|
رأس السنة .... ومجزرة الكتاكيت !
|
نشرت بجريدة المستقلة - 2-1-2009 ................................................
الشيء الذي اتوقف عنده في نهاية كل عام , عند الحديث عن رأس السنة , هو المفارقة التي لا يذكرها أحد .. تلك التي تتمثل في ان رأس السنة في الواقع , إنما هو ( ضنب ) لسنة أخرى مضت ..!!
** فإذا كنتم مقتنعين – مثلي – بأن كل شيء له بداية لا بد له من نهاية , وأن كل ما له رأس لابد أن يكون – بالضرورة – له زيل , فلا بد أنكم ستندهشون إذن من الإحتفال براس السنة , وتجاهل هذا الجزء المهم منها .. !
** ويبدو ان الإهتمام بالرؤوس دون الأزيال لا يقتصر على رؤوس السنين وحدها , فثمة شيء ما جعل الناس يلصقون كلمة " الأزيال " مع الخيبة .. فيجرجرون ازيال الخيبة .. إمعاناً في التجاهل !. وبزيارة واحدة لأي مطعم لحوم , ستدرك تماماً قيمة الرأس لدى أكلة اللحوم ! ذلك الرأس الذي يحتفلون به بطريقة " دراكولية " ويسمونه " الباسم " ... ربما يتبسم إحساساً منه بجو البهجة والإحتفال ..!
** وبدرجة معقولة من التفكير ستكتشف أن لحظة الإنتقال من سنة الى أخرى في منتصف ليل 31 ديسمبر إنما هي شهادة مؤكدة بان سنة أخرى من عمرك قد مضت , وان مجموع السنين المخصصة لك فى هذه الدنيا قد نقص واحداً , وعندها سيكون معقولاً ان نعتبر تلك الليلة مناسبة للحزن على هذا العام الذي رحل , والذي فرغنا من امره وعرفنا ما فيه , خيراً او شراً .. وحينها فإن مظاهر الإحتفال بعام قادم لا ندري ما فيه ستفقد معناها .... ذلك هو الجزء الفارغ من الكوب ..!
** جرّب أن تقول الكلام السابق لأحد المحتفلين " المروسين " الذين يرون الجزء الممتليء من الكوب ... سيعطيك محاضرة عن التفاؤل , والإستبشار بالعام الجديد , وجرد الحساب , و و ... , وربما بلغ به الحماس حداً يجعله يقذف بالجزء الممتليء من الكوب في وجهك ! وعليك ان تكون مستعداً لتقبل ذلك , فالقذف بالماء هو أهون ما ما يمكن ان يصادفك في تلك الليلة العجيبة , فأنواع المقذوفات التى يطلقها المحتفلون " المروسون " في الشوارع ذلك المساء يمكنها بقليل من التنظيم ان تشكل دعماً كبيراً لترسانة السلاح العربي التعبانه !
تلك المقذوفات تتنوع بين " الدقيق " مروراً بـ " الطماطم" , وانتهاء بـ " البيض " في خليط إحتفالي يمكن ان نفهمه بإعتباره نوعاً من الكسل ... فالمحتفلون الذين لم يجدوا وقتاً لصناعة الكعك والتورتة فى منازلهم قرروا أن يأخذوا معهم المواد الخام الى الشوارع , ليقذفونها على وجوه المارة وراكبي السيارات , معتقدين أن حرارة الإحتفال على وجوه هؤلاء المارة قد تكون كافية لإنضاج الكعك ... ربما !
** أنا شخصياً أتضامن مع طائفة الدجاج في موقفها من رأس السنة .. فجميع انواع الدجاج , بمختلف قبائلها وأحزابها السياسية , تكره تماماً فكرة الإحتفال براس السنة , لأنه يعني عندها ان جميع البيض الذي تنتجه , وتنفق الوقت والجهد لرعايته , وجعله " كتاكيتاً " صالحة , جميع هذا البيض سيتم اخذه منها , لقذفه على السيارات والمارة ! فالإحتفال براس السنة إذن إنما هو مجزرة ضخمة للكتاكيت ... ليس إلا !
** وإذا إنتقلت بأفكارك الى مرحلة أخرى , فسيمكنك ان ترى بوضوح ان قائمة الذين لا يحبون إحتفالات رأس السنة لا تقتصر على الدجاج فقط , فنهر النيل مثلاً يفقد الكثير مياهه بلا جدوى في تلك الإحتفالات , تلك المياه التي يتم رشها على العابرين , والتي ستكون خصماً من مياه الأجيال المقبلة , التي ربما سيكون مصيرها ان تذهب الى أحتفالات رؤوس السنين المقبلة بملابس متسخة ..!
وإذا عرفنا ان الجو في هذه الايام يميل الى البرودة مساءً , فإن فكرة التعرض للرشق بالمياه الباردة في الإحتفالات , ستجعلك بالتأكيد تعيد التفكير في مبدأ الإحتفال براس السنة ... مستصحباً فكرة " الضنب " ..!
** اكثر ما أدهشني في إعلانات الحفلات التي تملا الشوارع في الايام الأخيرة من العام , هو وجود إعلانات متعددة لفنان واحد يغني في فى نفس الزمان "ليلة رأس السنة " , وفي أمكنة متعددة ! ولما كنت اعرف ان حكاية الشبح الذي يوجد في أكثر من مكان واحد في نفس الوقت ما هي إلا مجرد حكاية .. فسيعني هذا أن قصة الرؤوس السبعة قد إنتقلت من رأس تلك الحيـّـة ذات السبعة رؤوس , الى راس السنة , مروراً برأس الفنان المغني ..!
** رؤوس كثيرة إذن تعمل في ليلة رأس السنة : رؤوس تتم الإطاحة بها ذبحاً , هي رؤوس الخراف في رحلات اليوم الأول من العام , ورؤوس أخرى تظل منشغلة بالتفكير في تأمين الرؤوس المحتفلة , تلك هي رؤوس رجال الشرطة , و ما بين هذه الرؤوس وتلك يحتار الكثيرون " وتنقطع رؤوسهم " في التفكير في برنامج " للترويس " , والإحتفال . كل هذا الجهد كان من الممكن الإبتعاد عنه بسهولة ... فقط لو تذكر الناس " الضنب " ..!
**
..كل عام وأنتم بخير ..
**
(عدل بواسطة وائل فحل on 01-02-2009, 11:05 PM) (عدل بواسطة وائل فحل on 01-03-2009, 04:56 AM)
|
|
|
|
|
|