محمد محمد علي - لكل عصر بلاغته، وهذه البلاغة لا تصلح لنقد الادب!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 09:09 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عبد المنعم عجب الفيا(agab Alfaya & عجب الفيا )
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-16-2004, 10:00 PM

Agab Alfaya
<aAgab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجزء الثاني من مقال محمد محمد علي! (Re: Agab Alfaya)

    هذه البلاغة لا حاجة لنا بها ( 2 )


    انتهينا في حديثا السابق إلى أن قواعد البلاغة لا تصلح معيارا للنقد الأدبي . وذلك لأن الجمال الفني ، أمر لا تحده هذه الظواهر البيانية ولا تدل عليه ، فهو قوة نفسية تشيع في الأسلوب كله ، وهو جذوة منتقدة من حرارة النفس وفتوتها . فكم من كلام استوت تشبيهاته واستقامت استعاراته ، ووافق هوى المخاطب وأرضى مثله الأعلى في الفن ، ولبس من الوشى والزخرف حبرات مفوفه ، مات بموت مناسبته ، لم يتجاوز تأثيره الموقف الذي أعد له . وكم من أثر أدبي تدفق من نفس صاحبه تدفق السيل ، وانحدر انحداره ، لا يأبه لما في طريقه ، ولا يبالي أركب نجدا جديبا ، أم تدفق في سهل ممرع ، بقى بعد فناء دواعيه مثلا يحتذى وشهابا يستضاء به ، ولم ينحصر تأثيره في جيل من الأجيال ، أو بيئة من البيئات . والفن في حقيقته مغامرة تحطم القوالب ، وتهزأ بالمألوف . ولو فقدت الفنون عنصر المغامرة ، واستكانت لارادة عباد القواعد لجمدت في صورتها الأولى ، ولأصبح تاريخ الآداب ضربا من التكرار الممل ، وسجلا لهمود الإحساس الإنساني وتحجره .

    ومن عجيب الأمور وغريبها أن نجد اليوم من يدافع عن قواعد السكاكي ، ويتخذ منها مقياسا لدراسة الشعراء والموازنة بينهم ! . فقد أخرج الأستاذ عباس حسن الأستاذ بكلية دار العلوم كتابا أسماه " المتنبي وشوقي " وازن فيه بين شعر المتنبي وشعر شوقي ، وانتهت به موازنته إلى تفضيل شعر شوقي على شعر المتنبي !. وكان أهم معيار أعتمد عليه في هذه الموازنة العجيبة ، قواعد البلاغة . ومما قاله في الدفاع عن البلاغة القاعدية " لشد ما يؤلمني أن أرى بعض المثقفين والمتأدبين يتأفف حين يسمع البلاغة القاعدية ، ولا يتورع عن اتهامها بإفساد الذوق الأدبي 000 وهو لهذا ينادى بنبذها وتحريم دراستها في معاهد التعليم ، مدعيا أن الملكة الأدبية تنمو بقراءة الأدب نفسه ، وتترعرع عليه وحده ، فلا خير في قواعد البلاغة ودراستها ، ولا غناء في فهم أصولها وفروعها ، وقراءة كتبها . وهذه دعوى جريئة تقوم على كثير من المغالطة أو التسرع . فليست قواعد البلاغة إلا كقواعد النحو ، فقد ساعدنا النحو على فهم الكلام العربي ، من ضبط حركاته ، كما ساعدنا على محاكاته ، قولا وكتابة بغير خطأ . أكان في استطاعتنا أن نصل إلى هذه الغاية الجليلة من طريق القراءة المستمرة والاستماع الطويل إلى الصحيح من كلام العرب 0000 الخ " وبقية دفاع الأستاذ كلها تدور حول هذا المعنى بالشرح والتوضيح .

