|
خروفنا في خطر
|
عبد الرحيم إنسان بسيط للغاية مثله مثل الغالب من أهل قريتنا. اجتماعي من الدرجة الأولى ومجامل لأقصى حدود المجاملة. وهو فوق هذا وذاك إنسان طروب، يندر أن يتغيب عن مناسبات الأفراح التي تقام في القرية. يدعي بأنه فنان بالفطرة ونجح في الترويج لهذا المفهوم بين أهل القرية والقرى المجاورة، ولذلك كان يتم الاستعانة به في حفلات الأعراس بعد أن تفشل الجهود في العثور على فنان محترف أو لأي أسباب أخرى. وكان عبد الرحيم يحيي هذه الحفلات بسعادة متناهية وبدون أي أجر. ورغم تواضع أدائه وصوته، إلا أن جمهور الحفلة كان يخرج وهو مبتهجاً ومسروراً حيث يقضي الجميع وقتاً جميلاً حتى لو كان الفنان هو "عبد الرحيم" . ولأنه فنان "رزيرف" كما درج في ثقافة الكورة، أطلق عليه "فنان الحيرة"!. وفي الأعياد حيث تزداد مناسبات الأفراح يكثر الطلب على فنان الحيرة "عبد الرحيم" تماماً كما يزداد الطلب على خراف الأضاحي. مناسبة هذه القصة هي للإشارة بأننا في منطقة الخليج العربي بشكل خاص قد عانينا كثيراً من انقطاع الخراف السودانية لأكثر من عام مما أضرنا للجوء "لخروف الحيرة" سواء النعيمي وهو خروف سوري كثير الشحم ذو رائحة غير محببة، أو الأنواع الأخرى مثل النجدي أو الاسترالي ذو الرائحة الكريهة أو البربري وهي جميعها لا ترقى لمستوى الخروف السوداني الذي عرف بجودة طعمه وخلوه من الرائحة، واعتدال شحمه. وقد مكنته هذه الصفات المتميزة من أخذ مكانة محترمة في الأسواق الخليجيـة بل العربية بشكل عام. إلا أنني قرأت مؤخراً تقريراً في إحدى الصحف السعودية يشير بأن الاستراليين تمكنوا أخيراً من إنتاج سلالة خراف تسمى "الهيدرا" تحمل نفس خواص الخراف السودانية حيث نجحوا من تهجين خراف سودانية مع خراف استرالية وكانت النتائج ممتازة تمثلت في سلالة جديدة وهي "الهيدرا". وقد بدا التسويق فعلياً لهذه الخراف في السعودية وبعض دول الخليج الأخرى.. والمشكلة أنها تسوق على اعتبار أنها لحوم سودانية خالصة وهو ما يعتبر مهدداً كبيراً لهذا القطاع الاقتصادي الهام في السودان والذي يتجاوز 132 مليون رأس ويساهم بأكثر من 4.5 مليار دولار سنويا للدخل القومي ويمثل بذلك أحد الركائز الأساسية للاقتصاد السوداني. ومن المعلوم أن استراليا تعول على قطاع الثروة الحيوانية كواحد من القطاعات التي تساهم في تحفيز اقتصادها، وهذه الخطوة ذات دلالة على أن استراليا تمكنت من قراءة السوق بشكل جيد، وأدركت نقاط الضعف للمواشي الاسترالية وكذلك نقاط القوة لمنتجات منافسيها، وهي بدون شك لن تتواني في بذل المزيد من الجهود حتى تدعم تسويق منتجاتها في الأسواق العربية، والدليل على ذلك هو "الهيدرا" الذي يمثل واحداً من المخرجات التسويقية التي تقوم بها استراليا حتى تغزو مواشيها الأسواق العربية ... ما نخشاه بحق هو التهديد الكبير "للهيدرا" على خرافنا السودانيــة بشكل خاص، فربما لن تتمكن الخراف السودانية في المستقبل من الانفراد بالخصائص الفريدة التي كانت تميزها سابقاً ... فماذا نحن فاعلون حيال ذلك.
|
|
|
|
|
|
|
|
|