|
|
 في مقام الحضرة : كتابات في ذكري مولد الحبيب محمد
|
الزمان : الاثنين 12 ربيع الاول , سنة 571 بعد ميلاد المسيح عليه السلام , سنة الفيل.
والمكان : صحراء من كل الجهات . ورمال ليس يجديها المطر . وجبال ذات طعم خاص , ذات معني آخر .
أنه واد غير ذي زرع اذن .
انها بكه.
وكانت الاشياء ذاهبة في اداء وظائفها , لم يكن يبدو ان ثمة شيئا قد تغير : الشمس مشرقة كعادتها , والغمام الخفيف يجوب اركان البسيطة – باسما هذه المرة – والجبال التي شهدت بكاء الطفل الاول وخروج الماء الاول موعودة اليوم بالنبع الكبير وبالنظام العالمي الجديد .
وكانت البيوت التي الفت جغرافيا المكان قد استعدت ليوم عادي آخر : نظفت الاماء البيت ورتبته , وحلب العبيد النياق وتباحث السادة في امر التجارة , وقافلة الشآم اقتربت , وبعض الصبايا وئدن والخمر مصفوفة وهناك بعض ما جادت به الطبيعة من تمور وبرتقال ... وعنب .
ثمة بيت كان موعودا بانفجار الحدث . والزمان الكئيب تنفس الصعداء اخيرا . وآمنه في مقام الولادة تخرج للكون طفلا يعيد ترتيب الحديقة وينفض عن روح الخلائق ما اجترحته وران عليها , طفلا يعيد للارض بهجتها ويفسر صوت الحمام ويشرح فعل البداوة :
اهلا وسهلا بالكرام
اهل الحميا والمدام
محمد بن هاشم
ابن غالب بن مضر ... (1)
وضعت آمنة اذن طفلا استثنائيا .
ورغم ان عبد الله بن عبد المطلب كان قد رحل عن الدنيا وقتذاك , فان ابنه الذي وضعته آمنة كان كفيلا بان يدخله في تواريخ الزمان من يومها وحتي النهاية , ذلك رغم انه كان يبدو انه سوف يدخل في التاريخ من باب آخر , لعله باب احوال العرب في زمانهم القديم : يوم حادثة الجمال , كلما رموا السهم جاء عليه , حتي بلغت الابل مائة . كان يبدو من البداية اذن ان شيئا غير عادي سوف يحدث في هكذا بيت , وهاهو الان يدخل التاريخ من ارحب الابواب . التاريخ ؟ بل والجغرافيا كذلك :
ببابك يستجير الخائفون ويجلس الفقراء
ببابك تدخل التقوي فتوح الفاتحين
وحكمة الحكماء
وفي نعماء عدلك ترتع الدنيا
وميزان الحساب يقام ... (2)
يا حبيبي يا محمد !
من الزمن الكئيب وناسه
لذنا بنورك يا
سنام المكرمات ووجهها البسام ... (3)
أجل . واي زمان يا سيدي , اي زمان ؟
زمان النظام العالمي الجديد وتقسيم الكواكب . ونحن ليس يلينا غير الفتات وسقط الموائد . ليس يأتينا غير ما تذر الكلاب , وصوتك يبعد عنا ورسمك ينأي واسمك غيبته الحادثات . اسمك الان يا سيدي صار ماركة وعلامة .
علامة تجارية في زمن التجارة بالخبز والماء والدين واللبن المجفف واحتكار التفاسير وتلوين الكلام .
ُفتنا يا مشروح الصدر . كنت يتيما ونحن دونك في هذا الزمان الكئيب يتامي . والنبوءات تحققن بعدك : مكن الله للامر والمدائن تفتحن عاما بعد عام , بل وشهرا بعد شهر .
ولكننا بالبعد عنك سبايا بهذا الزمان اللزج :
ومن شح النفوس ودائها المودي
لنا بجمالك استعصام ....(4)
وأين منا زمانك يا حبيب الجياع , اين منا كلامك , ونحن في زمان الخنا . بكاء منا عليك لن يكفي ولا ترانيم المدائح . وانت هناك تحدد شكل الزمان تجمل وجه المكان . مكة الان استفاقت والبدو الجاهليون توزعوا يفتحون الارض يعلنون باسمك عن وصول البشارة , عن مدد السماء وفقه النقاء , وانت تجاهد وحدك في البدء ضد قوانين السوق العقيم وضد قانون العمل , وتعيد توزيع الثروات وحق النساء السليب .
مكانك منا قصي , ووجهك باب التصبر حين نجاهد فقه التأزم وشوقنا بحر . نشتاقك في كل فجر ليشعل وجهك في ظلام الفجر الاف المشاعل , نشتاقك في وقدة الحر لكيما تخفف عنا سخونة هذي الذنوب :
مافي من زيك يا رسول الله
اكسينا من زيك يا رسول الله
قلوبنا وسخانه ... يا رسول الله
ارواحنا عطشانه ... يا رسول الله
يا حبيبنا ... يا رسول الله ... (5)
فنحن اضعنا كلامك , دسنا وصاياك , والقدس في مائدة الصلح وبغداد نازفة وارصدتنا في البنوك الاجنبية والمسلمون في صف الاغاثة . تلك سراييفو تستحي ان تلاقيك ومقديشو والجليل . والفقراء في كل الشوارع يستحون منك , في الاناضول وفي الخرطوم وفي الرباط وفي عواصم الدنيا القريبة والبعيدة . هل رأيت كيف كثرنا يا حبيبي ؟ ولكنا كغثاء السيل .
يشتاقك كل احبائك علي امتداد الخارطة , من الشرق للشرق ومن الغرب الي الغرب , من الشمال الي الشمال ومن الجنوب الي الجنوب . يشتاقك كل النائمون علي هموم الغد من ثمن الخبز وحق الدواء وقفة الملاح : فقراء عالمك الاسلامي الكبير . يشتاقونك في كل آن وفي كل حين : وانت تخطط بالصدق والحب احياء المدينة , وانت تقاسم الناس جوعتهم وتبشرهم بالزمان الجميل , فانت الان محبوس في الكتابات المدرسية والكتب القصية , لم يبق منك غير حديث التجارة وترك اللحي وسروال قصير . نشتاقك الان ونهفو لتلك المدينة :
مدينتك الهدي والنور
وتسبيح الملائك في ذؤابات النخيل
وفي الحصي المنثور ... (6)
في مثل هذا الزمان قبل قرون تهلل وجه الزمان تفجر نبع الحقيقة .
تبسم زهر الحديقة .
عاد للارض بعض رضاها واستعادت الاشياء بعض بهاها , واكتشفت المياه بعض صفاها :
ولد الهدي فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء ... (7)
وفي مثل هذا الزمان قبل قرون كذلك , ترجل صوت النبي محمد , استمر الضياء حينا قليلا ثم خبا , عادت الارض لسيرتها الاولي , وعاد الظلام شديدا شديدا , اضحت الاشياء خائنة , عادت المياه حامضة , والمداح شدوا جلدة الطار وغنوا :
مدينتك الحقيقة والسلام
علي السجوف حمامة
وعلي الربي عصفور
مدينتك الحديقة اقرب الدنيا
الي باب السماء
وسقفها المعمور ..... ( .
(1) , (5) من ادب المديح السوداني
(2) , (3) , (4) و (6) , ( محمد المكي ابراهيم من قصيدته مدينتك الهدي والنور , ديوانه يختبيء البستان في الوردة .
(7) احمد شوقي , شاعر مصري .
(عدل بواسطة الوليد محمد الامين on 05-14-2003, 07:32 AM)
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست