة في ذلك الزمان القصي تجلس الى مائدة واحدة لتناول الطعام. وكانت والدة فاطمة تقرأ لوالدها الصحف بينما يقرأ لها القرآن. وكانت توقر زوجها العالم مدرس علوم الدين في مفاوضة حسنة تحفظ له القوامة وتؤمن لنفسها مساحة مناسبة لحريتها في دفع بناتها واولادها في مدارج التعلىم. ومن عرف آل احمد ابراهيم عرف الآن من اي بئر نشلوا ماء همتهم في شغل الوطن وصدق عزيمتهم في الخدمة العامة وثاقب فصاحتهم في الزود عن حريته. فلم افهم ثقة صلاح احمد ابراهيم، شقيق فاطمة، في جنس المرأة ثقة لم تخالطها قشور الايدلوجية، الا بعد أن قرأت حديث فاطمة عن نشأتها الاولى. وقد أتاح لي سخاء افخامي في تفهم متاعب فاطمة أن أقارن بين دعوتها الى تحرير المرأة ودعوة هدى شعراوي في مصر. فالمعروف ان لحظة اطلاق نداء تحرير المرأة عند هدى كان هو خلع الحجاب بينما كان الرمز عند فاطمة هو ارتداء الحجاب او ماهو قريب منه. وربما رددنا الخلاف الى احوال تباين وضعي المرأة في مصر والسودان من حيث تقدم المجتمع وعلاقات الذكورة والانوثة فيه. غير انه يجب ان لا يغيب عنا ان دعوة فاطمة للتحرير اتجهت الى غمار النساء وفي اطار عمل طبقي شعبي شيوعي بينما كانت هدى ودعوتها بعضاً من نهضة برجوازية ثقافية في مصر. ولا يريد كل قائم بالأمر لغمار الناس أن يخرجوا من اليد بينما هم أرأف بالبرجوازيين والبرجوازيات. وقد سبقتني فاطمة الى لفت النظر الى هذا الفارق بين حركتي المرأة في مصر والسودان في ردها على مقال لاستاذنا عبد الخالق محجوب نشرته مجلة "الشيوعي"، المنبر الفكري الايدلوجي للحزب الشيوعي، في العدد رقم (132) لعام 1968 تحت توقيع "هاجر" وهو اسمها الحركي على تلك الايام. أعجبني من قول فاطمة للمرأة انها تؤمن بأن النسوية تقليد راسخ في ثقافة السودانيين وان مساواة الرجال والنساء مما يمكن أن نبلغه بالبناء فوق الاساس الصالح لهذه الثقافة. وقد وافق هذا ما كنت أقرأه لها منذ ايام في محاضرتها التي القتها امام طلاب جامعة القاهرة فرع الخرطوم في 1980 وعنوانها "حول قضايا الاحوال الشخصية." وقد انتبهت الى عنصرين من عناصر منهجها التأصيلي. فقد بدأت بقانون الاحوال الشخصية (الموروث وليس الصادر عن هذه الحكومة بالطبع) ولم تجد ما تعترض علىه أصلاً غير بيت الطاعة. أما في بقية المواد فهي اما استحسنتها وتركتها على حالها مثل قوانين الحضانة أو ما طالبت ان يتم امام قاض مثل الطلاق وعقد الزواج وتعدد الزوجات وبشروط دقيقة. وقد وجدت فاطمة في بعض التشريعات الشرعية أثراً باقياً من نضالها هي نفسها ونضال الاتحاد النسائي مثل المنشور الشرعي رقم (54) لعام 1960 الذي كفل للفتاة الاستشارة حول من تقدم لزواجها. وقد جاء المنشور استجابة لمذكرة تقدم بها الاتحاد الى قاضي القضاة في 1954 يحتج على تزايد حالات الانتحار من فتيات لم يقبلن الاقتران بمن اختارته الاسر لهن. واميز من ذلك كله أن فاطمة طالبت بأن تجيز الحكومة الخصم من مرتب الأب ما يكفي لنفقة عياله. ولم تكن القوانين المالية (واحسبها لا تزال) تخصم اكثر من الربع. وقد تقيدت المحاكم المدنية بهذا القانون المالي بالطبع. اما المحاكم الشرعية، الواقفة على اوجاع النساء وفقيراتهن بالذات، كانت تلح، الحاح فاطمة، ان يخصم من الأب ما يعول اطفاله بغض النظر. وهكذا تقدمت المحكمة الشرعية في امر النفقة وتأخرت المحكمة المدنية الموصوفة بالحداثة اي العدل والاحسان في شرط الزمان والمكان. غير ان اكثر ما جذب انتباهي هو مرجع فاطمة في اصلاح قوانين الاحوال الشخصية الذي هو الامام محمد عبده (1905-1949) رحمه الله. فلم تأخذ مأخذاً على تلك القوانين الا وجدت له مخرجاً حسناً من فتاوى الامام. وهذا الذي ربما اقنع فاطمة بأن النسوية ربما كانت اقرب الينا من حبل الوريد. ولو تأملت فاطمة الأمر قليلاً لعرفت ان سماحة التقليد الشرعي وتفتحه لحقائق المجتمع كما اختبرته هي واتحادها النسائي انما يعود الفضل فيه للامام محمد عبده. وقد كتب عن فضل الامام هذا الدكتور ج ن ج أندرسن وتبعته باحسان الدكتورة كارولين فلهر- لوبان المعروفة باسم "مهيرة" بين معارفها الكثر من السودانيين. وأصل المسالة ان الامام، الذي شغف بالحداثة ورأى الاخذ منها بقوة وعافية فكرية، كان مشغولاً بترقية المحاكم الشرعية. وقد أظهر أحد تلاميذه وأحبابه، الشيخ القاضي محمد شاكر، ميلاً لاصلاح تلك المحاكم وقوانينها في مصر. فسأله الامام ان يكتب له تقريراً يوصي فيه بما يعن له من سبل الاصلاح. وقد فعل بعد طواف على المحاكم. وقد اعتمد الامام تقرير القاضي شاكر وتوسع فيه واطلع علىه المسئولين ونشره عام 1900 بعنوان "تقرير اصلاح المحاكم الشرعية." واراد الامام أن يمكن لاصلاحاته هذه في بلد بكر تحت التأسيس كالسودان لم تنهض فيه طبقة من تلك التي تخشى الاصلاح الديني وتتحفز لاطفائه. فأرسل القاضي شاكر في 1900 ليكون اول قاض للقضاة في السودان بعد قيام دولة الحكم الثنائي في 1898. واتاحت له العذرية القانونية في السودان ان يجرب اجتهادات شرعية قد يتعذر البدء بها في مصر المحروسة القديمة. فقد أصدر القاضي