|
مجزرة الدجيل الثانية .. في ميدان ساحة المهندسين
|
تابعت وبكل اسف ما جري لاخوتنا السودانيين بالقاهرة ، وكيف أطلق عليهم الامن المصري الرصاص وهو يصطادهم الواحد تلو الاخر ، فمات من جراء ذلك خمسة وعشرون شهيدا ، من بينهم طفلان في ريعان الزهور ، فلم يرحمهم الرصاص الغادر، والي الان لم تصدر قوائم بالحصيلة النهائية لعدد القتلي والجرحي والمعتقلين ، فلا زالت أسماء الضحايا مجهولة ، وهناك غياب تام للدولة السودانية عن مركز الحدث ، فهي مشغولة بأخبار العراق وسوريا ولبنان ، ولأنها من جانب آخر أعطت اشارة المباركة ببدء المذبحة ، فقضية لاجيئ القاهرة كانت تجلب ضيقا وحرجا للنظامين المصري والسوداني ، فقرر الاثنان قفل هذا الملف الي الابد وان كان عن طريق سفك الدماء ، الدم السوداني لم يكن غاليا حتي في السودان ، فعبد الحليم المتعافي هاجم مخيم سوبا للاجئين علي الرغم أنه يقع في الفيافي والاصقاع النائية ، ومخيم سوبا لا يمت بصلة تشابه لميدان ساحة المهندسين ، فالاول يقع في أطراف الخرطوم البعيدة والثاني يقع في قلب القاهرة ، محط السياحة وواجهة مصر الحضارية ، وقد ساء مصر علي حسب صحافتها تشويه هولاء الشهداء لصور مصر الحضارية عن طريق التبول علي الجدران المجاورة وارتفاع عقيرتهم وهم يعاقرون الخمر ، فأنتصرت مصر لأول مرة في التاريخ لمواطنها الذي عاش تحت نير القهر والاستعباد لعقود طويلة فأمطرت أبناء السودان بالرصاص القاتل ولا حتي المطاطي هذه المرة ، من أجل ماذا ؟؟ من أجل الجيران الذين اشتكوا من الازعاج !! ، والمثال الثاني لاسترخاص الدم السوداني يأتي أيضا من السودان ، فحاتم الوسيلة في بورتسودان لم يتواني في قتل أناء شعبنا المحرومين والمهمشين في بقعة تعتبر بمثابة ( الكنز ) لأهل الانقاذ ، من بوتسودان التي يتدفق منها النفط السوداني الي الخارج ليعود لنا في شكل صناديق ذخيرة حية تفتك بأهلنا الغبش في كل مكان ، لا يجب علينا لوم الامن المصري فهو قد استخدم المعايير الانقاذية في التعامل مع شهداء ميدان المهندسين . نعم من حق هولاء النفر أن يهاجروا الي أمريكا وكنداء وأستراليا ، فالوضع في السودان غير أمن ، ولا يمكن أن نجزم بأن الوضع الامني في الجنوب قد تحسن ، فلا زال جيش الرب يثير الرعب والهلع في الاستوائية وهو مستفيدا من الدعم الذي يأتيه في الخفاء من بعض جيوب حزب المؤتمر الوطني الكارهة لاتفاق نيفاشا ، والحالمة بعودة النموذج الاصلي للمشروع الانقاذي ، وحال دارفور لا يسر النفس ولا يسعد الحال ، مجاعة وبؤس وتشرد وضياع ، والمنطقة تستشرف الان علي حرب جديدة اشعل شرارتها أيضا الجيش السوداني ، والذي لم يكف الي الان عن سياسة تصدير الحروب وخلق الازمات والتي يموت فيها السوداني قبل غيره ، ولنقف علي حقيقة الموقف السوداني والمصري من هذه المجزرة الوليدة والتي أتت من بلد اعتلي بعض ابناؤه هرم المنظمات الدولية مثل الامم المتحدة والجامعة العربية ، فنحن لا نستغرب اذا أتت من النظام السوداني ، لأنه نظام منبوذ وعرف ببطشه الشديد لابناء شعبه ، وهو يعادي ايضا المنظمات الدولية مثل الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان ، ويعتبرها منظمات يهودية عمدت الي تشويه صورة الدولة الاسلامية في السودان ، أما مصر فحالتها تختلف عن حالة طيش