دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن ...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 08:04 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-06-2009, 03:32 AM

سفيان بشير نابرى
<aسفيان بشير نابرى
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 9574

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . (Re: سفيان بشير نابرى)

    الجزء الثالث
    تحليل الفاعلين في الساحة السياسية

    المناخ السياسي العام:
    ومن بعد وضع الإطار النظري العام في بداية تحليلنا للحالة السودانية، والذي أعقبناه بتتبع إتفاقية السلام ومواضع الخلافات بين الشريكين سواء من ناحية أساس هذه الخلافات، وضعها الراهنة ومستقبلها، والتي جعلنا محاورها ثلاثة قضايا رئيسية هي:

    أولاً: الخلافات حول الثروة خاصة تلك المرتبطة بالبترول؛

    ثانياً:السلطة فيما يتعلق بالصراع حول الحقائب الوزارية وترسيم الحدود؛

    ثالثاُ: وأخير قضية التحول الديمقراطي.

    والتي وجميعها فصّلنا فيها بالقدر الذي يمكّن من رسم صورة عامة للأزمة. وإستطراداً نجد أنه من الضروري إجراء تحليل للفاعلين على الساحة، حتى يمكننا القول بأن البنية الكلية لشبكة الأزمة، وقراءتنا للحالة السودانية قد إكتملت من جوانبها المختلفة من حيث هي (إطار نظري للموضوع، قضايا خلافية، وأخيراً العناصر الفاعلة). ومرة أخرى وللتذكير نعطي خلفية للمناخ السياسي مستندين على إتفاقية السلام الشامل كنقطة إرتكاز محورية لا يمكن تجاوزها في أي دراسة للحالة السودانية ورؤية مستقبل الدولة من بعد التوقيع على الإتفاقيات المتعددة.

    يجمع الكثيرين على أن إتفاقية السلام خلقت مناخاً سياسياً داخل السودان إختلف عن سابق حالة الإستقطاب بين أطراف النزاع، تميز بإنتقال الصراع من خانة الحروبات إلى التنافس السياسي المعتمد القدرات التنظيمية والسياسية. وعلى الرغم من أن ذلك يعتبر "خطوة متقدمة" في طريق السلام والتحول الديمقراطي، غير أن طابعه الثنائي من جانب آخر، سبب تأثيرات سلبية حدّت من عملية التحوّل الديمقراطي كما يصدر من كثير من القوى السياسية ـ على الرغم من التحفظات الكثيرة التي يمكن تدوينها على هذه الآراء والمواقف.(!!)

    لكن وبالرغم من هذه الحقيقة إلا أن الرجوع إلى إتفاقية نيفاشا كخلفية للمناخ العام أمر لا يمكن تجاوزه بأي حال، ويجد منطقه في أنها تؤثر بدرجة كبيرة للغاية في تشكيل ملامح العملية السياسية القائمة الآن وفي مستقبل السودان. فالتحوّل الديمقراطي مرتبط بها بصورة صميمية، طالما هي التي تحدد نسب تقسيم الثروة والسلطة، الإنتخابات وطبيعة العملية السياسية من خلال تشكل الكتل والتحالفات. لذلك فإن نظرتنا للواقع السياسي وديناميته الراهنة في السودان ستظل متأثرة بالإتفاقية شئنا ذلك أم أبينا.

    القوى المؤثرة على الساحة:
    1. المؤتمر الوطني: خرج المؤتمر الوطني من إنقسام الحركة الإسلامية حاملاً ملامحها الأساسية، من حيث السمات العامة وأساسيات مشروع الإسلام السياسي، وقد مكنه إحتفاظه بالسلطة من الحصول على خبرات ومدخلات إقتصادية رسخت من سيطرته، وأضافت له نيفاشا ـ كما ذكرنا آنفاً ـ غطاء الشرعية السياسية التي إفتقدها منذ بداية الإنقلاب. هذين العاملين أسهما بشكل أساسي في تمديد هيمنته على مفاصل الإقتصاد، والتحكم بمسار العملية السياسية برمتها. هذه السيطرة من الخطأ النظر إليها كتأثير فوقي مرتبط بالشريحة الحاكمة فحسب، فهي تتمدد إلى أبعد من ذلك من خلال شبكة العلاقات الطفيلية التي بناها المؤتمر الوطني مع الكثير من المستفيدين من إستمراريته وبقائه في السلطة، واضعين في ذهننا طبيعة العلاقات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية التي تنمو وتترعرع في ظل شروط وبيئة نمط الإقتصاد الريعي. لذلك فهو الآن وبحكم هذه العوامل والشروط، يشكل القوة الأكثر تأثيراً، تأسيساً على الناتج النهائي لتفاعل هذه العناصر والشروط (شرعية الإتفاق، السيطرة على المفاصل الإقتصادية، التحكم في إدارة العملية السياسية)، في حقل مجتمع ما قبل رأسمالي تسوده علاقات إقتصاد الريع.

    2. الحركة الشعبية: تأتي في الترتيب الثاني من حيث الأثر السياسي، بحكم التاريخ النضالي الطويل، وقوة الدفع التي وفرها لها الإتفاق بجانب المدخل الإقتصادي المتمثل في نصيبها من عائدات النفط، النفوذ السياسي بمشاركتها في السلطة المركزية وسيطرتها على حكومة جنوب السودان. وتتمثل مراكز ضعفها في ضمور فعاليتها السياسية والتنظيمية، وطابع الصراع الجنوبي ـ جنوبي حول قضية الوحدة والإنفصال، وهو الأمر الذي حد من أسهامها وبشكل كبير في القضايا القومية (ملف دارفور، والتحول الديمقراطي). وإن كان بالإمكان تفسير ذلك بأنه جزء من إفرازات عملية التحول من الثورة إلى الدولة التي تمر بها معظم الحركات التي تخوض نضالاً تحررياً، إضافة إلى تأثير رحيل قائدها التاريخي في مرحلة حرجة من مراحل تطور الحركة، غير ذلك يبقى حكم عام وقابل للتجاوز بحكم تطور أساليب العمل السياسي ومفاهيمه ونظم الإتصالات التي تقلل من المدى الزمني لعملية الإنتقال.

    إن إستمرارية وضعية ضعف الحركة الشعبية أمر غير مبرر، إن كان لنا أن نحكم بأنها الآن قوة مفتاحية، في مقدروها الإسهام في عملية التحول الديمقراطي والإنتقال بالسودان إلى إعتاب عهد جديد بما وفرته لها الإتفاقية من غطاء سياسي وقدرات إقتصادية.

    3. التجمع الوطني الديمقراطي: المكّون الثالث في السلطة الإنتقالية، ونظرياً فهو يمثل الطيف الأوسع لمشاركة القوى السياسية في السودان بحكم تكوينه، لكن في واقع الأمر لم يتبقى في مظلته غير الحزب الإتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي. مركز قوة التجمع السياسية تتمثل في مرجعية مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية بإعتبارها المساومة التاريخية الوحيدة المجمع عليها من معظم القوى المعنية بالتغيير في السودان. غير أن موقف التجمع الآن أضعف مايكون كشريك في حكومة الوحدة الوطنية، ويجد ذلك أسبابه في طبيعة الإتفاق الذي أوجده ضمن معادلة السلطة في الخرطوم. فضعف الإتفاق، وإرتباطه بإطار معادلات قسمة السلطة التي أفرزتها نيفاشا، بدلاً من أن ينبني على أساس قسمة تتم خصماً على رصيد المؤتمر الوطني الذي فرضه الإتفاق كممثل للشمال، أضعف من وضعية التجمع، وجعل من إسهامه في عملية التحول الديمقراطي محدودة التأثير، ضف إلى ذلك قصر نظر كل من الحزب الإتحادي والشيوعي في الإستفادة من هذه المظلة لخلق جبهة عريضة تقود عملية التغيير، فأصبح التجمع ـ وإن وجد ـ أداة للحزبين في تحقيق مصالحهما المتباينة، فيتحدث بإسمه الشيوعي متى ما دعت الحاجة لتحريك قضية (ما) داخل البرلمان ويساوم به الإتحادي بحثاً عن شراكة تعزز مصالحه كحزب أكثر من أن تدفع بعملية التغيير مع المؤتمر الوطني.

    4. حزب الأمة والمؤتمر الشعبي: هذا التحالف جمعته ثلاثة عوامل مثلت جملة المصالح المشتركة بينهما، على الرغم من أن حزب الأمة الآن أصبح قاب قوسين أو أدني من التحالف مع المؤتمر الوطني، وهي خطوة لا تختلف كثيراً من تحالفه مع الشعبي على صعيد التشابه في التوجهات الآيديولوجية والمصالح. وبالتالي سواء أن بقي حزب الأمة في موقع تحالفه مع المؤتمر الشعبي أو إنتقل إلى الوطني، لكن تبقى الأهداف الإستراتيجية المشتركة في الحالتين واحدة، تتمثل في نهاية التحليل إلتقاء للتيارات التي تدعو لعروبة وإسلامية السودان. قد تختلف من الناحية التكتيكية المرتبطة بتقوية موقف كل طرف، لكن يبقى الهدف الإستراتيجي ثابتاً، ومن المحتمل أن يلعب حزب الأمة دور الوسيط في التقريب ما بين المؤتمر الشعبي والوطني على خلفية أحلام قديمة/جديدة تدعو إلى وحدة أهل القبلة، وتكريس هيمنة التوجّهات الإسلامية العربية في دولة ما بعد الإستفتاء على حق تقرير المصير. على كلٍ يمكن إجمال هذه المصالح في التالي:

    أولاً: المصلحة المشتركة للطرفين في إستعادة موقعها على السلطة، والتي وإن تفاوتت قوة دفعها في كل طرف، غير أنها الأساس السياسي الذي يقوي من هذا التحالف،

    ثانياً: التقارب الآيديولوجي،

    ثالثاً: موقفهما من إتفاقية السلام الشامل.

    هذه الكتلة لها تأثيرها على موازنات الصراع على الساحة الداخلية، فالشعبي لا زالت لديه الكثير من القنوات الخلفية مع حركات الإسلام السياسي حول العالم، وحتى داخل المؤتمر الوطني نفسه، مما يجعل خياراته للعمل على تغيير النظام نشطة. إن أهم عامل في دراسة هذا التأثير هي رؤية قربه أو بعده من الإسهام في التحول الديمقراطي الحقيقي، إن قٌدر له الوصول إلى السلطة بالسودان عبر أي وسيلة(!؟). وعلى الرغم من أن الأفكار التي يطرحها الترابي تكشف عن ندم على تجربة الإنقاذ وتبشّر بمشروع جديد، إلا أنها وبنفس القدر لا تحمل ضمانات أن صيرورة أي جهد للتغير يقوم به في مجري عملية إعادة التأسيس للدولة السودانية، قد يصب في وحدتها على أسس مختلفة عن سابق تجربة الإنقاذ، وقد يعيد نفس التجربة الإنقاذ على خلفية تأثير تصفية حساباته من المؤتمر الوطني لكن بصورة أخرى، ويظهر ذلك بوضوح في مرارة خطاب الشعبي تجاه المؤتمر الوطني ، وبالتالي يظل مشروعه ـ في أحسن الفروض ـ نوع من الأصولية الجديدة، كما أبنا في الجزء الأول المتعلق بالإطار النظري.

    5. حركات دارفور: العنصر المتواجد منها الآن في معادلة حكومة الوحدة الوطنية، هي حركة تحرير السودان جناح مني أركو مناوي، ومعروفة الظروف التي أتت بمني ضمن هذه المعادلة، وكثير من الدوائر المهتمة بالشأن السوداني باتت تنظر إليها كوليد ظروف إستثنائية أوصلت مني إلى شراكة السلطة. وواقع الأمر أن هذه الظروف أيضاً ساهمت بالمقابل في إنتاج صيغة متناقضة للغاية، فالبقدر الذي تبدو به حركة تحرير السودان جناح مناوي، عنصراً أقل فعالية في تركيبة حكومة الوحدة الوطنية، إلا أنها تكتسب قوة غير مرئية يتجاهلها الكثيرون، وهي القدسية التي يسقطها المجتمع الدولي على أبوجا وعلى الذين وقعوا عليها، وما قد يعطيه هذا الإعتبار من قوة دفع لجناح مني وتأثير على مجريات الأحداث بدارفور، تزايد الإنقسامات في صفوف حركات دارفور وإنضماهما لحكومة الوحدة الوطنية في إطار مرجعية أبوجا، هذين العاملين يرفعان من أسهم حركة تحرير السودان جناح مني في بورصة المؤتمر الوطني، فأبوجا، ومهما كان تقدير وموقف الحركات الأخرى منها وإستماتتها في تغييرها، إلا أنها تتوسع كل يوم بإنضمام المنقسمين من حركات دارفور، والقراءة الصحيحة الآن هي أن أبوجا لم تعد مني وحده، وهي معادلة ستطرح بصورة أو أخرى أمام أي مفاوضات قادمة بين الأطراف الرافضة وحكومة الوحدة الوطنية، ومن الصعب التقرير إن ذلك قد يقصي حركة تحرير السودان ـ جناح مني من أي صيغة قد تنتج.

    6. جبهة شرق السودان: أتت جبهة شرق السودان، كشريك متأخر في تركيبة حكومة الوحدة الوطنية وبالتالي فهي كالمسافر الذي لحق بالقطار في المحطة قبل الأخيرة، وهو الأمر الذي يجعل تأثيرها مكبلاً بقيد زمني ضيق للغاية يحد من قدرتها على الإسهام في عملية التغيير، مضافاً إليه الصراعات التي تمر بها الجبهة نفسها. وعلى أي حال فإن الشرق بشكل عام، قضية إستراتيجية للمؤتمر الوطني، من حيث موقعه الذي يسيطر على موانئ تصدير النفط وإستثمارات مناجم الذهب، وكثير من التقديرات تشير إلى انه ليس من مصلحته العمل على إقصاء جبهة الشرق تفادياً لإعادة عدم الإستقرار في الإقليم من جديد، والشاهد أنه يقوم بإحتواء قيادات الجبهة، لضمان الإستقرار في الشرق، وإستباق أي قوى أخري (خاصة الحركة الشعبية، وبدرجة أقل الحزب الإتحادي).

    7. منظمات المجتمع المدني: إسهام هذه الشريحة من القوى في التأثير على صناعة القرار في السودان، كان في السابق يتم عبر النقابات المهنية المختلفة (عمال، مزارعين، أطباء، مهندسين....إلخ)، والإتحادات الطلابية. وإن كانت قد نجحت في الماضي في الإطاحة بنظام النميري، إلا أن تجربة الإنقاذ برهنت على أن هذا الإحتمال أصبح الآن بالغ الصعوبة، ولأسباب أصحبت معلومة. فالنظام حدد ومنذ بدايته مصادر تهديد سلطته وعمل على تحطيمها، والتي من بينها منظمات المجتمع المدني. وبالرغم من ذلك، هذا لا يعني أن لا يكون هناك جهد لإعادة تأسيسها. الجديد في تكوين منظمات المجتمع المدني، هو ظهور الكثير من المنظمات الطوعية والتي تعمل في مجالات مختلفة(المرأة، الطفل، رفع القدرات، نشر الوعي الديمقراطي..إلخ) وتؤثر في تغيير مفاهيم المجتمع بصورة كبيرة لا تظهر بوضوح في أجهزة الإعلام أو الحراك السياسي اليومي، وإنما في تطور السلوك السياسي القاعدي. وهو تأثير عميق على المدى الطويل في عملية التغيير.
    هذا المسح السريع يعطينا صورة عامة عن ملامح الحراك السياسي المرتقب والفاعلين فيه خلال الفترة القادمة والتي تمتد من إنتخابات منتصف الفترة الإنتقالية وحتى موعد الإستفتاء على تقرير المصير. هذه الفترة الزمنية لها تأثيرها البالغ على مستقبل السودان:

    أولاً: لأن نتيجة الإنتخابات ستحدد شكل وطبيعة الحكومة خلال هذه الفترة الحرجة وبالتالي توجهاتها وسياستها في كثير من القضايا المتعلقة بمستقبل السودان، فإن كانت الحكومة في الجزء الأول من فترة الإنتقال تكونت بحكم ضرورات شرط تنفيذ الإتفاق، فإنها وفي المرحلة التالية، تأتي كحكومة منتخبة بإرادة شعبية حقيقية كانت أم زائفة(!)، وهو الأمر الذي يقنن من شرعية المؤتمر الوطني السياسية إذا قدر له الفوز.

