رؤية وصفية لأوضاع العناصر الشمالية داخل الحركة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-19-2024, 01:10 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-19-2003, 01:41 PM

مهاجر
<aمهاجر
تاريخ التسجيل: 11-23-2002
مجموع المشاركات: 2997

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رؤية وصفية لأوضاع العناصر الشمالية داخل الحركة

    ضياء الدين بلال










    üü كان ختام الحلقة الأولى من هذه الدراسة يطرح تساؤلاً شعرياً يحاول أن يحدد الطبيعة التكوينية والدوافع التي جعلت عدداً مقدراً من أبناء الثقافة العربية الإسلامية «منصور خالد وياسر عرمان والواثق كمير وبولاد وعبدالعزيز خالد» وغيرهم يحزمون أمتعتهم ويرتحلون صوب جون قرنق ويتحدثون عن سودان جديد يتشكل ثورياً عبر العمل العسكري.. وقلنا هل هم كما يصفهم منصور خالد بقول المتنبي:

    التاركين من الأشياء أهونها

    والراكبين من الأشياء ما صعب

    أم أن أمراً وظرفاً ما فرض عليهم الحال الذي استعاذ منه المتنبي نفسه:

    من نكد الدنيا على المرء

    أن يجد عدواً ما من صداقته بُدُّ


    صراع الأقواس
    ولمنصور خالد كما يصف الدكتور عبدالله علي إبراهيم ود وحزن خاص يربطه بالمتنبي.. فهو يجد فيه استعصام الآمال عن المنال وانكسار الأحلام وجراح الكبرياء على أبواب الحاكمين «نميري».. وطلاب الحكم «قرنق»..!!

    ولكن يبدو واضحاً أن الدكتور عبدالله «الذي يضع منصوراً بين قوسين» يحمل لمنصور خالد غير قليل من السخط وشيء يقارب الكراهية ولا يصلها.. وكذلك يبدو أن منصور يبادله نفس الشعور «فالقلوب أرواح مجندة».. لذلك كان يبطن ذكر اسم عبدالله علي إبراهيم في كتاب «جنوب السودان في المخيلة العربية» كان يبطنه بسخرية زرقاء وهو يصفه «بالعالم الكبير» ويسقط عنه لقبه العلمي «الدكتور» ويستعيض عنه بصفة «الأستاذ».. دون أن يهبط عليه بأسواط النقد والشتم التي تعود منصور على حملها منذ أن رأى «من الخير له أن يقلها..!» فلم يسلم منه جسد سياسي.. ولا ظهر مثقف.. والمثقفون أمثال الدكتور عبدالله تعود منصور أن يجلسهم في صالونه الفكري في مقاعد خاصة دون غيرهم من الساسة والجماهير.

    فبدأ في حوارهم في عام 1966م في مقالات «حوار مع الصفوة» ثم قنط منهم في التسعينات فردمهم بجولات الفشل «النخبة السودانية وإدمان الفشل»..!


    صورة من قرب
    والمعلم الذي يبدو واضحاً في ملامح منصور خالد أول أبرز المهاجرين الى جون قرنق من أبناء الشمال أنه شديد الاعتزاز بنفسه تتجمل كتاباته بأطياف من المعارف المتنوعة مثل ما يزين ملبسه بأناقة باريسية راقية.. وما بين روعة العرض الفكري وجمال الملبس يبدو منصور شديد الفخر بنسبه وبأسرته التي تعتبر أكثر أسر أم درمان تديناً فهو حفيد الشيخ أحمد الصاوي عبدالماجد.. فقد قام منصور أخيراً بتحقيق ثلاثة مجلدات عن أسرته أطلق عليها «الثلاثية الماجدية».. ورغم كسبه الثقافي وحظه الأسري وترقيه الوظيفي إلا أن الدكتور منصور كثيراً ما يبدو حينما يطل من بين سطوره «جلاداً يرضع من لسان السوط شهوته».. فهو شديد الوطء على خصومه لاتأخذه فيهم رحمة يمارس عليهم عنفاً لفظياً حارقاً.. ولكن بالرجوع قليلاً للسيرة السياسية والثقافية لمنصور يتضح أن الرجل تعرض منذ أول مدارج صعوده والى اليوم لحرب عدائية واسعة ولكيد كبير من أفراد وجماعات ودول وأحزاب وأصدقاء.. الأمر الذي راكم لديه أحماضاً وغبائن اختار أن يفرغها عبر قلمه مع وصل نفسه تحالفياً مع بندقية تعبر عن أقصى مراراته فوقع اختياره على جون قرنق..!!.

