السهم في كنانته: فاطمة أحمد إبراهيم والإمام محمد عبده

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 11:39 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-10-2003, 06:08 PM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السهم في كنانته: فاطمة أحمد إبراهيم والإمام محمد عبده

    السهم في كنانته: فاطمة أحمد إبراهيم والإمام محمد عبده

    د. عبد الله علي إبراهيــم
    [email protected]



    -إلى روح أختي قمر القسوم (1936-2002) التي حال دون تعليمها حائل. ولم تتوقف عن طلبه مع ذلك في حلقات الأمية التي أدارها الاتحاد النسائي بحي الداخلة بعطبرة في نحو 1956. وكانت تأتيني بمجلة صوت المرأة، منبر الاتحاد النسائي، التي بها اهتديت إلى معان غراء عن وجع ظاهر شغلت عمري. رحمها الله وأمطرها بشآبيب البرد والثلج والرحمات- .

    حدثت السيدة فاطمة أحمد إبراهيم كاتبة اسمها مهناز أفخامي بطرف من سيرتها في كتاب عنوانه -نساء في المنفى- صدر بالإنجليزية في عام 1994 وجعلت الكاتبة لفصل فاطمة عنواناً هو -السهم في كنانته-. ومصدر التسمية أن افخامي لما التقت فاطمة لم تصدق أن الذي سمعته عن طاقة وجهاد المرأة وقوة شكيمتها وعارضتها مما يمكن أن يحتمله هذا الجسد الناحل بحضوره الاريحي اللطيف أو أن يعبر عنه صوتها الخفيض الأجش. فبدت فاطمة للكاتبة سهماً في غمده ومحارباً في إجازة. وقالت إنها مثل السهم في كنانته يبدو آلة من الحطب والحديد لا خطر منها. وليس يتسنى للمرء إدراك شوكة هذه المراة وعزائمها المقاتلة حتى يراها في المعمعة الاجتماعية كما السهم يؤخذ من كنانته ويصوب بقوة وإرادة فيطعن غرضه بقوة وتصميم.

    ووجدت في حديث فاطمة السخي إلى أفخامي زواية للنظر إلى أسلوب فاطمة القيادي لم تقع لي قبلاً. فمنذ أول يوم استمعت إلى فاطمة في الستينات الأولى بالقاعة رقم 102 بآداب جامعة الخرطوم وجدتها تربط بين حرصها على الحشمة (المبالغ فيها كما يراها البعض) في مظهرها وبين خدمة قضية المرأة في بلد يواتي خصوم تلك القضية من البطراكيين (عتاة المعتقدين في سلطة الرجل والممارسين لها) نصوص الإسلام لإفسادها وضبطها. فقد حكت لنا كيف أنها ورفاق لها في الخمسينات الأولى كن يتحجبن من أعلى إلى أسفل ليذهبن للشغل في مكتب مجلة صوت المرأة، الناطقة باسم الاتحاد النسائي، أو المطبعة. وقالت إنهن اقبلن يوماً على المطبعة ولما رآهن أحد عمال المطبعة بادر بالقول: -الله يدينا ويديكم.- فقد ظن العامل أنهن من الفلسطينيات الملثمات اللائذات إلى السودان ممن كن يضطررن أحيانا لتكفف الناس.

    ولم يغر فاطمة تبدل الأحوال في الستينات ، الذي به كفت البطراكية عن النظر البوليسي لزي المرأة، لتغير من أسلوبها في الحشمة. فقد جاء في حديث فاطمة إلى أفخامي أنها حين دخلت البرلمان في 1965 إمراة وحيدة بين (365) نائباً ذكراً احتشمت في اللبس كثيراً. وقد هزمت بذلك عتاة خصوم المرأة الذين لم يتأخروا أبدا بعد ذلك في التصويت لمشروعاتها بشأن تقدم المرأة. وقد أخذت أجيال تلت فاطمة في الحركة النسائية عليها إلحاحها على الحشمة في المظهر والتضييق عليهن في ضوابط اللبس وغير اللبس. وقد استعانت فاطمة بنصوص من لينين، المظنون فيه السفه والمشاعية، في محاضرة لها يوماً لتزجر التقدميين عن الإسفاف الجنسي باسم التقدم. وربما بالغت فاطمة في المطابقة بين الحشمة وأسلوب لبسها، الذي هو ثمرة بيئة تعنتت على المرأة في الخمسينات وما قبلها، تعنتاً كبيراً. غير أنني لم أجد من نقدة أسلوب فاطمة هذا من كان في تفهم أفخامي له وحسن إدراكها لمغازيه. فقد قالت أفخامي بعد استماع مطول لحكاية فاطمة عن نفسها وما اضطرته لها دعوتها إلى تحرر المرأة: -أنها لواقعة معذبة أن تكون مناضلاً مبادراً من اجل تحرير المرأة في بلد مسلم. فالشأن الشخصي لمثل هذه القائدة المبادرة يتحول إلى شأن سياسي عام.- وخطرت لي أغنية من أغاني الربوع الأمريكية الرائجة هذه الأيام تنعى على الناس أنهم -لا يرون الألم من وراء القناع.-

    فلم تكن فاطمة بما ذكرته عن ليبرالية أسرتها وخفض عيشها بحاجة للبس هذا القناع الثقيل. كانت فاطمة في حل عن قيد الإسراف في اللبس لو لم تخرج من أمن بيتها إلى العمل العام تنتصر لبنات جنسها الغبينات في ظل بطرا كية الخمسينات المدججة. فقد كانت أمها قارئة بالعربي والإنجليزية وتدير مع أبنائها وبناتها جلسات مشتركة للمطارحة الشعرية. وكانت الأسرة في ذلك الزمان القصي تجلس إلى مائدة واحدة لتناول الطعام. وكانت والدة فاطمة تقرأ لوالدها الصحف بينما يقرأ لها القرآن. وكانت توقر زوجها العالم مدرس علوم الدين في مفاوضة حسنة تحفظ له القوامة وتؤمن لنفسها مساحة مناسبة لحريتها في دفع بناتها وأولادها في مدارج التعليم. ومن عرف آل احمد إبراهيم عرف الآن من أي بئر نشلوا ماء همتهم في شغل الوطن وصدق عزيمتهم في الخدمة العامة وثاقب فصاحتهم في الزود عن حريته. فلم افهم ثقة صلاح احمد إبراهيم، شقيق فاطمة، في جنس المرأة ثقة لم تخالطها قشور الأيدلوجية، إلا بعد أن قرأت حديث فاطمة عن نشأتها الأولى.

    وقد أتاح لي سخاء افخامي في تفهم متاعب فاطمة أن أقارن بين دعوتها إلى تحرير المرأة ودعوة هدى شعراوي في مصر. فالمعروف أن لحظة إطلاق نداء تحرير المرأة عند هدى كان هو خلع الحجاب بينما كان الرمز عند فاطمة هو ارتداء الحجاب أو ما هو قريب منه. وربما رددنا الخلاف إلى أحوال تباين وضعي المرأة في مصر والسودان من حيث تقدم المجتمع وعلاقات الذكورة والأنوثة فيه. غير انه يجب أن لا يغيب عنا أن دعوة فاطمة للتحرير اتجهت إلى غمار النساء وفي إطار عمل طبقي شعبي شيوعي بينما كانت هدى ودعوتها بعضاً من نهضة برجوازية ثقافية في مصر. ولا يريد كل قائم بالأمر لغمار الناس أن يخرجوا من اليد بينما هم أرأف بالبرجوازيين والبرجوازيات. وقد سبقتني فاطمة إلى لفت النظر إلى هذا الفارق بين حركتي المرأة في مصر والسودان في ردها على مقال لأستاذنا عبد الخالق محجوب نشرته مجلة -الشيوعي-، المنبر الفكري الأيدلوجي للحزب الشيوعي، في العدد رقم (132) لعام 1968 تحت توقيع -هاجر- وهو اسمها الحركي على تلك الأيام.