شاكر منشورات ما زال العمل بها سارياً وهي مما انتفعت به المرأة انتفاعاً كبيراً قضت بالتطليق للغيبة والاعسار والحبس والضرار مما تأخر الأخذ به في مصر نفسها حتى عام 1925. غفلة فاطمة عن مزايا التجديد الفقهي في التقليد الشرعي السوداني (1900-1983)، الذي تجسد في قوانين الاحوال الشخصية، هي غفلة عامة. فالاسلاميون اهملوا التنويه به والغزل على منواله لانشغالهم بأسلمة الدولة ذاتها. بل وانتكسوا عن محاسن التقليد حين جعلوا ضبط النساء والتجسس علىهن أكبر همهم بينما كان ذلك التقليد الديني رفيقاً رقيقاً بهن. يكفي انهن قد صرن بفضله قاضيات شريعة بفقه ذكي لمولانا شيخ الجزولي (وقد صليت لروحه الماهر التقدمي عند زيارتي لاضرحة الختمية بحلة حمد)، وبمصابرة جميلة لمولانا نجوى كمال فريد، اول قاضياتنا الشرعيات. وقد جففت الانقاذ هذا المصدر بغلظة عجيبة. وقد سمعت الجزولي يقول ان النساء أدرى بوجع النساء وأقرب الى ظلاماتهن وأن القاضيات سيوسعن من علم الشريعة وخيرها اذا عدلن بأحكام يتأدب بها المجتمع ويمتثل. ومن جهة أخرى تحاشى الفكر الجمهوري هذا التقليد الشرعي مع ان اصلهما واحد وهو الحداثة الاسلامية التي ركنها وحجتها الامام محمد عبده. وزاد الفكر الجمهوري في جفائه لهذا التقليد الشرعي بجعله هدفاً لحملات نقد وتنقيص. وقد كتبت مرة في جريدة الميدان السرية في منتصف السبعينات التمس من الجمهوريين أن يلطفوا عبارتهم في نقد القضاة مع علمي بمحنة الجمهوريين وما نالهم من القضاة و الوعاظ في المساجد من أذى وترويع. ومغاضبة الجمهوريين لم تقع من جهة احسان ذلك التقليد الشرعي أو اساءته بل من إرث مواجهة سياسية راجعة الى ايام الحركة الوطنية. فقد صنف من ظنوا في انفسهم مجاهدة الاستعمار من امثال المرحوم محمود القضاة الشرعيين والاعيان وزعماء القبائل والطوائف بأنهم من اعوان الاستعمار. وهذا كلام جاز طويلاً غير أنه خاضع للنظر والمراجعة الآن. ويكفي أن تقرأ ما كتبه الدكتور حسن احمد ابراهيم عن السيد عبدالرحمن المهدي لكي تتشكك في صواب هذه الذائعة عن أولئك الرجال. وقد دق حكم المحكمة الشرعية بردة المرحوم محمود محمد طه، علىه الرحمة، في 1968 إسفين الخصومة بين القضاة والمرحوم واختلط حابل تطوير الشريعة بعاديات السياسة وأطوارها وبمنطويات النفوس وقد دعتني هذه الغفلة العامة أن اتوفر على دراسة هذا التقليد الشرعي في مظانه الكثيرة خلال اكثر من عقد من الزمان. ورأيت خلافاً للتيارات الفكرية السودانية التي أتيت على ملابسات اهمالها له أنه ربما كان أكثر عنواين الاسلام عندنا خطراً. فالدارس له يقف على امور كبيرة مهمة. اولها خطأ الذين يقولون بأن الثقافة الاسلامية ظلت لها الهيمنة بشكل سرمدي في البلد (انظر الصندوق). فخلال العهد الاستعماري ومابعده كثيراً كان الاسلام ثقافة مغلوبة لا خطر لها في القوانين التي تحكم اقتصاد المسلمين او معاملاتهم او معادهم ولم يبق لها سوى حيز الاحوال الشخصية. وقد رأيت من الكتاب عندنا من جعل من هذا الكيد الاستعماري للاسلام طبيعة للسلام السوداني الصوفي العلماني بالفطرة الذي يتحاشى السياسة ويستثقلها. واستعجبت كيف يستقيم مثل هذا القول لبلد خرج من المهدية الى الاستعمار. فقاريء الدكتور عبدالرحمن الخليفة يجد أن من أوائل الأحكام القضائية التي صدرت في السودان بعد زوال المهدية كان بشأن خلاف حول هل المال المستلف للعب القمار مما يسترد. فقد قال عبدالرحمن لم يكن مثل هذا الخلاف مما تنظره المحاكم لمفارقة ممارسة القمار ذاتها للدين. كما استعجبت لماذا يريد لنا قوم ان نعتمد الاصل في الاسلام تلك الصورة التي أرادها له الاستعمار من فصل للدين عن السياسة لا الصورة او الصور التي يريدها اهلها له بالحسنى والموعظة الحسنة بعد تحررهم من حكم الأجانب. ولم يكن غلب الاسلام بالاستعمار غائباًًًً عنا في اليسار حين كنا نقول بشكل عام إننا نريد أن نسترد ثقافتنا الوطنية التي طغى الاستعمار علىها ومحاها. ثم زاغت عيوننا عن ذلك بفضل "الأزمة الفكرية في الحزب" التي إنتابت الشيوعيين منذ اوائل الستينات وحالت دونهم والنظر الراشد في امهات مسائل التحرر من الاستعمار. وهي الأزمة الناشبة بعقل الحزب الشيوعي وخياله حتى كتابة هذه السطور... وباعترافه ايضاً. ولما غاب ذلك النظر استعاض اليسار عنه بجفاء عام لذكر الشريعة أو تطبيقاتها في ملابسات " حرب الديك، سك الديك" مع الاسلاميين. ولم يكن الاسلاميون بأقل غفلة عن التقليد الشرعي السوداني. وثاني هذه الامور الخطرة التي تتصل بالتقليد الشرعي السوداني في القضائية هو ان الشريعة لم يرتج علىها بغلب الكفار الباهظ واستثمرت حتى ضواغط المستعمرين وأقباس حداثتهم الشحيحة لتخرج بقانون للأحوال الشخصية ناضج ولتعالج مسائل الرق وغيرها بذكاء وكفاءة. وستكون هذه المعاني الخطرة هي موضوع كتاباتي القادمة في هذه الزاوية من بعض فصول لكتاب أنشره في القاهرة عن قريب. قل ليه ما يهدر فرحتهم: صلاة سعادة المدير وجدت في كلمة نشرها المرحوم الفاتح النور، مؤسس جريدة ودار كردفان، ليس بياناً شافياً لهوان