هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. والحكومة تحتضر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 11:57 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-04-2008, 02:38 PM

مؤيد شريف

تاريخ التسجيل: 04-20-2008
مجموع المشاركات: 4052

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. والحكومة تحتضر

    هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!

    فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. والحكومة تحتضر



    سالم أحمد سالم/باريس
    [email protected]

    عشرون عاما فعلت فيها الحكومة السودانية الراهنة الأفاعيل بالشعب السوداني من أجل البقاء في الحكم وفرض نفسها كأمر واقع تخضع له الأعناق وتعنُ لها الوجوه استسلاما.. من تلك الأفاعيل على سبيل المثال:

    - الاستيلاء على الحكم بالقوة العسكرية المزجاة بالخديعة

    - الإعدامات الدموية التي طالت العسكريين والمدنيين، وقتل الأنفس البريئة بدون حق أو فساد في الأرض

    - التعذيب والاغتيالات في بيوت الأشباح وامتهان كرامة الرجال

    - الاغتصاب والتشفّي والإرهاب الاجتماعي واستباحة البيوت من غير أبوابها وترويع النساء والأطفال وانتزاع الأبرياء من نومهم وانتزاع الاعترافات المكذوبة تحت القهر وإحضار البنات والزوجات والمحارم والتهديد باغتصابهن أمام أعين الأزواج والإخوة وأولياء الأمر

    - السجون النائية التي تنعدم فيها أدنى مقومات الحياة والآدمية، والمحاكمات الجائرة ومحاكم التفتيش التي تفتقر إلى مخافة الله وتفتقد إلى ما دون الحد الأدنى من درجات العدالة الوضعية

    - اعتقال مئات آلاف المواطنين بدون محاكمات ولمدد طويلة وممارسة أقصى صنوف الإرهاب الاجتماعي غير المسبوق

    - استغلال الدين استغلالا تعافه نفس الكافر بالله

    - قتل الآلاف من الأبرياء في قراهم وتشريد الملايين إلى حظائر الموت داخل وخارج البلاد

    - تشريد الملايين من الكفاءات الوطنية في كل قطاعات المهن

    - التهجير القسري لما يقارب 7 مليون مواطن إلى خارج حدود الوطن ومطاردة النخب بواسطة أجهزة مخابرات السفارات ووفود المخابرات بغية إعادة تشريدهم بفصلهم عن وظائفهم خارج السودان بالتقارير الكيدية إلى مواقع عملهم أو عن طريق الرشوة وشراء الذمم

    - كتم أنفاس المجتمعات وتكميم الأفواه وتحريم الحريات المكفولة في محكم التنزيل، ومحق حقوق الإنسان المكفولة بقول الله وبالشرعة الدولية

    - فرض الرقابة المسبقة على الصحف وانتزاع الآراء بنيّة التدمير ومنع الصدور

    - السطو على النقابات والاتحادات المهنية والعمالية والطلابية ونشر عصابات الصبية المسلحة

    - إخراج الرأسمالية التقليدية والتجار عن الأسواق وفرض الضرائب التعجيزية وسوق التجار إلى الإفلاس ومحاكمتهم بقوانين تم تصميمها للحيف

    - تجويع وتركيع وترويع المجتمعات السودانية واحتكار السلع الضرورية للحياة والعلاج

    - احتكار المال ورؤوس الأموال والسيطرة الكاملة على حركة تداول المال والاستثمار

    - تفريغ الجيش والشرطة من الكفاءات الوطنية

    - تقديم الولاء على الكفاءة وحشو مرافق الحكومة بغير المؤهلين، وما نتج عن ذلك من انحطاط الأداء وتفشي المحسوبية والرشوة والفساد في جميع مرافق وإدارات في البلاد



    عشرون عاما من صنوف البشاعة إلى غيرها من الفظاظة والفظائع التي تعيي عن الحصر، والتي طالت بشكل مباشر ومأساوي قرابة 25 مليون مواطن سوداني علاوة على البقية من الأطفال وكبار السن الذين تضرروا حتى الموت بالتجويع والحصار الاقتصادي والوظيفي والإهمال وانعدام الدواء والعلاج والتغاضي عن انتشار الأوبئة. لكن رغم أنف كل أفاعيل الحكومة الراهنة، لم "تبرد" السلطة لهذه الحكومة إلى يوم الناس هذا. عشرون عاما فشلت خلالها الحكومة أن تفرض نفسها كأمر واقع تتقبله المجتمعات السودانية وترضى به حكما دائما. تجربة عشرين عاما أضحت تؤكد أن مائة عام أخرى لم تعد كافية أن تنتزع عن المجتمعات السودانية نظرتها إلى الحكومة الراهنة بأنها مجرد حكومة مؤقتة، حيث تتطلع المجتمعات السودانية اليوم إلى مرحلة ما بعد هذه الحكومة!

    الحقائق السابقة تضعنا أمام ظاهرتين ينبغي دراستهما، أو على الأقل أن نضعهما دائما نصب أعيننا. ذلك أن دراسة هاتين الظاهرتين قد تؤشر إلى الدرب المفضي إلى مرحلة ما بعد الحالة الشمولية الراهنة، وهي مرحلة لم تعد بعيدة وقد بدت أشراطها. والظاهرتان هما:

    أولا: ظاهرة الإسراف في العنف والقتل والإرهاب الاجتماعي غير المسبوق الذي تمارسه الحكومة السودانية الراهنة. وتقترن هذه الظاهرة بسؤال محوري حول لماذا باشرت الجماعة الانقلابية بممارسة أقصى درجات العنف من أول صباح سطت فيه على البلاد.

    ثانيا: ظاهرة صمود المجتمعات السودانية ورفضها قبول الحكومة الراهنة وغيرها من الحكومات الدكتاتورية كأمر واقع ودائم. وسوف نتبين من السياق أن المجتمعات السودانية تتميز بهذه الخاصية عن سائر مجتمعات المنطقة التي قبلت الدكتاتورية وأذعنت لها.

    المشهد العام:

    حقيقتان متلازمتان: الحقيقة الأولى هي فشل الحكومة الراهنة في فرض نفسها كحكم دائم، والحقيقة الثانية هي نظرة الشعب السوداني لهذه الحكومة كحالة مؤقتة. هاتان الحقيقتان تجعلان الجماعة الحاكمة تحكم متوجسة من الشعب، يتغشاها النعاس فلا تقدر على النوم، قلقلة مضطربة تطاردها الكوابيس لا تعرف للطمأنينة طعما، كلما انقضى يوم من عمرها يباعد بينها وبين حلمها القديم في أن يقر لها الحكم والسلطان. وبين هاتين الحقيقتين المتلازمتين، تبدو لنا صورة الحكومة وقد باعدت بين ساقيها راكبة على ظهر أسد، فلا هي نجحت في تدجينه وترويضه حتى تمتطيه إلى الأبد، ولا هي تريد أن تهبط طوعا عن ظهر هذا الأسد "المتحرّك" حتى لا تفقد لذّة الجلوس على ظهره إشباعا لشهوة الحكم .. ولا هي تريد أن تهبط عن ظهره مخافة أن يلتهمها، ولا هي تدري متى سوف يسقطها الأسد من على ظهره .. أكلها أو عافتها نفسه!

