هل تنذر مشكلة كردفان الجنوبيّة في السودان بدارفور جديد؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 01:16 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-02-2008, 03:09 PM

Sahar Yousif
<aSahar Yousif
تاريخ التسجيل: 12-02-2007
مجموع المشاركات: 318

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هل تنذر مشكلة كردفان الجنوبيّة في السودان بدارفور جديد؟

    هل تنذر مشكلة كردفان الجنوبيّة في السودان بدارفور جديد؟
    تقرير رقم 145 عن إفريقيا – 21 تشرين الأوّل/أكتوبر 2008

    صادر من Crisis group

    قائمة المحتويات

    موجز تنفيذي وتوصيات i

    I. مقدمة 2
    .II مخاوف شعوب النوبة 2
    أ‌. امتعاض من اتفاقيّة السلام الشامل والحركة الشعبيّة لتحرير السودان 2
    .1 الشكوك المحيطة باتفاقيّة السلام الشامل 2
    .2 الامتعاض من قيادة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان 2
    ب. تلاعبات حزب المؤتمر الوطني 2
    .1 إبقاء السيطرة على الشؤون الماليّة 2
    .2 مخاوف بشأن التعداد 2
    .3 تقدم فعلي؟ 2
    ج‌. الشكاوى حول الأرض .... 2
    د. برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الاندماج يراوح مكانه وخطر تجدد عمليات التمرد 2
    .III شكاوى مسيريّة 2
    أ. تكتيكات حزب المؤتمر الوطني القائمة على مبدأ فرّق تسد 2
    ب. ولادة الحركات الشعبيّة المعارضة 2
    . IV الوقاية من تجدد النزاع 2
    أ. إعداد المشاورات الشعبيّة 2
    ب. خطة عمل لبناء السلام 2
    .V خاتمة 2

    ملحقات
    ‌أ. خارطة السودان
    ‌ب. ملخص حول مجموعة الأزمات الدوليّة
    ‌ج. التقارير والأوراق الموجزة الصادرة عن إفريقيا
    ‌د. مجلس إدارة مجموعة الأزمات




    تقرير إفريقيا رقم 145 21 تشرين الأوّل/أكتوبر 2008
    هل تنذر مشكلة كردفان الجنوبيّة في السودان بدارفور جديد؟
    الموجز التنفيذي والتوصيات
    اتفاقيّة السلام الشامل التي وضعت حدّاً عام 2005 للحرب الأهليّة بين الشمال والجنوب مهددة في ولاية كردفان الجنوبيّة حيث تتوافر نفس العوامل التي أدّت إلى الصراع الدامي في دارفور. ويُتهم طرفا الاتفاقية ومؤسسا الحكومة الوطنيّة أي حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان بارتكابهما الأخطاء والأحكام المغلوطة في سعيهما إلى ترجيح كفّة الحزب في الانتخابات الوطنيّة المزمع عقدها عام 2009. ولقد أصبح الوقت قصيراً ويتوجّب على أي إستراتيجيّة تنشد الحلّ أن تحقق تقدّماً ملموساً بشان الدمج والإصلاح لتطرد شبح نزاع جديد مدمّر. ويجب العمل فوراً قبل أن يحين موعد الانتخابات الوطنيّة المرتقبة عام 2009.
    وولاية كردفان الجنوبيّة هي ولاية جديدة أُنشئت بموجب اتفاقيّة السلام الشامل وتقع عند المنطقة الحدوديّة الحساسّة الواقعة بين الشمال والجنوب وهي منطقة تتعايش فيها القبائل العربيّة (ولا سيّما المسيريّة والحوازمة) مع القبائل الإفريقيّة المستوطنة (ولا سيّما قبائل النوبة). ونتيجة الإخفاق في تطبيق البروتوكول الخاص بالمنطقة، تداعى الأمن وشاع الاستياء. وعليه، يجب على الخرطوم أن تُعزز المصالحة القبليّة المبنيّة على اتفاق حول أجندة مشتركة، وأن تُنشئ إدارات حكوميّة فعّالة، وأن تحرص على المبادئ الأساسيّة في الاتفاقيّة سيّما لناحية تشارك السلطة والثروات؛ كما يتعيّن على الجهات الضامنة الدوليّة أن تدفع بهذه الأهداف إلى الأمام. وبالرغم من التقدم المحدود الذي تحقق مؤخراً، تبدر الحاجة ملحّة إلى اتخاذ تدابير أعظم.
    وقامت الأطراف المتناحرة بتجنيد مواطني الولاية في خلال الحرب بين الشمال والجنوب وعلى الرغم من وجود اتفاقيّة السلام الشامل، لم تندمل بعد الجراح التي أحدثها النزاع، فالمواطنون منقسمون في ما بينهم وتتجاذبهم الخطوط السياسيّة والقبليّة. والمتقاتلون مدججون بالسلاح ومنظمون ويشعرون بأنّ حماة الأمس تخلّوا عنهم، ولم يفوا بوعد مشاركتهم مكتسبات السلام. وبالتالي إنّ عودة المهجرّين داخلياً، كما مشاريع التنمية وإقامة إدارة حكومة متكاملة للولاية تراوح في مكانها. وحصدت المواجهات حياة آلاف ودار النزاع حول الأرض، وحقوق الرعاية من دون ما يُبشّر بردّ وطني أو محلّي شامل أو مستدام. أمّا الجهود التي يبذلها كلّ من حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان لاستمالة قبائل عربيّة وإفريقيّة قبل الانتخابات عبر تسييس سياسات التنمية فتزيد من حدّة التوتر.
    إنّ المصالحة القبليّة والمجتمعيّة الرامية إلى تعزيز التعايش السلمي مهمّة مرهبة ولكن أساسيّة، ولا يُمكنها أن تسمح باستمرار السياسات المسببة للخلاف المتبعة في أثناء الحرب. وما هو على المحكّ يتعدّى مجرّد الوقاية من اندلاع نزاعٍ محلّي. ولا شكّ في أنّ مصير عمليّة بناء السلام في هذه الولاية الموجودة على الخطوط الأماميّة سيعكس إلى حدٍّ بعيد قدرة عمليّة السلام على البقاء في السودان وقدرة اتفاقيّة السلام الشامل على أن توفّر إطار عمل فعلي لمعالجة نزاع دارفور وتلبية رغبات كلّ من لا ينتمي إلى الدوائر الانتخابيّة التابعة للحركة الشعبيّة لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطني.

    وفي حال فشلت عمليّة بناء السلام في المناطق الانتقاليّة القائمة على طول حدود العام 1956 بين الشمال والجنوب، حيث لا تزال غالبيّة القوّات العسكريّة التابعة لكلا الجيشين مرابضة، فمن المستبعد أن يمرّ بسلام استفتاء الجنوب الذي تلحظه اتفاقيّة السلام الشامل. وعلى الرغم من انقضاء ما يزيد على نصف المرحلة الانتقاليّة ومدتها ستّ سنوات، لا يزال الوقت متاحاً لتطبيق خطوات أساسيّة تُهدّئ الوضع قبل أن يحين موعد الانتخابات الوطنيّة، المرتقبة عام 2009 رغم احتمال تأجيلها إلى العام 2010. وبالإضافة إلى إنشاء إدارة متكاملة للولاية، يتعيّن على حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان تسريع عمليّة إلحاق المقاتلين بوحدات الدمج المشتركة التي تنصّ عليها اتفاقيّة السلام الشامل والمضي في تطبيق برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وضمّ الميليشيات إليها. كما يجب المباشرة فوراً بصرف نسبة 2% المتراكمة من عائدات النفط لجنوب كردفان بحيث يُمكن المضي بتطبيق مشاريع تنمية أساسيّة انطلاقاً من عمليّة تشاوريّة شاملة تُشرك السلطات القبليّة.

    وينظر النوبة شزراً إلى حلفائهم من الحركة الشعبيّة لتحرير السودان كونهم لم ينتزعوا لهم صفقة أفضل في اتفاقيّة السلام الشامل وصبّوا اهتمامهم على الفوز بمنطقة أبيي وما تحويه من نفط، وعلى منح الجنوب وعداً بعقد استفتاء حول الاستقلال. ولكن يلحظ البروتوكول الخاص عقد مشاورات عامة بعد الانتخابات للنظر في إمكانيّة مراجعة شروط اتفاقيّة السلام الخاصة بالولاية الجديدة وتسوية المواضيع العالقة (على سبيل المثال، ملكيّة الأرض واستخدامها). وتؤدي المساعدة الماليّة دوراً أساسيّاً في عقد حوار بين القبائل بهدف تعزيز المصالحة والتوصل إلى جدول أعمال مشترك حول المداولات. ويجب أن تعالج المداولات شؤون إقامة آليّة نظاميّة تُعنى بفضّ النزاعات القبليّة حول استخدام الأرض وطرق ترحال القطيع، وهي آليّة مشابهة لمفوضية السلم لجنوب السودان. كما يجب عليها أن تُحدد مبادئ عمل اللجنة المعنيّة بمعالجة الشكاوى المتمحورة حول الأراضي والتي جمعتها النوبة لاسيّما منذ السبعينات.

    تضطلع بعثة الأمم المتحدة في السودان وسائر أفراد الأسرة الدوليّة بأدوار محوريّة لناحية إرساء الاستقرار في الولاية الجديدة. ولا ينحصر دور البعثة بتسطير الحوادث العنيفة وتسجيلها بل يملي عليها أن تحذو حذو اللجنة العسكريّة المشتركة التي تأسست في جبال النوبة بعد اتفاقيّة وقف إطلاق النار لعام 2002 وأن تُصبح شريكاً فاعلاً في الوقاية من النزاع المحلّي بالتعاون مع سلطات قبليّة. وإذا تعذّر الأمر على قيادتها المحليّة، وجب استبدالها. وعلى خطٍّ موازٍ، يجب على الجهات الدوليّة الراعية لاتفاقيّة السلام الشامل كما على شركاء السودان الثنائيين ممارسة الضغوط على حكومة الوحدة الوطنيّة لكي تولي مزيداً من الاهتمام لعمليّة بناء السلام في الولاية. ولم يفت الأوان بعد ليعي السكان في خطّ المواجهة بأنّ شنّ حربٍ جديدة ليس السبيل إلى معالجة شكواهم وبأنّ الفرصة لم تفت بعد لإرساء الاستقرار.