    ويرى بعض الذين زاملوا أو صادقوا الدكتور منصور خالد إنه حينما يضع قلمه ويتعامل تعاملاً اجتماعياً مع من حوله وعلى درجات اختلافه أو اتفاقه معهم يبدو سمحاً في رده مهذباً في حديثه لا يكسر لجليس خاطراً ولا يقطب جبينه لعدو..!!


    منصور طفلاً..!
    ومنصور خالد الذي قلنا إنه من أسرة أمدرمانية متدينة يحكي بعض أصدقاء طفولته أنه كان طفلاً يميل للانطواء قليل الشغب كثير الصمت له شقيق واحد وعدد من الشقيقات.. وفي فترة دراسته الثانوية بوادي سيدنا ازداد اهتمامه بالقراءة واهتم بتجويد لغته الإنجليزية ولكنه لم يشرك نفسه في النشاط السياسي الذي كان ساخناً في تلك الفترة.. وحينما التحق بالجامعة سار على نفس نهجه الأول.. ولكن بمرور الأيام بدأت طموحات الرجل تفصح عن نفسها فقد نال تدريبه في المحاماة في مكتب محامٍ سوداني من أصل سوري يدعى أميل قرنفلي وكان في فترة دراسته الجامعية يتعاون مع الأستاذ عبدالرحمن مختار في «وكالة الأنباء الإفريقية» الأمر الذي أتاح له فرصة التعرف على رموز اجتماعية ودبلوماسية بارزة ساعدته في ذلك ثقافة واسعة ومعرفة دقيقة بقواعد «الاتيكيت» وجاذبية مظهرجعلته يتخطى وبرشاقة حواجز المناصب وفوارق العمر بينه وتلك الرموز.!!.


    مفارقة الجماعة
    ولكن نزوع منصور خالد «للفردانية» وإعداد نفسه بنفسه باعد بينه والتنظيمات السياسية وأفقده ملكات القيادة ، لذلك ظل دوماً يراوح مكانه في المناصب الاستشارية وإن أفلح بعض الأحيان في أن يصبح تنفيذياً «وزيراً للشباب وللتربية وللخارجية» ولكن سرعان ما كان يخرج من تلك الدوائر أو تتغير في حال وجوده من القيام بمهام التنفيذ الى مقام الاستشارة.. ويبدو وكما أشار عبدالله علي إبراهيم في هذا الوضع تحديداً تكمن أزمة الرجل.. وتلتقي به مصيرياً مع المتنبي الذي كان يرى في نفسه رجل دولة ولكن لا يرى فيه رجال الدولة سوى شاعر مجيد يقدمهم للجماهير وهنا كانت مأساته.