    مدرسة العنف:

    سؤالان يطرحان نفسيهما بإلحاح في هذا السياق:

    السؤال الأول: لماذا بادرت الحكومة بالإسراف في التعذيب والعنف والقتل من أول يوم من عمرها؟

    السؤال الثاني: من أين جيء بهؤلاء الذين قاموا بارتكاب هذه الفظائع التي تتنافى مع السلوك العام للمجتمعات السودانية؟

    الإجابة تتطلب العودة إلى الاستعدادات التي سبقت تنفيذ الانقلاب العسكري. هنا نأخذ البيّنة على الجماعة الانقلابية من أفواه أركان هذه الحكومة عندما قالوا أنهم قبل تنفيذهم الانقلاب قد قاموا بدراسة وافية لجميع تجارب الحكم في السودان، وأنهم استفادوا تحديدا من تجارب الحكومتين العسكريتين الأولى والثانية. نبدأ بالبديهيات كالعادة ونقرر أن الجماعة الانقلابية، من حيث أنها جماعة تخطط لتنفيذ انقلاب عسكري، فقد كان من البديهي أن تحصر دراستها في تجربة الحكومتين العسكريتين الأولى والثانية لتفادي أسباب انهيار تينك الحكومتين. وأما البديهية الثانية فإن الجماعة الانقلابية لابد قد توصلت من دراساتها، دون أن يحتاج الأمر إلى عناء أو ذكاء، أن المجتمعات السودانية سوف لن تقبل بها أو بغيرها حكما عسكريا دكتاتوريا دائما، وأن رفض المجتمعات السودانية للدكتاتوريات ولو بعد حين هو السبب الأساسي الذي أدى إلى انهيار الحكومتين العسكريتين، حكومة 17 نوفمبر وحكومة مايو 1. وعليه فقد كان الهدف النهائي من تلك الدراسات المسبقة هو استنباط وتطبيق الوسائل التي تضمن بها الجماعة الانقلابية التغلب على معضلة رفض المجتمعات السودانية للأحكام الدكتاتورية العسكرية، وبالتالي الاستمرار في حكم دائم بعد نجاح الانقلاب العسكري.

    المعرفة المسبقة برفض المجتمعات السودانية للأحكام الدكتاتورية كانت كافية أن تكبح جماح أي عاقل عن ارتكاب حماقة الانقلاب العسكري، ومن ثم الانصراف إلى العمل السياسي سعيا للوصول إلى الحكم عبر الآليات والوسائل الديموقراطية. إلا أن مسألة الإمساك بالسلطة تظل هدفا استراتيجيا عند جميع التيارات والجماعات السياسية المسماة بالإسلامية السلفية منها وغير السلفية بصرف النظر عن وسيلة الوصول. وبما أن هذه التيارات والجماعات تعلم سلفا أنها لن تتمكن من الوصول إلى الحكم عبر الآليات الديموقراطية، فإن الوصول إلى الحكم عبر الانقلابات العسكرية صار بندا أساسيا في أجندة جميع التيارات المسماة بالإسلامية. منذ صدر الإسلام وضحت الرغبة الجامحة إلى السلطة عند هذه الجماعات التي تتخذ الدين وليجة إلى الحكم، ونجد استغلال الآلة العسكرية اشد وضوحا في التاريخ القريب منذ منتصف القرن الماضي في سائر الأقطار ذات الغالبية المسلمة مثل محاولاتهم احتواء الحكم في بداية سلطة مع جمال عبد الناصر، الأمر الذي انتهى إلى تفجر الصراع. واستيقظت المطامع "الإخوانية" في حكم مصر مع أنور السادات، وهو أيضا حكم عسكري عندما حاول السادات الاستفادة منهم ي معادلة الوضع مع خصومه، وعندما انفتح الصراع اغتالوه. والجدير بالملاحظة أن إسرائيل كانت المستفيد الرئيسي من اغتيالهم لأنور السادات!

    وفق عقيدة الوصول إلى الحكم عن طريق الجيش لم تتورع الجبهة السياسية الإسلامية عن تنفيذ الانقلاب العسكري. زد على ذلك أن انهيار الحكومة العسكرية الثانية (مايو 1) قد سبب خسارة فادحة للجبهة السياسية الإسلامية، حيث حققت "الجبهة" مكاسب عظيمة أثناء تحالفها مع الحكومة العسكرية الثانية. وزد فوق ذلك أن الانقلاب العسكري للجبهة السياسية الإسلامية كان قد تم الإعداد له في أثناء حكومة مايو العسكرية في صيغة "انقلاب قصر" يطيح رئيس الحكومة العسكرية وأطقمه ليحل حسن الترابي أو أحد ضباطه مكان الرئيس المخلوع. وزد قبل ذلك أن جماعة الأخوان سبق أن أيدت حكومة 17 نوفمبر العسكرية وغازلتها غزلا مكشوفا لإشراكها في الحكم.

    لم يعد من جدال أن الوصول إلى الحكم عبر انقلابات عسكرية يظل ومنذ عهود سياسية بعيدة من ثوابت أجندة الجبهة السياسية الإسلامية كغيرها من أخواتها في العالم. ولا غرابة ولا شك أنها ظلت تتحين الفرص وتدبر لانقلابها العسكري الأخير منذ سنوات بعيدة وكانت عازمة على تنفيذه والسيطرة المفردة على الحكم. هذه الحقائق تدحض مزاعم مصطفى عثمان إسماعيل أحد رموز الحكومة عندما قال أن الجبهة "كانت مضطرة لتنفيذ الانقلاب العسكري .. الانقلاب العسكري غير محلل، واستخدامنا له كان استثناء" وهو قول يقع بين الكذب ومحاولة تزوير حقائق التاريخ لأن الانقلاب كما بينا جرى الإعداد له منذ سنوات بعيدة ولم يكن أمرا طارئا. على أن الوشيجة المفيدة في كلام مصطفى عثمان هي قوله: (.. نحن ندفع الآن جزءاً من الثمن، ويكون العلاج برد الأمر لأهله .. للشعب) مصطفى عثمان يسجل اعترافا صريحا بالفشل ويعطي الدليل القاطع بأن الجبهة السياسية الإسلامية قد فشلت فشلا تاما في حمل الشعب السوداني على القبول بها كحكم دائم، وأن كل الفظائع والجرائم التي ارتكبتها "الجبهة" طيلة السنوات الماضية لم تفلح في إرغام أنف المجتمعات السودانية أو تبديل نظرة الشعب لها كحكومة مؤقتة. لذلك لا ينبغي أن نقرأ عبارات مصطفى عثمان بأنها مجرد إدانة متأخرة للانقلاب العسكري فحسب، لكنه يتبلّغ كلماته مغموسة في الندم على ارتكاب حماقة الانقلاب العسكري. ويزيد مصطفى عثمان في التأكيد على ما ذهبنا إليه بقوله: «الآن نريد أن نرد السلطة إلى الشعب، وله أن يعيدنا إلى السلطة انتخابيا، إن أراد ذلك» عبارة تنضح بكل مرارة الهزيمة، ودليل قاطع أن رد الأمر للشعب لم يكن طوعا بل كرها بعد الفشل الكبير والخسائر الفادحة والورطة المحدقة التي منيت بها حكومته وجبهته .. ومع ذلك كل القرائن تدفع للشك في نية الحكومة على إعادة الحق المغتصب إلى أهله (راجع مقالاتي تحت عنوان "الديموقراطية طوعا أو كرها" جريدة الأيام السودانية 2005- 2006)

