مابين العولمه و الارهاب ... مقالات للحوار

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 09:16 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عصام جبر الله(esam gabralla)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-14-2004, 07:04 AM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مابين العولمه و الارهاب ... مقالات للحوار

    المقالات ادناه تطرح عدد من الاسئله والافكار قد تساعد فى ايجاد رؤيه اوضح و اوسع حول ترابطات المشهد العالمى بعيدآ عن المع والضد المطلقين، التى تحاول اطراف كثيره سجننا فيها

    Quote: من "الحرب على الإرهاب" إلى "صدام الحضارات"
    ألان غريش
    Alain GRESH

    العراق يحترق. يمكن اعتبار ذلك نتيجة جهل الاميركيين بالحقائق على الأرض ـ الفلوجة لا تشبه مدينة في تكساس ولا تشبه مرسيليا أو تولون اللتين حررتا عام 1944 ـ أو لعجرفة القوة العظمى. لكن هذه الخيبة هي بصورة أعمق النتيجة المباشرة لمبدأ "الحرب على الإرهاب" الذي أطلقه الرئيس جورج والكر بوش غداة 11 أيلول/سبتمبر.

    في هذا الإطار من التفكير يمكن إدراج أحداث العراق كافة ضمن نهج منطقي إذ لا تكون الهجمات التي تشن في "المثلث السني" سوى أفعال أنصار صدام حسين أو إرهابيين دوليين مرتبطين بـ"القاعدة"، ولا تكون مقاومة السيد مقتدى الصدر سوى نتيجة للتحريك الإيراني، احد أطراف محور الشر، كما أن كل عمل مسلح لا يكون سوى دليل على كراهيتـهم" للقيم الغربية. وكما يقولها بسذاجة كابورال أميركي في العراق: "علينا قتل الأشرار [1] .لكن كلما قتلت الولايات المتحدة "شريرا" خرج آخر من حطام مبنى مدمر ومن قرية تتعرض لحملات المداهمة المنظمة".


    يمكن أيضاً مقاربة المأساة العراقية بصورة مختلفة وأكثر بساطة. فبعد أن ارتاحوا لتخلصهم من ديكتاتورية بشعة للغاية وخروجهم من نظام العقوبات التي أفرغت بلادهم من محتواها طوال 13 عاما، يطمح العراقيون إلى حياة أفضل كما إلى الحرية والاستقلال. لم يتحقق ايّ من وعود إعادة الإعمار: الكهرباء لا تزال مقطوعة في الغالب وحبل الأمن مضطربا والبؤس يتسع مداه. أما القوات الاميركية فقد سددت الضربة القاضية إلى دولة كان الحصار أنهكها وذلك عندما تركت هذه القوات الوزارات تحترق وعندما أعلنت حل الجيش العراقي تبعا للنموذج الذي نفذته في ... اليابان.


    من جهة أخرى فان العراقيين لا يريدون العيش تحت نير الاحتلال الذين يشككون في انه يغلّب مصالحه النفطية والاستراتيجية. فزمن الاستعمار ولّى. ثورة العشرين في العراق ضد المحتل البريطاني والتي يحتفل بذكراها منذ عقود تركت في الضمائر ذكرى لا تمحى شبيهة بالمقاومة أو التحرير في فرنسا. أنه توق إلى الاستقلال يتشارك فيه العراقيون مع سائر الشعوب ولا حاجة لاستكشاف "نفسيتهم" أو إخضاع الإسلام والقرآن إلى التفسير والاجتهاد من اجل إدراك هذا التوق. كما أن لا حاجة لاعتبار هذا البلد موقعا متقدما في الحرب على "الإرهاب الدولي". إن تصرف العراقيين عقلاني تماما والحل الوحيد يأتي من انسحاب سريع للقوات الاميركية وعودة السيادة الكاملة إلى العراق.
    إن الطريقة التي يقرأ بها المسؤولون في دولة عظمى الأحداث الطارئة في هذا المكان أو ذاك من العالم، تحدد خياراتهم الاستراتيجية والديبلوماسية: أي فوائد نجني منها؟ ماذا ستكون ردة فعل أعدائنا؟ من هم حلفاؤنا؟ طوال عقود شكلت الحرب الباردة نموذجا لفهم التطورات على مستوى العالم. فإذا حصل تغير ما في بلد بعيد كان يسارع الخبراء الاستراتيجيون كما الصحافيون والباحثون في المعسكرين إلى طرح الأسئلة: هل هذا مفيد للاتحاد السوفياتي؟ هل هو في صالح الولايات المتحدة؟ وكان يمكن تقدير نتائج هذه الرؤية الثنائية، أسود أم أبيض، خلال نزاعين حصلا في السبعينات والثمانينات في كل من نيكاراغوا وأفغانستان.


    في تموز/يوليو 1979 استولى الساندينيون على السلطة في نيكاراغوا بعد صراع طويل أنهى حقبة الحكم الديكتاتوري لعائلة سوموزا. وقد أطلق الساندينيون برنامجاً جريئاً للإصلاح بخاصة في القطاع الزراعي. كانت الحريات الأساسية مصونة وحرية العمل السياسي مفتوحة أمام الأحزاب وكانت تلك بارقة أمل لإخراج البلاد من بؤسها وتخلفها. لكن الإدارة الاميركية لم تكن ترى الأمور من هذا المنظار بل تعتبر أن هزيمة احد حلفاء الولايات المتحدة لا يعني سوى تقدم للشيوعية السوفياتية داخل "محميتها" الاميركية الوسطى. فراحت وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية تسلّح الحرس السوموزي القديم وبدأ "مقاتلو الحرية" حربهم انطلاقا من هوندوراس وهم لا يترددون في استخدام الإرهاب ضد النظام النيكاراغوي الجديد فيما تحاول واشنطن تعبئة الرأي العام والحلفاء ضد خطر تفشي التوتاليتارية في أميركا الوسطى. من الجهة المقابلة كثفت هافانا وبعدها موسكو من دعمهما للساندينيين لتصبح نيكاراغوا عالقة في فخ المواجهة بين الشرق والغرب. وفي النهاية أدى الضغط الاميركي المتواصل وإفقار البلاد بفعل العقوبات الاقتصادية إلى هزيمة الساندينيين في انتخابات 25 شباط/فبراير 1990. بين ليلة وضحاها توقف اهتمام واشنطن بنيكاراغوا وتخلت عمن كانوا في الأمس تحت حمايتها فغرقت البلاد في البؤس لكنها لن تتحول إلى "الشيوعية".


    المثل الأفغاني أكثر نموذجية. ففي نيسان/ابريل من العام 1978 وبالرغم من تحالفه مع الاتحاد السوفياتي سقط النظام في كابول بفعل انقلاب شيوعي وقام الحكم الجديد بإصلاحات فظة وجذرية في بلد محافظ ليصطدم بمقاومة قوية لا سيما في الأرياف. بدأت واشنطن بتسليح المجاهدين وفي كانون الأول/ديسمبر اجتاح الجيش السوفياتي أفغانستان وغيّر إدارة البلاد في عملية من الطراز الاستعماري أدانتها المجموعة الدولية. وقد رأى الغرب وواشنطن في ذلك برهانا على رغبة الكرملين في الهيمنة وتأكيدا لرغبته في التوسع في اتجاه بحور الخليج "الدافئة". ووجدت إدارة ريغان في هذا الاجتياح فرصة لجعل الجيش الأحمر ينزف ولو من خلال تحالف مع الشيطان. فراحت وبمساعدة من المخابرات الباكستانية والسعودية تسلح الأصوليين الأكثر تطرفاً على حساب المعارضة المعتدلة. كما عارضت جميع محاولات التوصل إلى حل سياسي وديبلوماسي من خلال الأمم المتحدة من اجل إطالة أمد النزاع عمداً [2] . النتيجة معروفة، فالسوفيات قرروا الانسحاب من أفغانستان لكن غداة انتصارها تخلت الولايات المتحدة عن البلد وعن الشبكات الإسلامية المتطرفة التي ساهمت في إقامتها بمساعدة المدعو أسامة بن لادن. هكذا غرقت أفغانستان في حرب أهلية أولاً ثم سقطت بين أيدي حركة "طالبان" عام 1996. وبات معروفاً اليوم أن القرار السوفياتي بالتدخل في أفغانستان لم يكن جزءاً من مشروع للتوسع بل اتخذه مكتب سياسي منقسم على نفسه حريص قبل كل شيء على أن لا يقع بلد حدودي وحليف تقليدي للاتحاد السوفياتي بين أيدي الإسلاميين المتطرفين. وصرنا نعرف أيضاً أنه وبالرغم من المظاهر فإن الاتحاد السوفياتي كان عاجزاً عن تهديد العالم وبالتالي عن السيطرة عليه. لكن في الغرب كانت الفزاعة السوفياتية مفيدة لتعبئة الرأي العام باستمرار. في العام 1983 أي قبل عامين من وصول السيد ميخائيل غورباتشيف إلى رأس السلطة في موسكو، أعلن السيد جان فرنسوا ريفيل، الثاقب النظرة، نهاية الديموقراطيات الغربية لأنها عاجزة عن مكافحة العدو الأكثر بأسا بين أعدائها الخارجيين أي الشيوعية وهي الشكل الراهن والمكتمل للتوتاليتارية [3] ... لكن هذا "النموذج المكتمل" قضى نحبه بعد سنوات معدودة.


    بالطبع كان للمقاربة "شرق غرب" ما يبررها حيث أن واشنطن وموسكو كانتا تدافعان عن مصالحهما كدولتين عظميين لكن الحياة السياسية في كل بلد من البلدان ما كانت لتختزل إلى لعبة الشطرنج الضخمة التي يتواجه فيها البيت الأبيض مع الكرملين، الأول يدعم من دون ندم ديكتاتوريات أميركا اللاتينية وتلك التي يتزعمها سوهارتو في اندونيسيا، بينما الثانية تتدخل عنوة في المجر (1956) أو في تشيكوسلوفاكيا (196. وقد أدى هذا التبسيط إلى تبخيس قدر الحقائق الوطنية التي لا تندرج في هذا السياق كما سائر التحديات التي تواجه البشرية من تراجع البيئة إلى البؤس المزمن وانتشار أمراض جديدة لاسيما الإيدز... خرج العالم في النهاية من الحرب الباردة وانتصرت الولايات المتحدة لكن التحديات باقية وأسباب انعدام الاستقرار باقية.


    إن نهاية الاتحاد السوفياتي لم تيتّم فقط العسكريين والمخابرات الاميركية (والغربية بصورة أشمل) إذ حرمتهم عدواً يبرر وجودهم وموازناتهم التي لا حد لها بل أيضاً مراكز الأبحاث التي نسجت بكل جدية حول تفوق موسكو الاستراتيجي لا بل تكهنت باجتياح سوفياتي لأوروبا الغربية. لكن بماذا كان يمكن استبدال "إمبراطورية الشر"؟
    في مطلع التسعينات لم تحصل نظرية "نهاية التاريخ" سوى على نجاح تقديري، وكان قد أطلقها الجامعي الاميركي فرنسيس فوكوياما معلناً بالصوت العالي الانتصار النهائي لليبيرالية الغربية المحكومة بالامتداد إلى أرجاء المعمورة. لكن شريحة من اليمين المحافظ التي عارضت سياسة الانفراج مع الاتحاد السوفياتي وأي توافق مع السيد ميخائيل غورباتشيف كانت تبحث على العكس عن "عدو استراتيجي جديد". فأعلنت أن الولايات المتحدة، ولو أن لا منافس لها، مهددة من قوى غامضة أكثر خطراً من الشيوعية وهي الإرهاب والدول المارقة وأسلحة الدمار الشامل. في موازاة ذلك راح عدد متزايد من المفكرين والصحافيين يحذرون من تعاظم دور خصم جديد هو الإسلام المتمتع بايدولوجيا قوية وبقاعدة محتملة تصل إلى مليار كائن بشري.


    في العام 1993 نشر الاميركي صموئيل هنتنغتون مفهوم "صدام الحضارات" [4] وقد كتب هذا الأستاذ الجامعي: "تقول فرضيتي أن النزاعات في العالم الجديد لن ترتكز على الايديولوجيا أو الاقتصاد بل أن الأسباب الرئيسية لانقسام الإنسانية ومصادر النزاعات الكبرى ستكون ثقافية. ستستمر الدول القومية في لعب الدور الرئيسي في الشؤون الدولية لكن ستتواجه في النزاعات العالمية الكبرى دول ومجموعات تنتمي إلى حضارات مختلفة. سيهيمن صدام الحضارات على السياسة العالمية".


    لكن الأمور بقيت في مجال التكهن ولم تتفق النخب على خيار واحد من الثلاثة إلى أن كان 11 أيلول/سبتمبر فترسخت الفكرة القائلة بان الغرب منخرط في حرب عالمية تلي الحرب الباردة والحرب العالمية الثانية. والتحق الرأي العام تحت وقع صدمة الاعتداءات على مبنى مركز التجارة العالمي والبنتاغون بفكرة "الحرب على الإرهاب" يكون فيها "من ليس معنا ضدنا". لكن من هو هذا العدو الجديد الذي يحل محل الشيوعية والنازية؟ الإرهاب؟ لكنه ليس أيديولوجيا بقدر ما هو نهج عمل ولا ندرك الجامع بين الاستقلاليين في جزيرة كورسيكا والجيش الجمهوري الايرلندي وتنظيم "القاعدة". "القاعدة"؟ لكن الحرب عليها من اختصاص الشرطة ولا تحتاج إلى تعبئة عسكرية. الدول المارقة؟ إذا كان من المبالغة وضع إيران وكوريا الشمالية في السلة نفسها فان من الصعوبة بمكان الموازاة بين الخطر الإقليمي لهذه الدول وما كان يمثله الاتحاد السوفياتي من تهديد.


    لكن ما يرتسم يوما بعد يوم عبر الأهداف المختارة ومن خلال الحملات الايديولوجية، هو صدام بين الإسلام والغرب. باستثناء كوريا الشمالية وكوبا فان الولايات المتحدة تستهدف بلدانا مسلمة هي العراق وإيران وسوريا والسودان وما يؤكد هذا الانحياز هو الدعم غير المشروط الذي توفره واشنطن لحكومة السيد أرييل شارون. فالرئيس بوش يعلن جهاراً أن الحرب واقعة بين "الحضارة" و"البربرية" ليجيبه أسامة بن لادن: "انقسم العالم إلى فسطاطين، واحد تحت راية الصليب كما قال زعيم الكفرة بوش والآخر تحت راية الإسلام".


    إذا صحت هذه النظرية فما من تسوية تبدو ممكنة "لأنهم" يكرهوننا، ليس بسبب أفعالنا بل لأنهم يرفضون مثل الحرية والديموقراطية التي نؤمن بها. فلا جدوى إذاً من إعطاء أي أولوية لحل مشكلة أو رفع ظلم واقع على العالم الإسلامي. من جهة أخرى، يفضي هذا المفهوم إلى اعتماد استراتيجيا حربية تدرج كل مواجهة في سياق نزاع الحضارات وهو نزاع ابدي لا حلول له: كفاح الفلسطينيين، اعتداء إرهابي في جافا، المقاومة في العراق، حادث ذو طابع معاد للسامية في إحدى مدارس باريس الثانوية، تمرد في إحدى ضواحي المدن، كلها تعد عناصر لهجوم إسلامي شامل. فالاشتباك واقع على جميع الجبهات بما فيها الجبهة الداخلية في إطار حرب كونية.