    أبا المسك هل في الكأس فضل

    أناله فإني أغني منذ حين وتشرب

    إذا لم تنط بي ضيعة أو ولاية

    فجودك يكفيني وفضلك أقرب


    العيش تحت الظلال
    فوجود الدكتور منصور خالد في ظل القيادات «عبدالله خليل وجعفر نميري وجون قرنق» لم يكفل له فرصة أن يفرد لنفسه مقاماً مستقلاً.. ولكن المقالات التي نشرها في منتصف الستينات تحت عنوان «حوار مع الصفوة» في صحيفة «الصحافة» ودافع في مجموعة منها عن الحزب الشيوعي السوداني الذي تم طرده من البرلمان بعد حادثة دار المعلمين قامت بتقديم منصور لقطاعات واسعة من المهتمين والراصدين ، فقد كانت بعنوان «أكلت يوم أكل الثور الأبيض».. وبرز منصور حينها كقلم توافرت له ملكات الابانة وطلاقة القول.. ورغم أن اليسار كان ينظر لمنصور الذي شاعت صلاته بدوائر غربية وحامت حوله اشتباهات العمالة لأجهزة المخابرات العالمية إلا أنهم كانوا يحمدون له ذلك الموقف ، ولكن حينما يغالي شباب الحزب الشيوعي تحديداً في الاعجاب بمنصور كانت قيادتهم تبدي تحفظاً على ذلك وتعمل على قدر يسير بتذكير الشباب بارتباطات منصور المتعارضة مع الحزب الشيوعي..!!


    البحث عن أبناء..!!
    والشيء الواضح رغم غزارة إنتاج منصور خالد وإبداعه في تقديم نفسه كمثقف ومفكر مجيد إلا أنه لم يجد مقابل ذلك مجموعة تجتذبها تلك الأفكار لتبشر بها وترد فضلها اليه أو تضعه على زعامتها اذا استثنينا مجموعة وزارة الخارجية التي أُطلق عليها بغمز الكيد «أولاد منصور».. ويمكن رد ذلك للطبيعة النفسية للرجل الذي كان طفلاً انطوائىاً.. وشاباً مستقلاً ورجلاً يريد أن يقضي أجندة مطامحه عبر آخرين عبدالله خليل ونميري وجون قرنق.. فافتقد للحس الجمعي حينما ابتعد بنفسه عن المجموع لذا كان هدفاً «للذئاب».. فنمت لديه مشاعر الاستهداف فأصبح لا يثق إلا في نفسه وفي ذاته وفي إمكانياته فقط.. لذا حينما قدمه عمر الحاج موسى لنميري في ذلك الحشد الذي نصب فيه رئىساً للاتحاد الاشتراكي ضمن الطوائف والقبائل والجماعات التي جاءت مؤىدة (جاءت الطرق الصوفية بنحاسها وذِكْرِها ، وجاء أهل الشمال بطمبورهم ونخيلهم وجاءك أهل الجزيرة بقطنهم وملافحهم وجاءك الجنوب وجاءك منصور خالد).. كان عمر يعبر عن منصور الفرد الذي يساوي المجموع ولكن بعض المقربين من منصور وعمر الحاج موسى يقولون بإن العبارة التي أطلقها عمر في ذلك الحشد قبل وفاته بدقائق وقعت لدى منصور في موقع الريبة.. فرغم الصداقة والعلاقة التي كانت تجمع بين الرجلين إلا أن هنالك من ولق فيها ودس فيها ما عكر مياه الود بين الرجلين .. ويستدلون على ذلك بأن منصور خالد الذي غادر الاحتفال قبل نهايته جاء في مأتم صديقه في نفس الليلة وهو في كامل هندامه وبوافر عطره لا تبدو عليه مظاهر الحزن على فراق مفاجيء لصديق..!!


    عراك السطور
    ومنصور الذي يسعى للانتقام من خصومه على صفحات الورق فيستدعيهم الى كتبه ثم يهبط عليهم بأسواط العذاب تعرض في مسيرته السياسية منذ بداياته لعداوات كثيرة، ففي أول أيام عمله في مايو وجد فظاظة في تعامل بعض أعضاء مجلس الثورة معه.. وإن كانت علاقته الوثيقة بأبي القاسم هاشم كانت تخفف عنه بعضاً من تلك الفظاظة.. وحينما أصبح وزيراً للخارجية في عام 1972م وسعي لترتيب اتفاقية أديس أبابا ومد خيوط الصلة بأمريكا بعيداً عن مصر وعمل على نقل السودان من المدار العروبي الى المدار الإفريقي عبر اثيوبيا.. أثار عليه ذلك غضب وسخط كل من مصر وليبيا وكل الدول العربية.. فأصبح منصور في ذلك الوقت نقطة نقاش ومساومة في كل ملفات الحوار بين مايو والدول العربية (إصلاح العلاقة مقابل إبعاد منصور) على حسب ما يروي أبوالقاسم حاج حمد في كتاب «المأزق التاريخي».. وفي وزارة الخارجية نصب له الحرس القديم في الوزارة شبكة من المؤامرات لأنهم رأوا أنه قام بتقريب بعض السفراء صغار السن قليلي التجربة إليه وأبعد الكبار..