    نعود إلى ما نحن بصدده بالقول أن الجماعة الانقلابية قد وضعت خطة الانقضاض العسكري على السلطة مقرونة بالوسائل اللازمة التي كانت تظن أنها تضمن لها الاستمرار في الحكم بصورة نهائية لا ينازعها عليها أحد. وهنا نحن نعود إلى سؤالنا عن ماهية الفوائد التي حصدتها الجماعة الانقلابية من دراستها لتجارب الأحكام العسكرية التي سبقتها؟ سوف نرى.

    كما هو معروف فقد مرت على السودان من قبل حكومتان عسكريتان شموليتان حاولتا وفشلتا في أن تكونا الأمر الواقع الحاكم. فقد كانت الحكومة العسكرية الأولى، حكومة 17 نوفمبر العسكرية. كانت الوسيلة الرئيسية التي اتبعتها تلك الحكومة من أجل الفوز بقبول المجتمعات السودانية هي أنها قامت بتنفيذ سلسلة من المشاريع الاقتصادية الكبرى من أجل أن تطرح نفسها كبديل أفضل عن الأحزاب. ولما لم تشفع لها المشاريع كبديل عن الحريات، لجأت الحكومة العسكرية الأولى إلى استخدام العنف المسلح كآخر وسيلة لديها لكبح الثورة الشعبية والاستمرار في الحكم بالقوة والعنف. لكن لم يعصمها العنف وأطاح بها الشعب السوداني في ثورة أكتوبر الشعبية 1964. ثم كانت الحكومة العسكرية الثانية (مايو 1) وهنا نجد أن الوسيلة التي اتبعتها تلك الحكومة لنيل القبول الشعبي قد تمثلت في طرحها، في بداية أمرها، فكرا اشتراكيا يتوافق مع أشواق الجماهير في العدالة الاجتماعية كنقيض للمنهاج الطائفي الأناني. لكن سرعان ما اكتشف الشعب أن اشتراكية (مايو 1) لم تكن إلا مجرد شعار خال عن المحتوى والبرنامج وأن رأسها خواء، فكانت بداية الرفض الشعبي. ولمواجهة الرفض الشعبي المتنامي، رمت الحكومة العسكرية الثانية (مايو 1) جانبا كل شعاراتها الاشتراكية ونزعت عن نفسها أكذوبة التنمية وكشرت في وجه الشعب عن أنياب مدججة بالسلاح ونشرت أجهزة مخابراتها المحلية المهجنّة بالمصرية والأميريكية وزادت عليها تحالفا مع الجبهة السياسية الإسلامية التي لم تتورع عن تسخير الدين وسيلة للتكسب السياسي حتى بلغ بهم المدى أن نصبوا رئيس الحكومة إماما وخلعوا عليه لقب مجدد المائة! فزاد التحالف في كراهية الشعب للحكومة فكانت قيامتها.

    لم يكن من الصعب على مدبري الانقلاب العسكري للحكومة الراهنة أن يدركوا من دراسة تجارب الحكومتين العسكريتين الأتي:

    أولا: أن العنف هو الوسيلة الوحيدة لاستمرار أي حكم شمولي، وأن حكومتهم العسكرية المنتظرة مهما قدمت فإن الشعب سوف لن يقبل بها كحكومة دائمة. وبذلك اعتمدت الجبهة السياسية الإسلامية العنف كوسيلة وحيدة للاستمرار في الحكم في حال نجاح الانقلاب.

    ثانيا: أن الحكومتين العسكريتين، حكومة 17 نوفمبر وحكومة (مايو 1) قد لجأتا إلى استخدام العنف كآخر وسيلة من وسائل الاستمرار في الحكم. وعليه فإن تأخيرهما استخدام العنف قد أفقد العنف فاعليته. كذلك لم يكن من الصعب على الجماعة الانقلابية أن تدرك بدراسة أو بدون دراسة أن أنفة الشعب السوداني ورفضه الطبيعي للأحكام الشمولية يظل سببا مباشرا لانهيار الحكومات الدكتاتورية. وعليه قررت الجماعة المدبرة للانقلاب أن تبادر ومن أول لحظة بممارسة أقصى درجات العنف والقتل والتعذيب والتشريد بغية إكساب العنف الفاعلية المطلوبة وبذر الخوف في نفس الشعب، ومن ثم كسر أنفة المجتمعات السودانية واستئصال عزتها واعتزازها وتحويها إلى قطيع تسهل قيادته بعصا ذات شعبتين هما الرعب والتخويف.

    هذه المعطيات تفسر هوس العنف وموجة الإعدامات ونشر عناصر المخابرات وفرق الموت وبيوت الأشباح والسجون وحالات التعذيب وامتهان الكرامة التي تعرضت لها الرموز الاجتماعية والنقابية والعسكرية وفئات عريضة من الشعب منذ اليوم الأول لنجاح الانقلاب العسكري. وقد تكاملت أساليب العنف والقتل مع سياسة الحصار الاقتصادي والتجويع باحتكار السلع الضرورية التي مهدت بها الجماعة الانقلابية قبل تنفيذ الانقلاب العسكري. وبذلك وقعت المجتمعات السودانية بين كماشتي الرعب والتجويع.

    أئمة العذاب وجنوده

    وإذا كانت الحكومة الراهنة قد مارست كل هذه الأصناف من العنف الوحشي، فلابد من وجود عناصر بشرية قامت بتنفيذ قائمة الفظائع والأعمال الوحشية التي أوردناها في مقدمة هذا السياق. لكن لابد أن نكون قد لاحظنا أن ارتكاب مثل هذه الفظائع يعد أمرا شاذا وغريبا عن الأخلاقيات التي تسود المجتمعات السودانية التي تميزت بالتسامح وعدم الفجور في الخصومة والبعد التام عن ارتكاب جرائم التعذيب وجرائم القتل الممنهج أو القتل على الهوية السياسية أو الدينية أو القبلية الذي يسود في كثير من الأقطار العربية والأفريقية. وهنا أيضا نجد أنفسنا نعيد طرح نفس السؤال الذي سبق أن طرحه الأديب الطيب صالح: (من أين أتى هؤلاء) الذين يعذبون ويغتالون دون أن تهتز عندهم عضلة حياء أو شعرة إنسانية؟ ونزيد من عندنا مجموعة أخرى من التساؤلات حول الطبيعة النفسية للعناصر التي قامت بتنفيذ هذه الأعمال الوحشية على مجتمع هي جزء منه، وأن نتساءل أيضا عن التنشئة ونوع التدريب الذي تلقته هذه العناصر فاستأصل آدميتها ونشّأها على عنف غير مسبوق تمارسه ضد مجتمع تمتّ إليه بصلات الرحم وأواصر القربى .. ضد مجتمع وهب هذه العناصر دفء الأسرة وأنفق على تعليمها من مسغبته؟ وفي ذات السياق لابد أن نقوم بالبحث عن القيادات التي أشرفت على تدريب هذه العناصر وتلك التي زينت لها ارتكاب هذه الفظائع وحفلات التعذيب والطقوس الدموية المقدسة بدم بارد .. يجلس بعدها أعضاء فرق الموت والتعذيب يحتسون أكواب الشاي ويثرثرون عن نوع العشاء ..

    البحث يعود بنا إلى منتصف ستينات القرن الماضي بعد نجاح ثورة أكتوبر الشعبية، عندما برزت لأول مرة في أوساط المدارس السودانية مجموعات صغيرة من الطلاب تتسم بالعنف والشراسة. كانت تلك المجموعات على صغرها لا تتورع عن مهاجمة الندوات التي يعقدها أقرانهم من الطلاب والتعرض بشراسة قاتلة لمظاهرات الطلاب بالطوب والحجارة والعصي والسكاكين، ومهاجمة وتدمير الندوات السياسية الطلابية والمعارض والحفلات الطلابية. كانت الظاهرة غريبة على الحياة الطلابية وعلى الحركة الاجتماعية بصفة عامة، لذلك لم يهتم أحد بتلك الظاهرة. وربما ظن البعض آنذاك أنها ظاهرة وقتية سرعان ما تنقشع. أما الأحزاب التقليدية الطائفية فقد أغمضت عين المسؤولية وفتحت عين رضا مع نصف ابتسامة طالما أن عنف جماعات "الجبهة" يستهدف الشعب من غير المنتمين للأحزاب الطائفية وخارج خيامها. وعندما نعيد النظر في الأوضاع الاجتماعية آنذاك نتأكد أن العنف كان يشكل حالة استثنائية مناقضة للسلوك الاجتماعي العام، وأن استخدام العنف كان ينحصر في فئتين: الفئة الأولى هي البوليس والقوات النظامية، والفئة الأخرى كانت طائفة الأنصار. عنف الشرطة كان يقتصر على تفريق تظاهرات الطلاب والعمال والموظفين باستخدام الهراوات والغاز المسيل للدموع كأقصى درجات العنف. ومن شواهد الرفض الاجتماعي السوداني للعنف أنه عندما استخدمت الشرطة الرصاص داخل الحرم الجامعي إبان ثورة أكتوبر وقع ذلك الفعل موقع الجريمة الفادحة مما أدى إلى استفحال الثورة الشعبية وانهيار الحكومة العسكرية. أما أتباع طائفة الأنصار فقد كانوا يوظفون العنف في قمع الخصوم السياسيين وإرهاب المجتمع. على أن طائفة الأنصار قد تخلت إلى حد بعيد عن العنف بسبب تغيّر الأجيال وانتشار الوعي. مقابل ذلك نجد أن باقي الفئات الاجتماعية الأخرى من طلاب وعمال وموظفين قد ورثوا عن الحركة الوطنية أسلوب التظاهرات والإضرابات الخالية من أساليب العنف أو من تدمير المنشآت الوطنية والممتلكات العامة.

    على أن مجموعات العنف الطلابي تكاثرت وانتشرت بدلا عن أن تنحسر كما كان متوقعا لها. وانتشرت جماعات الإخوان المسلمين تمارس العنف داخل المدارس والجامعات والمعاهد .. إلى تلك الحكايات المعروفة من دفن السيخ والعصي والسكاكين ومهاجمة الفئات الطلابية الأخرى بأساليب عنف دموي وارتكابهم جرائم جنائية لم تكن معروفة وقتئذ في الأوساط الدراسية والاجتماعية في السودان. تلك كانت البداية. لكن الغريب حقا أن الفئات الطلابية الأخرى أحجمت عن مبادلة طلاب وجماعات الأخوان العنف بعنف مضاد، ولو حدث ذلك ربما خفف من استفحال الظاهرة، التي انتهت إلى عملية السطو المسلح على كامل السلطة في البلاد وما أعقب ذلك من قتل وتعذيب وعنف.

    بكل تأكيد لم يكن تنامي جماعات العنف الطلابي عملا عفويا، بل تم بصورة مبرمجة متصاعدة وتحت إشراف مباشر من الزعيم أو الزعامات التي تولت تأهيل وتدريب جماعات العنف الطلابي وتحريضهم على العنف. ولما كان الدين هو وسيلة السيطرة الروحية على أولئك الفتية، فقد تم تشريطهم بأن العنف هو جهاد في سبيل الله. لذلك تم تسمية فيالق العنف الطلابي بالجهادية. العثور على الزعيم أو الزعامات التي قادت أولئك الفتية وسيطرت عليهم لا يحتاج إلى طويل بحث. فقد ظل حسن الترابي هو الزعيم المطلق لجماعات الإسلام السياسي وبالتالي الزعيم الروحي والعرّاب الأخلاقي لكل ما تستبطنه جماعاته من فيالق العنف منذ ستينات القرن الماضي إلى يوم الناس هذا. قد يبدو حسن الترابي للوهلة الأولى في زي السياسي أو المفكر أو الزعيم الديني ليّن الجوانب الذي يكثر من الابتسام. لكن دوره في تفريخ العنف وتغذيته تجعل حقيقة حسن الترابي تناقض هذه التمظهرات. وكما قلت في تحليل مطول سابق، فقد سبق أن سعى حسن الترابي حثيثا في بدايات حركاته نحو مراميه السياسية إلى قيادة جموع الأنصار، لكنه فشل في ذلك بسبب الموقف الصارم الذي اتخذه الصادق المهدي. ثم قام حسن الترابي في سلسلة من الانقلابات العنيفة بإقصاء جميع الزعامات التاريخية لما كان يعرف بجبهة الميثاق وتوج نفسه زعيما أوحدا للحركة السياسية الإسلامية. وقد استخدم الترابي أسلوبا ماكرا في انقلاباته على شيوخ جبهة الميثاق، حيث أدخل الترابي إلى عضوية الجماعة مجموعة كبيرة من تلاميذه في الجامعة ثم استخدمهم كأغلبية ميكانيكية في إقصاء منافسيه من الشيوخ. وهكذا وفجأة أصبح الترابي الشيخ والزعيم الأوحد مع فارق كبير في العمر بينه وبين مجموعة الشباب الذين دفع ببعضهم إلى مستوى القيادة. واضح أن الترابي آنذاك أنه بتلك التركيبة (شيخ وتلاميذ) سوف يضمن الولاء الأعمى من الحواريين الشباب .. لكنه نسي أن الشباب سوف يكبرون في يوم من الأيام!