الاسلام على الاستعمار وحسب بل لكيف اقض هذا الهوان مضجع جمهرة المسلمين وباتوا منه على ضعة ومذلة. وهذا العار هو ما سماه بازل ديفدسون، المؤرخ لافريقيا، بـ " الخزي الخلقي للاستعمارCOLONIAL MORAL INJURY." وهو ما تتركه غربة الحاكم الدينية أو العرقية من جراح في الرعية التي فرطت في استقلالها فتمكن منها من لا تتواثق معه على شيء ابداً ولا يستشعر مثقال ذرة مما تشعر. ففي اول عهد الاستقلال تعين السيد مكاوي سليمان اكرت مديراً لمديرية كردفان. وجاء يوم صلاة الجمعة وحضر الصلاة. وهذا ما كتبه الفاتح عن هذه الصلاة المحضورة: فقد جاء ذات يوم السيد مكاوي سليمان اكرت مدير كردفان في زي وطني يقود عربة الدولة ذات العلمين لتأدية صلاة الجمعة بمسجد الابيض العتيق. وبهر المنظر المصلين. فما زالت سطوة المدير الانجليزي نافذة على عقلهم ونظرهم. وانتهت الصلاة. خرج سعادة المدير مكاوي والمصلون يتسابقون للتأكد من أنه سعادة المدير شخصياً.وكان عصر ذلك اليوم ومساؤه لاحديث للناس الا عن صلاة سعادة المدير. وطبعاً كل من شاهده يروي عن صلاته بمزيد من المشوقات للذين لم يحظوا برؤيته. وفي اليوم التالي السبت طلبني مولانا الشيخ الكبير محمد الامين القرشي وكان يومها قاضي شرعي مديرية كردفان. وهو رجل عظيم ومجاهد كبير في سبيل الاسلام لم يخلد ويكرم كما ينبغي (لبعض سيرته راجع كتاب الدكتور احمد عبدالرحيم نصر عن التبشير المسيحي والاسلامي في جبال النوبة). وعندما ذهبت اليه قال: قل لصاحبك المدير ما ينقطع عن صلاة الجمعة. وقل ليه صلاته امس صحت المسلمين ورفعت معنوياتهم وأحس ضعاف الايمان منهم والسذج بعظمة الاسلام بصلاته هذه. ومن واجبنا أن نسايرهم على قدر عقولهم. قل ليه ما يهدر فرحتهم ولا يتخلف عن صلاة الجمعة أبداً. وإذا كان الوضوء صعب علىه وكان البرد شديداً يجي بس بدون وضوء (جريدة الايام 4 يناير 199 . وكان الاسلام المغلوب هو وحده العلماني. ولم تكن المسيحية. فقد كان المديرون الانجليز يؤدون صلوات الأحد في الكنائس الانجليكانية المبثوثة. وقد انعقدت اواصر دينية وسياسية شتى في هذه العتبات الدينية حكى عنها القس قوين "امام" كنيسة قصر الحاكم العام فيما روى عن كتشنر وونجت. ولا يزال بيننا من يحاجج ان الثقافة الاسلاموعربية ظلت ناشبة الاظفار في السودان ابداً بينما رأينا في النص رجلاً من عترة القرشي ود الزين يرخص للمدير الافندي ان يصلي بغير وضوء لرد الاعتبار للاسلام بعد ستين عاماً من هوانه على الناس
|
|

|
|
|
|
|
|
Re: ماذا يريد دكتور عبد الله ان يقول؟؟؟ (Re: baballa)
|
الشريعة التقدمية، الحداثة الرجعية: الشريعة والرق فى السودان from www.rayaam.net May 20th 2003 بقلم/ د. عبد الله علي ابراهيم
رأى المستعمرون أن الشريعة مما شرع للرق كممارسة قانونية. ومع ذلك رأوا أن يغضوا الطرف عن هذا الجانب من الشريعة الذى يتعارض مع مهمتهم التمدينية المزعومة. ولم يحملها المستعمرون على تعطيل هذا الجانب فى تشريعاتها إلا بمقدار. وتبنى الإنجليز عدة طرق للتأقلم على هذا النهج الانتهازى من تفادى تقحم الرق. فهم قد حجروا على المحاكم الشرعية النظر فى جملة من القضايا التى للرق أو الرقيق فيها طرف. فقد وجهت الإدارة الاستعمارية قضاة الشرع منذ عام 1907 أن لا يشملوا الرقيق ضمن التركات المعروضة على محاكمهم. كما استبعد الإنجليز المحكمة الشرعية من النظر فى القضايا التى قد تنشأ بين الورثة حول ملكية رقيق ما رضي أن يبقى مع أسرة سيده المتوفى. من الجهة الأخرى اختصت الحكومة المفتشين الإنجليز، دون قضاة الشرع، بنظر القضايا التى يرفعها الجنود يطالبون برد أخت أو قريبة من ربقة الرق. واختصر دور القضاة الشرعيين فى مثل هذه القضايا على الشهادة بمصداقية قسائم الزواج التى تقدم بها الأطراف. كما سألت الحكومة مديرى المديريات أن يحكموا دون غيرهم فى القضايا التى يطلب فيها سيد رقيق أن يرث رقيقه المتوفى. وجرى توجيه المحاكم الشرعية فى 1919 أن تعتبر الحرية هى الوضع الشرعى حين تنظر فى قضايا الزواج والولاية على القصر. ولم يثبت عن القضاة مقاومة لهذه الإجراءات تجيز لنا وصمهم أو وصم الشريعة بالتعلق العقدى بفقه ولى زمانه.
لقد تبنى القضاة سياسة إلغاء الرق متى ما عرضت المسألة أمامهم ومتى ما تمتعوا بحرية إصدار قوانينهم المخصوصة لمعالجتها. ففى وقت باكر فى 1902 وجه قاضى القضاة محاكم الشريعة أن تحتاط وتحذر وتدقق فى الإثبات حين تنظر فى قضية يدعى فيها رجل أن جاريته هى زوجه أيضاً. فقد وجه قاضى القضاة المحكمة أن تنظر بعناية لتتأكد من صحة أوراق عتقه لها وزواجه بها ومن جهة مقدم الصداق ومتأخره خاصة. فإذا صحت للمحكمة هذه الأوراق حكمت له مُحَرِجة عليه، بعد أن تقدر له مقدار تكلفة معيشتها، أن يحسن إليها. علاوة على أن المنشور الشرعى رقم (2)، الصادر فى حوالى 1902، قرر أنه لا يمكن لرجل أن يدعى ملكية خادمته التى جرى منحها ورقة الحرية. وجاءت بعض هذه المنشورات بما يخالف صريح الشريعة. فالمنشور رقم (7)، الصادر حوالى 1906، أعطى الرقيق الحق فى وراثة أسيادهم.