    ثانياً: نتيجة الإستفتاء ستعيد رسم خارطة السودان الجغرافية/السياسية/الإجتماعية في حال التصويت على خيار الإنفصال، وهو الأمر الذي له تأثيرات داخلية وإقليمية ودولية عميقة. فإنفصال جزء من السودان ليس بالأمر الذي تقف نتائجه على الصعيد الداخلي فحسب. مستدعين في الذهن هذه الخلفية سنناقش الإحتمالات التي تنفتح أمامنا وإسهام هذه القوى أو تلك في التأثير على عملية التغيير.

    النظرة العامة تعطينا تباين كبير على مستوى المصالح والأهداف والآليات، وإذا إستثنينا الأبعاد الآيديولوجية ودرسنا فقط المصالح السياسية المباشرة، فإننا نجد أمامنا وضع بالغ التعقيد.

    1. المؤتمر الوطني: يمثل هم حفاظه على سلطته وبقائه في الحكومة ـ أينما كانت هذه السلطة أو الحكومة، في السودان الموحد، أو السودان الشمالي بعد الإنفصال ـ البؤرة المركزية التي توجّه إستراتيجياته، بمعني؛ أن قضية التغيير الإجتماعي والسياسي، سواء إن كانت بمضمون إسلامي أو غيره، لم تعد من أولوياته على الأقل خلال المرحلة المقبلة، فالمعركة القادمة بالنسبة له هي مسألة إعادة ميلاد جديد للمؤتمر الوطني حيث أنها ستمنحه فرصة الإنتقال إلى الشرعية الدستورية عبر صنادق الإقتراع، وهذه المعركة أقل مخاوفه. والفرص التي تنفتح أمامه قد تكون أكثر من التحديات. ويبدو من قراءة إتجاهات الرأي العام أن معالم الفرص تتلخص في العمل على كسب الإنتخابات، وهذه يمكن تحقيقها عبر محاور الشراكة السياسية بينه وبين الحركة الشعبية، تحالفاته القديمة والجديدة مع التيارات التي إنقسمت من القوى التقليدية (الإتحادي، الأمة، وبقية أحزاب التوالي)، والقدرات المالية الضخمة. كلها، عوامل وبحساب الموازنات الموضوعية تجعل من حصوله على حصة كبيرة في تشكيل الحكومة خلال فترة الإنتقال الثانية إحتمال كبير الحدوث.

    تتمثل التحديات في تحقيق السلام والإستقرار بإقليم دارفور، مواجهة وحصار توجهات التحول الديمقراطي، التعامل مع تواجد القوات الدولية، معالجة صراعاته الداخلية. هناك عامل وعلى الرغم من ضعفه وخفوته، إلا أن حدوثه قد يكون ممكناً، في أنه ماذا يحدث إن أفرزت نتيجة الإنتخابات موازنة أدخلت تحالف الشعبي والأمة في تركيبة السلطة(؟)، خاصة إذ تصورنا أن أصوات التيار الإسلامي منقسمة بين الطرفين، عموماً هذا سؤال سابق لآوانه ومتروك لصناديق الإقتراع.