    وفي ذات سياق العنف بالغدر نجد إن حسن الترابي هو الذي تزعم عملية طرد النواب الشيوعيون من البرلمان علما أنه دخل البرلمان بأصوات الحزب الشيوعي! كل هذه الأعمال وإن بدت كنشاط سياسي إلا أنها تستبطن قدرا ملحوظا من العنف الذي انعكست آثاره السالبة على مجرى العلاقات بين التكوينات السياسية وعلى أوجه الحياة السياسية والاجتماعية في السودان. وتتأكد قرينة العنف في شخصية حسن الترابي من حقيقة أن أعلى معدلات العنف والتعذيب والإعدامات ومخازي بيوت الأشباح قد تمت خلال الفترة التي أحكم فيها حسن الترابي سيطرته على الحكومة العسكرية الراهنة. ثم إن الدور المباشر الذي لعبه حسن الترابي في جريمة اغتيال المفكر محمود محمد طه تكشف مدى العنف المتجرد الذي تنطوي عليه ابتسامات حسن الترابي .. إلى غير ذلك من الحوادث والنماذج التي يصعب حصرها هنا والتي تتوج حسن الترابي امبراطورا لمملكة العنف في التاريخ السوداني المعاصر .. الذي يروج للعنف عنيف والذي يحرض على القتل قاتل ..

    من زيادة الكلام أن نقول أن الجماعات التي نفذت قائمة الفظائع المذكورة هي ذات الكوادر التي ربّاها حسن الترابي في كنفه واشرف على "تثقيفها" وتدريبها داخل وخارج السودان، حتى قادها أخيرا إلى تنفيذ الانقلاب العسكري كأرقى مدارج العنف الذي تجسد في قائمة الفظائع التي ورد ذكرها. وبديهي أن الكوادر الأولى استنسخت كوادر جديدة على نسقها، ومن هذا الخليط تكونت فرق الموت والتعذيب التي يطلق عليها الرأي العام السوداني "جلاوزة الإنقاذ"

    العنف الذي تتعرض له المجتمعات السودانية يكاد يكون نسخة عن العنف والتقتيل الذي تعرض له الشعب الإيراني بعد استيلاء آيات الله والملالي على السلطة في إيران تحت زعامة الخميني. وإذا جمعنا عناصر: 1 استغلال الدين، 2 الاستيلاء على السلطة بالقوة بواسطة فئة محددة من المجتمع، 3 ارتفاع معدلات العنف ضد المدنيين، 4 محاولة إخضاع المجتمعات بالإكراه والعنف، 5 المساعدات التي منحتها حكومة إيران للحكومة السودانية، 6 في معطى نقل الخبرات، فإن استيلاء آيات الله على الحكم في إيران سبق انقلاب الجبهة في السودان، 7 الزيارات المكوكية التي كان يقوم بها حسن الترابي إلى طهران والحوزات الدينية في إيران قبل وبعد نجاح الانقلاب العسكري في الخرطوم، 8 التطابق في الممارسات والتشابه في الاسمين بين "حرس الثورة" في إيران وبين "أجهزة أمن النظام" في الخرطوم، عندما نضع هذه العناصر الثمانية إلى جوار بعضها البعض نستطيع أن نقرأ كل ما سبق ذكره بالاتساق مع العلاقة الوطيدة بين حسن الترابي وبين آيات الله في إيران، وبالتالي العلاقة العميقة بين حكومة الخرطوم الراهنة وبين الحكومة الإيرانية. فبعد فترة قصيرة من نجاح الانقلاب في الخرطوم، انتشر أفراد الحرس الثوري الإيراني في مدن وأقاليم السودان المختلفة وفي كل المرافق الحيوية في البلاد يشاهدهم المارة في شوارع الخرطوم. لم تكن زيارات سياحية! فخلال تلك الحقبة لعبت الحكومة الإيرانية دورا أساسيا في تثبيت أركان حكومة الخرطوم الانقلابية عن طريق نقل الخبرات الإيرانية في مجالات التخابر وإحكام السيطرة وتأمين السلطة ونقل تجارب ردع الخصوم على غرار التنكيل الذي تعرضت لها جماعة "مجاهدي خلق" وغيرها على أيدي الحرس الثوري الإيراني ... الذي استخدم نفس الأساليب والأطقم التي كان يستخدمها جهاز السافاك، أو جهاز مخابرات شاه إيران. كما زودت الحكومة الإيرانية حكومة "الجبهة" الانقلابية بالأسلحة والمعدات العسكرية وأجهزة التخابر والنفط والمال. باختصار فإن الدعم الإيراني قام بأول وأخطر عملية "تمكين" للحكومة الانقلابية في الخرطوم.

    الملاحظة المهمة للغاية أن المذهب الشيعي بصفة عامة يحجر بشكل مبدئي مناصرة أي جماعات أو حكومة سنية. وهنا نطرح السؤال الأهم: هل خرقت الحكومة الإيرانية هذا الموقف المبدئي العقدي مع أنها قامت عليه؟ أم أن هنالك روابط أو دوافع عقدية دينية مذهبية بررت للحكومة الإيرانية تثبيت أركان حكومة الخرطوم؟ سنحاول أن نتبين بصيصا من الإجابة في الخطاب الديني السياسي للترابي عندما يقول وهو في أوج مجده الحكومي: (إن الظواهر الدينية الصادقة كلها إنما تصدر عن حرية الإنسان الموصولة بروح من الله. ومهما قدرنا سنن ظهورها واندفاعها فإنها تكسب مدداً من طلاقة المعاني الإلهية، ومن ثم قد تتجاوز محاولات الحساب والضبط فتأتى من حيث لا يحتسب الإنسان وتستعصي على الاحتواء والمغالبة) حسن الترابي أورد هذه العبارة في معرض دفاعه عن الأخطاء والممارسات التي ارتكبتها الحكومة السودانية الراهنة أثناء فترة سيطرته عليها. بهذه العبارة يبرر الترابي أخطاء وفظائع حكومته باعتبار أنها صادرة من روح الله ومن طلاقة المعاني الإلهية. لذلك، وحسب قوله يستحيل ضبطها أو منعها! هذا القول فيه تنزيه صريح للأخطاء بل للجرائم التي ارتكبتها حكومته لأنه يعتبر أن أفعالهم ترجمة لإرادة إلهية غالبة يريدها الله ويرضى عنها! وبذلك يرفع الترابي تلك الأفعال فوق مستوى المساءلة أو العقاب في الدنيا والآخرة! وتنزيه الفعل هو تنزيه لفاعل الفعل ورفعه فوق المساءلة وبالتالي فوق مصاف البشر. بهذه الكلمات الصريحة يرى حسن الترابي أنه هو وجنوده وأطقم حكومته فوق مستوى المساءلة في الدنيا والآخرة عما ارتكبوه، وهو تعليل وترفيع يتماهى مع مقام "الإمام المعصوم" الذي مدّده حسن الترابي ليصبح مقام الجماعة المعصومة!