كان قضاة الشرع راغبين فى التعاون البناء مع الإنجليز لتنفيذ سياسة إلغاء الرق. فقد أدرك هؤلاء القضاة أمرين اثنين إدراكاً جيداً الأول وهو أن الرق قانونى فى شريعتهم مهما تلطفنا فى أمره. والأمر الثانى أن حيلتهما القانونية قليلة جداً فى وجود الاستعمار وسطوته. فقد قبلوا من جانبهم، مكرهين بالطبع، أن تقتصر الشريعة على قضاء الأسرة. والحق أنه لم يكن لهم رأي فى ذلك. فقد جرى تعليمهم وتدريبهم وتعيينهم فى سلك القضاء على أنهم قضاة أحوال شخصية لا غير. ولم يشاكسوا الدولة فى ترتيباتها، التى تقدم فيها رجلاً وتجر أخرى، لإلغاء الرق. وأخذوا فى التشريع لذلك الإلغاء المتراخى وإضفاء مباركة الشريعة له. فقد قبلوا بغير ضجر أن تصدر تشريعاتهم باعتبار أن الحرية هى الوضع الطبيعى للناس. وكانت أسطع عبارة شرعية تضمنت هذا الاعتبار هو الحكم رقم 65 لعام 1902 الذى أصدره القاضى محمد الحضرى، قاضى شرعى دنقلا. وظل القضاة يأخذون بهذا الاعتبار والحكم حتى وقت متأخر من عام 1983 و1984 فى القضايا القليلة التى تواقح فيها مدعوون بطلب حقوق مترتبة على حالة الرق مثل الذى طلب وراثة متوف لأن أباه كان يمتلك أم المتوفى وتسمى به (جريدة آخر خبر 24/7/1995). غير أن باحثًا حجة فى القانون مثل الدكتور عبد الله النعيم لا يزال يرى إلغاء الرق هو إنجاز أملاه قانون الاستعمار العلمانى وأن الشريعة فى السودان لم تعتبر مسألة الرق بجدية أومثابرة.
ولم يمنع استمزاج القضاة الشرعيين لمقتضى الحداثة أن يرسموا بقوة الخط الفاصل بين شريعتهم والحادثات التى قد تفسد منطق الشريعة أو تطيح به. وكثيرًا ما أبانوا بصورة مقنعة عن منطق شريعتهم وكيفية الولاء له فى خضم الحادثات. فقد عبر قاضى القضاة فى رسالة إلى السكرتير القضائى عن عدم ارتياحه للصدام الناشىء بين الحقوق التى تمتع بها الأرقاء السابقون ممن نالوا ورقة الحرية، وبين عقود الزواج الإسلامية. وكان أكثر همه أن الجارية التى تحررت عن طريق مثل تلك الورقة ربما اعترفت بأنها كانت من ضمن ما ملكت أيمان سيدها المعروف فى حين تكذب أبوته لولدها. وهو تكذيب يترتب عليه أن يصبح هذا الولد ابن سفاح وهو وضع منكر فى الشريعة التى أصل منطقها تنظيم العلائق الجنسية بصورة توصد الباب
عن المسألة بعدها. فقد إحتج أن هذا القصر غير معمول به فى مصر. ولا جدال أن حمل الزوجة حملاً للرجوع إلى بيت الزوج لا يزال من المسائل الشائكة فى زمننا وتحتاج لنظر شرعى دقيق بصير. وقد رأينا قبساً من هذا النظر حين استقل قضاة الشرع بقسمهم ونفوا هيمنة القسم المدنى بمقتضى قانون المحاكم الشرعية لعام 1967. فقد جاءت موجاتهم بشأن هذا الإرجاع القسرى حانية رصينة كما سنرى.
كان لقضاة الشرع أيضًا نظرات اجتماعية ثاقبة فى مسألة بيت الطاعة. فقد اعتقدوا أن بطريكية العائلة، التى هى سلطة الرجال، ربما كانت سببًا قويًا فى نشوز الزوجة. ولذا كان من رأي قضاة الشرع أن الحكم ببيت الطاعة موجه بالفعل إلى هذه السلطة التى قد تفسد مابين الزوجين لخصومة لا أصل لها فى سكونهم واحدهما إلى الآخر. وكان من رأيهم أن حكم الطاعة قد يخرج الزوج المتهمة بالنشوز من حرج أن ترى كمن يفضل زوجها على قبيلها. وهناك حالات عديدة دالة على سداد هذه النظرة الاجتماعية الثاقبة للقضاة الشرعيين. غير أن ما إحتج عليه قاضى القضاة بشأن أحكام بيت الطاعة فهو عن زوجات رفضن العلاقة الزوجية بإباء وشمم على ما يظهر من نصوص القضايا المنشورة.
وصفوة القول إننا ينبغى إلا أن نعد قضاة الشرع مجردين من الحساسية تجاه الفظاظة التى ينطوى عليها حكم بيت الطاعة. فحس أكثرهم بالحيف على النساء كان كبيراً. وقد نصروهن كثيراً فى أحكامهم حتى سماهم الرجال، المستنكرين لوقوفهم بجانب نسائهم، بـ «قضاة النسوان». وسنرى عن قريب فى هذا البحث جوانب من الشريعة اجتهد فيها القضاة الشرعيون اجتهاداً توافقوا فيه مع عصرهم واستحقوا ثناء من درسوا عملهم هذا. وقد نصيب فهمًا أفضل لأريحية القضاة الشرعيين إذا حملنا شكوى القضاة الشرعيين بخصوص أحكام بيت الطاعة وقصرها على ثلاث تنفيذات وغيرها محمل الاحتجاج على المحاكم المدنية الطاغية فى القضائية، التى اتفق لها تنفيذ أحكام الطاعة، لا محمل أنه استهانة من القضاة بحقوق النساء. وليس أدل على ذلك من أنه غالباً ما اتصل إلحاح القضاة على حكم بيت الطاعة، الذى يسوء أهل الحداثة، بشكواهم بطغيان القسم المدنى عليهم وتنفيذه أحكام المحكمة الشرعية دونهم. ولم يشفع لهم احتجاجهم الأزلى على هذا الضيم عند المرحوم محمود محمد طه، فى خصومته الطويلة معهم، الذى عد عجز قضاة الشرع عن تنفيذ أحكامهم نقصاً معيباً لأنه من باب الإيمان ببعض الكتاب. وظلت الشكوى من مصادرة حق التنفيذ من المحكمة الشرعية ديدن القضاة. ففى مؤتمر عام للقضاة عام 1974 حضره الرئيس نميرى، وقد أعيد توحيد القضائية تحت سلطة رئيس القضاة المدنى، اشتكى قاض شرعى من قرار كان نميرى قد أصدره بعدم تنفيذ أحكام بيت الطاعة. وقال المشتكى إن هذا يؤدى إلى إزدياد حالات النشوز التى تعلق المرأة فلا هى زوجة ولا هى طالق.
وقد مال القضاة إلى اللطف فى أخذ حكم بيت الطاعة حين تمتع قسمهم باستقلاله الذاتى فى إطار القضائية بفضل التعديل الدستورى فى 1966 الذى جعل القسم الشرعي مسئولاً مباشرة إلى مجلس السيادة. وكان أميز ما فى قانون المحاكم الشرعية 1967 هو منح المحاكم الشرعية سلطات مدنية وجنائية لتنفيذ حكم الطاعة بموجب اللائحة الشرعية لإجراءات التنفيذ لعام 1968. ولما أصبح تنفيذ الطاعة من اختصاص القضاة لم يستبدوا بالأمر. ولم تبدر من القضاة غلظة أو ترويعاً فى إنفاذ حكم الطاعة. فقد قضت تلك اللائحة بأن يجرى تنفيذ حكم بيت الطاعة برفق بمنح المرأة التى حكم عليها بالطاعة أسبوعاً لتقبل الحكم والتهيئة لعيشها مع زوجها. فإن انقضى الأسبوع ولم تعد أمرت المحكمة باعتقالها وإعادتها بالقوة. فإذا هجرت زوجها مرة ثانية وجب على الزوج رفع قضية جديدة خلال ست شهور من تاريخه. وهكذا لم يغير القضاة الشرعيون حين آل إليهم أمر تنفيذ ببيت الطاعة شيئاً ذا بال فى الممارسة السابقة التى استنها الاستعمار. وهذه سماحة مشهودة فيمن ارتفع عن كاهله المتطفلون على خاصة أمره وشرعه.