    أعجبني من قول فاطمة للمرأة أنها تؤمن بأن النسوية تقليد راسخ في ثقافة السودانيين وان مساواة الرجال والنساء مما يمكن أن نبلغه بالبناء فوق الأساس الصالح لهذه الثقافة. وقد وافق هذا ما كنت أقرأه لها منذ أيام في محاضرتها التي ألقتها أمام طلاب جامعة القاهرة فرع الخرطوم في 1980 وعنوانها -حول قضايا الأحوال الشخصية.- وقد انتبهت إلى عنصرين من عناصر منهجها التأصيلي. فقد بدأت بقانون الأحوال الشخصية (الموروث وليس الصادر عن هذه الحكومة بالطبع) ولم تجد ما تعترض عليه أصلاً غير بيت الطاعة. أما في بقية المواد فهي إما استحسنتها وتركتها على حالها مثل قوانين الحضانة أو ما طالبت أن يتم أمام قاض مثل الطلاق وعقد الزواج وتعدد الزوجات وبشروط دقيقة. وقد وجدت فاطمة في بعض التشريعات الشرعية أثراً باقياً من نضالها هي نفسها ونضال الاتحاد النسائي مثل المنشور الشرعي رقم (54) لعام 1960 الذي كفل للفتاة الاستشارة حول من تقدم لزواجها. وقد جاء المنشور استجابة لمذكرة تقدم بها الاتحاد إلى قاضي القضاة في 1954 يحتج على تزايد حالات الانتحار من فتيات لم يقبلن الاقتران بمن اختارته الأسر لهن. وأميز من ذلك كله أن فاطمة طالبت بأن تجيز الحكومة الخصم من مرتب الأب ما يكفي لنفقة عياله. ولم تكن القوانين المالية (واحسبها لا تزال) تخصم أكثر من الربع. وقد تقيدت المحاكم المدنية بهذا القانون المالي بالطبع. أما المحاكم الشرعية، الواقفة على أوجاع النساء وفقيراتهن بالذات، كانت تلح، إلحاح فاطمة، أن يخصم من الأب ما يعول أطفاله بغض النظر. وهكذا تقدمت المحكمة الشرعية في أمر النفقة وتأخرت المحكمة المدنية الموصوفة بالحداثة أي العدل والإحسان في شرط الزمان والمكان.

    غير أن أكثر ما جذب انتباهي هو مرجع فاطمة في إصلاح قوانين الأحوال الشخصية الذي هو الإمام محمد عبده (1905-1949) رحمه الله. فلم تأخذ مأخذاً على تلك القوانين إلا وجدت له مخرجاً حسناً من فتاوى الإمام. وهذا الذي ربما اقنع فاطمة بأن النسوية ربما كانت اقرب إلينا من حبل الوريد. ولو تأملت فاطمة الأمر قليلاً لعرفت أن سماحة التقليد الشرعي وتفتحه لحقائق المجتمع كما اختبرته هي واتحادها النسائي إنما يعود الفضل فيه للإمام محمد عبده. وقد كتب عن فضل الإمام هذا الدكتور ج ن ج أندرسن وتبعته بإحسان الدكتورة كارولين فلهر- لوبان المعروفة باسم -مهيرة- بين معارفها الكثر من السودانيين.

    وأصل المسالة أن الإمام، الذي شغف بالحداثة ورأى الأخذ منها بقوة وعافية فكرية، كان مشغولاً بترقية المحاكم الشرعية. وقد أظهر أحد تلاميذه وأحبابه، الشيخ القاضي محمد شاكر، ميلاً لإصلاح تلك المحاكم وقوانينها في مصر. فسأله الإمام أن يكتب له تقريراً يوصي فيه بما يعن له من سبل الإصلاح. وقد فعل بعد طواف على المحاكم. وقد اعتمد الإمام تقرير القاضي شاكر وتوسع فيه واطلع عليه المسئولين ونشره عام 1900 بعنوان -تقرير إصلاح المحاكم الشرعية.- وأراد الإمام أن يمكن لإصلاحاته هذه في بلد بكر تحت التأسيس كالسودان لم تنهض فيه طبقة من تلك التي تخشى الإصلاح الديني وتتحفز لإطفائه. فأرسل القاضي شاكر في 1900 ليكون أول قاض للقضاة في السودان بعد قيام دولة الحكم الثنائي في 1898. واتاحت له العذرية القانونية في السودان أن يجرب اجتهادات شرعية قد يتعذر البدء بها في مصر المحروسة القديمة. فقد أصدر القاضي شاكر منشورات ما زال العمل بها سارياً وهي مما انتفعت به المرأة انتفاعاً كبيراً قضت بالتطليق للغيبة والإعسار والحبس والضرار مما تأخر الأخذ به في مصر نفسها حتى عام 1925.

    غفلة فاطمة عن مزايا التجديد الفقهي في التقليد الشرعي السوداني (1900-1983)، الذي تجسد في قوانين الأحوال الشخصية، هي غفلة عامة. فالإسلاميون أهملوا التنويه به والغزل على منواله لانشغالهم بأسلمة الدولة ذاتها. بل وانتكسوا عن محاسن التقليد حين جعلوا ضبط النساء والتجسس عليهن أكبر همهم بينما كان ذلك التقليد الديني رفيقاً رقيقاً بهن. يكفي إنهن قد صرن بفضله قاضيات شريعة بفقه ذكي لمولانا شيخ الجزولي (وقد صليت لروحه الماهر التقدمي عند زيارتي لأضرحة الختمية بحلة حمد)، وبمصابرة جميلة لمولانا نجوى كمال فريد، أول قاضياتنا الشرعيات. وقد جففت الإنقاذ هذا المصدر بغلظة عجيبة. وقد سمعت الجزولي يقول أن النساء أدرى بوجع النساء وأقرب إلى ظلاماتهن وأن القاضيات سيوسعن من علم الشريعة وخيرها إذا عدلن بأحكام يتأدب بها المجتمع ويمتثل.