    توصيات

    إلى حكومة الوحدة الوطنيّة وقيادتي حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان

    1. توفير دعمٍ سياسي لمشاركة الأفارقة والعرب بشكلٍ كاملٍ في حكومة جنوب كردفان.
    2. تسريع دمج المقاتلين السابقين في الشرطة ووحدات الدمج المشتركة.
    3. إقامة لجنة خدمة وطنيّة تدمج الأنظمة الإداريّة في منطقتي الولاية الجديدة وضمّ قبائل النوبة المؤهلة إلى خدمة حكومة الولاية المدنيّة.
    4. المسارعة إلى صرف نسبة 2% المتراكمة من عائدات النفط وأموال صندوق إعادة التأهيل والتعمير وتوزيعها على شعوب قبيلة مسيريّة وحكومة ولاية كردفان الجنوبيّة لتسريع عجلة التنمية.
    5. إقامة لجنة تنمية تنفيذيّة، تضمّ تمثيلاً عن كلّ محليّةٍ في الولاية، للإشراف على عمليّة توزيع الموارد بصورة منصفة، وتحديد الأولويّات وإقامة خطّة عمل ورصد عمليّة تطبيق محتملة.
    6. دعم الجهود المتراصة التي تبذلها حكومة الولاية بمساندة وكالات الأمم المتحدة لتحسين الخدمات الأساسيّة لا سيّما في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان.
    7. إقامة آليّات مناسبة لمكافحة الفساد تحرص على توزيع أموال التنمية توزيعاً قابلاً للمساءلة في الولاية وبالتالي إحباط مساعي الاحتيال.

    إلى حكومة ولاية كردفان الجنوبيّة:

    8. توفير الدعم المالي لعقد الحوار بين القبائل وإقامة آليّة مؤسسيّة لتحقيق المصالحة القبليّة وإدامتها بين قبائل النوبة ومسيريّة.
    9. التشجيع على عمليّة الحوار في ولاية كردفان الجنوبيّة بين ممثلين عن القبائل كافةً لإخراج أجندة مشتركة يُصادق عليه المجلس التشريعي و:
    ‌أ. تُحدد أولويّات عمليّة التشاور العامة اللاحقة لحقبة الانتخابات وتُبرز المبادئ الأساسيّة لتوجيهها؛
    ‌ب. نُُبرز مواطن خلل بروتوكول اتفاقيّة السلام الشامل كما جاء في المادة 3. 6؛
    ‌ج. توافق على إقامة آليّة (آليّات) خاصة لفضّ النزاعات القبليّة حول استخدام الأرض وطرق هجرة القطيع؛
    ‌د. تُحدد المبادئ الأساسيّة لإقامة لجنة أراضي الولاية.

    إلى بعثة الأمم المتحدة في السودان:

    10. المشاركة بشكلٍ فاعلٍ في الوقاية من النزاعات المحليّة بالتعاون مع السلطات القبليّة، وبالسير على مثال اللجنة العسكريّة المشتركة التي تأسست في جبال النوبة بعد اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2002.
    11. مراجعة العمليّات في جبال النوبة بهدف تعزيز قدرتها على الحيلولة دون وقوع نزاعات قبليّة.
    12. إقامة نظام إنذار مبكر للوقاية من النزاعات بالتعاون مع الشرطة الوطنيّة وممثلي الإدارات الأهليّة.
    13. توفير الدعم الفوري لتطبيق نشاطات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإندماج في الولاية.

    إلى الجهات المانحة:

    14. مساعدة الولاية على التعافي من النزاع ومنحها الأموال المخصصة للتنمية.
    15. توفير الدعم الفنّي المباشر تحقيقاً لدمج المناطق الخاضعة سابقاً لسلطة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان دمجاً إدارياً ضمن حكومة جنوب كردفان.