    في حزيران/يونيو 2003 عين الجنرال وليم بويكن وهو من قدامى قوات "دلتا" (وحدة التدخل الاميركية العسكرية المتخصصة في مكافحة الإرهاب) مساعداً لوزير الدفاع لشؤون الاستخبارات في الولايات المتحدة. إنه مسيحي إنجيلي كان قد صرح في ولاية اوريغون أن المتطرفين الإسلاميين يكرهون الولايات المتحدة "لأننا أمة مسيحية ولأن جذورنا وأساسنا يهودي ـ مسيحي. والعدو يدعى الشيطان" [5] . وكان أعلن في مناسبة أخرى: "نحن جيش الله في بيت الله وفي مملكة الله، تربينا من أجل هذه المهمة". وحول الحرب في الصومال ضد أمراء الحرب المسلمين: "كنت أعلم أن إلهنا أكبر من إلههم وأن إلهنا إله حقيقي وإلههم صنم" [6] . بعد هذه التصريحات قدم الجنرال اعتذاره وحافظ على مركزه وتمكن من ممارسة مهاراته من خلال تصدير نظام الاعتقال في غوانتانامو إلى العراق مع النتائج المعروفة في باب التعذيب [7] . مع أن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد أصر على الدفاع عنه في البداية إلا أن مستشارة الأمن القومي السيدة كوندوليزا رايس حاولت الإيضاح بأن "هذه الحرب ليست حرب ديانات". لكن يصعب تصديقها عندما نقرأ شهادات التعذيب في العراق وكيف أرغم المعتقلون على إنكار دينهم أو إجبارهم على أكل لحم الخنزير [8] . وأيضاً عندما نصغي إلى العديد من وسائل الإعلام الاميركية وأحياناً الأوروبية والتي تخفي بالكاد عداءها للمسلمين. آن كولتر هي إحدى المعلقات الأكثر شعبية في صفوف اليمين الاميركي وكتبها تحقق أرقام مبيعات قياسية وهي مدعوة بانتظام للتحدث عبر اكبر شبكات الراديو والتلفزيون، من "صباح الخير أميركا" إلى "أوريلي فاكتور". في رأيها سوف يتسلم المسلمون السلطة في فرنسا في غضون عشرة أعوام وتقول: "طيب، عندما كنا نحارب الشيوعية كان لديهم قتلة للجموع وسجون الغولاغ لكنهم كانوا بيضاً وأصحاء العقول. نحن نخوض اليوم حرباً ضد متوحشين حقيقيين". وتوضح: "نتلقى هجمات المسلمين المتوحشين المتعصبين منذ 20 عاما. ليس القاعدة من احتجز رهائننا في إيران ولا هي وضعت قنبلة في ملهى في برلين الغربية الأمر الذي دفع رونالد ريغان إلى قصف ليبيا". لكن ليبيا ليست إسلامية؟ "يمكنكم تقديم هذه الحجة لكني ما زلت أرى المسلمين يقتلون الناس" [9] .


    وها هو رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني يؤكد فرحاً في 26 أيلول/سبتمبر 2001: "علينا أن نعي تفوق حضارتنا (...) ونظام القيم الذي أمّن للبلدان التي اعتنقته الازدهار الضامن لحقوق الإنسان وحرياته الدينية". ويعتبر رئيس الحكومة الإيطالي أنه نظراً "لتفوق القيم الغربية" فإنها "ستفرض نفسها على شعوب جديدة" موضحاً أن الأمر حصل قبلاً "مع العالم الشيوعي وجزء من العالم الإسلامي لكن للأسف فإن قسماً آخراً من هذا العالم بقي متخلفا 1400 عام" [10] .


    في كتابه "هوس العداء لأميركا"، يمتدح جان فرنسوا ريفيل قيام جورج بوش وغيره من الزعماء الغربيين بزيارات للمساجد بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر تفادياً لتحويل العرب الاميركيين خصوصاً في الولايات المتحدة إلى أهداف لعمليات "ثأر دنيئة". ويؤكد: "أن هذا الحرص الديموقراطي يشرف الاميركيين والأوروبيين لكنهم لا يجب أن يعميهم عن الكراهية التي تكنها للغرب غالبية المسلمين المقيمين بيننا" [11] . نعم، "غالبية المسلمين" حرفياً... ولا ندري إذا كان المؤلف سيقترح إبعادهم...


    تلقى هذه التصريحات صدى لدى الرأي العام. الحرب الباردة لا سيما في الثمانينات لم تخلق أجواء من التعبئة بل انحصرت عموماً في قيادات الأركان حيث كانت الشيوعية خسرت الكثير من جاذبيتها والفزاعة الحمراء ما عادت تؤدي إلى "مطاردة الساحرات" كما يقال في إشارة إلى الحملات التي كانت تشن في الغرب على أنصار الشيوعية. أما الحرب على الإرهاب فإنها توقظ أصداءاً أخرى إذ آن قسماً من الرأي العام الغربي والمسلم مستعد للتصديق أن النزاعات الحالية تعبير عن صدام بين الحضارات. فالانقسام لا يعود بين الأقوياء والضعفاء أو بين الأغنياء والفقراء وأصحاب الامتيازات والمحرومين بل "بيننا" و"بينهم". هكذا يتخلى البلد الغربي عن مفهوم صراع الطبقات البائد لينضوي تحت لواء "الصراع مع الآخر" لتبدأ حرب الألف عام التي لن تكون نتيجتها سوى تأبيد الفوضى القائمة



