|
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" (Re: هشام آدم)
|
شخصيات الرواية: تزخر الرواية بالأحداث والتفاصيل والشخصيات، ولكن الملاحظ أن قلة من الشخصيات الروائية في هذه الرواية هي من يُمكن اعتبارها شخصيات محورية، على الرغم من التعمّق في ذكر بعض الشخصيات التي لا يُمكن عدّها من الشخصيات المحورية، فشخصية مثل شخصية سلطان ود شريف ود رحال (والد فركة) لا يُمكن اعتبارها شخصية محورية، ورغم ذلك فإننا نجد الكاتب قد استفاض في الحديث عنه وعن تاريخه، وكذلك عدد لا بأس بهم من الشخصيات الأخرى التي تناولها الكاتب بالشرح والإيضاح، رغم أنها لم يكن لها تأثيرات واضحة على مجريات الأحداث داخل الرواية، فنراه يسهب في توصيف "كادوقاي – والدة فركة" فيقول: "كادوقاي فاتنة وجميلة رغم امتلاء جسدها فهي طويلة أصاب صدرها قليل من الترهل، فسالت الأثداء على صدرها كقطرات الماء على الزجاج، حول فمها تنبت نونات جميلة عندما تبتسم. ابتسامتها تفرح الحاضرين، امتلاء جسدها جميل يجعل جسمها القوي يتربرب بغنج ودلال"[الرواية: ص5] رغم أن شخصية كادوقاي لم تكن من الشخصيات الأساسية في الرواية، هذا إن لم نصنفها على أنها من الشخصيات السلبية في الرواية، مستندين في حكمنا هذا على ما جاء على لسان الراوي نفسه: "وهناك في كاسي كادوقاي ربطت على يدها اليمنى عصابة من الدمور، وأعلنت الصوم عن الطعام (...) كادوقاي لم تسمع كلام أحد"[الرواية: ص21] ولها مشاهد تتضح فيها سلبيتها بأشكال أكثر وضوحاً. وحسب قراءتي الشخصية للرواية فإن الشخصيات المحورية في الرواية كانت "فركة" وحدها لا غير، وأن بقية الشخصيات الأخرى كانت شخصيات هامشية، إلا إذا استثنينا شخصية: الزاكي وعوض الكريم (النخاسين) على اعتبار أن وجودهما في الرواية كان مؤثراً في إحداث عقدة الحكي والأحداث ورفع وتيرتهما، وهنالك شخصيات كان لها تأثير نفسي جوهري للغاية كشخصية "ست فضيل" التي احتضنت "فركة" وتولت تعليمها الخدمة وتزيينها وإعدادها لسيّدها المك.
ومما يُمكن ملاحظته في هذه الرواية: فقر التوصيفات الجسمانية لبعض الشخصيات الأساسية في الرواية، بحيث يصعب على القارئ وضع تصوّرات ذهنية كاملة لهذه الشخصيات رغم تأثيرها الكبير داخل الرواية وفي مجريات الأحداث، فشخصية مثل شخصية الزاكي وعوض الكريم باعتبارهما شخصيات محورية، من حيث أنهما النخاسة اللذان تمكنا من صيد فركة وبعض العبيد، لم يفرد الكاتب لهما توصيفاً جسمانياً يُمكن الاعتماد عليه في رسم تصوّر خيالي لهما، وكذلك شخصية المك الذي قام بشراء فركة، وكان من المتوقع أن يُسهب الكاتب في سرد تفاصيل وصفية وافية عن المك، وبالتالي تم تهميش دور هذه الشخصية التي كان يُتوقع منها الكثير، لكننا وجدناه يُسهب في الحديث عن زوجاته (زوجات المك) واللواتي لم يكنّ شخصيات ذات تأثير ملحوظ وفاعل في الرواية، كما نجد في قوله: "أهل ستنا (زوجة المك الكبرى) من العبدلاب في قرّي"[الرواية: ص77] وكذلك في قوله: "ستنا؛ زوجة المك، من بنات الشيخ عجيب المانجلك، وهي امرأة غارقة في العز وريّانة"[الرواية: ص104] وكذلك في قوله: "ستنا؛ زوجة المك الأولى، امرأة هادئة، وجمالها عريق، أنجبت للمك بناته: زنوبة ونورا وابنه حسان"[الرواية: ص107] كذلك وصفه لستنا في قوله: "في جولاتها هذه عادة ما تلبس جلباباً مصنوعاً من القطن يتدلى حتى منتصف الساقين (...) شعر رأسها ممشط في حوالي الاثنتي عشرة ضفيرة غزيرة تنشر على عنقها لتغطي حتى منتصف الظهر، على صدرها ينبسط عقد الشبيكي المنظوم على أسلاك ذهبية (...) على ساعديها سواران من ذهب مزيّن بفاروزات العقيق الأحمر التي تلمع بدلال على ساعديها المملتلئين بالعز والنعومة، على ساقيها حجول ذهبية مزينة بنقوش متنوعة، عادة ما تنتعل كركباً أبنوسياً رقيقاً أو حذاءً جلدياً بسيور متخالفة (...) كان وجهها مدوّراً وممتلئاً وجميلاً، وفمها واسع على نحو ما، وشفتاها حمراوان وممتلئتان، وأسنانها بيضاء، وفي عيونها جمال مًدخر منذ آماد بعيدة، تضع ستنا فوق أنفها نمشة صغيرة من الكحل بأربعة أركان، ونمشة طويلة على منتصف الأنف، وثالثة على منتصف الذقن. النمشات السوداء وهدوء الشفاه، وضمور الخصر، وانشطاف البطن، تجعل من الصعب على أي إنسان تقدير عمرها، ويحس الجميع إن شبابها دائم"[الرواية: ص108-109]
الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن سر الاهتمام بتوصيف الشخصيات غير المحورية وترك الشخصيات المحورية تبدو كأشباح وخيالات أو أطياف (على حد تعبير القاصة رانيا مأمون) وما سر هذا الزهد في الوصف الجسماني، حتى على مستوى الشخصية المحورية نفسها (فركة) فالوصف الذي جاء عن فركة كان –دائماً- في معرض التغزل بجمالها الأنثوي لإبانة ما تحمله من إغراء وفتنة، وهو ما يُمكن أخذه على الكاتب حيث لم يتمكن من التخلّص من ثقافة الجلابة حتى في معرض نقدهم تاريخياً، وهو في وصفه لفركة (حتى على لسانها) إنما يُركز على النواحي الجنسية لديها: أفخاذها، عجيزتها، صدرها، حلمتي صدرها ... إلخ. وهو ما يجعلنا لا ننظر إلى فركة كإنسان يجب أن ننتبه إلى معاناتها، بل كأنثى مثيرة لا يحفز النظر إليها إلا فعل الاشتهاء حتى ولو كان الناظر إليها أنثى أخرى، كما في قوله على لسان حال إحدى زوجات المك: "علمت ستنا إنها أمام شابة قوية الشكيمة ومكمّلة بجمال جسدها وعز أهلها"[الرواية: ص106] وكذلك في قوله: "فخطت (أي فركة) خطوتين مقتربة من قدمي ستنا التي لم تقل شيئاً وظلت تنظر إلى فركة بدهشة وإعجاب، وتتأمل اكتمال أنوثتها وشبابها، لدرجة أنها عندما طافت بنظراتها على أثداء فركة النافرة، قالت بسهوم: "ما شاء الله". الخجل والارتباك جعلا الدوائر داكنة اللون حول حلمتي نهدي فركة تتكرمشان برفض. أمرتها بالوقوف، فوقفت فركة، ستنا لم تقل شيئاً غير: "ما شاء الله، الله يحفظك يا بتي" ...."[الرواية: ص106-107] وكذلك في قوله: "فركة لم يكن يُزينها شيء غير جمال أكيد ورثته من أمها كادوقاي، وعز عزيز وشمم أخذته عن أبيها، ولا يستر جسمها غير سيور الرحط. نفور ثدييها المتأهبين للقفز عن صدرها، استواء بطنها، وحسن خصرها المُضمّر المجنون، نعومة فخذييها، وامتلاء ساقيها بدلال وتيه"[الرواية: ص90] وربما يلحظ القارئ النفس العروبي في هذا التوصيف، إذ أن تلك هي مواصفات الجمال العربية، وبهذا فقد فضح الكاتب خلفيته الثقافية ولم يستطع التحايل عليها أو التخلص منها، وهو ما ساهم في إفقاده الكثير من المصداقية لدى القارئ.
وللإنصاف فإن القارئ ربما يلاحظ مما سبق أن الكاتب لديه ملكة مُدهشة في الوصف الحسي المكاني، والذي يجعل القارئ يشعر بإلفة من نوع شديد الخصوصية مع المكان، فهو يستغرق في وصف المكان حتى أن القارئ لا يكاد يجد صعوبة في تخيّل المكان وتصوّره وكأنه ماثل أمامه، ولن أعطي أمثلة على ذلك لأن الرواية في أغلبها زخرت بهذا النوع من الوصف التفصيلي، ولكن فقط نشير إلى وصف الرواية لبيت "ستنا" زوجة المك الأولى [ص77-79] وغرفتها الخاصة[ص104-105]، وكذلك وصفه لقرية كاسي وبيوتها. [ص6-7]
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:07 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:09 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:11 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:15 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:18 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:21 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:25 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:28 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | الخير محمد عوض | 04-09-11, 10:26 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | صلاح عباس فقير | 04-10-11, 05:36 AM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:35 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:36 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:37 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:38 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:38 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:39 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:40 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:41 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:42 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | طه جعفر | 04-11-11, 09:03 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | معتز تروتسكى | 04-11-11, 09:38 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-19-11, 05:40 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-20-11, 08:46 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-20-11, 08:50 PM |
|
|
|