    الخرطوم/نيروبي/ بروكسل، 21 تشرين الأوّل/أكتوبر 2008




    تقرير إفريقيا رقم 145 21 تشرين الأوّل/أكتوبر 2008

    هل تنذر مشكلة كردفان الجنوبيّة في السودان بدارفور جديد؟

    I. مقدمة
    تُعدّ ولاية كردفان الجنوبيّة مثالاً عن التعايش الإثني سيّما بين القبائل العربيّة والإفريقيّة وخصوصاً قبيلتي المسيريّة والنوبة . ولقد تعرّض مجتمع هذه الولاية لتجاذبات النزاع والمؤاثرات السياسيّة والإثنيّة منذ أن نال السودان استقلاله عام 1956، فوقع في خطّ المواجهة في حرب دامت جيلاً بين الشمال والجنوب وانتهت عام 2005 بالتوقيع على اتفاقيّة السلام الشامل. أمّا الشكاوى المتراكمة فراسخة في الذاكرة الجماعيّة. ولقد تعرَّضت شعوب النوبة لسياسات التهجير بذريعة التحديث، ففقدت أرضها لصالح مشاريع تنمية محليّة ونال التطبيع من ثقافتها.
    وفي أوائل التسعينات، حملت قبائل النوبة السلاح وانضمّت إلى الحركة الشعبيّة لتحرير السودان بهدف مقاومة التهميش. وعليه، عمدت الحكومات المتعاقبة في الخرطوم إلى استمالة قبائل مسيريّة وغيرها من القبائل العربيّة لإقامة منطقة عازلة ينأى فيها شمال السودان وحقول النفط المتاخمة من الثورة فلا يقع في شرك حروب بالوكالة تُشنّ في وجه الجيران الأفارقة. ولقد اتبعت أيديولوجيّة عربيّة شاملة وإسلاميّة لتعبئة الدعم وتصديع صفوف قبائل النوبة والقبائل العربيّة.
    حملت اتفاقيّة السلام الشامل إلى المنطقة استقراراً وهمياً ولكنّ حكومة الوحدة الوطنيّة التي انبثقت عنها لم تستطع تحسين الظرف السياسي والأمني والاقتصادي. وأهمّ ما في الأمر أن لا الحزب الحاكم منذ زمنٍ في الشمال، أي حزب المؤتمر الوطني، ولا الحركة الشعبيّة لتحرير السودان مضطرين بعد إلى تشارك السلطة. فلم تنفّذ أبرز أحكام بروتوكول فضّ النزاع في ولايات كردفان الجنوبيّة/جبال النوبة والنيل الأزرق. ولم تُمنح بعد الأولويّة لمكتسبات المصالحة والسلم الاجتماعي بينما يستمرّ كلا الطرفين باستمالة القبائل وشرذمة صفوفها سعياً وراء الفوز في الانتخابات المزمع عقدها عام 2009.
    ويمثّل الإحباط المتنامي في الولاية نتيجة فشل عمليّة بناء السلام تحدياً خطيراً يُهدد مصداقيّة اتفاقيّة السلام الشامل باعتبارها إطار عمل لفضّ سائر نزاعات السودان بما في ذلك نزاع دارفور والنزاعات التي تقوم على انشقاقات إثنيّة مماثلة أو على حدود العام 1956 بين الشمال والجنوب. ووقعت الخلافات بين القبائل وفي صفوف القبيلة الواحدة وتمحورت حول الأرض والطرق الموسميّة التي تسلكها الماشية عبر الأراضي القبليّة التقليديّة، فبات الاستقرار في مهب الريح. وفي غياب اهتمام وطني ودولي كافٍ، يُخشى أن تصبّ هذه النزاعات الزيت على نار الفتنة فتسير الأمور على ما سارت إليه في دارفور مما يدفع بالبلد كاملاً في فوهة البركان.
    تقع منطقة أبيي الغنيّة بالنفط والتي يُشكّل حدودها موضع نزاع بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان، شمال الخطّ الفاصل لعام 1956 وهي جزء من ولاية كردفان الجنوبيّة. ويخضع النزاع القائم بشأن أراضي أبيي لأحكام بروكوتول اتفاقيّة السلام الشامل بشأن فضّ نزاع أبيي والذي بقيت معظمه أحكامه حبراً على ورق، مما أفرز أعمال عنف خطيرة بين قوّات السودان المسلحّة والجيش الشعبي لتحرير السودان. ونتيجة للتصادمات التي وقعت في شهر أيار/مايو 2008، استحالت مدينة أبيي بمعظمها دماراً وتمّ تهجير قرابة 50.000 من بني قبيلة نغوك دينكا وغيرها من القبائل . وتفادياً لتأزم الوضع، وحرصاً على إنقاذ اتفاقيّة السلام الشامل، اتفقت الأطراف على خارطة طريقة بشأن عودة المهجّرين داخلياً وتطبيق بروتوكول جديد حول أبيي، وقّع عليه في الخرطوم بتاريخ 8 حزيران/يونيو 2008. ويُتوقّع من الأطراف التماس مساعدة محكمة التحكيم الدوليّة لمعالجة الخلاف بشأن نتائج لجنة حدود أبيي. ولا يُعالج هذا التقرير وضع أبيي الذي شكل محور تقرير سابق صادر عن مجموعة الأزمات .
    ويُحلل التقرير مخاوف قبيلتي النوبة ومسيريّة وشكواهم المتنامية وإمكانيّة تجدد النزاع مع التركيز على منطقتين جغرافيّتين أساسيّتين: القطاع الشمالي والذي تقيم فيه قبائل النوبة والذي يأوي إلى جانبها بعض القبائل العربيّة والقطاع الغربي والذي تقيم فيه بشكلٍ أساسي قبائل مسيريّة وغيرها من القبائل العربيّة. أمّا النوبة فتتوزّع بين المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وتلك التي تسيطر عليها الحركة الشعبيّة لتحرير السودان. ولم تتمكن مجموعة الأزمات من توسيع نطاق عملها في مرحلةٍ سابقة من العام 2008 لتضمّ مناطق الحركة الشعبيّة لتحرير السودان بسبب الوضع الأمني المتردي ولكن أجريت مقابلات مع ممثلي تلك القطاعات في مدينة كادقلي وحولها كما في مدينة الخرطوم.
    .II مخاوف شعوب النوبة
    تُعدّ شعوب النوبة من أبرز ضحايا الحرب بين الشمال والجنوب وبرسمها العديد من الشكاوى. ويشعر القادة بأنّ الحركة الشعبيّة لتحرير السودان تسخّرهم أداةً في المساومة وضمانةً لحقّ الجنوب في الانفصال والنفاذ إلى نفط مدينة أبيي. ولم تستطع شعوب النوبة المتحدرة أصلاً من المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبيّة لتحرير السودان من العودة إلى ديارها بعد الحرب لأنّ آخرين احتلّوا الأرض ولأنّها خشيت الأمن المنفلت أو افتقرت إلى السبل الأساسيّة لضمان بقائها. وبالتالي سُجّل غياب الكثيرين عندما أجري في شهر نيسان/أبريل 2008 تعداد السكان والإسكان الذي نصّت عليه اتفاقيّة السلام الشامل، ويخشى النوبة بالتالي تبعات هذه الممارسة على التمثيل السياسي وتوزيع الموارد الوطنيّة بإنصاف . وإذا ظلّت هذه المشاكل عالقةً، ققد تؤدي إلى أعمال عصيان جديدة وإلى تفشّي العنف بين أطياف المجتمع.
    أ‌. امتعاض من اتفاقيّة السلام الشامل والحركة الشعبيّة لتحرير السودان
    قبل التوقيع على اتفاقيّة السلام الشامل، قامت ثلاث إدارات في ما يُعرف اليوم بولاية كردفان الجنوبيّة: وهي حكومة كردفان الغربيّة، عاصمتها الفولة؛ وحكومة ولاية كردفان الجنوبيّة بقيادة حزب المؤتمر الوطني، عاصمتها كادقلي؛ ونواحي جبال النوبة التي تتخذ من كاودا وجلود مراكز لها، والتي تسيطر عليها الحركة الشعبيّة لتحرير السودان وذراعها العسكريّة أي الجيش الشعبي لتحرير السودان . ونصّت اتفاقيّة السلام على توزيع غرب كردفان إلى شمالٍ وجنوب وعلى أن تقوم حكومة تمثيليّة للولاية تضمّ الأنظمة الثلاثة. وبالنظر إلى انعدام الثقة المتبادلة بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان وتفكك أواصر الالتزام، ما بدأ هذا التكامل الإداري يُترجم على أرض الواقع إلاّ بعد انقضاء أكثر من نصف مرحلة الاتفاقيّة الانتقاليّة التي دامت ستّ سنوات، وبعد أن تحقق تقدم مفاجئ إبّان زيارة قامت بها بعثة رفيعة المستوى إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان في تموز/يوليو 2008. ولكنّ الدرب لا تزال طويلة قبل التمكن من تذليل شكاوى النوبة فيثبت أنّ اتفاقيّة السلام الشامل تمثّل بما لا شكّ فيه إطار عملٍ كافٍ لبناء السلام.
    .1 الشكوك المحيطة باتفاقيّة السلام الشامل
    يشعر قادة جبل النوبة بأنّ اتفاقيّة السلام الشامل أفقدتهم المكاسب الأساسيّة التي حققوها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسّطت له سويسرا في شهر شباط/فبراير 2002، ولا سيّما القدرة على التفاوض حول اتفاقيّة سلام بشروطهم الخاصة. واتفقوا على أن يسمحوا للحركة الشعبيّة لتحرير السودان بالتفاوض نيابةً عنهم في نايفاشا (كينيا) سيّما بالنظر إلى تشابه المخاوف: التهميش، خسارة الحقّ في الأرض لصالح القبائل العربيّة؛ والتمثيل في المؤسسات المحليّة والوطنيّة. ولكنّ بعثة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان، المؤلّفة بمعظمها من جنوبيين، رغم كونها تضمّ مستشارين عن قبيلة النوبة، شددت على أهميّة إعادة إحياء ثقافة النوبة وهويّتهم بدلاً من التركيز على مواضيع سياسيّة ملموسة .
    أمّا البرتوكول الذي تمخضّ عن العمليّة فينصّ على أن يتناوب حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان على السلطة، وأن تُستتبع هذه الخطوة بعقد انتخابات عامة، وتشاور شعبي لإعادة التفاوض على البروتوكول إذا دعت الحاجة. وينصّ البروتوكول على واجب إنشاء لجنة حول أرض الولاية وعلى ضرورة أن تقوم الدولة بتعزيز التراث الثقافي واللغات المحليّة وبصونها . ولكنّ قبيلة النوبة تشعر بأنّ الحركة الشعبيّة لتحرير السودان تخلّت عنها لتحسّن موقعها التفاوضي بشأن أبيي كما للفوز بضمانة تخوّل الجنوب عقد استفتاء حول الانفصال في العام 2011 .
    وافقت الحركة الشعبيّة لتحرير السودان على ضمّ الأجزاء العربيّة المتفق عليها الواقعة غرب كردفان إلى جنوب كردفان ووافقت على طرح المواضيع الدستوريّة والسياسيّة الأكثر إلحاحاً – بما في ذلك حقّ تقرير المصير وتسمية الولاية- على بساط التشاور الشعبي الذي سينعقد بعد الانتخابات من دون أي ضمانة تعد بعمليّة أو بمحصّلة عادلة. ويرى العديد من بني النوبة في حلّ ولاية كردفان الغربيّة وإضافة المواقع الجديدة التي يُسيطر عليها العرب، إلى ما اعتبروه ولايةً لهم، استمراراً لسياسات اتبعها حزب المؤتمر الوطني في زمن الحرب وترمي إلى إحداث تغيير ديمغرافي والإبقاء على التوترات بين المجتمعات المحليّة والمجموعات الإثنيّة في المنطقة. وبنظرهم، يترتب عن إلحاق عرب بالأحياء التي تسيطر عليها قبائل النوبة إضعاف فرص النوبة في تحقيق مكاسب دستوريّة وسياسيّة من التشاور الشعبي المحتمل.
    وترى بعض النخب من النوبة بأنّها فقدت فرصة التفاوض بشأن استقلالها عن الحكومة المركزيّة. وهي ترى في العمليّة الجارية جزءاً من إستراتيجية يتبعها حزب المؤتمر الوطني لإحكام سيطرته على المنطقة وإفقاد النخب سلطتها . وبعدما ثبت في خلال الفترة الانتقاليّة بأنّ جبال النوبة تشكّل جزءاً من الشمال، طُرحت علامات استفهام حول فرصة المنطقة في النمو بالنظر إلى سجل حزب المؤتمر الوطني الحافل بإيثار العرب على الأفارقة، وبالنظر إلى سيطرته على حكومة الولاية. ورأى بعض قادة النوبة بأنّه كان حريّ بالحركة الشعبيّة لتحرير السودان أن تدعم مطلبهم إنشاء كونفدراليّة بدلاً عن النظام الفدرالي المنصوص عليه في اتفاقيّة السلام الشامل فيتمتع النوبة بالتالي بالحقوق نفسها الممنوحة لسودانيي الجنوب.
    وفي خلال المفاوضات التي أفرزت بروتوكول 26 أيار/مايو 2004 – والتي سبقت التوقيع على اتفاقيّة السلام الشامل بسبعة أشهر – رشح خلاف بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان حول اسم الولاية فدفع الأوّل في اتجاه تسمية جنوب كردفان بينما رجّحت الثانية كفّة تسمية جبال النوبة. وعكس هذا الخلاف انشقاقات عميقة بشأن تكوين الولاية الديني والإثني ومصالح المجتمعين المحليين المتضاربة. وترى الحركة الشعبيّة لتحرير السودان أنّ الغالبيّة الساحقة مكوّنة من غير العرب وتُعدّ من مؤيديها. أمّا حزب المؤتمر الوطني فعوّل على التعداد العام الأخير (الذي نُظِّم عام 1994) ورأى أنّ الغالبيّة مكوّنة من العرب وتُعدّ من مؤيديه. أمّا نتائج التعداد العام حول الإسكان والسكان الذي عُقد في شهر نيسان/أبريل 2008، فهي ستؤثر لدى صدورها في حسابات الطرفين وتشكّل في الوقت نفسه مصدر نزاع.
    وإبّان صدور بروتوكول العام 2004، حسبت الحركة الشعبيّة لتحرير السودان أنّ تسمية الولاية بجبال النوبة قد تُساعد على كسب دعم غير العرب وغير المسلمين ولا سيّما النوبة منهم في الانتخابات العامة . أمّا تسمية الولاية بجنوب كردفان فقد تعني تغليب كفّة حزب المؤتمر الوطني والسكان العرب، وتُعيد التأكيد على سياديّة الحزب المحليّة وتعني أنّ قبائل النوبة ستبقى من عداد مواطني الدرجة الثانية فتكون لها حقوق أقلّ في الموارد والتمثيل. وفي خلال التفاوض بشأن البروتوكول، لم يُمكن سوى الاتفاق على تسمية جنوب كردفان/جبال النوبة وإحالة القرار إلى التشاور الشعبي. ولكن في الأيام الأخيرة السابقة للتوقيع على اتفاقيّة السلام الشامل بتاريخ 9 كانون الثاني/يناير 2005، توافقت الأطراف على تسمية ولاية "كردفان الجنوبيّة" .
    استمرّ حزب المؤتمر الوطني بتسخير الدين والإثنية لتصديع صفوف المواطنين وتعزيز بقاءه السياسي في الولاية الجديدة، كما في السودان ككل . ولم تلتمس على أرض الواقع المكاسب المحتملة التي حملتها اتفاقيّة السلام الشامل من مثل تأسيس حكومة عمليّة وتمثيليّة لتحسين حياة النوبة الاقتصاديّة وأمنهم وظروف العودة الطوعيّة وعودة الاستقرار. وبحسب نخب النوبة وكبار شخصيّات الحركة الشعبيّة لتحرير السودان، ارتكبت شعوب النوبة خطأً استراتيجيّاً عبر السماح لقياديي الجيش الشعبي لتحرير السودان بالعزف على وتر السياسات القبليّة، بدلاً من التحالف مع مجموعات أخرى بما في ذلك المنتسبين إلى حزب المؤتمر الوطني لتحسين الوضع في خلال المحطات الأولى من عمليّة تطبيق اتفاقيّة السلام .