    على مدى سنوات طويلة قال حسن الترابي الكثير وقدم الكثير من التفاسير الخاصة به التي استنهض بها مخيلة العنف وفعل العنف بلوغا لمقاصده السياسية حتى جلس بين أتباعه في موقع "ولاية الفقيه" على مدى نصف قرن. بكل تأكيد لا نريد أن نحاكم حسن الترابي فكريا ولا دينيا. فقد قال القاضي ابن سريج أثناء محاكمة أبو موسى الحلاج ما معناه أن الناس يستطيعون الحكم في العلاقة بين الناس ولا يستطيعون الحكم في علاقة الإنسان بربّه، ثم اعتزل المحكمة. كما لا نريد أن نعقد لحسن الترابي محكمة في عقيدته على غرار المحكمة التي عقدها حسن الترابي نفسه للشيخ محمود محمد طه وعلقه بها على حبل مشنقة سجن كوبر .. أو محاكم الترابي التي قطع فيها أيدي المعوزين وتمزيقهم من خلاف في زمن جاوزت مسغبة السودانيين ما وقع للمسلمين في "عام الرمادة" ذلك العام المجاعة الذي عطل فيه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب كل الحدود. لكن القول يقع مقام فرض العين عندما يستغل الدين السمح المتسامح في تربية المجتمعات على العنف والقتل ونشر فرق الموت والتعذيب وخلق صفوية دينية ما أنزل الله بها من سلطان من أجل المطمح الشخصي وعرض هذه الدنيا الفانية. أما ذكرنا لإيران، فلسنا في معرض مفاضلة أو مقاربة دينية، وحري بنا وبكل شخص أن يوقر الدين أو المذهبية التي يرضاها كل شعب لنفسه كل ضمن حدوده وأدب نفسه. ما يهمنا هنا أن الحكومة الإيرانية قد تدخلت بصورة سافرة وغير عادلة في الشأن السوداني عندما أمدت هذه الحكومة بالسلاح والأجهزة والخبرات والتدريب الاستخباري، وفي ذلك تغليب غير عادل لفئة على باقي فئات المجتمعات السودانية وإمداد الفئة الباغية بكل أسلحة مقومات الحكم الاستبدادي على الشعب وليس للدفاع عن السودان ضد عدو خارجي.

    خطاب الترابي الديني يشكّل أهم وأخطر العناصر في التشكيل النفسي وإحكام السيطرة على جماعات العنف التي تزعمها. الخطورة أنه زين لأتباعه من الفتية أن أعمال العنف التي يرتكبونها تحمل صكا من البراءة مختوما من السماء، وأنهم ينفذون إرادة ربانية "تستعصي على الاحتواء والمغالبة" وهكذا يخيل للجماعة أنهم "رساليون" فتجدهم يعيشون منعزلون داخل ذواتهم وداخل جماعتهم، ويحرصون على تمييز أنفسهم في المظهر والمأكل والسلوك. وبسبب هذه التربية اتسعت الشقة بينهم وبين مجتمعاتهم حيث يتملكهم شعور عارم أنهم الخير المطلق وغيرهم الشر المطلق فيرون ما حولهم من أفراد المجتمع مجرد بؤر من الزنادقة والمارقين. وفي نهاية المطاف مات عندهم الحس بآدمية مجتمعاتهم. لذلك يمارسون القتل وأقصى درجات التعذيب دون واعز أخلاقي أو تأنيب من ضمير قد تم استئصاله سلفا بما يشبه الختان الفرعوني. من هذه التنشئة يا أستاذ الطيب صالح "أتى هؤلاء" الذين قتلوا الناس وعذبوهم في السودان في بيوت الأشباح وغيابات السجون.

    الحالة المرادفة التاريخ المعاصر نجدها أيضا في الجزائر، حيث تقوم الجماعات السلفية المسلحة بنصب الكمائن والحواجز المسلحة ومهاجمة القرى الآمنة لقتل النساء والعزل والأبرياء. وبلغت جماعات الجزائر أقصى درجات التجرد عن الآدمية بمهاجمة مدارس الأطفال وإبادة الأطفال بالأسلحة الرشاشة داخل فصول الدراسة على فهم أنهم أبناء الكفّار! .. إلى غير ذلك من العمليات الدامية. والملاحظ في الحالة الجزائرية أن المجموعة التي ترتكب الجريمة تكون عادة من بين نفس سكان الحي أو القرية التي يقع عليها الاعتداء، فالقتل يتم عن معرفة مسبقة بالضحايا في تجسيد لأقصى حالات الفظاظة أن تقتل جارك بلا سبب أو تقتل إنسانا تعرفه حق المعرفة ودون أن يقتل نفسا أو يفسد في الأرض. جماعات العنف الدموي في السودان لم تصل بعد إلى إبادة أطفال المدارس بالرصاص الحي، إلا أنهم عذبوا واغتالوا في بيوت الأشباح والمعتقلات الكثير من الذين يعرفونهم حق المعرفة من زملاء الدراسة الذين لازموهم سنوات طويلة (الدكتور علي فضل) أو من زاملوهم كأساتذة في الجامعات والقوات المسلحة ومواقع العمل الأحرى. وليس ببعيد عمليات التصفية الدموية التي طالت المصلين في بيوت الله وأودت بحياة عشرات المصلين، ثم الحادث الدموي في دار نقابة الفنانين السودانيين. تلك الحوادث جزء من أداء الحكومة السودانية وإن تم بعضها على أيدي عناصر غير سودانية لأن هذه الجماعات تعترف فقط بآصرة الجماعة ولا تعترف أبدا بالجنسيات .. من السودان إلى أفغانستان ومن اليمن إلى طهران ومن الرباط إلى أفغانستان!

    لقد شهد التاريخ الإسلامي الكثير من الجماعات الباطنية المماثلة التي ارتكبت الاغتيالات وأبادت المدنيين من المسلمين تحت وطأة سيطرة الزعيم الباطني الذي يزيّن لأتباعه صفويتهم ودونية غيرهم. ودون إغراق في هذا الجانب الذي لسنا بصدده تفصيلا، فإن الجماعة الباطنية عادة ما تتكون بواحدة من طريقتين. إما أن يعمل صاحب الفكرة على استقطاب ودعوة بعض النفر الذين يحس أن لديهم استعدادا لتقبل فكرته وزعامته. في هذه الحالة يكون عدد الجماعة محدودا. والطريقة الثانية أن يتمكن صاحب الفكرة من اختراق خلية اجتماعية عادة ما تكون جماعة سياسية أو دينية، ومن ثم يقوم بالسيطرة على الجماعة وتوجيهها وفق نزعته وهم لا يشعرون بالتحول البطيء الذي جرى للجماعة. هذه الطريقة يمكن تعريفها بحالة "الاختراق والاحتواء" تماما مثل الفيروس الذي يدخل الخلية الحية فتتصرف الخلية حسب الإشارات الصادرة عن الفيروس. وبما أن إشارات الفيروس خاطئة فإنها تدفع الخلية إلى نمو غير متوافق فتكون غريبة عن بقية الخلايا وتنتهي إلى تدمير نفسها وتدمير باقي الخلايا الحية. وعلى غرار غرابة الخلية المصابة بالفيروس، تبدو الجماعة الباطنية غريبة ومختلفة في سلوكها وأفاعيلها عن السلوك العام لمجتمعات البلاد بحكم أن الجماعة تقدم على ممارسات تستنكرها الأخلاقيات السائدة مثل إزهاق أرواح الأبرياء والتعذيب بلا إحساس بالجرم. المهم أن هذا النوع من التكوين الباطني "الاختراق والاحتواء" يكون أشد خطرا لأنه يتخفّى تحت جلد الجماعة ويلبس لونها ويسيطر على عضويتها ويتصرف باسم الجماعة ويتخذ دورها وموقعها في الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية ويصعب على الناس تمميزه. بمعنى أن الفكر الباطني يقع في الجماعة موقع العقل من الجسد، فتتصرف الأيدي والأرجل والأطراف وكل حركة الجسد حسب التعليمات التي يصدرها المخ أو العقل المدبّر الذي يسخر كل شيء من أجل بلوغ أهدافه الباطنة