    وواضح من هذا الكلام أن البرهان الذي يعتمد عليه الأستاذ في بيان أهمية قواعد البلاغة وضرورتها ، هو أنها كقواعد النحو تماما ، والأدباء جميعا متفقون على أن قواعد النحو شئ لا غنى عنه . وقد عرف القارئ رأيي في قواعد النحو في مقال سابق ، فأنا أسلم بجدوى القواعد المستقاة من اللغة الفصحى ، وهي قواعد قليلة مطردة . ومع ذلك أقول أن فائدتها لا تتم إلا بمزاولة الأدب والأنس به . أما قواعد البلاغة فشئ آخر ، لا سبيل إلى مقارنته بقواعد النحو ، لأن مهمة النحو تحرى الصحة في الكلام ، وتحديد المنهج الذي يخرج الكلام بمخالفته عن كلام العرب ، ومن الضروري ومن المألوف أيضا أن نضع للصحة قواعد وحدودا . ولكن البلاغة لا تبحث عن صحة الكلام وخضوعه لما تواضع عليه المتكلمون باللغة العربية ، بل تبحث عن الخواص التي إذا توفرت في نتاج أدبي صار بليغا . فهي تبحث عن الجمال لا عن الصحة ، والجمال أرحب أفقا وأكثر حرية من هذا الأفق المحدود والمضطرب الضيق ، الذي تحاول البلاغة أن تحصره فيه . الجمال تمرد ووثوب ، والقواعد استكانة وهمود ، والجمال تحليق والقواعد اسفاف . ويعجبني في هذا الصدد ما أدركه الناقد الحصيف عبد العزيز الجرجاني وسجله في كتابه " الوساطة " فقد قرر في كلام طويل لا نستطيع إثباته هنا ، نكتفي منه بلمحة دالة ، قرر أن الجمال الفني أمر لا يحدده توفر الخواص والصفات التي درج الناس على تفضيل الكلام المشتمل عليها ، والشهادة بحسنه . وذلك حيث يقول " وأنت ترى الصورة تستكمل شرائط الحسن وتستوفى أوصاف الكمال ، وتقف من التمام بكل طريق . ثم تجد أخرى دونها في انتظام المحاسن والتئام الخلقة ، وتناسب الأجزاء ، وتقابل الأقسام ، وهي أحظى بالحلاوة وأدنى إلى القبول ، وأعلق بالنفس ، وأسرع ممازجة للقلب . ثم لا تعلم وإن قايست ونظرت وكرت سببا لما خصت به مقتضبا 00 "

    وإذا كان علم الجمال لا يزال يحبو ، والنقاد يلمون به ويستعينون به في حذر ، فأحرى بقواعد البلاغة الأثرية أن تتواضع وأن تعرف مكانها اللائق بها . وهناك قضية يجب أن تكون واضحة في أذهاننا هي أن لكل عصر بلاغته ، وهذا أمر معترف به في تاريخ الآداب ، فالشعر العباسي والجاهلي ، مهما تكن قوة الوشائج التي تجعل من الشعر العربي في عصوره المختلفة شعر لغة واحدة ، ومهما يكن من جمود الشعر العربي ولزومه عمود الشعر الجاهلي . فنحن بمجرد سماعنا قصيدة أو أبياتا نحدد مكانها من التاريخ مع استثناء الشذوذ والمفرقات . ونحن اليوم قد فقدنا الإحساس بمعاني كثير من الأدوات التي كانت تستعمل للتوكيد في رأي البلاغيين مثل إن وأن وقد 00 الخ . وأخذ أدباؤنا وشعراؤنا الكبار ، يستعملونها لمجرد الربط والاستعانة بها على تلاحم أجزاء الكلام . ولعلها كانت كذلك منذ عهد سحيق – فأبو نواس في بيتيه :

    ولقد نهزت مع الغواة بدلوهم وأسمت سرح اللهو حيث أساموا
    وبلغت ما بلغ أمرؤ بشبابه فإذا عصـــارة كـــل ذا آثــــــــــام

    لا يريد أن يؤكد شيئا لأن ما ذكره هو الصفة التي أشتهر بها بين معاصريه جميعا .

    ولم يكن موقفه هنا موقف يفتخر على نظرائه مما يتباهون بالإمعان في الغواية ، بل هو موقف النادم على ما فرط في جنب الله .