    Quote: جواب على السؤال: ما الارهاب؟

    رشيد بوطيب / ألمانيا

    -1-

    لم يخطئ الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا القول، حين صرح في محاضرته التي ألقاها بمناسبة تلقيه لجائزة أدورنو، بأنه لا يعتقد البتة بالبراءة السياسية لأحد فيما يتعلق بجريمة 11 من سبتمبر. ولم يجانب الصواب حين تابع قائلا: "وإذا كان تعاطفي مع كل الضحايا هو بلا حدود، فذلك لأنه لا يتوقف فقط عند أولئك الذين قضوا نحبهم في 11 من سبتمبر بالولايات المتحدة، إن هذا هو تأويلي لما نسميه منذ أمس، حسب تعبير للبيت الأبيض "عدالة لا نهائية": أن لا يتبرأ المرء من أخطائه وأخطاء سياسته، حتى في اللحظة التي يتوجب عليه فيها أن يدفع ثمنا رهيبا، يتجاوز كل المقاييس"(1). إن دريدا لا يريد إلصاق جريمة نيويورك بحفنة من الإرهابيين كما تفعل وسائل الإعلام الأمريكية، بل هو يشير أيضا إلى مسؤولية الإدارة الأمريكية عن الأحداث. وهو رأي يتقاسمه العديد من المفكرين الأحرار الذين لم تلجم مناصب المؤسسة وأموالها روحهم النقدية. وسمير أمين، أحد هؤلاء الذين كتبوا بأن: "الرعب الغريزي الذي يشعر به كل آدمي لمرأى مقتل أعداد كبيرة من الناس الأبرياء، ينبغي أن لا يجعلنا ننسى الدور الذي لعبته في الأحداث سياسة الولايات المتحدة وسياسات حليفاتها..."(2) وهو يشير أيضا إلى العلاقات الوطيدة التي جمعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالإسلام السياسي، والدعم المادي والإيديولوجي والإعلامي الذي قدمته لهذه الحركات، ليس فقط في حربها ضد الشيوعية، ولكن أيضا لأن هذه الحركات من شأنها أن تخلق الظروف الملائمة لسيطرة الرأسمال الأمريكي على المنطقة العربية ـ الإسلامية. ذلك: "أن الإسلام السياسي يلقي بالشعوب في مصيدة تجعلها عاجزة أمام تحديات العولمة الرأسمالية الليبرالية"(3). لا غبار إذن عن المسؤولية المشتركة، والأصوب عن المسؤولية المباشرة للإدارة الأمريكية عن أحداث 11 من سبتمبر، بما أن هذه الإدارة هي التي وقفت ولعقود طويلة إلى صف الإسلام السياسي، وهي التي جنت ولعقود طويلة أيضا ثمار جرائمه. وفي مقالنا هذا، لا نريد التعرض لهذه السياسة، ولا للأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تقف خلف الإرهاب وتشعل فتيله، بل نريد تفكيك البنية الرمزية للإرهاب. الإرهاب في بنيته الثقافية الأحادية البعد، الإمبريالية المعنى. الإرهاب المؤسساتي وإرهاب الأفراد أو الجماعات المتطرفة، بما أنهما وجهان لعملة واحدة، إذ كما كتب إدواردو غاليانو: "هنالك الكثير من الأرض المشتركة بين إرهاب التقنية الرديئة وإرهاب التقنية الفائقة، بين إرهاب متطرفي الأديان وإرهاب متطرفي الأسواق، بين اليائسين والمتجبرين، بين المختلين المنفلتين من العقال والمحترفين الذين يرتدون الزي الرسمي ويقتلون بدم بارد. كلهم يشتركون في احتقار الحياة الإنسانية"(4) إن ادواردو غاليانو يمدنا بالكلمة ـ السر: احتقار الحياة الإنسانية. ويرى بأن الرأسمالية، أو أصولية السوق شأنها في ذلك شأن الحركات الدينية الدوغمائية تدوس على الإنسان وعلى كرامته وحقوقه إذا ما كان ذلك يخدم مصالحها المادية أو يتوافق مع مبادئها الطهرانية المريضة. ولنبدأ الآن بتفكيك البناء الرمزي لهذا الغول الميتافيزيقي الجديد الذي يسميه غاليانو بأصولية السوق، دون أن نغفل عن الوجه الآخر أو التوأم الشقيق لهذا الغول: الأصولية الدينية، أو ما يمكن أن نطلق عليه سوق الأصولية.