نظام الخرطوم ، فقد عرف عنها احترام المؤسسات الدولية كما وكيفا ، فالدولة المصرية تري أنها قتلت هذا العدد للاسباب التالية : أنهم المتظاهرين أحتلوا ميدانا عاما وتسببوا في ازعاج الجيران ، كما أنهم لوثوا البيئة بالتبول علي الجدران واصدار الضجيج . أنهم رشقوا الشرطة ( بزجاجات الخمر ) ورفضوا الاذاعان للأوامر مما دعا قوات الشرطة الي التدخل وحسم الوضع عن طريق استخدام السلاح . انتشار الاوبئة المميتة مثل الايدز ، وحفاظا علي صحة المواطن المصري لجأت قوات الامن المصرية الي أستخدام ذراع البطش الامني وهمها الاول صحة المواطن المصري وسلامته . وطبعا هذا الموقف يعتبر نوعا من القتل المعنوي الذي برعت فيه الصحافة المصرية الرسمية ، فالحكومة المصرية الي الان لم تعتذر عن هذه الجريمة بل أعتبرتها نصرا علي قوي مشاغبة ، ولم تغوص في الحالة الانسانية لهولاء اللاجيئن ، ولم تعترف بأن لهم مطالب بل أعتبرتهم مجرد ( سكاري ) حار بهم الدليل فاستولوا علي منطقة سياحية ليعيثوا فيها الفوضي والفساد والايدز . أما بالنسبة للحكومة السودانية فهي لم تخف سعادتها الكبيرة بهذا النصر وان أتي هذه المرة بيد الامن المصري ، وهي الان تحررت من كابوس أزمة لاجيئ ميدان المهندسين ، فقد كان اسم السودان يرد مع كل مرة يتم فيها تسليط الضوء علي هذه الازمة ، فمستشار رئيس الجمهورية الغامض محجوب فضل أعتبر أن ما قامت به قوات الامن المصرية يعتبر ( دفاعا عن النفس ) وان من حقها اعادة هيبة الدولة ومحاربة الفوضي ، ومبررات اعادة النظام والامن نستخدمها الانقاذ عادة كمادة اعلامية في حربها علي المهمشين كما حدث في سوبا وبورتسودان ودارفور ، بل موقف الحكومة السودانية يعتبر أقسي من موقف الحكومة المصرية منفذة الجريمة نفسها ، فاعلام الدولة الانقاذية بقي صامتا لا ينطق، ولا يزال يبث السهرات والمسلسلات ولقاءت الامس ومبايعات حزب المؤتمر الوطني ، ويحرص علي نقل عدد القتلي العراقيين في العمليات الانتحارية ، فالاعلام السوداني يسبح في واد وهموم أهل السودان في واد آخر ، وهم فرحين الان بهذه المجزرة الدموية لأن القتلي يمثلون طيفا واحد ، أنه نفس الطيف الذي مقته الطيب مصطفي وكرهه علي العتباني وتوجس منه حسن مكي ، فهي خسارة في الارواح بلغة الانسانية ، وبلغة الانقاذ فهي (wastage) أو (by product) بلغة الهندسة الصناعية . والانقاذ علي لسان وزيرها/علي كرتي لم تنسي أن تتهم المفوضية العليا للاجئين ، وتتهمها أيضا باغواء المتظاهرين بالتوطين في الدول الاوربية ، والانقاذ لها موقف اصيل وعدائي مع مؤسسات المجتمع الدولي كافة ، وهذا الموقف متجذر قبل حدوث هذه المجزرة ، ولذلك أعتبرها الاستاذ/كرتي بأنها مسؤولة عن هذا ( العمل ) ، فقد كره الاستاذ/كرتي أن يصفها بالمجزرة أو الجريمة حتي لا يغضب الساسة في مصر ، والدولة السودانية لم تتقدم الي الان بعبارات الحزن والاسي وهي تنعي هولاء النفر الي الشعب السوداني ، فهم لا يعنونها في شئ بل بالمقابل تخلصت من عبء ثقيل وتركة مقرفة ، ولو صار أمر هولاء النفر الي الانقاذ لقتلتهم من أول يوم ولما تركتهم أحياء لمدة ثلاثة اشهر ، بل أن مستشار الرئيس الغامض محجوب فضل أستطال أجلهم .. فلماذا بقوا علي قيد الحياه لمدة ثلاثة أشهر . وسوف نواصل سارة عيسي
|
|
|
|
|
|