    2. الحركة الشعبية: تمثل الإنتخابات هاجساً حقيقياً للحركة في ظل ضمور فعالية بنيتها السياسية/التنظيمية، إختراقات المؤتمر الوطني للجنوب نفسه، هاجس الإنفصال الذي يجعل كثير من أطراف الحركة التي تحالفت معها من أجل إنجاز السودان الجديد، تعيد حساباتها على ضوء توقعاتها للإستفتاء . في ظل هذه التحديات، والضغوط التي يمارسها المؤتمر الوطني بغرض إضعاف الحركة، فإن الإنتخابات هي في الواقع إمتحاناً صعباً بالنسبة لها، فالجنوب، وجبال النوبة والنيل الأزرق ليست دوائر مقفولة لها. لذلك نجد أن موازنة الفرص والتحديات أمامها تميل لصالح التحديات، وقياساً للضعف السياسي، فإن فرص النجاح تبدو ضئيلة أمام تحقيق أي إنتصار ساحق في الإنتخابات في حال إختيارها منازلة المؤتمر الوطني(كما يحلم بذلك ياسر عرمان). لذلك أمامها خيارات صعبة في كل الأحوال، وهي:
    أ‌. إما إختيار المضي في هذه الإنتخابات بشراكة مع المؤتمر الوطني، وفي هذه الحالة سيصل الطرفين إلى تسوية (ما) لخلافاتهما، وتقسيم مناطق نفوذ كل طرف في معادلة السلطة. وهذا خيار سهل ومتاح وفرص نجاحه أكبر، لكنه ذو تأثير كبير على الحركة نفسها على المدى الإستراتيجي البعيد، إذ انه يجردها من أهم سماتها ألا وهو خطاب السودان الجديد.
    ب‌. إو أن تمضي الحركة بإتجاه منازلة المؤتمر الوطني، وبالتالي فإن خياراتها:
    - إما أن تواجهه منفردة معتمدة على إمتدادتها في جنوب كردفان، النيل الأزرق، قطاع الشمال معتمدة في ذلك على تقديراتها الخاصة.
    - أو أن تمضي لتحالف أو تنسيق مع جبهة المؤتمر الشعبي وحزب الأمة.
    - أو أن تحي تحالفاتها القديمة مع قوى السودان الجديد، في الشرق، دارفور، الوسط، التجمع الوطني وغيرها من القوى. قد يكون هذا الإحتمال الأكثر قبولاً من قطاعات عريضة من المجتمع السودان، لكن من أهم عوائقه، هو ضعف هذه القوى ذاتها، وعدم القبول الذي قد تواجهه الحركة من تيارات القوميين داخلها، والتي قد ترى هذا النوع التحالفات جرجرة للحركة في مربع وحدة السودان على حساب التطلعات نحو الإنفصال، مفضلة الشراكة مع المؤتمر الوطني كأداة لتحقيق هدفها أو البقاء في السلطة راضية قانعة بنصيبها في الجنوب إلى مرحلة قادمة.
    إن الكرة الآن في ملعب الحركة الشعبية للإختيار بين مواقف صعبة، فالشراكة قد تحافظ على إستمراريتها على السلطة، وتخفف من حدة ضغط المؤتمر الوطني الساعي لإضعافها لكن، هذه الخطوة تفقدها الإلتزام الفكري والآيديولوجي بقضية التغيير، إذ أن هذه الشراكة ثمنها هو المضي بالعجلة الثنائية للإتفاق، مما يحول الحركة تلقائياً إلى شريك ليس في السلطة فحسب، وإنما في شمولية النظام أيضاً، ويفتح إحتمال تكتل ما تبقى من قوى ضدهما معاً.

    إن مضي الحركة في هذا الخيار أو ذاك لا تحكمه شروط الموضوعية السياسية، والإلتزام الآيديولوجي بقضية التغيير في المرحلة الراهنة التي أمامنا، وإنما متلازمة الضعف السياسي والتنظيمي، الصراعات الداخلية حول قضية تقرير المصير، والفساد، والأخيرة تجد دوافعها في أن المستفيدين داخل الحركة من الفساد سيدفعون أسوة برصفائهم في المؤتمر الوطني بالحفاظ على النظام السياسي القائم على الشراكة بين الحركة والمؤتمر الوطني لأنه يحقق لهم مصالحهم الإقتصادية وإستمرار فسادهم.

