كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد
|
قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد
في عام 2005 غيّب الموت عنا الكاتب الأمريكي ، والروائي والمسرحي ، أرثر ميلر ، غير الشهرة التي حصدها من زواجه باسطورة القرن الماضي ، مارلين مونر ، إلا أن السيد ميلر نال شهرة من أعماله الأدبية التي كانت سهلة على ذهن القارئ العادي ، فهو كما قال النقاد يكتب بإسم العامة أو الطبقة المتوسطة ، لذلك أُعتبرت مسرحيته " المحنة " Crucible من أهم الأعمال التي تناولت هذه الطبقة ، " المحنة " تناولت قضية "Religious prosecution " في الثقافة المسيحية ، يكفي أن يرمي عليك جارك تهمة السحر والشعوذة ، أو " الكهانة " ، لتجد نفسك أمام قاضي صارم الوجه " دانفورث " ، همه الوحيد تطبيق العدالة الإلهية وحفظ الإيمان بالرب من التلوث ، هذا القاضي كان يقبل بكل الدعاوي الكيدية ، فيصدر الأحكام القاسية على المتهمين ، يطلب من المتهمين إما أن يعترفوا بأنهم تعاملوا مع الشيطان أو أن يواجهوا حبل المشنقة ، أحياناً يستدرجك القاضي على ذكر بعض الاسماء التي تعرفها والتي من الممكن أن تكون قد تقمصها الشيطان ، من هنا بدأت الإنطلاقة ، للنجاة من العقوبة عليك ذكر إسم اي شخص أنت في خلاف معه ، وشت العشيقة بحبيبها لأنه ندم على العلاقة الإثمة التي كانت تربطه بها ، فهو رجل متزوج ، إنتقام العشيقة أرسله إلي حبل المشنقة ، وهناك خلاف بين خادمة ورب عملها ، فأنتقمت الخادمة لنفسها عن طريق الوشاية للقاضي " دانفورث " الذي يُطبق الأحكام التي بالتأكيد ترضي الرب ، عاشت البلدة الصغيرة في حمي الإرتياب "Paranoia" ، أُعدم العديد من الناس الأبرياء لأن العدالة فتحت أذنها للوشاة ، يكفي أن يتضايق جارك من نباح كلبك فيذهب إلي القاضي " دانفورث " ويخبره بأنه رأى الشيطان يحوم حول عتبة بابك ، بمجرد وصول هذه الوصاية تجد نفسك بين يدي الجلاد . عُدت لقراءة هذه المسرحية من جديد ، والسبب يعود إلي وقوع نفس أحداث رواية " المحنة " في بلدنا السودان ، الشهود الصغار ، الكيد الشخصي ، هجمة الشرطة والقاضي ، إرتعاشة المتهم وخوفه الشديد من مواجهة المصير المؤلم ، نعيش تفاصيل هذه المحنة في كل يوم ، أراد أرثر ميلر أن يقول لنا أن تهم التجريم الديني والمقرونة بالعدالة القاسية كانت موجودة حتى في المجتمعات المسيحية ، حادثة المُدرسة جليانا لم تخرج من بين فصول هذه المسرحية ، فهي مدرسة دخلت في العقد السادس من العمر الزمني ، وعملها في بلد يدين معظم أهله بالإسلام لن يضعها في خانة المزدرين للأديان ، فهي تحمل جنسية بلد يحترم التنوع الديني والثقافي ، فالإسلام مُكرّم ومُصان في بريطانيا والتي سماها العقيد القذافي يوماً بجنة " الكلاب الضالة " في وصفه الفريد لأصحاب اللحي ومقصري الثياب ، يعيش في لندن عتاولة الإسلام السياسي ، عمر المهاجر ، ياسر السري ، او حمزة المصري ، سعد الفقيه ، فقد كذب من قال أن الغرب يتعمد الإساءة للإسلام ، لأن المسلمون السنة والشيعة يعيشون في بريطانيا في جو من التسامح لا يجدونه حتى في بغداد الفتية ، رمز الحضارة الإسلامية وعاصمة دولة الخلافة ، والإنفلات الفردي لا يمكن أن نحاسب به عامة الناس ، وما فعله الرسام الدنماركي لا يُمكن أن نعاقب به كل الدول الأسكندنافية ، لأننا بذلك نُثبت بأن الرسول ( ص ) يُهان اسمه في كل تلك الدول ، وهذا أمر لم يحدث بإجماع الكل إذا ألتزمنا بحبل الصدق وأهملنا التهويل الإعلامي ، فلولا ضجة الغوغاء لما عرف أحد بتلك الكاركتيرات المهينة ، ولظل هذا الرسام البائس مغموراً في بركة النسيان . حادثة المدرسة جليانا أعادت إلي أذهاننا مسرحية الكاتب أرثر ميلر ، المحنة ، عندما يتحكم الغوغاء في شئون الناس ، عندما يتحدثون للناس وكأنهم رسلٌ مبتعثين من السماء ، هنا يسقط الضحايا الأبرياء ، فبإسم حماية اسم الرب والمعتقدات تُفتح السجون ، تُهان العدالة ، يسود الخوف في المجتمعات ، فالرسول ( ص) لم يأمر بقتل المنافقين في المدينة وهو كان يعلم بعددهم وأسمائهم ، وكان يعلم بمدى الأقاويل والإشاعات المغرضة التي كانوا يروجون لها ، والسبب يعود إلي أن الإسلام دين تحمل وصبر على تصلف الطرف الأخرى ، عسى أن يقف هؤلاء الأدعياء موقفاً لا نذمهم عليه كما حدث مع سهيل بن عمرو . قصة