    ثم جاءت المرحلة الأخيرة التي جعلت نميري يقلب عليه ظهر المجن ويمارس معه أسلوب التحقير والازدراء بعد أن صعدت لمراكز القرار داخل القصر مجموعة أخرى كان على رأسها أكاديمي حذق يجيد كل فنون صناعة المواقف وهدم الرجال وهو الدكتور بهاء الدين محمد ادريس..!!.


    الجلد على الظهر
    فقد كان منصور خالد في مايو رجلا وحيداً لا يجد حائطاً يأمن به على ظهره أو جمعاً يغالب بهم تكالب الأعداء عليه.. فخرج من السودان بعد أن سطر سفراً للخروج ووضعه تحت عنوان «لا خير فينا إن لم نقلها».. رداً على التعريض الذي وجده في حديث نميري في اجتماع مشترك بين المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي ومجلس الوزراء والذي وضعه نميري تحت عنوان «المجابهة مع السلبيات»..!!.

    ومنذ ذلك الحين أخذ منصور يبحث ــ وهو جريح الكبرياء ــ عن ما يمكّنه من الانتقام من كل الذين جابهوه أو كايدوه بالعداء «نميري وبهاء الدين والدول العربية والأخوان المسلمين والصفوة» فأفرغ كثيراً من غيظه في كتاب «الفجر الكاذب».. وحينما انتقم التاريخ من نميري وبهاء الدين وجاءت الانتفاضة كان منصور يشعر بأن الفرص جاءت إليه مواتية ليتصالح مع بقية القوى السياسية في الشمال التي جاءت للحكم ويجد له مقام احترام وتقدير في هذا الوضع الجديد يمكنه من فك ارتباطه بحركة جون قرنق التي كانت علاقته معها في بداياتها.. ولكن أعداءه في السودان لا ينامون ولا ينسون فضيقوا عليه ودلقوا المياه الساخنة تحت أقدامه بعد أن حضر للخرطوم للشهادة ضد نميري وبهاء الدين وآخرين.. الأمر الذي جعله يتسلل ليلاً عبر مطار الخرطوم.. كما خرج المتنبي من مصر كافور في تلك الليلة القمرية.. فلم يعد هنالك ملاذ من كل الشمال سوى بندقية قرنق فأخرج منصور أول كتاب بعد خروجه باسم «قرنق يتحدث»..!!.

