|
Re: المغمورون بين مطرقة الناشرين وسندان الأسماء اللامعة (Re: هشام آدم)
|
ما تقدّم من حوار يفتح لي الآن آفاقاً أخرى من الحديث عن دور الإعلام في هذه العملية. أعتقد أن الإعلام الرصين يلعب دور المنقب والكاشف عن المواهب المبدعة، وإبرازها للمجتمع والتعريف بها، حتى يتجنّب هؤلاء المبدعون التهميش الموازي من دور النشر، فدار النشر التي تتعامل مع الكُتاب على اعتبار أنهم سلع يتم وضعها في ميزان الربح والخسارة تحرص كل الحرص على تقييم الكاتب أو المؤلف قبل "المغامرة" في التعامل معه، فمن غير المنطقي أن يتكبّد الناشر تكاليف نشر وطباعة وتوزيع كتاب لكاتب لا يعرفه هو شخصياً، ولا يعرفه أحد. ماذا يعني أن تتحوّل تكاليف الطباعة إلى مجموعة من الأوراق المخزّنة في المكتبات ونقاط التوزيع دون أن يعود للناشر رأس المال المبذول في الطباعة؟
إعلامنا السوداني بالتحديد لا يهتم بهذا الأمر، بل على العكس تماماً؛ فهو لا يحتفي إلاّ بأصحاب الإنجازات وليس بمن يأمل منهم الإنجاز. فهنا يكون دور الإعلام –في الحقيقة- ليس دور ريادياً بل هو في أبسط صوره صدىً لصوت الشارع والرأي العام، فوسائل الإعلام تسعى وراء تلميع الشخصيات اللامعة بالفعل، وتلك الشخصيات المثيرة للجدل، وتلك الشخصيات التي أهمّت الرأي العام، وما ذلك إلا لمكسبة شخصية تعود على الوسيلة الإعلامية سواء مقروءة أو مسموعة أو مرئية. نعرف تماماً أن هذا ليس هو دور الإعلام، ولكن هذا هو حاله اليوم في معظم البلدان.
الأدهى والأمر من ذلك أن بعض الإعلاميين يسعون بدلاً من تلميع اللامعين، إلا تلميع أنفسهم عبر هؤلاء الشخصيات. فيسعى المذيع أو الصحفي وراء إحدى الشخصيات اللامعة ليُسجّل في سيرته الذاتية أنه أجرى حواراً صحفياً أو لقاءً تلفزيونياً مع هذه الشخصية، ويعتبر أن ذلك إنجاز وظيفي بالنسبة له.
والحقيقة أن المبدعين المهمّشين أو المغمورين يضيعون وراء سعي كل من الإعلاميين وأجهزة الإعلام إلى تلميع أنفسهم، وتلميع من لا يحتاج أصلاً إلى تلميع. فقد نرى أجهزة الإعلام تسعى بقدّها وقديدها إلى إجراء حوار صحفي أو لقاء تلفزيوني مع مطرب هابط مثلاً فقط لأن أغانيه أثارت ضجّة كبيرة بين أوساط الرأي العام.
هذه الهالة الإعلامية التي يتحصّل عليها هذا المطرب الهابط ألم يكن أولى بها شخص مبدع حقيقي يستحق أن يلتفت إليه الآخرون ليعرفوه؟ أم أنه يتوجب على هؤلاء المبدعين أن يحفروا في الصخر وأن يذوقوا الأمرين ليصنعوا مجدهم بأنفسهم، لتأتي أجهزة الإعلام بعد ذلك لتتهافت عليه؟
النقطة الأساسية في كل هذا الأمر هو: كيف تسير الأمور؟ هل الإعلام يُشهر المبدع؟ أم أن المبدع هو الذي يُغري الإعلام؟ من الذي يصنع الآخر؟ وربما صبّ كل ذلك في خانة السؤال الكبير: ما هو دور الإعلام؟
|
|
|
|
|
|