وتجدد خطاب حكم الطاعة بعد وصول نميرى للحكم فى 1969 بواسطة انقلاب يسارى أراد محو مكاسب الحلف الإسلامى، الموصوف بالرجعية من خصومه، بعيد قيام ثورة أكتوبر فى 1964، وكان ضمن خسائر القضاة فى حملة اليسار الانتقامية هو قرار نميرى بتجميد أحكام الطاعة التى تنتظر التنفيذ. وكتب قاضى القضاة يحتج على قرار دولة نميرى بشأن بيت الطاعة بأدب ثعلبى اشتهروا به فى أوقات الغلب والتقية كما مر ذكره. فبعد أن أبدى القاضى استعداد محاكمه لتنفيذ إرادة الحكومة فى إلغاء بيت الطاعة التمس منها بيان أمر أو أمرين. فقد نبه إلى أن أحكام بيت الطاعة فاشية فى بلاد العرب والمسلمين وكأنه يريد أن يوحى أن السودان، وهو على هامش مهمل من تلك البلدان، إنما يأتى أمراً إداً بإلغاء بيت الطاعة. ونقل القاضى للحكومة أنه شرع فى إلغاء تنفيذات بيت الطاعة بالفعل بعد استعراض للقضايا التى فى بابه. وقد وجدها غيضاً من فيض مما ينتظر محاكمه من قضايا. وهذه طريقة ثعلبية أخرى للقول إن قرار الحكومة هو زوبعة فى فنجان.
وقد استثقلت فلوهر لوبان قرار نميرى بتعطيل أحكام الطاعة. فقد كانت أعجبت دائماً بالطريقة التى تطور بها قانون الأحوال الشخصية فى السودان نحو إكرام المرأة وإنصافها بمبادرة إبداعية مهنية للقضاة الشرعيين أخذت فى الاعتبار شروط العصر السياسية والاجتماعية. وبناء على ذلك رأت قرار نميرى أول صور التطفل من حكومة علمانية تعدل فى الشريعة بغير وسيط القضاة الشرعيين. ونبهت إلى ماجره القرار من خلط وما أنطوى عليه القضاة من خذلان من جرائه. وسيكون لوم القضاة الشرعيين على شكواهم من هذا القرار «التقدمى» للنميرى صعبًا. فمن العسير إقناعهم «بتقدمية» هذا القرار لأنهم يردونه إلى سياق صراع طويل بينهم وبين القضاة المدنيين. ولم يكن القرار، فى نظرهم، صراعًا بين التقدمية والرجعية وإنما حول السلطات والموارد والميزات فى القضائية الاستعمارية المزدوجة كما رأينا.
وقد وقع هذا القرار الموصوف بالتقدمية فى إطار حملة «ثأرية» يسارية أرادت أن ترد القضائية إلى سابق عهدها وتنتزع من القسم الشرعى استقلاليته التى نالها فى 1967 كثمرة حلف سياسى آخر سابق.
بيت الطاعة: شرعه وسياسته لم يجد مبدأ بيت الطاعة، الذى يخول للمحكمة رد الزوجة الناشز إلى بيت الزوجية، قبولاً من الإنجليز. وأصدروا توجيههم للسلطات المدنية والإدارية فى القضائية، التى كلفت بتنفيذ الأحكام التى يصدرها قضاة الشرع، أن يمتنعوا عن تنفيذ حكم بيت الطاعة متى ما أعادوا الزوجة ثلاث مرات ومازالت تهجر بيت الزوجية. كما اعتبرت تلك السلطات وقوع حكم الطاعة متى صافحت الزوجة الزوج أمام المحاكم ولا تنشغل تلك السلطات بما يحدث متى ترك الزوجان قاعة المحكمة. واستوجب هذا التوجيه على الزوج أن يرفع قضية جديدة إذا ما هجرته زوجته بعد الإرجاع الثالث لها. ولم يقبل قاضى القضاة بقصر إرجاع الزوجة الناشزة على مرات ثلاث تنفض الحكومة يدها نواصل بيني وبين جلق كتب اللواء (م) ابراهيم جلق يأخذ عليَّ بشدة ما جاء في مقال نشرته بهذه الصحيفة (25/2/2003). وقد ذكرت في المقال واقعة قلت إنها جمعت بين جلق والمرحوم السد العالي، لاعب الهلال المعروف، وجعلت من ثمرتها (وحتعمل بيها إيه يا جلق؟) عنواناً للمقال. وقد اتضح لي بعد التحري أن جلق لم يكن طرفاً في الواقعة غير أنني استمعت الى أسماء لاعبين كثيرين كطرف فيها مما جعلني اضرب عن ذكر اللاعب الذي خاطبه السد العالي بتلك العبارة.
إنني شديد الأسف على هذا الخطأ واعتذر عنه للواء ابراهيم جلق وأسرته ممن كدَّرهم هذا الذكر المجانب للحق.
| |

|
|
|
|
|
|
Re: ماذا يريد دكتور عبد الله ان يقول؟؟؟ (Re: baballa)
|
حول مقالات د. عبد الله علي ابراهيم في الدفاع عن الفقهاء وقوانينهم
الدين .. ورجال الدين عبر السنين (الحلقة الثانية)
(
ان الافتراض الاساسي في مقالات د. عبد الله علي ابراهيم لجعل الشريعة مصدر القوانين في السودان ، وتحسره على عدم الأخذ بها منذ ان جلا الاستعمار عن هذه البلاد، هو ان الشريعة ليس بها " بأساً أو ظلماً لغير المسلمين " كما انها " انتصفت للمرأة ما وسعها" !! ولعل ما ساق لهذا الخطأ هو الخلط بين الدين وبين الشريعة ، وهو خلط قد جاز طويلاً على علماء المسلمين وعامتهم .. فالدين هو التوحيد ، وهو في بدايته الاقرار لله بالوحدانية ، وفي قمته التسليم التام له سبحانه وتعالى . وحين قال تعالى " ان الدين عند الله الاسلام " عنى التسليم للارادة الالهيه ، ولم يعن الاسلام بمعنى الشريعة التي اتى بها محمد صلى الله عليه وسلم !! وذلك لأن الاسلام سابق لهذه الشريعة وعن ذلك يقول تعالى " انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء " ، فأنبياء بني اسرائيل قد كانوا مسلمين ، وابراهيم الخليل عليه السلام قد كان مسلماً ، قال تعالى " ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين * اذ قال له ربه أسلم قال اسلمت لرب العالمين " !! والدين بهذا المعني واحد ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي لا اله الا الله " .. ومع ان الدين واحد الا ان الشرائع قد اختلفت باختلاف الامم ، بسبب تطور الحياة ، ومن ثم تغيير المجتمعات .. ذلك ان الشريعة انما هي القوانين والاحكام ، التي تنزلت من الدين ، لتدرج المجتمات نحو غايات الدين العليا ، وهي لملامستها لواقع المجتمع تتأثر به ، وتراعي امكانات وطاقات افراده .. ولتوضيح هذا الأمر يضرب الاستاذ محمود محمد طه المثل باختلاف شريعة الزواج بين آدم عليه السلام ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ، فبينما كان زواج الأخ من أخته شريعة دينية في عهد آدم ، اصبح حراماً في شريعة محمد ، بل شمل التحريم ما هو أبعد من الأخت كالخالة و العمة وغيرها ، يقول الاستاذ محمود:
فاذا كان هذ الاختلاف الشاسع بين الشريعتين سببه اختلاف مستويات الأمم ، وهو من غير أدنى ريب كذلك ، فان من الخطأ الشنيع ان يظن انسان ان الشريعة الاسلامية في القرن السابع تصلح بكل تفاصيلها ، للتطبيق في القرن العشرين . ذلك بان اختلاف مجتمع القرن السابع ، عن مستوى القرن العشرين ، أمر لا يقبل المقارنة ، ولا يحتاج العارف ليفصل فيه تفصيلاً ، وانما هو يتحدث عن نفسه . فيصبح الأمر عندنا أمام أحدى خصلتين: أما ان يكون الاسلام كما جاء به المعصوم بين دفتي المصحف ، قادراً على استيعاب طاقات القرن العشرين ، فيتولى توجيهه في مضمار التشريع ، وفي مضمار الأخلاق ، واما ان تكون قدرته قد نفدت ، وتوقفت عند حد تنظيم مجتمع الفرن السابع ، والمجتمعات التي تلته مما هي مثله . فيكون على بشرية القرن العشرين ان تخرج عنه ، وتلتمس حل مشاكلها في فلسفات اخريات ، وهذا ما لا يقول به مسلم .. ومع ذلك فان المسلمين غير واعين بضرورة تطوير الشريعة .. وهم يظنون ان مشاكل القرن العشرين يمكن ان يستوعبها وينهض بحلها ، نفس التشريع الذي استوعب ، ونهض بحل مشاكل القرن السابع ، وذلك جهل مفضوح ..
ولما كان القرآن قد حوي كل شئ ، فان التطور الذي حدث لا يحتاج الى رسالة جديدة ، وان احتاج الى تشريع جديد !! ولقد حوى القرآن المكي الذي كان منسوخاً ، بسبب قصور المجتمع عن شأوه ، التشريع المناسب للبشرية في عصرنا الحاضر ، وانما بعث هذا التشريع لتفصل منه القوانين هو ما اسماه الاستاذ محمود محمد طه تطوير التشريع ، وزعم انه السبيل الوحيد لعودة الاسلام في حياة المسلمين .. هذه الفكرة التي فصلها الاستاذ محمود في حوالي الاربعين كتاباً ، وكتب حولها تلاميذه ما يربو على المائة وخمسين كتاباً ، وقاوم بسببها تطبيق قوانين سبتمبر التي زعمت كافة الجماعات الاسلامية بانها الشريعة ، حتى بذل حياته ثمناً لذلك ، لم تحظ من د. عبد الله علي ابراهيم بأي اشارة على الرغم من ان بحثه المطول قد كان حول الخلاف المحتدم حول القوانين الشرعية في السودان ، ولم ينس ان يذكر فيه حتى معارضة أو موافقة الاتحاد النسائي !!
(9)
أول ما تجدر الاشارة اليه في أمر الشريعة ، هو انها لا تساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات لانها تقوم على العقيدة التي تفضل المسلم على غيره !! قال تعالى في ذلك "ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين" .. ولقد اتجه التطبيق العملي لهذا المفهوم الى قتال المشركين حتى يسلموا ، وقتال أهل الكتاب- اليهود والنصارى- حتى يسلموا أو يعطوا الجزية !! قال تعالى "فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم" .. ولقد حددت هذه الآية ، وهي من آخر ما نزل في شأن التعامل مع المشركين ، زمان قتالهم بانقضاء الاشهر الحرم ، وحددت مكان قتالهم بانه حيث وجدوا ، وحددت سبب قتالهم بانه كفرهم وعدم اقامتهم شعائر الاسلام ، وحددت وقف القتال معهم ، بدخولهم في الاسلام واقامتهم الشعائر !! واعتماداً على هذه الآية جاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم "أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فان فعلوا عصموا مني دماءهم واموالهم وأمرهم الى الله"..
أما أهل الكتاب فقد قال تعالى عنهم "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " !! ونزولاً عند هذا التوجيه ارسل النبي صلى الله عليه وسلم رسائله المشهودة لملوك الفرس والروم "أسلموا تسلموا يكن لكم ما لنا وعليكم ما علينا، فان ابيتم فادوا الجزية والا فاستعدوا للقتال" !! هذه هي خيارات الشريعة لليهود والنصارى : اما الاسلام ، أو الجزية ، أو القتال .. أما بالنسبة للمشركين فهما خياران لا ثالث لهما : الاسلام أو القتال !!
والجزية ليست ضريبة دفاع ، يدفعها أهل الذمّة ، من يهود ونصارى ، للمسلمين الذين غزوا بلادهم وبسطوا سلطانهم عليها، لأنهم يقومون بحمايتهم فحسب ، لكنها الى جانب ذلك اقرار بالخضوع ، واظهار للطاعة ، واشعار بالمهانة والذل ، هدفه ان يسوق الذمي الى الاسلام .. جاء في تفسير قوله تعالى "عن يد وهم صاغرون" "أي عن قهر وغلبة .. وصاغرون أي ذليلون حقيرون مهانون ولذلك لا يجوز اعزاز أهل الذمّة ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام واذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه الى أضيقه"
ومعلوم ان غير المسلم لا يصح له ان يكون رئيساً للدولة المسلمة ، ولا ان يتولى قيادة الجيش لأن الجيش جيش جهاد !! وليس له الحق في تولي القضاء الذي يقوم على قوانين الشريعة الاسلامية !! ومن الناحية الاجتماعية لا يجوز له ان يتزوج المرأة المسلمة ، ولما كان دفعه للجزية الغرض منه اشعاره بالصغار ، فإنه لنفس الغرض لا يتولى المناصب الرفيعة ولا يؤتمن على اسرار المسلمين .. فقد روي ان ابو موسى الأشعري اتخذ كاتباً نصرانياً ، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الا اتخذت حنيفياً ؟ قال: يا امير المؤمنين لي كتابته وله دينه !! قال عمر : لا اعزهم اذ اذلهم الله ولا ادنيهم اذ ابعدهم الله !! ثم قرأ قوله تعالى "يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين" !! فهل يمكن لمثقف أمين ان يقول بان غير المسلم لا يتضرر بتطبيق قوانين الشريعة الاسلامية ؟!