    ولمنصور وللحديث بقية،،،

    دفاتر الغيظ

    يمكن إعادة القول لاتوجد شخصية سودانية نهضت أمامها قوى اليسار واليمين ناصبة في وجهها سهام العداء مثل الدكتور منصور خالد.. الذي تعود أن يكون وحيداً في حياته «سياسياً واجتماعياً».. الأمر الذي راكم لديه مشاعر الغيظ بقدر ما قابل من عداء.. وقد تكون هنالك أسباب متعددة وضعت الرجل في هذا المقام منها مزاجه الصفوي ودقته المتناهية في اختيار كل تفاصيل حياته (ملبسه ومأكله وصداقاته) الى أن يصل الأمر الى مواقفه.. فالسودانيون بطبعهم القبلي والعشائري ترتفع عندهم قيم الاجتماعيات والانشراح الشعبي على كل الاعتبارات الأخرى إن كان ذلك على مستوى التواصل الاجتماعي في إطار القبلية أو الحزب.. لذلك درجت كل الزعامات السياسية والفكرية على وصل نفسها بدوائر النشاط الاجتماعي.. فاعتبار «الفرد» في مثل هذه المجتمعات اعتباراً صفرياً طالما أنه لم يطرح نفسه في إطار جمعي.. ومنصور خالد الطفل الانطوائى والشاب المستقل لايجد نفسه إلا في العزف المنفرد، واذا اضطر ظرفياً للانضمام لأوركسترا يسعى بجهد سعته لتمييز نفسه عن البقية فإن أحسن حرك نحوه مشاعر الحسد وإن جاء صوته نشازاً لحقت به زواجر الغضب.. فما بين الحسد عليه والغضب منه.. تشكلت نفسية منصور خالد الذي خرج عبر مطار الخرطوم تحت سواتر الليل في عام 1985م بعد أن سعى عبدالوهاب بوب المحامي ومن معه للقبض عليه وتقديمه للمحاكمة على فترته المايوية التي جاء بعد الانتفاضة ليلقي على قادتها مزيداً من الحطب.. فأراد بوب ومن معه أن يحرقوا منصور بحطبه.. ومنذ ذلك اختار منصور أن يمضي سائراً في طريق الانتقام فجعل لقلمه أنياباً وأظافر وسموماً وترك باقي الغيظ لبندقية قرنق لتعبر نيابة عنه!!.


    صراع الصور
    قد تكون الصورة على نحو ما سبق.. وقد تكون على غيرها أو على واحد من التصورين.. اللذين يقول الأول منهما إن منصور لايتحرك وفق إرادته الخاصة عولى طلاقة اختياره أو بمقتضى ظرفه ولكنه يتحرك بإشارات وتوجيهات من «غرفة تحكم» توكل إليه القيام بأدوار استراتيجية تقوم على مبدأ تغيير المسارات.. ويرى أصحاب هذا الرأي أن بروز دور منصور في فترة مايو جاء بعد أن أجهز نميري على الشيوعيين بعد أحداث 19 يوليو وقطع حبل وصله مع المعسكر الاشتراكي فدخل منصور لملعب مايو ليجري عملية نقل لها من المعسكر الاشتراكي للمعسكر الرأسمالي.. وليقوم بمهمة ثانية لا تقل أهمية عن الأولى وهي نقل توجه السودان من المدار العربي عبر العلاقة الثنائية مع (مصر وليبيا) الى المدار الإفريقي وربطه ثقافياً وسياسياً مع اثيوبيا «هيلاسلاسي» لهذا سارعت أمريكا والكنائس في الوصول لصيغة سلام أديس أبابا في 3 مارس 1972م.. وضعفت في تلك الفترة العلاقة مع مصر وليبيا وارتفعت أسهم منصور في بورصة مايو.. وأصبح يظهر في اجتماعات مجلس الوزراء وهو يرتدي اللبسة الإفريقية الشهيرة التي أصبحت «موضة» في تلك الفترة فاقتدى به عدد من الوزراء.. وبدأت الفرق الاثيوبية تتوافد الى السودان والفرق السودانية تذهب الى أديس..!!


    وللمرة الثانية
    ويذهب أصحاب هذا الرأي الى تأكيد وجهة نظرهم في أن منصوراً يتحرك بامكانية «مؤسسة» لا بابداعية فرد.. بالقول على أن ما فعله منصور مع مايو فعله مع الحركة الشعبية أيضاً وبذات الطريقة وتحت ذات الظروف، ففي مايو جاء بعد نكسة الشيوعيين وللحركة الشعبية جاء والمعسكر الاشتراكي يلفظ أنفاسه الأخيرة ونظام منقستو هايلي مريام الاشتراكي ترنحه رياح التغيير وكانت الحركة تبحث عن ملاذات آمنة بديلة للمظلة الحمراء.. فجاء منصور خالد لينقلها من الشرق للغرب ويؤسس لها مراكز دعم واستقطاب مالي ودولي في المجتمع الغربي.. ومن الشخصيات التي كانت تفرط في إساءة الظن بمنصور خالد المرحوم صلاح أحمد إبراهيم الذي أطلق على منصور في سلسلة مقالات نشرتها الدستور اللندنية وصف (المحولجي).. وظل يقول: (إذا أردت أن تعرف الحق فانظر أين يقف منصور خالد وقف ضده)..!!