    وسيكون نصيب من يحاول الرجوع بنا إلى الوراء من النجاح ، نصيب أولئك النقاد الذين وقفوا في وجه أبي تمام ، ومن كانوا يسمونهم المحدثين بوجه عام .

    بل أذهب إلى أبعد من هذا فأقول : ان لكل شاعر فحل وكاتب أصيل بلاغته الخاصة المستمدة من طبعه وظروفه ، وهذا معنى قولهم " الأسلوب هو الرجل " والأسلوب في حقيقته مجموعة من الخواص النفسية تنعكس على الجمل والتراكيب . ومن هنا كان لكل شاعر لونه الذي لا تغنى عنه الألوان الأخرى ، ولا هو بمغن عنهـا . ولكل كاتب فنه الذي لا يغنى عن الفنون الأخرى ولا هي بمغنية عنه .

    ولست في حاجة إلى أن أقول أن نظرتنا إلى البلاغة قد تغيرت تغييرا أساسيا تبعا لتغيير الاتجاه في الإنتاج الأدبي والنقد الأدبي . فلم يعد من همنا اليوم أن ننظر فيما اشتملت عليه القصيدة مثلا من تشبيهات واستعارات ومحسنات لفظية ومعنوية ، نفصلها لذلك بيتا بيتا ، ونميزها جملة جملة . وإنما ننظر إلى القصيدة نظرة شاملة ، لاعتقادنا أنها وحدة تساند أجزاؤها جميعا لتفضي بنا إلى جلاء الإحساس الذي خامر نفس الشاعر ، أو الفكرة التي سيطرت على ذهنه ، ونقيس جودة القصيدة بمقدار توفيق الشاعر في الكشف المؤثر عما خامر إحساسه أو لمع في ذهنه .
    وإذا جنحنا إلى شئ من التفصيل فلا يتعدى ذلك البحث عما اشتملت عليه القصيدة من صور ، قد تنتظم الصورة الواحدة منها مجموعة من الأبيات ، وإذا نقدنا الكلمات من جهة الصحة أو الجمال أو تعرضنا للتشبيهات والاستعارات ، فإنما يكون ذلك لتقويم الصورة وتحديد معالمها . وقد تشتمل القصيدة على كثير من الأبيات المعيبة الساقطة ، ومع ذلك نعتبرها قصيدة جميلة ما دامت في جملتها تكشف عن الغرض كشفا رائعا مؤثرا .
    وكثيرا ما تجاوزنا النقد الفني إلى دلالة الشعر النفسية ، إلى ملاءمته لنفس قائلة ، وهنا قد يكون الشعر الذي تزري به قواعد البلاغة أبلغ في الدلالة على أصالته من الشعر الذي تشهد له بالحسن . فإذا أخذنا مثلا تلك القاعدة المشهورة " البلاغة الإيجاز " وواجهنا بها شعر ابن الرومي ، ومنزلة ابن الرومي في الشعر العربي غنية عن الإشارة إليها ، فما أراه يثبت للنقد وسيخرج عن نطاق البلاغة لأنه خارج عن حد الإيجاز . ولكنا إذا نبذنا هذه القاعدة الجامدة ودرسنا حالة ابن الرومي النفسية ودرسنا ملابساتها ، وجدنا شعره بليغا معجزا في بلاغته ، لأنه يصور نفس صاحبه أروع تصوير . ولو أردنا من ابن الرومي أن يجعل الشعر " لمح تكفى إشارته " كما يريد البحتري ، واستجاب لنا لما فهمنا منه شيئا ، ولا فهم هو من نفسه شيئا .