    وبموجب البروتوكول، تمنح المشاورات الشعبيّة سكّان ولاية كردفان الجنوبيّة (وولايّة النيل الأزرق) فرصة تصحيح مواطن القصور في ترتيبات اتفاقيّة السلام الشامل الدستوريّة والسياسيّة والإداريّة، في ظلّ احترام إطار العمل العام. وعليه، يتوجّب على أعضاء المجلس التشريعي الجديد المنتخبين تولّي حصيلة التشاور مع الحكومة المركزيّة. ولكنّ قدرة قبائل النوبة على الإلقاء بثقلها في المشاورات الشعبيّة وما بعدها رهنٌ بقدرتها على فرض نفسها كجماعة مسيطرة في الولاية. وأيسر الأمور أن تفضي الانشقاقات القبليّة المستمرّة إلى إضعاف موقع الولاية ومطالبها في الخرطوم.
    .2 الامتعاض من قيادة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان
    بعد مرور سنة على إبرام اتفاقيّة السلام الشامل، بدأت الحركة الشعبيّة لتحرير السودان تُعيد هيكلة صفوفها. وطلب قائدها جون غارنغ من عبد العزيز الحلو، ممثل النوبة، أن يتولّى عمليّة التطبيق بصفته رئيس القطاع الشمالي فيعدل عن تعيينه في منصب وزير فدرالي لدى حكومة الوحدة الوطنيّة. وافق الأخير وبقي خارج إطار العمل التنفيذي الوطني. ولكن عندما طالب بالموارد الضرورية، أحجمت قيادة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان عن منحه الدعم الكامل .
    وشعر الحلو بالإحباط فتوجّه إلى الولايات المتحدة للدراسة ولم يعد حتّى أواخر العام 2007 . وبعد رحيله لم تبادر أي شخصيّة من شخصيّات النوبة إلى المجاهرة بمصالح المجتمع المحلّي. فساد الشعور بأنّ جوبا تُهمل مشاغل النوبة وتصبّ التركيز على حكومة جنوب السودان الجديدة. ونظر سكّان النيل الأزرق إلى الوضع من هذا المنظار فشجعوا قائدهم مالك عقار في نهاية العام 2007 على التركيز على عمليّة بناء السلام في منطقته. فتربّع العقار على عرش النيل الأزرق وفي خلال الأشهر الأولى من تولّيه وظيفته، استحصل من دول الخليج على قروض ميسّرة لتنمية الولاية من دون مشاركة حكومة الوحدة الوطنيّة.
    وينتاب قادة جبال النوبة شعورٌ بالغربة يُعزى إلى الانفصال بين قيادة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان القائمة في جنوب السودان في جوبا، ونظرائها النوبة في كادقلي وكاودا. وأحبط هذا الانفصال الجهود المبذولة لحمل حزب المؤتمر الوطني على إقامة حكومة فعّالة في الولاية. وبعد تغييب النوبة عن سلطة القرار في الحركة الشعبيّة لتحرير السودان، نشب نزاع بين ممثلي الحركة في كادقلي وجوبا. واتهم الفريق الأوّل الثاني بأن لا مصلحة له في مأساته. وقام قادة النوبة الميدانيّون المنتشرون في مناطق الحركة الشعبيّة لتحرير السودان التي تسيطر عليها النوبة مثل كاودا باتهام الحركة الشعبيّة لتحرير السودان في قادقلي بالفساد ومحدوديّة التفكير.
    ونال الإحباط من النوبة المؤيدين للحركة الشعبيّة لتحرير السودان وكانت المعاناة من نصيبهم في خلال المرحلة الأولى من تطبيق اتفاقيّة السلام الشامل والتي وافقوا في خلالها على قيادة الجيش الشعبي لتحرير السودان العسكريّة. وبدلاً من قيام قادةٍ ماهرين قادرين على تلبية الحاجات الاقتصاديّة والاجتماعيّة ومعالجة الشكاوى السياسيّة، اتسم القادة بالوهن السياسي وافتقروا إلى الخبرة ومالوا إلى خدمة مصالحهم الشخصيّة فسلكوا مسلك الفساد . أمّا خميس جلاب، قائد النوبة العسكري وأوّل رجالات الحركة الشعبيّة لتحرير السودان تولياً لمنصب حاكم بعد التوقيع على اتفاقيّة السلام الشامل، فقد وُضع في قفص الاتهام بعدما أخذ عليه قادة المجتمع المحلّي والمنظمات غير الحكوميّة والمنظمات المجتمعيّة إخفاقه في الضغط على حكومة الوحدة الوطنيّة لتوفير الترتيبات الدستوريّة والإداريّة الضروريّة لتلبية حاجات جبال النوبة الفوريّة، مثل تشكيل لجنة أراضي الولاية. فلقد ركّز القادة العسكريّون على السياسات القبليّة استناداً إلى مزاعم بملكيّة الأرض والهويّة الإفريقيّة وحرّضوا على أعمال العنف .
    وفي أثناء الحرب، اعتبرت معظم قبائل النوبة، والمسلمون ضمناً، بأنّ الإفريقانيّة رابط يصلهم بالجنوب وهو مفهوم يميّزهم عن العرب الذين يشكّلون على اعتبارهم واعتبار الجيش الشعبي لتحرير السودان عدوّاً مشتركاً. وتستمرّ هذه المشاعر؛ فلقد لوّح قادة الحزب بالتضامن الإفريقي حشداً للتعبئة الاجتماعيّة وللتحالف مع النوبة ضدّ الجنوب . ويود مثقفو النوبة وقادة النوبة في الجيش الشعبي لتحرير السودان توسيع الهوّة بين العرب والأفارقة تأكيداً لحقوقهم المنصوص عليها في اتفاقيّة السلام الشامل وكسباً لمزيد من الاستقلاليّة . ولكن بالرغم من جاذبيّة التضامن الإفريقي، يعتقد العديد من النوبة المسلمين أنّه بعد اتفاقيّة السلام الشامل، لم يعد الانضمام إلى الجنوب مثمراً ولن يتحقق التقدّم إلاً في حال الانضمام إلى الشمال ، حيث يعيش معظمهم.
    بدلاً من التركيز على الأهداف التي عبّر عنها الحزب، مثل التنمية الريفيّة والمصالحة وقيام حكومة قابلة للبقاء تعالج مواضيع الأمن، ركّزت قيادة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان بعد إبرام اتفاقيّة السلام الشامل على مجابهة سياسات حزب المؤتمر الوطني الانشقاقيّة عبر تدعيم قاعدتها المصدعة في وجه انشقاقات الماضي . ولقد عملت على تعميم فكرة أنّ العرب هم من أنصار حزب المؤتمر الوطني وروّجت لمقولة أنّ الدخلاء الذين لا يملكون أرضاً يجب أن يتركوا المنطقة ، وزادت التوتر بين المجتمع المحلّي وأوجدت انشقاقاً في داخل قيادة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان بما في ذلك بين ممثلي كاودا وكادقلي.
    ب‌. تلاعبات حزب المؤتمر الوطني
    نصّ البروتوكول على أنّه في خلال النصف الأوّل من الفترة الانتقاليّة الممتدة على ستّ سنوات، يُعيّن حاكم الولاية على يد مؤسسة الرئاسة التابعة للحكومة المركزيّة (الرئيس، نائب الرئيس الأوّل، ونائب الرئيس)، ويُوزع المجلسان التنفيذي والتشريعي على أساس نسبة 55 إلى 45 بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان بحيث يتولّى كلٌّ منهما الحكم لنصف الفترة السابقة لعقد الانتخابات. ولقد تأسس المجلس التشريعي في السنة الأولى بعد قيام حكومة الوحدة الوطنيّة بالتصويت على الدستور الوطني الانتقالي وعلى دستور الولاية، ولكنّ الحكومة الأولى لم ترَ النور قبل انقضاء عشرة أشهر من ولاية حاكم الحركة الشعبيّة لتحرير السودان الجديدة الممتدة على ثمانية عشر شهراً. ويُعزى هذا التأخير بشكلٍ أساسي إلى إهمال حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان وإلى انعدام الثقة بينهما على المستوى الوطني.
    .1 إبقاء السيطرة على الشؤون الماليّة
    لا شكّ أن افتقار حزب المؤتمر الوطني إلى النيّة الحسنة وإهماله العمل السياسي قد قوّضا سلطة الولاية الجديدة. ولمدّة سنة ونصف السنة بعد التوقيع على اتفاقيّة السلام الشامل، تولّى مسؤول من الحركة الشعبيّة لتحرير السودان منصب حاكم الولاية، ينوب عنه خميس جلاب (ونائب من حزب المؤتمر الوطني) والذي لم يتمكّن من التأسيس للمجلس التنفيذي كاملاً. وانقضت سبعة أشهر قبل التوافق على وزير ماليّة . وكان الأوّل أي الأمير عبد الله كمبال (من حزب المؤتمر الوطني) يحتكر المحفظة الماليّة ويحدّ من إطلاع جلاب أو رؤوس الأقسام عليها . فقام مدعوماً من وزارة الماليّة المركزيّة ومتخطيّاً واجب استدراج العروض، بالموافقة على عقود بناء شركات قد تكون على صلة بحزب المؤتمر الوطني . لا بل إنّ وزارة المال المركزيّة لم توقّع على معظم العقود. وعندما تولّى حاكم حزب المؤتمر الوطني عمر سليمان ونائبه من الحركة الشعبيّة لتحرير السودان دانييل كودي زمام الأمور، ظلّت الحركة مشلولة.
    وفازت شركة NAPCO، التي أصبح اسمها لاحقاً NAPTA والتي يُزعم بكونها خاضعةً لإدارة جهاز الاستخبارات والأمن بعقد بقيمة 32 مليون جنيه سوداني عام 2007 لحفر 165 بئر وتزويد الولاية بـ110 آليّة. ولم يخضع العقد لإجراءات استدراج العروض المناسبة . كما تولّت حكومة الولاية مشاريع تنمية الطرقات، وآبار المياه، والعيادات والمستشفيات ولكنّ الجهود صبّت في غالبها في وسط جبال النوبة وغربها (ما يُعرف سابقاً بكردفان الغربيّة). ولم يُبرم أي عقد للمناطق التي يسيطر عليها النوبة والواقعة شرق وجنوب شرق جبال النوبة. ويعد مضي ثلاث سنوات على التوقيع على اتفاقيّة السلام الشامل، لم تتعدَّ نسبة العقود المطبقة بمبادرة من الحاكم جلاب التابع للحركة الشعبيّة لتحرير السودان 30 – 40% من مجموع العقود وعددها 115 .
    وفي الأشهر الستّة الأولى من ولاية جلاب، لم يتقاضَ الأساتذة وعمّال الصحّة أجورهم لمدّة أربعة أشهر متتالية. وفي مطلع ولايته، قال جلاب إنّ حزب المؤتمر الوطني تعمّد عدم صرف الأجور لكي يقوّض إدارة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان الجديدة . وتعمّد حزب المؤتمر الوطني تأخير صرف أموال التنمية ، ولم يُفرج عنها حتّى شهر كانون الثاني/يناير 2008 بعد مضيّ ستّة أشهر على تولّي حاكم حزب المؤتمر الوطني الجديد منصبه .
    ترتبط ماليّة الولاية بشكلٍ أساسي بالتحويلات الفدراليّة وهي عرّضة بالتالي للتلاعبات على المستوى الوطني. وبحسب البنك الدولي، وعلى الرغم من حجم التمويل الفدرالي، لا زالت الولاية الجديدة تتقاضى حصّة أقلّ من تلك التي كانت تتلقاها ولايتا كردفان الجنوبيّة والغربيّة قبل إبرام اتفاقيّة السلام الشامل . هذا ولم تكن معظم المخصصات تصل إلى الولاية أو تُنفق فيها. فالخرطوم تستحوذ على أكثر من 70% من الموازنة فلا تبلغ هذه الأخيرة خزينة الولاية وتُنفق عادةً لتسديد الواجبات التعاقديّة. وفي منح الحكومة المركزيّة هذه العقود من دون موافقة حكومة الولاية ما يُسهّل الفساد المؤسسي في صفوف الشركات والأفراد المتصلين بحزب المؤتمر الوطني.
    وبوصول حاكم حزب المؤتمر الوطني عمر سليمان إلى السلطة، حاول الحزب تجزئة وظائف وزير الماليّة. واقترح بأن تتولّى وزارة جديدة لتخطيط التنمية شؤون إدارة صناديق التنمية. ويُبنى القرار على خلفيّة إبقاء حزب المؤتمر الوطني سيطرته على الأموال المخصصة للشركات المؤيدة له . فينحصر بذلك دور وزير الماليّة التابع للحركة الشعبيّة لتحرير السودان بوظيفة المحاسبة . ورفضت الحركة الشعبيّة لتحرير السودان هذا الطرح. وبعد مرور ثمانية أشهر، تمّ التوصل إلى اتفاق نتجت عنه وزارتان. وتقضي المعادلة بأن يقوم وزير الاقتصاد والاستثمار بالتخطيط لمشاريع التنمية بما في ذلك أعمال البناء والأشغال العامة في حين يُدير وزير الماليّة جميع محطات عمليّة التطبيق – المناقصات، المخصصات، تحويل الأموال والنفقات.
    ويتولّى رئاسة وزارة الماليّة الدكتور أحمد سعيد (من الحركة الشعبيّة لتحرير السودان) وتُناط وزارة الاقتصاد والاستثمار بمحمّد نيل (من حزب المؤتمر الوطني). رفض الحاكم السماح لسعيد بتعيين طاقم عمل خاص به فلم يترك أمامه خياراً غير العمل مع من عيّنهم سلفه. ونظراً لانعدام الثقة الناجمة عن تجزئة الحكومة الأساسيّة، تعذّر على حكومة الولاية اتخاذ قرارات تنفيذيّة مهمّة حول أولويّات إعادة الإعمار. كما شُلّت حركة مجلس الولاية التشريعي. وفي أيلول/سبتمبر 2008، وقع خلاف شديد حول ضبط الموازنة بين الحاكم ووزير الاقتصاد والاستثمار من جهة ووزير المالية من جهة أخرى. وحدا هذا بالحاكم إلى طرد سعيد وإقفال وزارة الماليّة لأسابيع عدّة في شهر أيلول/سبتمبر. وفي حين عزى الحاكم، الذي استشعر تهديداً من تحقيق سعيد في عقود البناء، الصرف إلى مرسوم صادر عن نائب الرئيس الأوّل سالفا كير، شدد دانييل كودي، قائد الولاية في الحركة الشعبيّة لتحرير السودان على أنّ القرار اتخذ من دون استشارة الحزب .
    ولقد طُبّق مبدأ تشارك السلطة على المستويين التشريعي والتنفيذي وأُسقطت من الاعتبار الخدمة المدنيّة حيث لم يبدأ حتّى الساعة العمل بلجنة الخدمة المدنيّة على مستوى الولاية كما على المستوى الدولة. وأفاد رجل أعمال مهم في كادقلي إلى مجموعة الأزمات بما يلي:"لا يريد حزب المؤتمر الوطني الشفافية، ولهذا السبب أجّل إصلاح الخدمة المدنيّة ليشمل موظفي الحركة الشعبيّة لتحرير السودان" . أمّا كبار موظفي الولاية فمن أنصار حزب المؤتمر الوطني ويخدمون مصالحه . ويُعدّ التأخير في تأسيس اللجنة شأناً أساسيّاً في جبال النوبة، يُعزز قناعة راسخةً بأنّ حزب المؤتمر الوطني يُعيق عمليّتي مساءلة الحكم وشفافيّته، وهذا يُمثّل بدوره عائقاً مهماً للاستقرار في الولاية . ونتيجةً لذلك، تعذّر توحيد هيكليّات الحكومة ومكافحة الفساد في الغرب والجنوب وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان مما يترك حكومة الولاية في حالة فوضى وتحت رحمة من يعيّنهم حزب المؤتمر الوطني. وشكّل إقفال وزارة الماليّة وصرف الوزير خطوةً إلى الوراء يُرجّح فيها أن تُمعن في إضعاف العلاقة الواهنة أصلاً بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان في جبال النوبة وأن تشلّ حكومة الولاية.