    في هدي الملاحظات الواردة فوق، لابد أن نطرح الأسئلة: هل تحكم السودان اليوم جماعة باطنية؟ وهل تمكنت جماعة باطنية من اختراق الحركة السياسية الإسلامية في السودان والسيطرة عليها، أم أن تكوين هذه الحركة من أساسه كان تكوينا باطنيا؟ بغض النظر عن أي إجابة قطعية عن أي من هذه الأسئلة، فإن الواقع على الأرض يشير من نفسه إلى جملة حقائق غير قابلة للنفض. فقد بادرت الحكومة الراهنة وقبل كل شيء إلى كسر أنفة وإرغام أنف المجتمعات السودانية عن طريق العنف والقتل والإذلال والتشريد والسجون والتجويع وبقية القائمة الطويلة من الأفاعيل التي ذكرناها فوق، وهي أفاعيل بل جرائم ليست نابعة بالتأكيد عن السلوك الاجتماعي العام في السودان.

    إن التجارب المريرة التي عرفها الشعب السوداني على يد جلاوزة الحكومة السودانية الراهنة تؤكد بجلاء أن خطة الحكومة في الاستيلاء على الحكم والاستمرار فيه قامت على شقين متكاملين:

    الشق الأول: ممارسة أقصى درجات الإرهاب والعنف وتقتيل المعارضين وفرض حالة من الإرهاب والخوف، إي حرق الأرض اجتماعيا وسياسيا وأخلاقيا وكسر أنفة المجتمعات السودانية كخطوة تمهيدية للشق الثاني.

    الشق الثاني: استئصال كامل للقيم والمكونات الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية التي تتشكل منها المجتمعات السودانية. وقد تجسدت هذه السياسة في عمليات التصفيات الوظيفية وعمليات التشريد التي طالت قرابة ثمانين بالمائة من القوى الاجتماعية العاملة في مختلف الوظائف والمهن والتخصصات، وفي الأثناء تقوم الجماعة الانقلابية بعملية إزالة واستبدال بتعيين العناصر الموالية للجماعة الانقلابية إضافة للعناصر المنتفعة والانتهازية وغير المؤهلة. وهكذا تستولي الجماعة الانقلابية على الشعب والبلاد وتضمن لنفسها حكما دائما لا ينازعها عليه أحد ...

    ورغم أن سيناريو استئصال شعب بأكمله والاستيلاء عليه وعلى كل السودان بواسطة فئة قليلة هي افتراض أبعد عن احتمالات أفلام الخيال، إلا أن الممارسات والفظائع تؤكد أن الجماعة الانقلابية كانت فعلا عازمة على عملية تدجين اجتماعي وإحلال سلوك بديل و"تمكين" نفسها بحكم دائم. هذا النمط من التفكير لا يصدر إلا عن عقل يلغي حقائق التاريخ والجغرافيا والمنطق، وهذه من خصائص العقل والفكر الباطني. ولذلك فشل الجماعة في السيطرة على قطر بأكمله طيلة حقب التاريخ، وإن نجحت جزئيا فإلى حين قصير لأنهم يراودون المستحيل ويسيرون في اتجاه معاكس لسنن الكون. ولأن الأمور تؤخذ بخواتيمها، فإن قرائن اليوم تقف برهانا على فشل محاولات الجماعة الانقلابية برغم كل ما سفكته من دماء الأبرياء وما أزهقته من أرواح الأطفال .. فقد رفضت المجتمعات السودانية رفضا قاطعا الحكم الدائم للجبهة السياسية الإسلامية ..

    ظاهرة الرفض الشعبي

    هنالك العديد من الخصائص التي تمكّن المجتمعات السودانية من رفض أزلية الحكومة الراهنة ولفظ غيرها من الحكومات الدكتاتورية الشمولية. لكن هنالك خاصية أساسية حاضنة للخصائص الأخرى وهي خاصية التنوّع وما أفرزه التنوع من مواثيق اجتماعية. فالسودان يتميز عن أقطار المنطقة بمزايا التنوع السكاني الإثني والثقافي والجغرافي والاقتصادي مثلما تتنوع فيه مصادر الثروات الطبيعية. وحتى قبل رسم حدود السودان الجغرافية الحالية، فقد دخل التنوع الاجتماعي السوداني في علاقات وتبادلات وتداخلات أفرزت بمرور القرون عقدا اجتماعيا غير مكتوب يحفظ التنوع ويخلق نوعا من تبادل المنافع والتكامل السلعي في أزمنة الرخاء والقحط، علاوة على التداخل السكاني غير المخل. هذا الوضع خلق بدوره نوعا من الترابط الأمني بين المجتمعات السودانية بما يشبه اتفاقات الدفاع المشترك ومعاهدات عدم الاعتداء، طبعا عدا احتكاكات التماس الطبيعية بين هذه المجتمعات، وهي احتكاكات ناتجة عن الحيوية الاجتماعية أكثر من كونها اعتداءات. وقد أفرزت التجارب الآليات اللازمة المعالجة واحتواء هذه الاحتكاكات مثل احتكاكات الرعاة والمزارعين.