    لذلك فخيار الإتجاه نحو بناء تحالفات مع القوى المعنية بالتغيير كقرار إسترتيجي واجب إتخاذه، حقيقة يواجه مصاعب داخل الحركة، وهنا فإن العامل المؤثر في إحداث مثل هذا التحول في ذهنية قيادة الحركة نفسها، هو أن تعي أن إنجاز مثل هذ الخطوة لا تضر بها على المدى الطويل، وهي في نهاية المطاف ستربط مصالحها بمصالح أغلب فئات الشعب السوداني، وليس بقلة معزولة.

    إن الخطوات الواجب إتباعها في هذا الشأن تتمثل في الآتي:
    1. على الحركة أولاً أن تعمل على تمتين وتقوية قنواتها التنظيمية داخلها وإستعادة توازن العلاقة بينها وبين أطرافها سواء إن كانت في الجنوب، جبال النوبة، النيل الأزرق، وقطاع الشمال. والمعني بإعادة التوازن هنا إعادة الإعتبار لخطاب السودان الجديد وضرورة التغيير كركيزة أساسية وبرنامج سياسي للإنتخابات. هذه الخطوة ستعزز من ثقة هذه الأطراف في إلتزام الحركة بالتغيير وستدفع بجماهيرها لمساندتها الآن كما فعلت في السابق.
    2. فتح الحوار مع قوى السودان الجديد الآخرى في دارفور، وجبهة شرق السودان، وباقى ومنظمات المجتمع المدني بالوسط بإتجاه تأسيس تحالف عريض تقوده (هي)، تأسيساً على أرضية علاقات النضال المشترك الطويل، وخلفية مقررات مؤتمر القضايا المصيرية بأسمرا.
    3. الإسهام بقوة في ملف دارفور، والعمل على أن تحل هذه القضية وفقاً لما يحقق مصالح أهل الإقليم وليس مصالح المؤتمر الوطني. وهذا يستدعي إعادة النظر في طريق التعامل مع هذا الملف، فوحدة الحركات في دارفور يجب ألا تؤخذ بنظرة ضيقة محصورة في توسيع عضوية الحركة بالإقليم، بقدرما أن نفس الهدف يمكن تحقيقه عبر بناء تحالفات بينها وبين هذه الحركات من جانب، الكيانات الإجتماعية من جانب آخر(خاصة تلك التي تقع على مناطق التماس مع الجنوب). فقد أثبتت تجربة داؤود يحي بولاد أن الذهنية التقليدية في إستقطاب الجماهير لصالح المشاريع السياسية لا تفيد في بعض النظم الإجتماعية، خاصة تلك التي تربطها بقوة العلاقات العشائرية، وتظهر الإنقسامات القبلية بحدة.
    4. التنسيق مع كتلة الأمة والمؤتمر الشعبي خلال الإنتخابات القادمة. وقد يطرح الكثير من الناس بعض التحفظات على ذلك، لكن بالرغم من ذلك يبقى كهم أساسي من الناحية التكتيكية، فإنعدام الثقة في نوايا هذا التكتل هو موروث تاريخي رسخته هذه القوى نفسها بأفعالها ومواقفها، إلا أن عزلتها ستضر بعملية التغيير أكثر من أن تنفعها، خاصة وهي الان في أضعف مراحلها التاريخية، إذ أنها تعاني الإنقسام والتشطي، وإنهيار مقدراتها الإقتصادية ونظم علاقات الإنتاج التي أوجدتها، وفي ذات الوقت الإحساس بتبكيت الضمير من مسئوليتها من مشروع الإنقاذ الذي أدخل البلاد وأدخلها هي في مأزق حقيقي. لذلك فإن عزلتها ستحيي في داخلها مشاريع قديمة/جديدة (مثل وحدة أهل القبلة، أو المشروع الحضاري أو غيرها من المشاريع الإقصائية) وقد يدفعها هذا إلى مد أياديها المؤتمر الوطني، والأخير لن تضيره عودة هذه القوى وهي مهيضة الجناح ويدها هي السفلي، تدغدغها أحلام العودة إلى كراسي السلطة.