    -2-

    أصولية السوق أو إمبريالة العقل، إذا استعملنا لغة عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو، الذي لم يتوان مرارا عن توجيه سهام نقده لكلاب الحراسة الجدد، والذي كان من الأوائل الذين أشاروا إلى همجية العقل الغربي في تعامله مع الأطراف، أو بالأحرى إلى إنتاج العقل للاعقل، وإخراسه للآخر المختلف، متخفيا خلف ستار العلمية والعالمية والحرية وحقوق الإنسان. يقول بورديو في محاضرة ألقاها سنة 1995 بمعرض الكتاب بفرانكفورت:

    "ينبع من أعماق البلدان الإسلامية سؤال أساسي، يتعلق بالعالمية الغربية الخاطئة، ما أسميه إمبريالية العالمي. كانت فرنسا تجسيدا بامتياز لهذه الإمبريالية، تجسيدا تسبب في ظهور شعبوية قومية في هذا البلد (ألمانيا)، ترتبط بالنسبة لي باسم هردر. وإذا كان صحيحا بأن بعض أشكال العالمية ليست سوى قومية تدعي العالمية (حقوق الإنسان، الخ) لكي تفرض نفسها، فإنه يصبح من الصعب أن نتهم بالرجعية كل ردّ فعل أصولي ضدها. العقلانية العلموية، عقلانية النماذج الرياضية التي تلهم سياسة صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، عقلانية الشركات القانونية، شركات تشريعية متعددة الجنسيات تفرض تقاليد القانون الأمريكي على الكوكب بأكمله، عقلانية نظريات الفعل العقلي، الخ، هذه العقلانية هي في نفس الآن، التعبير والضامن لاستكبار غربي، يدفع للتصرف كما لو أن بعض البشر يحتكرون العقل لأنفسهم، وينصبون أنفسهم، كما يقال عادة، شرطيي العالم، يعني كمالكين لاحتكار العنف الشرعي، قادرين على استعمال السلاح في خدمة العدالة العالمية. العنف الإرهابي، عبر لا عقلانية اليأس، الذي يتجذر بها أغلب الأحيان، يعود إلى العنف الداخلي للسلط التي تتذرع بالعقل. القهر الاقتصادي يختفي دائما خلف القانون. الإمبريالية تحتمي بشرعية مؤسسات دولية. وعبر نفاق هذه العقلانيات نفسها المخصصة للتعتيم على سياستها في الكيل بمكيالين، تنحو إلى بذر أو شرعنة داخل الشعوب العربية، وشعوب أمريكا اللاتينية، والشعوب الأفريقية، تمردا عميقا ضد العقل، لا يمكن فصله عن تجاوزات السلطة التي تتسلح أو تستعمل العقل (الاقتصادي، العلمي أو أي شكل آخر). هذه "اللاعقلانيات" هي في جزء منها نتاج عقلانيتنا، الإمبريالية، الغازية، الجذابة أو الرديئة، البليدة، الدفاعية، الإنكفائية والمتسلطة حسب الأمكنة والأزمنة. وإنه لمن قبيل الدفاع عن العقل، توجيه سهام النقد لهؤلاء الذين تتخفى خلف مظاهر العقل الخارجية، تجاوزاتهم، أو الذين يستعملون أسلحة العقل من أجل تنصيب أو شرعنة سلطة اعتباطية."(5)

    إن العولمة التي يحاول بعض مثقفي المقاعد المريحة إقناعنا بأنها قدر الإنسانية الذي لا بد منه ولا مفرّ، هي أيديولوجية دوغمائية مغلقة، تهدف إلى تحويل الإنسان أو ما تبقى من إنسانيته إلى مستهلك خاضع وعقل تقبلي وإرادة طيّعة. إذ أنه في عالم العولمة لا مكان للآخر الذي يفكر وينتقد، لأن من شأن ذلك أن يثير القلاقل ويقف ضد عجلة التاريخ، عفوا، ضد الرأسمالية. في عالم العولمة الأحادي البعد، الإمبريالي المعنى، يطالعنا "الواحد" من جديد، هذه النظرة إلى العالم التي سيطرت على الفكر الغربي منذ العصر اليوناني. إن هايدغر قد بين بوضوح في "الهوية والاختلاف" بأن الفلسفة الأوروبية منذ أفلاطون تأسست على الواحد، على الهوية وأقصت الآخر، المختلف والمتعدد(6). إن فلسفة الواحد، التي تعتبر العولمة الامتداد الطبيعي لها، هي بلا شك فلسفة كليانية. والمجتمع المعولم هو مجتمع تختفي فيه المعارضة، مجتمع سجين ثنائية الخير والشر. وإذا كان نقد هايدغر يظل نقدا مدرسيا، فإن هربرت ماركوزه، أحد أبرز وجوه النقد الاجتماعي، قد قدم نقدا تاريخيا وملومسا للمجتمع الرأسمالي. إن النظرة النقدية عند ماركوزه هي تفكيك لصناعة الوعي وصناعة الثقافة في المجتمع الغربي. نقد لمجتمع الاستلاب والعقل التقبلي، عقل أشبه ما يكون بذلك الذي عبر عنه هيغل في أصول فلسفة الحق قائلا: "ما هو عقلاني هو واقعي، وما هو واقعي هو عقلاني".