    ولم يُعمل ببرامج التعافي من الحرب الرامي إلى الحدّ من الفقر والاستجابة لحاجات المهجرين داخلياً العائدين إلى مجتمعاتهم المحليّة والميليشيات التي تخوض عمليّة تسريح وإعادة إندماج. وبهذا وجد عدد محدود من المنظمات الدوليّة ومنظمات المجتمع المدني المحليّة نفسه في ظرف يضطرّه إلى التأقلم فشعرت القبائل بوجود ما يتهدد بقاءها. ونظراً لعدم توزيع الموارد بإنصاف، تتأجج نار الشكوك بين المجتمعات المحليّة. ويُرجح في هذا أن يُعيق وبدرجةٍ أكبر تطبيق البروتوكول، بما في ذلك عقد تشاورات شعبيّة مثمرة عقب الانتخابات، مع احتمال أن يترتب عن الإعاقة تجدد أعمال العنف وتفشيها في الولاية .

    وفي غياب حكومة غنيّة بالموارد وتمثيليّة وفعّالة، يلوح في الأفق شبح نزاع ينجم عن الخلاف حول ملكيّة الأرض واستخدامها، وأراضي الماشية الموسميّة، والنفاذ إلى أرض الرعاية والمياه، والخدمات الاجتماعيّة والمدنيّة. ومع أنّ أبيي تمثّل أكثر المشاكل وضوحاً في المنطقة، إلاّ أنّ النزاع الكامن في جبال النوبة ومناطق قبيلة مسيريّة الغربيّة، يحمل في جعبته ما قد يسير بالدولة إلى شفير الهاوية . ولا شكّ في أنّ طريقة معالجة هذه المشاكل ستؤثّر في نواحٍ أخرى تفرز مشاكل مماثلة وتقوم على طول الحدود بين الشمال والجنوب مثل تلك القائمة بين قبيلتي رزيقات جنوب دارفور ودينكا بحر الغزال على حفرة النحاس، والمشكلة القائمة بين قبيلتي الشلك ودينكا مع عرب النيل الأبيض بشأن ود دكونا.
    .2 مخاوف بشأن التعداد
    وترى النوبة أنّه في ظلّ بيئة غير مستقرّة أمنيّاً ونظراً لاستمرار تغرّب العديد من المهجرين داخلياً، لا تشكل نتائج تعداد نيسان/أبريل 2008 انعكاساً صحيحاً لحجم هؤلاء ومطالبتهم بالتمثيل والموارد. وقبل التعداد، أصرّ العديد من النوبة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان على التأجيل بما أنّ حزب المؤتمر الوطني تعمّد خلق ظروف تجعل العودة مستحيلة ونظراً لغياب ما يضمن دقّة التعداد وإنصافه. ولكنّها خلصت في نهاية المطاف إلى أنّها لن تصل إلى الانتخابات إلاّ عن طريق المشاركة.
    ولم يُحتسب النوبة المهجرين داخليّاً الذين تعذرت عليهم العودة قبل التعداد، ضمن المقيمين في جبال النوبة، ما رجّح كفّة العرب المقيمين. ولم يكن العرب، رغم تأثرهم بالحرب قد عانوا من مستويات التهجّر نفسها. وتخشى قبائل النوبة أن يستشهد حزب المؤتمر الوطني، نظراً لسجلّه الحافل بالتلاعب في مثل هذه العمليّات، بالتعداد ليجعل العرب يبدون في موقع الأكثريّة ليس فقط في الولاية وإنم في جبال النوبة أيضاً. وأفاد مدير منظمة غير حكوميّة محليّة تعمل على إقامة منظمات مجتمعيّة ودعمها بما يلي: "ليست مجتمعاتنا مستعدة بعد للتعداد، ولكن عندما يُعقد، يجب أن يُنظر إليه على أنّه عادل وخاضع لإشراف جيّد، لأنّه من المهم بالنسبة لنا أن نُحقق حقوقنا بالكامل في المستقبل. فإذا تلاعب حزب المؤتمر الوطني بالتعداد لن يقف شعبنا مكتوف الأيدي..." .
    ولا يبقى سوى الانتظار ريثما تصدر نتائج تعداد نيسان/أبريل 2008. ولكن بعد انتهاء العدّ، بات العديد من النوبة على قناعة بأنّ حكومة الولاية وحزب المؤتمر الوطني تعمّدا إدامة التوتر في جبال النوبة للحيلولة دون عودة المهجّرين داخلياً قبل موعد الانتخابات العامة. وبحسب قائد نوبي في الحركة الشعبيّة لتحرير السودان، في كادقلي، سينتظر العديد من المهجرين داخلياً صدور تلك النتائج قبل أن يتخذوا القرار "باللجوء إلى أساليب أخرى" – وعنى بذلك احتمال تجدد المواجهات . وبحسب بعض النوبة، شكّلت زيارة بعثة رفيعة المستوى تضمّ ممثلين عن حزب المؤتمر الوطني/الحركة الشعبيّة لتحرير السودان إلى جبال النوبة، بعد مضي ثلاثة أشهر على عقد التعداد، شأناً أساسيّاً ولكنّها جاءت متأخرةً بثلاث سنوات . ولو أنّها أحرزت في السابق تقدماً، لأصبح التعداد مقبولاً بالنسبة إلى النوبيين ولا سيّما من يقيم منهم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان.
    .3 تقدم فعلي؟
    في تموز/يوليو 2008، توجّه مالك عقار (حاكم ولاية النيل الأزرق ونائب رئيس الحركة الشعبيّة لتحرير السودان) إلى جانب أحمد هارون (وزير الدولة للشؤون الإنسانيّة) والحاكم عمر سليمان وحكومته إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان وجبال النوبة، في أوّل زيارة يقوم بها حاكم من حزب المؤتمر الوطني منذ أن وضع الجيش الشعبي لتحرير السودان بوضع اليد على المنطقة في خلال الحرب. وأفسحت الزيارة بالمجال للحوار بين حكومة الولاية والمناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان. وكان الحكم وأعوانه يصطدمون في السابق بمعوّقات الحركة الشعبيّة لتحرير السودان والظرف الأمني المرتدي مما حال دون زيارتهم.
    وصبّ اهتمام الوفد الذي قام بزيادة جلود وكاودا على دمج الحكومة والخدمات المدنيّة وتعزيز عمليّة نزح السلاح والتسريح وإعادة الإندماج لكلّ من ميليشيات الحكومة والميليشيات المناصرة للجيش الشعبي لتحرير السودان. كما اتفق الحزبان على تشكيل لجنة مشتركة تدمج الخدمة المدنيّة بما في ذلك الشرطة. وتبعت الزيارة زيارات قامت بها لجان نزع السلاح والتسريح وإعادة الإندماج إلى الشمال والجنوب وسيبدأ العمل قريباً بمشروع تجريبي بمساعدة بعثة الأمم المتحدة في السودان.
    في آب/أغسطس 2008، أمضت لجنة الدمج المشتركة عشرة أيام في مناطق خاضعة لسيطرة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان وأجرت مقابلات مع طاقم عمل إدارة من الحركة الشعبيّة لتحرير السودان للنظر في اقتراح ضمّ هذه المناطق. وتنوي اللجنة زيارة سائر المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان ومن ثم رفع نتائجها إلى مجلس الوزراء. وبحسب دبلوماسي أجنبي رفيع المستوى، تستعد الولاية لدمج 4400 إداري من مناطق الحركة الشعبيّة لتحرير السودان ولكن على الرغم من ترحيب إداريي الحركة الشعبيّة لتحرير السودان بالأمر، إلاّ أنّهم ظلّوا غير أكيدين من تطبيق خطّة الدمج تطبيقاً كاملاً .
    تخفي التطوّرات المتلاحقة في فصل الصيف صعوبات فنيّة شديدة في عمليّة الدمج. وحتّى شهر آب/أغسطس، بقيت مناطق مثل كاودا وجلّود خاضعةً لسيطرة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان وتتخذ لها أنظمة منفصلة لتطبيق حكم القانون وتوفير الخدمات الاجتماعيّة بما في ذلك الصحّة العامة والتعليم. والرعاية الصحيّة الأوليّة مجانيّة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان ولكن ليس في المناطق الخاضعة لسيطرة حزب المؤتمر الوطني. وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان، تتبع المدارس مناهج جنوب السودان، وكينيا وأوغندا والتي تختلف عن المناهج المتبعة في الشمال. ويخشي العديد من النوبة أن يتأثّر أبناؤهم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بجدول أعمال حزب المؤتمر الوطني الإسلامي . ويرى البعض أنّ إبقاء النوبة على نظامهم المدرسي الخاص يعيد لهم الكرامة ويُسهّل استرجاع الحقوق الثقافيّة والهويّة. ولكن ليس هذا القرار مستداماً إذا استمرّ غياب الدعم مؤسسي. ويُبنى النظام الحالي على مبدأ التطوّع، وهو مدعوم ببرامج إغاثة مؤقتة.
    ولا تتصرّف الولاية بأموال تخوّلها تسريع الدمج أو بدء عمليّة إعادة التأهيل الرامية إلى تقديم الخدمات. ويُخصص الجزء الأكبر من الموارد لتسديد الأجور الإداريّة المضخمة . ويجب على الحكومة المركزيّة أن تكون مستعدةً لتخصيص الأموال إلى الخدمات الاجتماعيّة في المناطق المدمجة حديثاً بينما تسير في ركب الإصلاح الإداري . ومن شأن توزيع الموارد وإيرادات السلام والدمج الفعلي توزيعاً عادلاً أن يُعزز الفعاليّة ويُساعد على خفض الفساد، كما على تصويب حالات انعدام الأمن وتأمين المصالحة القبليّة. ويجب على حكومة الوحدة الوطنيّة أن تؤسس لقيام لجنة تنمية تنفيذيّة تمثّل كلّ محليّة من الولاية وذلك للإشراف على الإنصاف في توزيع الموارد، ووضع الأولويّات، وخطّة العمل والتأسيس في نهاية المطاف إلى التطبيق.
    وتحسّنت العلاقة بين كاودا وجلود وكادقلي وجوبا وتراجع التفكك بين المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الشعبي لتحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان في كادقلي وجوبا نتيجة تطبيق البروتوكول بشكلٍ تدريجي بما في ذلك دمج الإدارات الحكوميّة وليست الشرطة أقلّها. ولكن ستصعب المصالحة بين المجتمعات المحليّة في ظلّ استمرار التعبئة السياسيّة حول المعطيات الإثنيّة/العرقيّة السابقة لانعقاد الانتخابات العامة (في حال انعقدت هذه الانتخابات عام 2009 بحسب ما تلحظه اتفاقيّة السلام الشامل أو تأجلت). وبالتالي تُعدّ المكاسب المحققة من الدمج الإداري هشّةً للغاية.
    ج‌. الشكاوى حول الأرض
    صُممت الإدارات المحليّة أيام الحكم المشترك الإنكليزي المصري كأداة لضمان السلم في الريف، وهي مسؤولة عن الوقاية من النزاعات المحليّة والقبليّة وعن إحلال المصالحة بينها. وعليه، وإلى جانب تولّي الإدارات سلطة قضائيّة محدودة لمعالجة قضايا القانون العرفي، تولّت قيادتها وظائف أساسيّة تتعلّق بمنح الحقّ في الأرض وتنظيمه وتطبيقه. ومنذ العام 1989، لجأت الخرطوم إلى الإدارات المحليّة لتطبيق سياسة تعبئة عسكريّة تقودها الدولة، وإحالة السلطة للإدارات المحليّة ومنح الأرض لشعوب القبائل الراغبة في التحالف مع الحكومة في وجه الثوّار. ولقد أدّى هذا إلى تسييس المطالبة بالأرض وشرح إخفاقات آليّات فضّ النزاعات التقليديّة للوقاية من تدهور العلاقات بين القبائل.
    وكان الوالي عمر سليمان في ولاية جنوب كردفان خلف العديد من السياسات التي اتبعتها حكومة الخرطوم حيال النوبة، سيّما عند توليه شعبة السلام في حكومة كردفان الكبرى أوائل التسعينات. ولقد حمّله قادة قبليّون عرب ونوبيون مسؤوليّة تطبيق سياسة النظام لناحية تفكيك نظام الإدارة الأهليّة في جبال النوبة كما في دور أخرى مثل دار مسيريّة . ولقد سهّل إعادة استيطان العرب في أراضي النوبة ووسّع سيطرة حزب المؤتمر الوطني عبر تحويل "العمديّات" الصغيرة في أراضي النوبة إلى إمارات .
    وفي الواقع، تعرّضت نظارات النوبة والعرب للشرذمة، والإضعاف أو التفكك عندما انتزعت من القيادة القبليّة. وأصبح العمدة بمقام الأمير وهو يُحيل التقارير مباشرةً إلى الحكومة المحليّة. وفي حالة النوبة، مُنحت كلّ إمارة استقلالية عن نظارات النوبة القبليّة. وهيمنت قبيلة مسيريّة المستقّرة حديثاً على منطقة أبو جنوك فقوّضت إدارة النوبة المحليّة الأهليّة.
    هذا، وفي خلال المراحل الأولى من نظام حزب المؤتمر الوطني واشتداد الحرب الأهليّة، جرت تعبئة العرب وتسليحهم للقتال. واضطرت شعوب النوبة في الأراضي الخفيضة للهرب وأُعيد توزيع أراضيها ولم تتلقَّ تعويضاً مناسباً نظراً لتطبيق خطط زراعيّة واسعة لمكننة الزراعة . وحتّى العام 1996، خضعت جبال النوبة لسياسة الأرض المحروقة جرّاء الهجرة القسريّة التي فرضتها وزارة التخطيط الاجتماعي والتي بلغت حدّ التطهير الإثني. بين عامي 1991 و1996، استُهدف أساتذة، وقادة أهليّون، ونخب محليّة أخرى واختفوا . كما قامت قوّات الحكومة أو الميليشيات العربيّة بأخذ الأطفال إلى حمش قريب وبارا (شمال ولاية كردفان) بذريعة التخطيط الاجتماعي .
    وقامت الحكومة بإغلاق جميع المؤسسات الكبيرة التي كانت قائمةً قبل أن يتولّى حزب المؤتمر الوطني القيادة، مثل شركة جبال النوبة لإنتاج القطن، ومصنع النسيج، ومزارع هبيلا الممكننة، ومشروع جنوب كردفان لتنمية الزراعة الذي يحظى بتمويل بنك التنمية الإفريقي ومشروع التنمية الريفيّة الذي تموّله المفوضيّة الأوروبيّة من بين غيرها. عاما 1996/1997، أعاد النظام توزيع الأراضي الخصبة المخصصة للزراعة الممكنة إلى سكان من خارج المنطقة. وبحسب بعض قادة النوبة، مُنعت المنظمات غير الحكوميّة التي سعت لمساعدة النوبة من التدخل بحيث تُمنح الأراضي لرجال أعمال حلفاء من الشمال . وحين اشتدّت الحرب، أطبق سكّان الشمال على ملكيّة الأرض ولكنّهم لم يزرعوها فأصبحت تُعرف بأرض المزارعين الغائبين .
    بدلاً من إعادة إحياء مشاريع ومصانع قديمة ومحاولة بناء عمليّة السلام في جبال النوبة بعد انتهاء الحرب، وضعت الحكومة المركزيّة مالاً في استثمارات النفط في أبيي وفي سائر مواقع الجنوب. ولا زالت الإدارات الأهليّة مشرذمة نتيجة التدخل السياسي المُعد لكسب التأييد القبلي للانتخابات. ولقد شكّل هذا صفعةً لشرعيّة القادة بنظر المجتمع المحلّي وأدّى إلى الحدّ من تدخلهم في الشؤون القبليّة . وشُلّت السلطة القبليّة نتيجة تفشي الميليشيات المسلّحة وحركات المقاومة الجديدة في المنطقة المُشار إليها أدناه.