(10)
ومما يترتب على الجهاد اتخاذ الاسرى رقيقاً ، ومع ان الاسلام وجد الرق سائداً في الجاهلية ، الا انه لم يلغه ، كما ألغى الزنا ، والربا ، والميسر ، وغيرها ، وذلك لانه فرض الجهاد ، فاضطر الى مجاراة عرف الحرب والاسر .. ولقد أقرت الشريعة الرق كنظام اجتماعي ، وتعايش المسلمون الأوائل مع عبيدهم يبيعونهم ، ويشترونهم ، ويعتقونهم احياناً اذا لزمت احدهم الكفارة .. ورغم ان الشريعة دعت الى حسن معاملة العبيد ، من الناحية الاخلاقية ، الا ان الوضع القانوني للعبد ، يجعله أقل في القيمة الانسانية من الحر ، فمع انه انسان الا انه اعتبر مثل المتاع الذي يملكه سيده .. وقد اسرف الفقهاء في بيان ذلك بمستوى ينفر منه الذوق السليم .. فالسيد اذا قتل العبد لا يقتل ، واذا اصابه دون القتل يقدر المصاب بالقيمة الماليه للعبد !! فقد ورد ان العبد "ان كسرت يده أو رجله ثم صح كسره فليس على من اصابه شئ فان اصاب كسره ذلك نقص أو عثل ( جبر على غير استواء) كان على من اصابه قدر ما نقص من ثمنه" !!
وحين يتخذ الاسرى من الرجال عبيداً ، يتخذ الاسيرات من النساء اماء ، ويعتبرن مما ملكت يمين أسيادهن .. وقد أجازت الشريعة للمسلمين ان يعاشروا ما ملكت ايمانهم بغير زواج ، فاصبح للمسلم الحق في معاشرة عدد غير محدود من النساء .. قال تعالى "والذين هم لفروجهم حافظون * الا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين" .. ويجوز للمسلم ان يبيع جاريته لغيره ، وان يشتري غيرها من الجواري ، يعاشرهن ثم يبيعهن مرة أخرى !! وهكذا نشأ سوق للجواري بجانب سوق العبيد ، واصبح نظام الاماء مثل نظام العبيد ، نظاماً اجتماعياُ راسخاً مرتبطاً أيضاً بالجهاد !!
وقد يقول قائل ان نظام الرق والاماء قد كان سائداً في الماضي لكنه لا يعنينا الآن !! وفي الحق ان الدعوة لجعل الشريعة مصدراً للقوانين انما تسوق كنتيجة طبيعية الى اقامة الدولة الاسلامية .. ومتى ما قامت الدولة الاسلامية ، ولو بمجرد الادعاء ، فان حربها مع خصومها أو مع الاقليات غير المسلمة تعتبر جهاداً ، مما يعيد كل هذه الصور من جديد !!
(11)
عندما تعالت صيحات منظمات حقوق الانسان عن اعادة الرق في السودان في منتصف التسعينات ، قامت بعثة من المنظمة السودانية لحقوق الانسان بالسفر لجنوب السودان وكتبت في تقريرها الذي كان له اثر بالغ :
خلال الفترة ما بين 17 و22 مايو عام 1999 قامت المنظمة السودانية لحقوق الانسان فرع القاهرة ، ممثلة في نائب رئيسها والامين العام بزيارة الى أقليم بحر الغزال في جنوب السودان ، بغرض الوقوف على أوضاع حقوق الانسان في المنطقة وللتحري في اتهامات بممارسة الرق. وقد اجرت المنطمة خلال الزيارة – التي شارك فيها ممثلون لمنظمة التضامن المسيحي ومجموعة تمثل التلفزيون والصحافة الكندية - تحقيقات ميدانية ومقابلات مباشرة مع كافة الاطراف ذات الصلة بقضية الرق من مواطنين تمت اعادتهم من الاسترقاق ، وتجار شاركوا في عمليات استعادة الرقيق ، وسلاطين وزعماء ، ومسؤولين عن الادارة الأهلية ، واهالي وذوي العائدين من الاسترقاق الى جانب مواطنين عرب يعيشون في المنطقة وتجار قادمين من الشمال. وابدت المنظمة اهتماماً خاصاً بافادات الاطفال وعملت على توثيق لقاءاتها المباشرة بالمعنيين عبر عدة وسائل للتوثيق وخلصت الى ما يلي :
• ظاهرة الرق ليست مستحدثة بل قديمة وهي قد ارتبطت بداية بالصراعات القبلية في المنطقة غير انها اتسعت بشكل يدعو للقلق في ظل النظام الحالي الذي تقوم سلطاته بالتشجيع على ممارسة الرق وتنظيمها والاشراف عليها . وتقوم السلطات بتجنيد أعداد من ابناء المسيرية والرزيقات ضمن قوات الدفاع الشعبي وتوفر للمجند منهم حصاناً وبندقية كلاشنكوف ومبلغ 50 الف جنيه للقيام بغارات على القرى التي تشتبه السلطات في انها تدعم الحركة الشعبية لتحرير السودان ، ويحتفظ المغيرون من هؤلاء المجندين بما يحصلون عليه من رقيق وأبقار وممتلكات باعتبارها مغانم الحرب الجهادية . • يشارك في الغارات على القرى والبلدات المراحيل – وهو الاسم الذي يطلقه الأهالي المحليون على مجموعات المجندين – وافراد الدفاع الشعبي أو القوات المسلحة. وسواء تمت الغارات بمشاركة الاطراف الثلاثة أو عن طريق مجموعة واحدة منها يتم نقل حصيلة الغارات من رقيق وابقاروخلافه الى مناطق تقع تحت سمع وبصر السلطات السودانية. • يتم تجميع الرقيق والغنائم الاخرى في حظائر معدة لهذا الغرض تقوم بحراستها قوات نظامية ( قوات مسلحة و قوات دفاع شعبي ) وتقع هذه الحظائر على مسافة تتراوح بين 5 الى 7 ساعات سيراً على الأقدام من المناطق التي استهدفتها الغارات . • في مرحلة لاحقة ينقل الرقيق الى مدن المجلد والميرم عبر رحلات تستغرق من 6 الى 9 أيام ويتم أثناء هذه الرحلات إعدام أعداد كبيرة من الرجال بضربهم ، وهم مقيدي الايدي والأرجل ، بهراوات على الرأس ، كما يتم الاحتفاظ باعداد من الشباب كمجندين ، وتتعرض النساء الى عمليات أغتصاب متكرر بواسطة الحراس والعاملين على نقلهم ، ويتم أثناء الرحلة ربط كل 9 أو 10 من الرقيق بواسطة حبل طويل الى بعضهم البعض . • يتم بيع الرقيق الى اسياد جدد حيث تستخدم النساء في أعمال الزراعة والرعي وجلب الماء وطحن الذرة ( بلا مقابل ) بالاضافة لتقديم خدمات جنسية نزولاُ على رغبات اسيادهن ، ولا تتبدل معاملة الرقيق بعد انجابهن من سادتهن كما لا يعامل اطفالهن بذات المعاملة التي يحظى بها الاطفال الطبيعيون للسادة ويطلق على الرقيق اسماء جديدة تكون في الغالب اسماء عربية.