    إن ماركوزه يصف المجتمع الرأسمالي في كتابه المركزي "الإنسان ذو البعد الواحد" كمجتمع لاعقلاني. وهذه اللاعقلانية ترجع إلى سوء استغلال وتنظيم الثروات. سوء الاستغلال هذا، هو الذي يقف وراء التدمير المستمر للتطور الحرّ للحاجيات البشرية. إن وظيفة كل نظرية نقدية في نظره، هي أن تحصّن نفسها ضد حقائق ومؤسسات هذا المجتمع. إن عليها أن تفهم المجتمع الرأسمالي كمجتمع تاريخي، كمرحلة من تاريخ البشرية، وليس كما يدعي أنبياء الليبرالية الجديدة، كنهاية للتاريخ. إن الحرية في هذا المجتمع الأحادي البعد، مجرد وهم. إنها حرية الرأسمال الكاملة في التصرف بالحياة البشرية بما يتوافق مع مصالحه المادية. ليس فقط الحرية ، لكن التقنية والتقدم والتعددية، هي كلها أوهام ، ووظيفة النقد الاجتماعي هي التأكيد على أنها مجرد أوهام، وفضح هذا الوعي الخاطئ وهذا التشيئ للإنسان وهذا الاستلاب المستمر لإرادته. إن المجتمع التقني قد اكتسح في نظر ماركوزه الحرية الداخلية للإنسان، لقد صنع إنسانا على مقاسه، بلا وعي وبلا ميزات خاصة به. إنه يريده مقلدا، مستهلكا، متماهيا معه. فعنف التقدم يستعبد العقل، ويخرس كل صوت معارض(7) وأن ذلك لا يتم إلا عبر صناعة لوعي استهلاكي، وزرع حاجيات جديدة بعقل الإنسان، من شأنها أن تؤبد انسجامه مع القيم السائدة. إنسان شبيه بذلك الذي تحدث عنه فرانسوا بيرو في "التعايش السلمي"، أشبه بآلة هو أو بشيء. فليس المجتمع مهتم بطاعته أو بتحمله للعمل الشاق، ولكنه مهتم بتحويله إلى مجرد وسيلة، إلى مجرد شيء. حتى الثقافة تحولت في هذا المجتمع إلى سلعة. إنها لا تجرؤ على النقد، بل تحاربه. أضحت سجينة لقيم السوق المبتذلة. لذلك أصبح من المستحيل الحديث عن ثقافة مستقلة ونقدية وخلاقة داخل المجتمع الرأسمالي. فمنطق هذه الثقافة كمنطق هذا المجتمع يقوم على التقليد والطاعة(. وأهم تمظهرات هذه الثقافة، اللغة، التي يعتبرها ماركوزه سياسة لنشر الأوهام وصناعة العقول. إن اللغة كما عبر بارت فاشية، ذلك أن الفاشية ليست منعا للكلام ولكن إرغام على الكلام(9) إن اللغة في هذا المعنى تعبير عن سلطة. لذلك أصبح من المستحيل الحديث عن حياد اللغة، تماما كما هو مستحيل الحديث عن حياد التقنية، وليس عجبا في ظل هذا الاستغلال السياسي للغة، أن تتسمى أحزاب رأسمالية بالاشتراكية أو حكومات مستبدة بالديمقراطية، وانتخابات أشبه بالمهزلة بالانتخابات الحرة على حد تعبير ماركوزة، أو أن تعلن أمريكا حربها الاستعمارية على العراق باسم الديمقراطية والعدالة اللانهائية. لغة وثوقية هي أقرب إلى الشطط الميتافيزيقي منها إلى العقل، مطلقة النبرة والمعنى.

