غادة عبدالعزيز ....وينك انتى....

Quote: اوراق متناثرة وعد لـ«تبارك»!! تبارك طفلة سودانية في التاسعة من عمرها. بسيطة مهذبة تتحدث بتؤدة وكأنها فتاة كبيرة. رأيتها أول مرة حينما كانت في الثانية ولم تتغير طباعها الوديعة من ذاك الوقت كثيرا. أذكرها بطفولتها آنذاك وقد كانت متعة «القعدة»، فهنالك من تحاول أن تجعل تبارك تنطق بكلمات أكبر من عمرها، فتحاول، ثم تخرج الكلمات من شفاهها مبتورة فتجعلنا جميعا نضحك على إثرها.. وهنالك من يداعبها بتحريك أصابعه على بطنها.. فتقهقه بصوت طفولي برئ يجعلك تضحك معها بلا قدرة على التحكم في النفس.. وأذكر أن نظرت لوالدتها قائلة :« بارك الله لك في تبارك..». وزرت أسرة تبارك في منزلها الدافئ بعد فراق طويل.. ودارت الأسئلة المعتادة حول الأطفال وكيف كبروا وتغيرت سنحاتهم.. وأتى الحديث عن المدرسة والجلوس للدراسة في مقاعد للتعليم بلغة غير لغتنا العربية وبمناهج تسقط تعاليم التربية الإسلامية.. وليس هذا فحسب بل واختلاف العادات والثقافات وطباع أسرة الأصدقاء.. كثيرة هي قضايا أطفالنا في الغربة ومتشعبة متشابكة.. وبدأت تحدثني والدة تبارك عن مشكلة تعرضت لها أبنتها حديثا في المدرسة.. ذهبت تبارك في رحلة مدرسية مع فصلها احتفالا بنهاية العام الدراسي.. وكان الأطفال يلهون ويلعبون.. يجرون ويضحكون.. يأكلون ويشربون.. وكانت تبارك، كعادتها، عازفة عن الأكل.. فهي منذ صغرها ضنينة على معدتها ولا تشبع نفسها... فبقيت طوال سنوات عمرها البسيطة قليلة القد رفيعة القوام.. ولمحت أستاذة تبارك اللقيمات القليلة التي تتجود بها على نفسها فعلقت لها: -تبارك أنت هنا لا تأكلين وأهلك في السودان يتضورون جوعا. وصمتت تبارك.. وبدلا من أن تبلع اللقمات بلعت كلام الأستاذة... ولكن نفسها لم تستطع أن تهضمه وظلت تبارك بعد عودتها من المدرسة صامتة طوال يومها.. وأتي صباح اليوم التالي وتبارك لا تزال ساكتة.. في حركاتها ساكنة... وظلت متباطئة في الخروج للمدرسة حتى سألتها والدتها عن السبب.. فهمست الطفلة الصغيرة: -إنتي يا ماما أهلي في السودان فعلا جوعانين؟ وتفاجأت الأم بهذا السؤال وبدأت تسأل هي عن السبب وراء استفسارات تبارك.. ولم تعبأ الفتاة وواصلت أسئلتها هي: -هي حبوبة صحيح بتكون جوعانة الآن؟ هل خالتي متألمة من الجوع؟ وبدأت الطفلة تذكر كل من تعيه ذاكرتها من أفراد أسرتها والوالدة لا تزال متحيرة.. حتى عرفت ما قالته أستاذة تبارك لها في المدرسة.. وما أن أوصلت والدة تبارك أبنتها إلى المدرسة حتى هاتفت الإدارة وأخبرت المديرة عن الحديث الذي ساقته الأستاذة لابنتها.. ووعدت المديرة بالتحقيق في الأمر والرد على الأسرة في أسرع فرصة.. ولم ترد المدرسة بذات السرعة المتوقعة.. فاتصلت أسرة تبارك بمكتب التربية والتعليم بالولاية الذي بدأ التحقيق.. وحصلت الأسرة على اعتذار مباشر من المدرسة ولكن لم يكن الاعتذار نهاية المطاف.. فقد وعدت إدارة التربية والتعليم بتقديم دورات تدريبية إضافية لمعلميها لكي يعرفوا كيفية التعامل مع الأطفال من الثقافات الأخرى.. لقد حملت تبارك في صغرها وزر اختلافات بلادها وحملت في قلبها أحزانا أكبر من عمرها وحجمها.. إن وزر ما وقع لتبارك لا يقع على أستاذتها أو مدرستها فقط، بل على كل سوداني لا يعمل من أجل تنمية بلادنا.. فمن أجل تبارك وكل طفل يأتي بعدها أعد بأن أرفع ساعدي لدعم الوطن..