    يدافعون عن منصور
    ومع نصيحة صلاح إلا أن هنالك وجهة نظر ثانية تحسن الظن في منصور وتصف شبكة الاتهامات التي تلتف حوله بأنها من حياكة «الحساد».. وتقول إن تميزه وتفوقه على أقرانه جعله مصدر حسدهم وكيدهم وترد انضمام منصور للحركة لأسباب تتعلق بموقفه من تجاوز نميري لاتفاقية أديس أبابا واحساسه بالظلم التاريخي الواقع على الجنوب وكل المناطق المهمشة وعدم وجود قوى شمالية تسعى لتصحيح ذلك الوضع.. ورأى في الدكتور جون قرنق وفي طرحه ما يبشر بتأسيس سودان جديد..!!.

    ويؤكد حسين سيد أحمد - سفير سابق ومدير لمكتب منصور خالد في وزارة الخارجية - على «مبدئية الرجل».. ويقول إن له مقدرة خارقة على إحداث تغييرات إيجابية على كل موقع يحل به.. وقال إن وزارة الخارجية الى اليوم تعمل وفق الأسس والمناهج التي وضعها منصور.. وتمضي الأستاذة آمال عباس التي عملت مع منصور في مايو في ذات اتجاه سيد أحمد وتقول: (منصور يبدو من أول وهلة إنساناً متعالياً ولكنه في الحقيقة شخص في غاية البساطة ويعرف الثقافة السودانية معرفة جيدة).. ومع هذا تصف آمال نفسها بأنها كانت على اختلاف معه وكانت تردد دوماً بأن منصوراً من اليمين الزاحف على مايو وعلى ثوريتها..!!


    منصور يدافع عن نفسه
    نعم.. قد تختلف الآراء وتتفق على كل شخص ولكن منصوراً لا يفارق دائرة الجدل ويظل حبيسها في كل الفترات.. وقد سعى في كتابه «جنوب السودان في المخيلة العربية».. لتبرير انضمامه لقرنق حينما قال: «كثيرون اجترأوا على سؤالي بأسلوب استنكاري «....» ما الذي دفعك للانتهاء الى صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان؟!! ردي على هؤلاء أن هذه زكاة أؤديها لأنقذكم بها من أنفسكم وأنا ناهض الى صعدائى.. أعطس في وجه أهل الريب بأنف شامخ.. على أن توجيه السؤال من الناحية الموضوعية، وقاحة منقطعة النظير لرجل أسهم مع غيره اسهاماً غير منكور في تحقيق اتفاق بين الجنوب والشمال أفضى لأول مرة منذ 1955م الى سلام دام عشر سنوات.. إجهاض ذلك السلام بيد أكبر المنتفعين منه «النميري» لا يبرر فقط اشتعال الحرب من بعد بصورة أشد ضراوة مما كانت عليه.. وإنما يحمل أيضاً المؤمنين بجدوى السلام والعالمين بمقوماته الى تأييد كل من أدرك مقومات السلام هذه وملك القوة على أن يحيطها بسياج لا ينفذ منه المتشاطرون ولا تسعى الى تسوره قيادات حرمها الله من الحس التاريخي «....» القرار المنفرد الذي أصدره نميري بإلغاء اتفاق أديس أبابا فتح كل الجراح القديمة ولمجابهة القرار الانفرادي والحيلولة دون وقوع مثله من القرارات مستقبلاً رفعت الحركة السلاح للتصاعد بالمعاني التي تضمنها اتفاق أديس أبابا 1972م»..!!.