    نختتم هذا الجزء بأن الحركة الشعبية الآن بين شقي الرحي كما يقال، إذ أنها مواجهة بشراكة سياسية تدفعها من خلف مبررات تنعدم فيها عمق الرؤية الإستراتيجية لمستقبل السودان، سواء أن كان موحداً أو منقسماً. وتقف أهم هذه المبررات، والتي تصدر من داخل الحركة نفسها هي: أن هذه الشراكة هي جزء من عملية تنفيذ إتفاقية السلام، وأن أي إتجاهات نحو بناء تحالفات مع قوى تعادي المؤتمر الوطني، هي إتجاهات تقوّض نيفاشا، ويبدو موقف القوميين الجنوبيين في هذه المسألة أكثر وضوحاً ورسوخاً إذ أن الإتفاق وتبعاته لا يعنيهم في شئ بقدرما هو أداة تحقق لهم في نهاية المطاف الوصول إلى نقطة تقرير المصير.

    وفي ذات الوقت فهي مضغوطة من جانب المؤتمر الوطني، والذي يسعى لهذه الشراكة، مدفوعاً بمصالح عديدة، أهمها أنها تضمن له إستمرار تدفق النفط، وإستقرار نظامه السياسي في ظل عزلته من محيط الإسلام السياسي بعض المفاصلة الشهيرة بينه وبين الترابي. لذلك، فهو يضغط على الحركة في ملفات عديدة لدفعها للقبول بهذه الشراكة، أهم عناصر هذا الضغط، المماطلة والمساومة في ملفات الثروة وعائدات البترول، قضية ترسيم الحدود، وملف أبيي، هذا على صعيد الإتفاقية، أما من ناحية أخرى فهو يعمل على تقوية مواقعه داخل الجنوب نفسه، ومنافسة الحركة في مواقع نفوذها، وأخيراً عزلها من حلفائها التاريخيين. هذه التحركات الغرض منهما أضعاف الحركة إلى أقصى درجة ممكنة تجعلها تقبل بالشراكة كطوق نجاة أكثر من كونها علاقة تبادلية بين طرفين.

    إن مخرج الحركة الإستراتيجي ليس في المضي في ممارسة اللعبة كما خطط ورسم لها المؤتمر الوطني بشروطه وقوانينه، وإنما قلب الطاولة تماماً وعكس إتجاهات وقوانين اللعبة. إن الطريق الوحيد الذي يقود إلى ذلك هو إستعادتها لقيادة قوى السودان الجديد مرة أخرى، وطرح برنامجها كمخرج، غير ذلك فإنها ستجد نفسها تدور في حلقة مفرغة، خلال فترة الإنتقال الثانية، يكون المؤتمر الوطني خلالها قد حقق أهدافه الإقتصادية السياسية وحاصر الحركة في الجنوب نفسه.
                  

العنوان الكاتب Date
دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن ... سفيان بشير نابرى03-06-09, 03:00 AM
  Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . سفيان بشير نابرى03-06-09, 03:10 AM
    Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . سفيان بشير نابرى03-06-09, 03:17 AM
      Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . سفيان بشير نابرى03-06-09, 03:24 AM
        Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . سفيان بشير نابرى03-06-09, 03:32 AM
          Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . سفيان بشير نابرى03-06-09, 03:38 AM
            Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . سفيان بشير نابرى03-06-09, 03:47 AM
              Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . سفيان بشير نابرى03-06-09, 03:53 AM
      Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . سفيان بشير نابرى03-06-09, 04:07 AM
        Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . سفيان بشير نابرى03-06-09, 04:58 AM
          Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . Nazar Yousif03-06-09, 07:37 AM
            Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . سفيان بشير نابرى03-06-09, 02:23 PM
              Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . سفيان بشير نابرى03-07-09, 04:18 PM
                Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . Nazar Yousif03-07-09, 10:51 PM
                  Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . سفيان بشير نابرى03-10-09, 02:24 AM
              Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . Hatim Yousif03-10-09, 05:34 AM
                Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . Nasr03-10-09, 06:48 AM
                  Re: دويلات القبيلة في السودان:- الحركة الإسلامية ومسؤلية الإنهيار :- التجاني الحاج عبد الرحمن . جعفر محي الدين03-10-09, 07:08 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de