    واستندت قبيلة النوبة إلى ما حققته من مكاسب في اتفاقيّة السلام الشامل وإلى اقتراحات وكالات دوليّة، فعقدت مؤتمرات قبليّة بعد التوقيع على اتفاقيّة السلام الشامل حول كيفيّة الفوز مجدداً بأرضها. وحاولت المعاجلة في معالجة هذا الموضوع الحسّاس ولكن، في الوقت نفسه، بالكاد تطرّقت إلى مواضيع مهمّةٍ أخرى مثل المصالحة القبليّة والتعايش السلمي على الرغم من قيام قبائل النوبة الفرعيّة بشنِّ حروبٍ صغيرة وعلى الرغم من النزاعات بين مجموعات النوبة والعرب. ولم يلقَ النزاع بين اللاخوري والتيس – كلاهما من النوبة – بردّ من حكومة الولاية، والحركة الشعبيّة لتحرير السودان وبعثة الأمم المتحدة في السودان، وعزلت المؤتمرات النوبة عن العرب كما عن القبائل الأقليّة الأخرى .
    وظلّ التوتر على أشدّه بين قبائل النوبة والعرب حول ملكيّة الأرض وأراضي ترحال الماشية كما في داخل القبيلة الواحدة. ولقد وقع ما يزيد على عشرة صدامات مسلّحة دامية بين القبائل أو في القبيلة الواحدة بشأن الأرض منذ العام 2007. ومن الأراضي المتأثرة، دابري، بين عرب دار نيلا وغلفان النوبة، وكوالك بين الحوازمة العرب (دار جامع) وكيقا النوبة، وجانغاورو، بين المسيريّة العرب والنوبة، وأم حيتان بين بدو رواوغة العرب وأم حيتان النوبة، وملم الخور بين كنانة وحوازمة وكواحلة في وجه أصحاب الأرض الحوازمة. ولا تستطبع إدارة ولاية جنوب كردفان معالجة هذه المشاكل القبليّة في غياب دعم على مستوى الحكومة المحليّة وغياب إدارات أهليّة متينة.
    يشعر النوبة بأنّ العرب في المنطقة الذين يعبرون الأرض بحثاً عن أراضي رعاية ومياه قد ازدادوا عدوانيّةً منذ التوقيع على اتفاقيّة السلام الشامل؛ ولقد أصبحت النزاعات حول الأرض أكثر جلاءً حيث تسعى كلّ مجموعة إلى تدعيم المكتسبات قبل تكوين لجنة أراضي الولاية. وقال قائد مرحال: "بما أنّ النوبة يعتبرون بأنّهم فازوا بالحرب بمجرّد التوقيع على اتفاقيّة السلام الشامل، بات يُخيّل إليهم اليوم أنّ باستطاعتهم وضع اليد على الأرض. ولن نسمح لهم بذلك، لا بل سنقاتلهم إذا حاولوا. هذه أرض حكوميّة وليست ملكاً لهم..." . وزاد النوبة من صفوف الحركة الشعبيّة لتحرير السودان الطين بلّة عندما روّجوا لفكرة أنّه يُمكن لأصحاب الملك التقليديين، الذين لم يتم التعويض عنهم عام 1990، استرجاع مزارع هبيلا الشاسعة الممكننة التي وضع ملاّك الشمال الغائبين يدهم عليها .
    ولكنّ بروتوكول حزب المؤتمر الوطني ينصّ على أنّه يتعيّن على لجنة أراضي الولاية مراجعة قوانين الدولة الخاصة بملكيّة الأرض وتطبيقها . ويجب أن يستند تأسيسها على صفاء النيّة بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان وأن يترافق مع جهود مصالحة. ولا يُمكن للجنة أن تُصبح ساريةً المفعول إلاّ متى تحاورت القبائل وتولّت جهات تمثيليّة بكلّ ما للكلمة من معنى إدارة العمليّات. ولا يُرجح في أي إصلاح سابقٍ للانتخابات أن يكون مستداماً نظراً للتمثيل القبلي المتنازع عليه ولغياب الثقة المتبادلة. وفي غياب ظروف مناسبة، لن تُعدّ لجنة أراضي الولاية مهما عظم شأنها، مشروعة بنظر مجتمعات الولاية ولن تكون قادرةً على تولّي مهمّتها.
    وتعمل إدارة الولاية حالياً على التشجيع لعقد مؤتمرات تفضّ النزاعات القبليّة وتُعزز المصالحة . ولكنّ الإدارات الأهليّة تفتقر إلى الموارد والشرعيّة الشعبيّة لأداء دورها التاريخي في تسوية النزاع والمصالحة. ولكي تتكلل مثل هذه الجهود بالنجاح، يجب على الإدارات القبليّة أن تُربط بآليّة ردٍّ سريع تُعنى بالنزاعات الناشئة وتتضمن السلطات وبعثة الأمم المتحدة كما تبدر الحاجة بعد الانتخابات إلى قيام آليّة مصالحة نظاميّة تكون مرتبطة بالمجلس التشريعي لحكومة الولاية.
    د. برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الاندماج يراوح مكانه وخطر تجدد عمليات التمرد
    أعلن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة أشرف قاضي في نيسان/أبريل 2008 أنه يتوقع أن يكسب برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الاندماج السوداني زخماً جديداً في فصل الربيع . وقد اتفقت طاولة مستديرة عقدت في شهر 9 نيسان/أبريل وجمعت حولها حكومة الوحدة الوطنية والأمم المتحدة وأسرة المانحين على أن لجان برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الاندماج للشمال والجنوب ستعمل على تسريح 182900 مقاتل سابق وإعادة دمجهم على فترة تمتد أربعة أعوام، على أن تتضمن قوّات النوبة التابعة للجيش الشعبي لتحرير السودان. كما تدعو الأمم المتحدة إلى تسريح جميع الأطفال المنخرطين في القوّات والمجموعات المسلحة، عام 2008 . وليتكلل برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الاندماج بالنجاح، لا بدّ من وجود ثقة عامة بصمود اتفاقية السلام الشامل وباستبعاد شبح حرب جديدة وبحسن إدارة النزاعات المحلية بين القبائل وفي داخل القبيلة الواحدة. لكنّ الاتجاهات في هذا الصدد ليست بالمشجعة.
    تدهور الوضع الأمني في جبال النوبة بشكل كبير بعد اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 2002. فشكّل غياب حكومة فاعلة وموحدة واستمرار النزاعات القبلية والسكانية حول الأرض عائقاً أمام عودة النازحين داخلياً، غير أن اللجنة العسكرية المشتركة المعدة بموجب هذا الاتفاق قد أحسنت صنيعاً في هذه الظروف . وهذا ما يشكل تناقضاً صارخاً مع المرحلة الحالية التي تشرف عليها بعثة الأمم المتحدة . وقد اشتركت اللجنة العسكرية المشتركة بشكل مباشر مع الإدارات المحلية لحل النزاعات. وقامت بذلك بفاعلية وبمنهجية منظمة، الأمر الذي حال دون تدهور الوضع. وعلى الرغم من تفوّق بعثة الأمم المتحدة في قدراتها على اللجنة العسكرية المشتركة، إلا أنها لم تتمكن من مراقبة الوضع الأمني بفاعلية والرد بشكل مباشر على النزاعات والحوادث. لذا حصرت عملياتها بنقل ما يجري بدل توقيف العنف. وسيتعين على بعثة الأمم المتحدة في السودان على الأرجح تغيير قيادتها في جبال النوبة إذا ما أرادت تطبيق مهامها المتعلقة بحفظ السلام بدل الاكتفاء بمهمة تسجيل النزاعات وحسب .
    أعيد انتشار قوات النوبة الرسمية التابعة للجيش الشعبي لتحرير السودان إلى حدود العام 1956 مع بداية العام 2008 ، ولكن من دون تطبيق برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الاندماج. وقد رجح مسؤول متوسط الرتبة في الجيش الشعبي لتحرير السودان أن يتراوح عدد مثل هذه الفرق في جبال النوبة، ومنهم من لا يملك الزي العسكري، بين 3000 و5000 شخص. وفيما يتخطى عديد قوّات النوبة التابعة للجيش الشعبي لتحرير السودان على مقاطعة الإستوائيّة الـ10000 شخصاً، تحافظ النوبة على كونها أضخم فرقة غير جنوبية لقوات الجيش الشعبي لتحرير السودان. ويشعر العديد من هذه الفرق بالإحباط لأنّ اتفاقية السلام الشامل لم تأتِ بمنافع ملموسة على شعبه. ويعتقد عدد من القادة أنه يتعين عليه الاحتفاظ بقدرته العسكرية لعلّه استعان بها مستقبلاً. ويشير القادة إلى أنهم تفادوا الاندماج في النظام الإداري مع حكومة الولاية لأنهم يريدون تفادي برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الاندماج والمحافظة على سلاحهم ضمن الجيش الشعبي لتحرير السودان والانتشار جنوب حدود العام 1956 .
    يتوقع العديد من مثقفي النوبة أن يصوت الجنوب للانفصال عن الشمال في العام 2011. وذلك من شأنه أن يثير مشاعر الاستياء بين سكان النوبة، سيّما أنّ الكثيرين منهم يعتقدون أن رؤيا السودان الجديدة القائمة على حكم الأغلبية في محيط ديمقراطي، وهي رؤيا لا تزال الحركة الشعبية لتحرير السودان تتبناها، تخرج عن سيطرتهم. ويخشون في حال انفصال الجنوب، من أن يُنحوّا جانباً على أنهم الخاسرين في سودان مبتور الأوصال، لذا يتعين عليهم الاستعداد لحرب جديدة.
    في 16 شباط/ فبراير 2008، ظهرت حركة مقاومة جديدة في جبال النوبة تتمركز على طول الحدود بين دارفور وكردفان وهي "الحركة المركزية لتحرير السودان- منطقة جبال النوبة." طالبت الحركة بالحكم الذاتي وبتأمين الخدمات الأساسية للمنطقة، فيما أعلن قائدها جمعة الوكيل أنها قد تستهدف حقول النفط والمؤسسات الحكومية. وأعلنت رفضها اتفاقية السلام الشامل وقالت "إنّها لا تُسقط إمكانية التنسيق عسكرياً مع الفصائل الثورية في حركة تحرير السودان - دارفور، التي تتفق معها إيديولوجياً ."
    وبحسب الوكيل الذي كان تولّى سابقاً منصب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان في ولاية الجزيرة ، ولدت الحركة رداً على تهميش سكان جبال النوبة داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان. وأمعن الوكيل في انتقاد اتفاقية السلام الشامل التي حصرت مصالح سكان جبال النوبة والنيل الأزرق ببروتوكول مؤلف من سبع صفحات، مفرّطة بالتالي بالمصالح.
    أما تليفون كوكو، وهو قائد سابق في الجيش الشعبي لتحرير السودان، فقد انتقد بقوة دور قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان السلبي في جبال النوبة وبدأ ينشط في تجنيد بني النوبة. كما دعا إلى تأسيس حركة مقاومة جديدة منفصلة عن الجنوبيين وأدلى بتصريحات عدة لوسائل الإعلام انتقد فيها قيام الحركة الشعبية لتحرير السودان بتهميش النوبة داعياً للثورة المسلحة. وقال إنه لا ينبغي بالحركة الشعبية لتحرير السودان الاعتماد في الانتخابات المقبلة على دعم جبال النوبة وجنوب كردفان التي خلصت بعد عشرين عاماً من التحالف مع الحركة الشعبية لتحرير السودان أن الجنوب خانها. ودعا سكان النوبة إلى وضع حد لاعتمادهم على الحركة الشعبية لتحرير السودان، واعتبار نفسهم جزءاً من الشمال ورفض فكرة الاستقلال في استفتاء العام 2011 .
    وتنشط حركة ثالثة بقيادة البلولة حامد عبد الباقي، عضو قبيلة حوازمة العربية وعضو سابق في قوات الدفاع الشعبي التي بدلت موقفها في العام 2007 والتحقت بقوات الجيش الشعبي لتحرير السودان في ديباب. وقد حشد عبد الباقي القوّات من قبائل عيدجة وحوازمة في أم برمبيطة فضلاً عن النوبة (قوالب) . أوقفه الجيش الشعبي لتحرير السودان في العام 2007 ثم أطلق سراحه، فنقل مكتبه إلى عمارات في الخرطوم حيث واصل عمليّة التجنيد. وتضرب مجموعته المدعوة بالحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان -2 على وتر التحرر من الوهم المسيطر على العديد من الشباب العاطلين عن العمل في جبال النوبة، فيما تشير بعض التقارير من داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان أنه يتلقى دعم الدكتور ريك ماشار، نائب رئيس حكومة جنوب السودان ونائب قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان .
    تنتقد هذه الحركات –التي يبلغ عددها تسع - والتي تعلو أصواتها، غياب التحرك نحو تطبيق اتفاقية السلام الشامل؛ وعجز اتفاقية السلام الشامل عن مواجهة احتياجات السكان في جبال النوبة؛ والتلاعب باتفاقية السلام الشامل كي تخدم جداول أعمال لا تمت بصلة إلى تحسين الوضع في جبال النوبة. كما تشير كلها إلى تراجع الوضع في جبال النوبة - حتى بالمقارنة مع زمن الحروب-. لذا هي تستعد لإمكانية الانفصال عن الجنوب في العام 2011. وإذا ما حصل ذلك، قد تشن جبال النوبة حملتها الخاصة المطالبة بالحكم الذاتي بدل إيداع مستقبلها بين يدي تشاور شعبي لم تتوافق عليه، وتخشى تلاعب الخرطوم به.
    .III شكاوى مسيريّة
    بعد مضي عشر سنوات على تقسيم منطقة كردفان العظمى إلى ثلاث ولايات، قسم بروتوكول اتفاقية السلام الشامل إحدى الولايات (غرب كردفان) إلى ولايتين هما كردفان الشمالية وكردفان الجنوبية . وقد أُلحقت بجنوب كردفان أربعة محليّات تقطنها في الأساس قبيلة مسيرية؛ فيما أضيفت المحليّات الأخرى التي تقطنها بشكل أساسي قبيلة الحمر العربية إلى شمال كردفان. ويشعر أفراد مسيرية أنّ الانقسامات جلبت لهم الخسارة بدل الربح، وأنّهم تعرضوا للخيانة من قبل حزب المؤتمر الوطني والنخبة التي تمثلهم لأنها لم تستشرهم كما يجب في خلال المفاوضات. سعياً وراء السلطة والثروة في الخرطوم، علقت نخبة المسيرية بما فيها المثقفين في سياسات الحزب بدل أن تسعى لتلبية حاجات شعبها . وبالتالي، تزداد إمكانيّة أن تنقلب الشكاوى إلى حركات تمرد داخلية ضد الحكومة المركزية.
    أ. تكتيكات حزب المؤتمر الوطني القائمة على مبدأ فرّق تسد
    ترى قبيلتا مسيرية والنوبة في حلّ كردفان الغربية سبباً للاستياء من حزب المؤتمر الوطني . فتعتقد المسيرية بشكل عام والمسيرية الحمر بشكل خاص ، أنّ حزب المؤتمر الوطني أراد حل كردفان الغربية لخلق توازن ديموغرافي أكثر تأييداً له في الانتخابات الوطنية. فقد أعيدت محليّة لقاوة التي يسكنها في الأصل المسيرية عروق إلى جبال النوبة من الفولة في كردفان الغربية السابقة. ويقول بني مسيرية إن ولاية كردفان الغربية أعطتهم إحساساً بالانتماء وخولتهم تقاسم السلطة بشأن الأرض وموارد أخرى مع جيرانهم العرب حمر النهود. ولكنهم شعروا بالخسارة من موقف حزب المؤتمر الوطني وعليهم أن يناضلوا الآن مع النوبة لحماية مصالحهم في الولاية الجديدة. وقد صرح رئيس أعلى في مسيرية لمجموعة الأزمات:

    اعتقدنا في البداية أن حزب المؤتمر الوطني يريد إعطاءنا [أي العرب] مزيداً من السلطة لكننا اكتشفنا لاحقاً أن الحزب كان يحاول زعزعة الاستقرار في كافة المناطق التي يسيطر عليها خصومه [الأحزاب السياسية التقليدية مثل الأمة] ويحاول إجراء تغييرات ديموغرافية حيثما تيسّر كما في دارفور... من دون الأخذ بعين الاعتبار مشاكل الشعب واحتياجاته الحقيقية... بكل بساطة، أولاد البحر لا يبالون .

    في خلال الحرب التي اندلعت بين الشمال والجنوب، دخلت المنطقة في حالة تعبئة متواصلة ولم تحظَ القبائل بفرصة إيضاح موقفها في حال انعقدت مفاوضات محتملة. واستخدم التأكيد على الهوية الإسلامية والعربية لاستجرار الولاء. وشجع النظام على الجهاد لتعبئة الشعب من أجل هزيمة أخصامه من الجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق. وشكلت الدعوة إلى الجهاد إطار الولاء السياسي وتلاعبت بطريقة فهم الإسلام. وقد وُضع أبناء النوبة غير المسلمين في خانة داعمي الجيش الشعبي لتحرير السودان، فوصفوا بالكفار وتمت ملاحقتهم ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية . أما مسلمو النوبة، فقد اختيروا ليقاتلوا في قوات الدفاع الشعبي مع المجموعات العربية ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان. وتلقّى قادة القبائل الحوافز المادية (من سيارات ومال وسلاح وتقديمات إضافيّة في الخدمات الاجتماعية).