    انتهى حديث منصور


    وهذا هو السبب..!!..
    إذن الدكتور منصور خالد يختزل كل الأسباب التي دفعت به للانضمام للحركة في خرق جعفر نميري لاتفاقية أديس أبابا بتقسيمه للإقليم الجنوبي لثلاث مديريات.. بل لا يكتفي بذلك فهو يرد حمل الحركة للسلاح لذات الخرق الذي لحق بالاتفاقية.. لكن ما يبدو واضحاً أن خطوة بهذه الأهمية من قبل شخص بأهمية منصور خالد ليست كافية بأن تتسبب بخرق إداري لاتفاقية مهما كانت أهميتها.. فالتساؤل كان يقتضي بأن يوفر منصور خالد مبررات وحيثيات واسعة حتى يقنع الآخرين بالسير على دربه ولا ينحصر التبرير في كون منصور هو المبادر الأول في تلك الاتفاقية لذلك غضب لخرقها فأسس خطوة انضمامه على تلك الغضبة..!!!

    الشيء الثاني الذي يمكن اثباته هو أن الحركة لم تحمل السلاح رداً على خرق الاتفاقية.. بل منفستو الحركة الأول شن هجوماً ساخناً على الاتفاقية حيث ذكر في الفصل الرابع عن الاتفاقية: «كانت اتفاقية أديس أبابا صفقة بين الصفوة البرجوازية البيروقراطية الشمالية والجنوبية، وأملت الصفوة الشمالية الشروط بينما ساومت الصفوة الجنوبية على مصالح الجماهير من أجل الوظائف التي حُرموا منها طويلاً».. بل الذي كان معروفاً قبل خروج الحركة هو أن جون قرنق الضابط في قوات الأنانيا كان من أشد المعارضين في الأوساط الجنوبية لاتفاقية أديس وتعرّض لعقوبات إدارية بسبب آرائه الناقدة للاتفاقية.. ومنفستو الحركة يصف منصوراً ومن كان معه في عام 1972م «بالصفوة البرجوازية البيروقراطية» التي خدعت الجنوبيين..!!


    قد يكون هذا هو السبب!!
    فأغلب الظن هو أن الذي دفع منصوراً نحو جون قرنق اتساع دائرة أعدائه في الشمال فهو في الحكم الشمولي تعرض لاستفزازات نميري ومضايقات مراكز القوى داخل القصر.. وفي النظام الديمقراطي طاردته قوى التجمع حتى خرج من الخرطوم بالليل.. وهنالك رواية أخرى من الصعب التأكد منها وهي تقول إن منصوراً كان على علاقة خاصة بجون قرنق قبل أن يُكوّن حركته.. وأنه هو الذي وفر له فرصة دراسة الماجستير والدكتوراة في الولايات المتحدة الأمريكية.. ويبدو أن هذه الرواية تسير في خط القراءة الأولى التي تربط منصور خالد بالأجندة الخاصة في أمريكا وتحاول أن تقول إن هنالك تنسيقاً واتفاقاً بين منصور وقرنق من داخل الخرطوم قبل إعلان الحركة.. ولكن ما يضعف هذه الرواية أمران:

    الأول: حركة قرنق بدأت حركة ماركسية تتلقى دعماً من المعسكر الاشتراكي عبر محور عدن.. ولمنصور علاقة واثقة مع المعسكر الرأسمالي فلا توجد أرضية واحدة جامعة بين الطرفين..!!

    الثاني: اذا كان منصور على علاقة بالحركة منذ النشأة لما وجد حقه من التعريض والإساءة المبطنة في بيانها التأسيسي..!!


    الوضع الآن.. كيف هو؟!!
    من الضروري بعد هذا أن ندير محور التساؤل عن وضع منصور الآن داخل الحركة .. هل لا يزال فيها من النافذين والمؤثرين على قرارها أم أصابته لعنة مايو التي قضت به عملية الانتقال من المعسكر الاشتراكي للمعسكر الغربي ثم استغنت عن خدماته بعد ذلك.. فهل يفعل قرنق نفس الشيء بعد أن وجد نفسه وحركته على علاقة متميزة مع كل الدوائر الغربية ولم يعد في حاجة لوسطاء؟!!.