    ومن جهة أخرى تحاشى الفكر الجمهوري هذا التقليد الشرعي مع أن اصلهما واحد وهو الحداثة الإسلامية التي ركنها وحجتها الإمام محمد عبده. وزاد الفكر الجمهوري في جفائه لهذا التقليد الشرعي بجعله هدفاً لحملات نقد وتنقيص. وقد كتبت مرة في جريدة الميدان السرية في منتصف السبعينات التمس من الجمهوريين أن يلطفوا عبارتهم في نقد القضاة مع علمي بمحنة الجمهوريين وما نالهم من القضاة و الوعاظ في المساجد من أذى وترويع. ومغاضبة الجمهوريين لم تقع من جهة إحسان ذلك التقليد الشرعي أو إساءته بل من إرث مواجهة سياسية راجعة إلى أيام الحركة الوطنية. فقد صنف من ظنوا في أنفسهم مجاهدة الاستعمار من أمثال المرحوم محمود القضاة الشرعيين والأعيان وزعماء القبائل والطوائف بأنهم من أعوان الاستعمار. وهذا كلام جاز طويلاً غير أنه خاضع للنظر والمراجعة الآن. ويكفي أن تقرأ ما كتبه الدكتور حسن احمد إبراهيم عن السيد عبد الرحمن المهدي لكي تتشكك في صواب هذه الذائعة عن أولئك الرجال. وقد دق حكم المحكمة الشرعية بردة المرحوم محمود محمد طه، عليه الرحمة، في 1968 إسفين الخصومة بين القضاة والمرحوم واختلط حابل تطوير الشريعة بعاديات السياسة وأطوارها وبمنطويات النفوس.

    وقد دعتني هذه الغفلة العامة أن أتوفر على دراسة هذا التقليد الشرعي في مظانه الكثيرة خلال أكثر من عقد من الزمان. ورأيت خلافاً للتيارات الفكرية السودانية التي أتيت على ملابسات إهمالها له أنه ربما كان أكثر عنوان الإسلام عندنا خطراً. فالدارس له يقف على أمور كبيرة مهمة. أولها خطأ الذين يقولون بأن الثقافة الإسلامية ظلت لها الهيمنة بشكل سرمدي في البلد (انظر الصندوق). فخلال العهد الاستعماري وما بعده كثيراً كان الإسلام ثقافة مغلوبة لا خطر لها في القوانين التي تحكم اقتصاد المسلمين أو معاملاتهم أو معادهم ولم يبق لها سوى حيز الأحوال الشخصية. وقد رأيت من الكتاب عندنا من جعل من هذا الكيد الاستعماري للإسلام طبيعة للسلام السوداني الصوفي العلماني بالفطرة الذي يتحاشى السياسة ويستثقلها. واستعجبت كيف يستقيم مثل هذا القول لبلد خرج من المهدية إلى الاستعمار. فقاريء الدكتور عبد الرحمن الخليفة يجد أن من أوائل الأحكام القضائية التي صدرت في السودان بعد زوال المهدية كان بشأن خلاف حول هل المال المستلف للعب القمار مما يسترد. فقد قال عبد الرحمن لم يكن مثل هذا الخلاف مما تنظره المحاكم لمفارقة ممارسة القمار ذاتها للدين. كما استعجبت لماذا يريد لنا قوم أن نعتمد الأصل في الإسلام تلك الصورة التي أرادها له الاستعمار من فصل للدين عن السياسة لا الصورة أو الصور التي يريدها أهلها له بالحسنى والموعظة الحسنة بعد تحررهم من حكم الأجانب.

    ولم يكن غلب الإسلام بالاستعمار غائباًًًً عنا في اليسار حين كنا نقول بشكل عام إننا نريد أن نسترد ثقافتنا الوطنية التي طغى الاستعمار عليها ومحاها. ثم زاغت عيوننا عن ذلك بفضل -الأزمة الفكرية في الحزب- التي انتابت الشيوعيين منذ أوائل الستينات وحالت دونهم والنظر الراشد في أمهات مسائل التحرر من الاستعمار. وهي الأزمة الناشبة بعقل الحزب الشيوعي وخياله حتى كتابة هذه السطور... وباعترافه أيضا. ولما غاب ذلك النظر استعاض اليسار عنه بجفاء عام لذكر الشريعة أو تطبيقاتها في ملابسات - حرب الديك، سك الديك- مع الإسلاميين. ولم يكن الإسلاميون بأقل غفلة عن التقليد الشرعي السوداني.