    والأهم من ذلك أن حيوية التنوع الاجتماعي السوداني قد أفرزت على مدار مئات إن لم يكن منذ آلاف السنوات ديموقراطية اجتماعية راقية ومتقدمة نستطيع نضعها تحت مصطلح "الديموقراطية الاجتماعية السودانية" أصبحت هذه الديموقراطية الخاصة جزء من التركيبة السلوكية للمجتمعات السودانية، وأضحت آلية حاكمة للعلاقات بين المجتمعات ومكونا أصيلا من المكونات النفسية عند الفرد. ونستطيع أن نرى هذه الديموقراطية متجسدة بوضوح داخل العلاقات الأسرية وعلاقات العمل حيث يستطيع كل فرد أن يدلي برأيه .. طبعا باستثناء بعض الحالات القليلة. "الديموقراطية الاجتماعية السودانية" هي التي تكفل الرأي وحق القبول والرفض وهي الآلية المعتمدة في إدارة الحوار، ومنها تبلورت عند الشخصية السودانية سمات الاعتزاز والرفض التلقائي للقهر، وهي سمات عجزت الحكومة الراهنة عن كسرها أو إرغام أنفها. لذلك عندما يحدث ما يجافي صيغ هذه العقود الاجتماعية بطغيان عنصر أو قبيلة أو فئة عسكرية أو مدنية على باقي الفئات، نجد كل هذه المواثيق الاجتماعية والأعراف الديموقراطية تستيقظ وتكون فاعلة فيكون الرفض الاجتماعي (حكومة عبد الله التعايشي، حكومة 17 نوفمبر، حكومة مايو 1 والآن حكومة مايو 2 المسماة بحكومة الإنقاذ) ولمجمل هذه الخصائص والمعطيات لم يكن في قيد الإمكان وليس في قيد الممكن أن يطغى عنصر على عرق أو إقليم على آخر أو فئة اجتماعية عسكرية أو سياسية على باقي الفئات. وإذا عمينا عن كل برهان نستطيع أن نرى أن الحروب تتكاثر في السودان في أزمنة الأحكام الشمولية الدكتاتورية، وتنحسر نوعا في الفترات المسماة بالديموقراطية برغم علل تلك الفترات. لقد ثبت بشكل قاطع استحالة استئصال الحالة الديموقراطية أو قمعها أو تبديلها. ولذلك تظل الديموقراطية قدرا محتوما على الشعب السوداني لا بديل لها ولا محيد عنها وما غيرها استثناء لابد له أن يزول. ولعل من أقوى البراهين على الرفض الاجتماعي للحكومة الراهنة وعلى تغلغل الديموقراطية في أنسجة المجتمعات السودانية أن الجيل الجديد الذي نشأ في حضن عذابات هذه الحكومة هو المناهض الرئيسي للحكومة وأكثر الفئات الاجتماعية تطلعا إلى مرحلة ما بعد هذه الحكومة! إنه لأمر محبط لهذه الحكومة كون أنها فشلت في احتواء وتدجين الكبار وفشلت أيضا في تربية جيل يدين لها بالطاعة! وغني عن القول أن هذا الجيل الجديد سوف يلعب دورا حاسما في تغيير هذه الحكومة سواء عبر صناديق الانتخابات أو بالمقاومة الشعبية .. أي الأجلين أقرب!

    وختامها !

    صحيح أن سياسة "المباغتة بالعنف والإرهاب الاجتماعي والحصار المعيشي والتجويع" قد لعبت دورا مؤثرا في استمرار الحكومة الراهنة على مدى عقدين من الزمان، لكنها كما ذكرنا لم تجعل من الحكومة أمرا واقعا يقبله الشعب. فقد سقطت ورقة العنف مثلما سقطت من قبل ورقة الدين. فالرفض الاجتماعي جعل من العنف والتعذيب الذي تمارسه الحكومة السودانية الراهنة مجرد وسائل اصطناعية للبقاء مثلها مثل أجهزة التنفس الصناعي والضغط وجهاز تنظيم ضربات القلب التي توضع لمريض يحتضر. إن كل يوم يمر لا يضيف عمرا جديدا للحكومة الراهنة بل يقترب بها من يوم إعلان وفاتها. وهنا يكمن الفرق بين حكومة تعيش حياة اصطناعية مؤقتة تستمد استمراريتها، ولا أقول حياتها، من أجهزة العنف والمخابرات، وبين حكومة تتنفس هواء طبيعيا وتعيش حياة طبيعية ضمن المناخات الطبيعية الديموقراطية لتداول إدارة البلاد. الأفق مغلق أمام الحكومة الراهنة إلا من خيارين:

    - إما الرضوخ لمرحلة تحول ديموقراطي حقيقي، بما يعني رفع كل أجهزة العنف والمخابرات والرقابة رفعة واحدة لا رجعة فيها وتنفيذ كل ما ورد في اتفاقات نيفاشا والرضوخ التام للدستور الانتقالي وسيادة القانون. إن الانتخابات الحرة تتطلب "مرحلة ديموقراطية" حرة تسبق الانتخابات ولا تقل عن عامين. لذلك يقتضي هذا الخيار أن تكف الحكومة عن الأعيب حمل الشعب مكبلا ووضعه مباشرة أمام الانتخابات بدون مرحلة ديموقراطية أو حريات.

    - أو أن تعود الحكومة إلى المربع الأول بتكثيف العنف والتعذيب والاعتقالات وقائمة أفاعيلها الواردة في مقدمة السرد .. وسوف لن يغنيها ذلك من الأجل المحتوم شيئا، بل يقربها منه لأن العنف الآن سوف يولد عنفا مضادا يأتي الحكومة من حيث لا تحتسب وفي ميقات معلوم لا يعلمه إلا الله الواحد الأحد القهار.

    سالم أحمد سالم

    باريس

    21 نوفمبر 2008

                  

العنوان الكاتب Date
هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. والحكومة تحتضر مؤيد شريف12-04-08, 02:38 PM
  Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال مؤيد شريف12-04-08, 03:22 PM
  Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال مؤيد شريف12-04-08, 03:52 PM
  Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال مؤيد شريف12-04-08, 04:08 PM
  Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال مؤيد شريف12-04-08, 04:22 PM
    Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال سالم أحمد سالم12-04-08, 09:32 PM
      Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال سالم أحمد سالم12-04-08, 10:28 PM
        Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال سالم أحمد سالم12-05-08, 11:09 AM
          Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال سالم أحمد سالم12-05-08, 11:13 AM
            Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال سالم أحمد سالم12-05-08, 11:19 AM
              Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال سالم أحمد سالم12-05-08, 11:25 AM
                Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال سالم أحمد سالم12-05-08, 11:35 AM
                  Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال فتحي البحيري12-05-08, 06:41 PM
                    Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال سالم أحمد سالم12-05-08, 11:23 PM
                      Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال فتحي البحيري12-06-08, 12:20 PM
                        Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال سالم أحمد سالم12-06-08, 12:54 PM
                          Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال فتحي البحيري12-06-08, 03:14 PM
  Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال مؤيد شريف12-06-08, 07:06 PM
  Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال مؤيد شريف12-06-08, 07:27 PM
    Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال سالم أحمد سالم12-07-08, 11:35 AM
      Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال سالم أحمد سالم12-07-08, 02:04 PM
        Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال سالم أحمد سالم12-07-08, 02:15 PM
  Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال مؤيد شريف12-08-08, 08:37 PM
  Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال مؤيد شريف12-08-08, 09:19 PM
  Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال مؤيد شريف12-14-08, 09:08 PM
    Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال سالم أحمد سالم12-15-08, 03:46 AM
  Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال مؤيد شريف12-15-08, 06:11 AM
    Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال عبدالأله زمراوي12-15-08, 06:39 AM
      Re: هل تحكم السودان جماعة باطنية ؟!فشل العنف والتعذيب والقتل ولن "تبرد" السلطة .. وال سالم أحمد سالم12-16-08, 10:37 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de