ولعل من أهم ما جاء في هذا التقرير، الافادات العديدة المسجلة ، لأشخاص عانوا من تجربة الاسترقاق المريرة . ورغم قسوة هذه الافادات ومرارتها حتى لمن يقرأها الا انني ارى ان نورد واحدة منها كنموذج بالغ الدلالة على ما وصل اليه الحال تحت الحكومة التي تدعي تطبيق الشريعة . جاء في الافادة :
من " كوروك" غرب "أويل" تم اختطافها قبل 14 شهراً ومعها حوالي 300 شخص من الدينكا تم اختطافهم بواسطة اعداد كبيرة من المهاجمين الذين كانوا خليطاً من الجنود النظاميين وقوات الدفاع الشعبي والمدنيين : ثم اخذنا الى "ابو مطارق" وفي الطريق تم إغتصابي بواسطة عدة اشخاص ، وقد تعرضت للضرب الشديد –زوجي "بول يول داو" قتل قبل عامين من اختطافي – تم اخذي من "ابو مطارق" بواسطة شخص اسمه علي وكان يعاملني بقسوة شديدة ، يضربني ويقذف بالأكل على الأرض ويطلب مني أكله وكان علي مرتبط بالزراعة في مكان بعيد من المنزل ، وكان يناديني "بنت الجانقي" وكان يطلب مني الصلاة وحين اذكر له اني لا اعرف كان يضربني ب "القنا" .... اصرّ سيدها على ان يقوم بطهارتها حتى يتزوجها ، وقد تم ذلك بعد ان تم تثبيتها على " العنقريب" بحضور زوجة سيدها وعدد آخر من النساء ، وقد تمت الطهارة دون بنج ، وكان الجرح ينزف لمدة أربعة أيام دون توقف ، وبالرغم من الألم والإرهاق بسبب النزيف ، فقد اجبرت على العمل في اليوم التالي مباشرة ، وقد ضاجعها سيدها بعد ثلاثة أشهر من "الطهارة".
(12)
ولقد يلاحظ ان السيدة الجنوبية ، التي وقع عليها هذا الاعتداء الاثيم ، اعتبرته اغتصاباً ، بينما اعتبره الرجل الذي يعتقد انه سيدها ، عملاً مقبولاً ، لانه يظنها مما ملكت يمينه !! وانه لذلك ، له الحق الشرعي في بيعها وشرائها وختانها ومضاجعتها !! فهل كان مثل هذا الفهم وهذه الممارسة يمكن ان تتم لو ان شعارات القوانين الاسلامية لم ترفع وطبول الجهاد لم تدق من كافة وسائل الاعلام ؟! أفان قال هذا الرجل ان عمله هذا يتفق مع الشريعة الاسلامية التي اجازت قتال الوثنيين وسبي نسائهم واتخاذهم جواري ومعاشرتهم بغير زواج ، وانه فعل ذلك تطبيقاً للقوانين الاسلامية ، واقتداء بالاصحاب رضوان الله عليهم ، فهل سيقبل د. عبد الله علي ابراهيم عمله هذا أم سيرفضه باعتبار انه "يصطدم مع العدالة واملاءات الوجدان السليم" ؟! فان كان سيرفضه فقد اجاب على سؤاله حيث قال " لماذا لم يستفد القضاة الانجليز وخلفهم من السودانيين من الشريعة الاسلامية في انشاء قوانين السودان في حين كان متاحاً لهم ذلك بفضل الصيغة الموجهه لعملهم القضائي والتشريعي القائله ان بمقدورهم الاستعانه بأي قانون طالما لم يصادم العدالة والسوية واملاءات الوجدان السليم" !! ذلك ان الشريعة في وقتنا الحاضر تصادم العدالة والسوية والوجدان السليم !! ان دعوة د. عبد الله علي ابراهيم ، لتطبيق الشريعة ، منذ الاستقلال ، لو حدثت بالفعل ، لكنا قد دخلنا في تجارب الجهاد ، والرق ، وما ملكت ايمانكم ، من قبل خمسين سنه !! ألم يكن "الافندية " الذين على اصرّوا ان يتبع القانون السوداني ، بعد الاستقلال القانون الانجليزي الوضعي ، ابعد نظراً ، واعرف بواقع التنوع الثقافي ، من دعاة تطبيق الشريعة ، ابتداء من الترابي ، ومروراً بالنميري وانتهاء بعبد الله علي ابراهيم ؟!
ان حكومة الجبهة الاسلامية القومية ، الحاضرة ، انما تمارس تضليلاً واسعاً ، حين تزعم في مفاوضاتها مع الحركة الشعبية لتحرير السودان ، بانها تقبل ان تعفى مناطق تواجد غير المسلمين من قوانين الشريعة .. ذلك لأن الشريعة لا تعترف بالقوانين الأخرى بل تعتبرها مجرد أهواء البشر ، وتنهى لذلك الحاكم المسلم ان يحكم بها قال تعالى " وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق ..." !! فالشريعة لا تقوم فقط على ما ينبغي ان يطبقه المسلم على نفسه ، بل تقوم ايضاً على ما يجب ان يطبقه على غيره ، ولهذا شرعت الجهاد والجزية عقوبة لغير المسلمين ، ولم يمنعها من ذلك كونهم غير مسلمين !! فاذا تنازلت حكومة الجبهة عن تدخل الشريعة في حياة غير المسلمين ، فانما هو تكتيك سياسي مؤقت لا تسنده الشريعة ، ولا تلتزمه الجبهة الا ريثما تملك القدرة مرة اخرى على استئناف ما تعتبره جهاداً !!
ومقالات د. عبد الله علي ابراهيم ، انما جاءت في هذا الوقت بالذات ، لتدعم من موقف الجبهة في المفاوضات الجارية ، فالجبهة تحتاج ان تؤكد بأن القوانين الاسلامية يؤيدها "مثقفون" من خارج تنظيمها وان هؤلاء يعتقدون ان قوانين الشريعة تضاهي القوانين الانسانية الرفيعة التي تحتوي على حقوق الانسان ، فلا يتضرر منها غير المسلمين ولا تضرر منها المرأة !! ولقد اوجزنا موقف الشريعة من غير المسلمين ، وسنحاول باذن الله ان نتطرق الى موقفها من المرأة في الحلقة القادمة ، حتى نفرغ لرجال الدين .. (نواصل)
عمر القراي
| |

|
|
|
|
|
|
|