    صور من الداخل ومن القرب
    بعض الذين كانوا في الحركة أو على صلة بها لا تزال قائمة سألناهم عن وضع منصور الآن؟.. فقال بعضهم إن قرنق لايزال يضع منصوراً في مقام التقدير ويخصه بأخذ الاستشارة في أدق التفاصيل حساسية.. ولكنهم مع هذا يقولون إن علاقات منصور داخل الحركة علاقة صفوية محدودة جداً تنحصر مرات في قرنق ومدير مكتبه وباقان ودينق ألور ولا علاقة له ببقية القيادات خاصة القيادات الميدانية.. ويقولون إن منصوراً هو العنصر الوحيد في الحركة الذي لم يتلق تدريبات عسكرية..!!

    ولآخرين افادات أخرى تشير الى أن قرنق لا يثق في منصور ويردد في بعض مجالسه أحياناً «نحن نعلم أن منصوراً 50% منه حركة شعبية والبقية متفرقة على جهات عديدة..».. ويستدلون على ذلك بأن الحركة لم توكل في كل مفاوضاتها رئاسة وفدها لمنصور بينما أعطت هذا الفضل لياسر عرمان.. وهي تضع منصور دائماً على يسار الوفد في وضع المستشار لا أكثر..!!


    يأتي وحده ويذهب وحده
    وبغض النظر عن القراءات السابقة إلا أن الذي يمكن توقعه بعد انضمام عدد من الأكاديميين الشماليين والمثقفين أمثال الدكتور الواثق كمير والدكتور محمد يوسف أحمد المصطفى والدكتور تيسير محمد أحمد فإن كثيراً من الأوراق ستسحب من منصور خالد لصالح الوافدين الجدد.. وسيتكرر على منصور نفس ما حدث له في مايو بدخول بهاء الدين ومجموعته للقصر وتصالح نميري مع الأحزاب.. وأول مؤشرين ثانويين لهذا التوقع هو أن آخر كتاب لجون قرنق صدر في 1997م كان تحت عنوان: (جون قرنق.. رؤيته للسودان الجديد وقضايا الوحدة والهوية) قام بجمعه وعرضه الدكتور الواثق كمير، بينما كان أول كتاب أعده منصور خالد لجون قرنق وهو كتاب: (جون قرنق يتحدث).. وعلى حسب الصور والمشاهد التي نقلها مراسل الصحيفة الالكترونية الرائعة «سودان نايل» التي تقول بأن قرنق حضر في صحبة قادة التحالف لندوة واشنطن بينما حضر منصور منفرداً ومتأخراً وغادر وحده باكراً تشير الى أن منصور لن يستطيع العزف مع هذه الاوركسترا الجديدة، ولن يستطيع في نفس الوقت أن يعزف عزفاً منفرداً لأن كثيراً من الأوتار قد ارتخت كما أن أصابع العازف لم تعد كما كانت.. والاهم من كل هذا لم يعد في العمر الكثير للقيام برحلة اخرى..!!

    منقووول
    الراي العام

                  

العنوان الكاتب Date
رؤية وصفية لأوضاع العناصر الشمالية داخل الحركة مهاجر05-19-03, 01:41 PM
  Re: رؤية وصفية لأوضاع العناصر الشمالية داخل الحركة Yasir Elsharif05-22-03, 11:50 AM
    Re: رؤية وصفية لأوضاع العناصر الشمالية داخل الحركة Dr_Bringy05-22-03, 02:18 PM
      Re: رؤية وصفية لأوضاع العناصر الشمالية داخل الحركة مهاجر05-24-03, 09:04 AM
  Re: رؤية وصفية لأوضاع العناصر الشمالية داخل الحركة Gazaloat05-26-03, 06:41 PM
    Re: رؤية وصفية لأوضاع العناصر الشمالية داخل الحركة مهاجر05-27-03, 08:37 AM
      Re: رؤية وصفية لأوضاع العناصر الشمالية داخل الحركة Gazaloat05-27-03, 07:22 PM
        Re: رؤية وصفية لأوضاع العناصر الشمالية داخل الحركة مهاجر05-28-03, 08:18 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de