المُدرسة جليان بدأت في غاية البساطة ، وتصرفت المُدرسة بعفوية تامة وطلبت من طلابها إختيار إسم للعبة " تيدي " ، وقد أختار الطلاب الصغار عدة أسماء من بينها عبد الله وحسين ، لكن النسبة الكبيرة من الطلاب أختارت إسم محمد ، ونسبةً لحداثة هذه المدرسة في عملها الجديد ، فهي قد وصلت إلي السودان في شهر أغسطس الماضي فقد تعاملت مع هذه التسمية بعفوية كبيرة وجارت التلاميذ الصغار في هواهم ، بعدها حدثت الضجة ، لم تقوم وزارة التربية بمخاطبة المشرفين على مدرسة الإتحاد ، ففي المؤسسات التربية يُطلب تفسير أو إستيضاح لأي حادثة تقع داخل المدرسة ، فالمدرسين ليسوا لصوصاً أو قطاع طرق ، تُكوّن في العادة لجنة بغرض تقصي حقائق المشكلة ، هذه اللجنة التربوية تقرر شكل المحاسبة وكيفيتها ، فإما أن تطرد هذه المُدرسة من العمل أو تقدم لها إنذار بعدم تكرار ذلك والإعتذار عن ما بدر منها من خطأ ، خاصةً إذا علمنا أنها فعلت ذلك بحسن نية ولم تقصد إلحاق الأذى بنبينا الكريم ، لكن وزارة التربية السودانية بدأت من الآخر فلجأت للشرطة ، فقبل أن يصل البلاغ النيابة تجمع بعض الغوغاء أمام المدرسة وهم يطالبون بتوقيع أقسى العقوبات على هذه المُدرسة ، المفارقة هناك تنسيق ملحوظ بين الأجهزة العدلية وبين جمهور المحتشدين الغاضبين ، الذين يريدون تطبيق عدالة " دانفورث " كما قرأنا لأرثر ميلر ، هذه الملاحظة سوف تذوب إذا علمنا أن معظم الذين يشكلون هذه الأجهزة هم من نفس تيار السلطة ، وهم كفصيلة العناكب يعرفون كيفية التواصل مع بعضهم البعض ويتجمعون في الوقت المناسب عند حينونة ساعة الصفر ، داهمت الشرطة المدرسة في وضح النهار وخلقت حالة من الذعر والخوف بين التلاميذ الصغار ، أُقتيدت المُدرسة المطلوبة إلي السجن وسط ذهول الطلاب وبقية المدرسين ، هذه الواقعة لم ترد على هذا النحو في صحف الخرطوم ، فليس كل الذين يقبعون في سجون الإنقاذ الآن قد سبوا الرسول ( ص ) أو شتموه ، تصاعدت ردود الفعل ، الناطق بإسم الخارجية أطلق تصريحاً ، والحدث لم يفوت وزير العدل المتواجد بالقاهرة في وقت الحادثة ، أُرسلت هذه المُدرسة المغلوبة على أمرها إلي السجن وهي ترتجف من الخوف ، وصحافة الخرطوم تتحدث عن سجنها بأنه إنتصار حققه الإسلام !! هذه هي محاكم التفتيش بعينها ، فنحن أمام إمراة أجنبية ، طاعنة في السن ، فأين النصر الذي يحققه الإسلام من خلال سجن هذه المرأة ؟؟ سارة عيسي
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | SARA ISSA | 11-28-07, 02:48 PM |
Re: قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | Tragie Mustafa | 11-28-07, 02:59 PM |
Re: قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | bent-elassied | 11-28-07, 03:04 PM |
Re: قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | Mustafa Mahmoud | 11-28-07, 03:00 PM |
Re: قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | Napta king | 11-28-07, 03:56 PM |
Re: قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | Zoal Wahid | 11-28-07, 04:30 PM |
Re: قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | عبده عبدا لحميد جاد الله | 11-28-07, 05:20 PM |
Re: قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | Mustafa Mahmoud | 11-28-07, 05:39 PM |
Re: قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | عبدالأله زمراوي | 11-28-07, 05:41 PM |
Re: قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | noon | 11-28-07, 07:03 PM |
Re: قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | مزاحم الضوي | 11-28-07, 08:47 PM |
Re: قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | Tragie Mustafa | 11-28-07, 09:32 PM |
Re: قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | عبدالوهاب همت | 11-28-07, 10:27 PM |
Re: قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | amir jabir | 11-28-07, 10:36 PM |
Re: قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | Zakaria Joseph | 11-28-07, 10:49 PM |
Re: قصة المُدرسة جليان التي لم يقرأها أحد | mohmed khalail | 11-28-07, 10:44 PM |
|
|
|