    وثاني هذه الأمور الخطرة التي تتصل بالتقليد الشرعي السوداني في القضائية هو أن الشريعة لم يرتج عليها بغلب الكفار الباهظ واستثمرت حتى ضواغط المستعمرين وأقباس حداثتهم الشحيحة لتخرج بقانون للأحوال الشخصية ناضج ولتعالج مسائل الرق وغيرها بذكاء وكفاءة. وستكون هذه المعاني الخطرة هي موضوع كتاباتي القادمة في هذه الزاوية من بعض فصول لكتاب أنشره في القاهرة عن قريب.

    قل ليه ما يهدر فرحتهم: صلاة سعادة المدير
    وجدت في كلمة نشرها المرحوم الفاتح النور، مؤسس جريدة ودار كردفان، ليس بياناً شافياً لهوان الإسلام على الاستعمار وحسب بل لكيف اقض هذا الهوان مضجع جمهرة المسلمين وباتوا منه على ضعة ومذلة. وهذا العار هو ما سماه بازل ديفدسون، المؤرخ لإفريقيا، بـ - الخزي الخلقي للاستعمارCOLONIAL MORAL

    INJURY.- وهو ما تتركه غربة الحاكم الدينية أو العرقية من جراح في الرعية التي فرطت في استقلالها فتمكن منها من لا تتواثق معه على شيء أبدا ولا يستشعر مثقال ذرة مما تشعر.
    ففي أول عهد الاستقلال تعين السيد مكاوي سليمان أكرت مديراً لمديرية كردفان. وجاء يوم صلاة الجمعة وحضر الصلاة. وهذا ما كتبه الفاتح عن هذه الصلاة المحضورة:

    فقد جاء ذات يوم السيد مكاوي سليمان أكرت مدير كردفان في زى وطني يقود عربة الدولة ذات العلمين لتأدية صلاة الجمعة بمسجد الأبيض العتيق. وبهر المنظر المصلين. فما زالت سطوة المدير الإنجليزي نافذة على عقلهم ونظرهم. وانتهت الصلاة. خرج سعادة المدير مكاوي والمصلون يتسابقون للتأكد من أنه سعادة المدير شخصياً.وكان عصر ذلك اليوم ومساؤه لا حديث للناس إلا عن صلاة سعادة المدير. وطبعاً كل من شاهده يروي عن صلاته بمزيد من المشوقات للذين لم يحظوا برؤيته.

    وفي اليوم التالي السبت طلبني مولانا الشيخ الكبير محمد الأمين القرشي وكان يومها قاضي شرعي مديرية كردفان. وهو رجل عظيم ومجاهد كبير في سبيل الإسلام لم يخلد ويكرم كما ينبغي (لبعض سيرته راجع كتاب الدكتور احمد عبد الرحيم نصر عن التبشير المسيحي والإسلامي في جبال النوبة). وعندما ذهبت إليه قال: قل لصاحبك المدير ما ينقطع عن صلاة الجمعة. وقل ليه صلاته أمس صحت المسلمين ورفعت معنوياتهم وأحس ضعاف الأيمان منهم والسذج بعظمة الإسلام بصلاته هذه. ومن واجبنا أن نسايرهم على قدر عقولهم. قل ليه ما يهدر فرحتهم ولا يتخلف عن صلاة الجمعة أبداً. وإذا كان الوضوء صعب عليه وكان البرد شديداً يجي بس بدون وضوء (جريدة الأيام 4 يناير 199.

    وكان الإسلام المغلوب هو وحده العلماني. ولم تكن المسيحية. فقد كان المديرون الإنجليز يؤدون صلوات الأحد في الكنائس الانجليكانية المبثوثة. وقد انعقدت أواصر دينية وسياسية شتى في هذه العتبات الدينية حكى عنها القس قوين -أمام- كنيسة قصر الحاكم العام فيما روى عن كتشنر وونجت. ولا يزال بيننا من يحاجج أن الثقافة الاسلاموعربية ظلت ناشبة الإظفار في السودان أبدا بينما رأينا في النص رجلاً من عترة القرشي ود الزين يرخص للمدير الأفندي أن يصلي بغير وضوء لرد الاعتبار للإسلام بعد ستين عاماً من هوانه على الناس.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de