|
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" (Re: هشام آدم)
|
من الإرباكات المتعلقة بالحبكة ما نجده في بداية الرواية، فيما يتعلق باللحظة التي تم فيها الغدر بفركة وصديقاتها واصطيادهن، فهل كانت فركة ورفيقاتها ذاهباتٍ لشراء الأقمشة من الجلابة، أم كنّ يبحثن عن ثمار القرع البري والدليب؟ وفي هذا الشأن نقرأ في صفحة واحدة ما يلي: "كادوقاي أرسلت فركة ومعها عدد من البنات برفقة تيّة لجلب الأقمشة بعد أن وفر لها سلطان ود شريف ثمنها من الجلود والعاج"[الرواية: ص14] هذا المقطع يُعطينا إشارة إلى أن فركة كانت في طريقها لشراء الأقمشة من الجلابة (الزاكي وعوض الكريم) ولكن وفي نفس الصفحة وفي فقرة أخرى نقرأ شيئاً آخر: "كانت مع فركة سبعة من رفيقاتها، كن يبحثن في الخلاء عما يفيد من ثمار القرع البري والدليب الناضج، ويتوقفن لحصب أشجار الهجليج والتبلديات ..."[الرواية: ص14] الأمر الذي جعل لحظة صيد الفتيات لحظة هلامية وغير واضحة الملامح، لاسيما إذا وضعنا في اعتبارنا ما ذكره الراوي في صفحة سابقة عندما قال: "اتفقوا على خطة، ولكن الحظ وفر لهم الجهد ومنحهم فرصة نادرة، لم يحلموا بها"[الرواية: ص13] فإذا اعتبارنا أن عنصر الحظ تدخل في تلك اللحظة، فإننا –بالتأكيد- سوف نميل إلى تصديق أن فركة ورفيقاتها كُن يبحثن –بالصدفة في تلك الأثناء بالتحديد- في الخلاء عن ثمار القرع البري والدليب ويحطبن أشجار الهجليج، فهذا مما يُدعم عنصر الصدفة المقترن بالحظ كما جاء على لسان الراوي في [ص13] ولكننا في مكان آخر نقرأ: "بجلستهم في السوق أدرك النهاضة ألا سبيل لخرت الرقيق بالقوة، وعلموا ألا سبيل إلى القنص إلا بالخداع؛ لأن فتيان القبيلة كُثر، ومنهم من يتجوّل مُسلحاً"[الرواية: ص11] وفي هذه الحالة فإن اتخاذ بيع الأقمشة والبهارات كغطاء مُخادع يجعل من فرص الصدفة أمراً مُستحيلاً، بل يجعل الأمر يبدو مُدبراً ومخططاً له، وهو ما يتنافى مع نظرية الصدفة التي تحدثت عنها الراوية في مكان آخر، فتُصبح أمامنا رؤيتان للحظة القبض على فركة ورفيقاتها، ولا نعلم جزماً أيّ من هاتين الرؤيتين هي الصحيحة، إلا أن تكون فركة ورفيقاتها قد ذهبن للخلاء بحثاً عن ثمار القرع البري بعد أن فرغن من شراء الأقمشة، وهذا ما لم يذكره الراوي صراحة.
ثم إننا نلاحظ أن الكاتب تعامل مع الجسد ومفهوم العري بخلفية عروبية، لا يُمكن أن تنطبق على الثقافة التي خرجت منها فركة على الإطلاق، وكذلك الحال في التعبير عن مقاييس الجمال الأنثوي حتى عندما يتكلّم بلسان حال البطلة نفسها، متناسياً الخلفية الثقافية التي جاءت منها فركة والتي –بالتأكيد- تختلف عن ثقافة العربي ومعاييره الخاصة بالجمال والجنس والجسد والعذرية ومفهوم العري، وما يصح منه وما لا يصح. وقد نجد هذا الجنوح الثقافي في وصفه لفركة في قوله: "فركة ناهد وفرعاء، وفي وجهها خفر، وفي طرفها نعاس يوحي بالدلال، جسمها ذو سمت معدول وبناء قوي، عجيزتها تدفع بردائها القصير إلى الأعلى فيبدو أقصر من الخلف، صدرها عارٍ وأثداؤها منتصبة ونافرة ترتعش مع خطوها الرقيق، شفاهها مكتنزة وممتلئة بابتسامات وادعة، وأسنانها في بياض وانتظام مبدع، يحزز عقد الخرز المخاوي الفخم؛ بلونيه الأزرق والأسود، عنقها الجميل، لون بشرتها أبنوسي لامع، مع نعومة رائقة تراها الأعين قبل أن تتحسسها الأكف، شعرها بني بلون الكاكاو، ممشط في حوالي خمسة عشرة ضفيرة غليظة (مكوفت) في نهاية كل ضفيرة خرزة بنية اللون يقسمها خط أبيض مغوبش بصفرة ناعسة، يقسمها إلى نصفين. الخرزة أسطوانية الشكل رقيقة التصميم ومناسبة الحجم، تحزز الخرزة نهاية الضفيرة، فيبدو الشعر أسفلها بسبايب منفوشة بجمال فاتر. بريق شعرها مع لمعان الخرز ينشر ألواناً في النهار، تصيب الشمس بابتسامات مفاجئة، مع كل التفاتة وخطوة، وحتى مع اهتزاز لرأسها أثناء الكلام، تتراقص ضفائرها باهتزازات تسمع موسيقاها نسائم الضحى الهادئة، فتتشبع بعبير الزهور الجبلية"[الرواية: ص12]
إن هذه الوصوف الحسية لمحاسن فركة، لهي وصوف نابعة من أخيلة عربية وهي قريبة مما نجده في شعر الحقيبة، وحدّ علمي فإن منظر الأثداء العارية لا يُغري الزنوج، ولا يُثير فيهم أيّ شيء، بل إن مفهومهم للعري وثقافة الجسد يختلفان عن مفهوم الأعراب، والمتأثرين بهم ثقافياً بحكم التماس الجغرافي أو الاختلاط المباشر، كما أن اللون الأبنوسي هو لون قد يُثير سكان الوسط، ولكن هل يُثير الزنوج هذا اللون أم أن ما يثيرهم هو السواد الداكن؟ ومما يُلاحظ في الرواية أن فركة نفسها تنسجم نفسياً مع هذا المفهوم الثقافي فتسارع إلى تغطية جسدها حتى لا يراها الأغيار وكأنها على علم مُسبق بما يُثيرهم وما لا يُثيرهم منها، كما أن اتساقها مع كماليات نساء الأعراب في الرواية (زيوت – دهون – عطور - دلكة) هو –أيضاً- مما يثير الدهشة والاستغراب.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:07 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:09 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:11 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:15 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:18 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:21 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:25 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-09-11, 10:28 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | الخير محمد عوض | 04-09-11, 10:26 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | صلاح عباس فقير | 04-10-11, 05:36 AM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:35 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:36 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:37 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:38 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:38 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:39 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:40 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:41 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-10-11, 03:42 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | طه جعفر | 04-11-11, 09:03 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | معتز تروتسكى | 04-11-11, 09:38 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-19-11, 05:40 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-20-11, 08:46 PM |
Re: قراءة نقدية في رواية "فركة" | هشام آدم | 04-20-11, 08:50 PM |
|
|
|