    وإذا كانت قواعد البلاغة لا تصلح معيارا للنقد فإن مزاولتها – وخاصة في كتب السكاكي ومن جاء بعده – تفسد الذوق إفسادا لا يرجى له بعده صلاح . وهذا أمر قد أشرت إليه فيما سلف ولا أحب أن أعود إليه . ولكنني أحب أن أقول : إن قراءة كتب مثل كتابي عبد القاهر الجرجاني " إعجاز القرآن – أسرار البلاغة " مفيدة جدا ، بشرط ألا يركب قارئها الغرور فيعتقد أنه مالك أسرار البلاغة ومفاتيح النقد الأدبي باستيعابه لما اشتملت عليه من ملاحظات وقواعد . وأحببت أيضا أن أجيب على سؤال ربما خامر نفس من يقرأ هذا الكلام هو : هل معنى ذلك أن نترك دراسة البلاغة في مدارسنا ومعاهدنا ، ونحن نرى لها قيمة تاريخية ، ونرى لها قيمة عملية تتجلى في فهم تاريخ الأدب نفسه ، فإننا مثلا لا نستطيع أن نعرف عصور الصنعة ونميزها عما سبقها وما تلاها من عصور إلا بمعرفة هذه القواعد ، ونحن لا نستطيع أن نمضي في قراءة كتاب مثل كتاب ابن رشيق إلا إذا كان لنا إلمام بهذه القواعد ؟.

    وجوابي على هذا السؤال أن دراسة قواعد البلاغة كما نمارسها اليوم مضيعة للوقت ، ومشغلة عن الأدب ، ومفسدة للذوق . ومع ذلك فإني لا أقول بإلغائها وإهمال شأنها ، بل أني أرى من الخير أن ندرس منها مقدارا يساعدنا على فهـم تاريــخ الأدب ، وقراءة كتب الأقدمين بمنهج مخالف للمنهج المتبع اليوم .

    فالبلاغة تدرس عندنا حتى هذه اللحظة بطريقتين : الطريقة القياسية التي تذكر فيها القاعدة أولا ، ثم تشفع بأمثلة تندرج تحتها وهذه الطريقة هي التي تمارس في المعاهد الدينية . والطريقة الثانية الاستنتاجية التي تساق فيها الأمثلة أولا ثم تستنبط منها القاعدة ، وهي الطريقة السائدة في المدارس . وفي كلتا الحالتين تخصص للبلاغة حصص وتفرد لها ورقة في الامتحان . وهذا هو الخطل بعينه ، فاستقلال البلاغة على هذا النحو لا يحقق غرضا حتى عند من يؤمنون بجدواها ، لأنه يباعد بينها وبين الأدب ويضع في أذهان التلاميذ أنها شئ آخر .
    وعندي أنه يجب أن نفصل فن المعاني ، ونلحقه بالنحو ذي القواعد المطردة الذي أدعو إليه ، فهو في حقيقته أعنى فن المعاني فلسفة نحوية ، وهكذا فهمه عبد القاهر الجرجاني . أما فن البيان وفن البديع فيجب أن ندرس القواعد الأساسية منهما ضمن شرح النصوص الأدبية ، باعتبارهما وسيلة من وسائل الشرح والإيضاح ، وبذلك نستطيع أن نستفيد منها في فهم خصائص العصور الأدبية ومميزاتها في تعمد الصنعة والسير على مقتضى الطبع .




    انتهي مقال، محمد محمد علي
                  

العنوان الكاتب Date
محمد محمد علي - لكل عصر بلاغته، وهذه البلاغة لا تصلح لنقد الادب! Agab Alfaya03-16-04, 09:44 PM
  Re: الجزء الثاني من مقال محمد محمد علي! Agab Alfaya03-16-04, 10:00 PM
    Re: الجزء الثاني من مقال محمد محمد علي! ABU QUSAI03-17-04, 09:55 AM
      Re: الجزء الثاني من مقال محمد محمد علي! Dr.Elnour Hamad03-17-04, 08:05 PM
      Re: الي ابو قصي! Agab Alfaya03-18-04, 04:54 AM
  Re: محمد محمد علي - لكل عصر بلاغته، وهذه البلاغة لا تصلح لنقد الادب! Agab Alfaya03-24-04, 05:30 AM
  Re: الاخ الدكتور النور حمد Agab Alfaya04-03-04, 06:02 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de