    -3-

    وإذا كانت اللاعقلانيات القومية والدينية نتيجة لإمبريالية العقل وعنفه حسب تعبير بورديو، فإن هذا لا يمثل صك براءة بحقها، ذلك أن هذه اللاعقلانيات تتماهى في وفاء مع دورها الذي اختاره لها المركز، نوع من التماهي مع المتسلط. إنها الوجه الآخر لدوغمائية السوق، أو هي التسويق المستمر لأيديولوجيات دوغمائية، مغلقة، لاتاريخانية تعتقل أنفاس التاريخ وتسجن فكر الإنسان في عرق أو عقيدة أو ملاحم بائدة. ولا ريب أن الفكر العربي المعاصر في خطه القومي والأصولي خير تعبير عن هذه السوق الكاسدة تاريخيا: سوق الأصولية. فهذا محمد عابد الجابري، المحسوب على التيار النقدي بهذا الفكر، يرتدي بزة عرافة شرقية ويطلع علينا في أطروحاته العشر حول العولمة والهوية الثقافية(10) بخطاب لا يختلف عن عقلية "جاهلية القرن العشرين" في لغته وتفكيره. لم يفهم الجابري وهو يكتب أطروحاته تلك، أن التاريخ يطرح أسئلة ولا يقدم أجوبة. فليست هناك حلولا نهائية تعتقل أنفاس التاريخ، لأن التاريخ بلا هوية، والاتجاه نحو المستقبل يمر دائما بالقطع مع كل مفهوم مفارق للهوية. لكن "العقل" العربي يتمادى في لاعقلانيته، عقل تقبلي، يقدس الهوية، ويعتبر الوفاء للأموات أهم من الوفاء للواقع. باختصار فإن "العقل" العربي ممثلا في أطروحات الجابري حول العولمة والهوية الثقافية في حاجة إلى عقل. ففي أطروحته الأولى المعنونة كالآتي: "ليست هناك ثقافة عالمية واحدة، بل ثقافات"، يعتبر الجابري أن الثقافة هي المعبر الأصيل عن الخصوصية التاريخية لأمة من الأمم. لم يفهم الجابري أن الثقافة لا تحقق نفسها إلا ضد الأصالة والخصوصية، وأن التاريخ لا خصوصية له خارج أسئلته، والثقافة ليست دائما ذلك التعبير الأصيل. هناك فقط توجه يدعي الأصالة لنفسه، لأنه يتشبت بحقائق الماضي. لكن الأصالة قد تفهم أيضا كوفاء للحاضر، كوفاء للأحياء لا للأموات، لحاجات الإنسان وأسئلته الملحة. ومزج الجابري بين الثقافة والأصالة، أو اختزال الثقافة في الأصالة هو رفض للتعدد وحجب لدور الآخر وتأثيره، وتناس لحركية الواقع وأسئلته. إن الثقافة الأصيلة هي أشبه بنعامة تدفن رأسها بالرمل، والرمل قد يعني الذكريات إذا استعملنا لغة الجابري الرومانسية، وقد يعني نصوصا تغتصب التاريخ وعمائم تبتلع الحاضر والإنسان. والقول بأنه ليست هناك ثقافة عالمية بل ثقافات، قول فيه الكثير من التفاؤل المجاني، ذلك أن الثقافة اليوم تنحو نحو العالمية، إبداع من الآخر وقراءة وتقليد من الأنا، تختفي الأنا خارج التاريخ، إنها أشبه بالمصريين القدامى الذين ظلوا دائما أطفالا لأنهم لم يتجاوزوا جدران المعبد. إن الآخر يفرض ثقافته، ليس لأنها إنسانية، متحضرة أو عقلانية، ولكن لأنها ثقافة الأقوى، أما الضعيف فلا ثقافة له، وقد تكون له ذكريات! أمس منحتنا الثقافة اليونانية فكرة "العقل"، واليوم تمنحنا الثقافة الأوروبية فكرة "التاريخ"، وكما ضيعنا العقل، ها نحن نواصل اليوم وبإصرار أعمى نفي التاريخ، أو نفي أنفسنا خارجه. أما أطروحة الجابري الثانية، ذات النغمة الدينية المطلقة، فتؤكد أن الهوية مستويات ثلاث: فردية وجمعوية ووطنية قومية. إضافة إلى أن هذا التقسيم اعتباطي، وخصوصا في ظل مجتمعات قومية أو أصولية تعادي الفرد وتقمع حريته وتسجن حاضره بماضيه، فإننا نؤكد مرة أخرى أن لا هوية للثقافة، وأن الثقافة المتنورة تقف ضد كل هوية، فالهوية منطق انكفائي وعقل جوهراني، والثقافة التاريخية نقد وجدل مستمران، وهذا ما يميزها اليوم عن الأمس. أمس كانت الثقافة تتمركز حول هوية أو نص أو عقل محدد، أما الثقافة التاريخية فهي صيرورة لا هوية، وربط الأنا بالهوية هو فرض للماضي على الحاضر واستسلام لاجتهاد السلف. وتقول الأطروحة الثالثة أن الهوية الثقافية لا تكتمل إلا إذا كانت مرجعيتها جماع الوطن والأمة والدولة. ويقول الجابري معرفا الوطن:"الأرض والأموات، أو الجغرافية والتاريخ وقد أصبحا كيانا روحيا واحدا يعمر قلب كل مواطن". أي معنى للوطن يقدمه الجابري؟ وأية لغة طلسمية يستعملها؟ الوطن هو الأرض والأموات. أوَليس مثل هذا التفكير هو من حول الوطن إلى أرض موات؟! لما لا نقول بأن الوطن هو الرغيف المسروق الذي يجب انتزاعه من جديد، أو هو العدالة الاجتماعية، أو هو الحرية السياسية أو هو الإنسان الذي عفرت آدميته بالتراب. لكم كان صادقا ذلك الشاعر العراقي المنفي حين قال: "نحن اثنان بلا وطن يا وطني". ومن قال بأن الأموات هم التاريخ؟ الأموات هم الماضي، هم الماضي الذي مازال يرخي سدوله المدلهمة على الحاضر. والأمة ليست نسبا روحيا. الأمة مشروع سياسي مؤجل. الأمة ليست نصا نهائيا، ومتى أرادت أن تخرج من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، فعليها أن تنجز نسبا جديدا، نسبا مع التاريخ. فليست الأمة ما أنجزناه، ولكن ما يجب أن ننجزه.

    * كاتب من المغرب مقيم بألمانيا
                  

العنوان الكاتب Date
مابين العولمه و الارهاب ... مقالات للحوار esam gabralla09-14-04, 07:04 AM
  Re: مقالات للحوار... تفجر التعريفات:إدوارد سعيد esam gabralla09-14-04, 03:49 PM
  Re: السوق تصدر الأوامر ...ماذا تبقى من الديموقراطية؟ esam gabralla09-15-04, 05:10 AM
  جدليات العولمة فى ظل اللاعولمة esam gabralla09-15-04, 01:10 PM
  العولمة - المفهوم والمصطلح esam gabralla09-15-04, 01:27 PM
  Re: مابين العولمه و الارهاب ... مقالات للحوار esam gabralla09-16-04, 08:36 AM
  Re: مابين العولمه و الارهاب ... مقالات للحوار esam gabralla09-16-04, 08:41 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de