    لكن بعد اتفاقية السلام الشامل، بدأت القبائل العربية تطرح الأسئلة حول العلاقة مع حزب المؤتمر الوطني، خاصة عندما أصبح واضحاً أن الحزب الحاكم يحاول استمالة القبائل تحقيقاً لمكاسب شخصية. فتاريخياً دعمت كردفان حزب الأمة، ولا زال هذا موقف معظم أبناء القيادة القبلية التقليدية، بيد أنّ تكتيكات حزب المؤتمر الوطني القائمة على سياسة فرق تسد أنهكته .

    كما وصف سابقاً، أنشأ حزب المؤتمر الوطني نظاماً جديداً للإدارة الأهليّة، حيث قام بتقسيم نظارات مسيرية الثلاث وجعل منها إمارات بحجة تمكين الحكم المحلي. وتعدّ اليوم إمارة مسيرية ست عشرة نظارة تعود كل واحدة منها إلى الحكومة المحلية وليس إلى الناظر، فأصبح كرسي القائد الأعلى "المك" مجرد منصب. ونال هذا التدبير من الوحدة وبالتالي من قوة القبيلة ككل . فبوجود حكومة محلية غير فاعلة وإدارة أهليّة مجزأة، أصبح القادة الوطنيون أقل تأثيراً في مجمعاتهم، ما جعل التعايش الاجتماعي بين مختلف المجتمعات في المنطقة أكثر صعوبة.

    وعبر تقسيم الإدارات الأهليّة إلى فروع، أحلّت الحكومات طاقماً جديداً من القادة الأوفياء لحزب المؤتمر الوطني بدل القيادة التقليدية المنتمية إلى حزب الأمة. وسهل ذلك إنشاء أولى مخيمات تدريب قوات الدفاع الشعبي في جنوب كردفان . غير أن الكوادر معدومة الخبرة لم تنجح في تأمين الإرشاد على المسائل الأساسية التي تطال القبائل مثل حل النزاعات ومكتسبات السلام وتشاطر الثروة النفطية. بعد اتفاقية السلام الشامل، بدأت القبائل التي تبحث عن مزيد من التوجيه تتطلّع إلى القادة التقليديين لتجدهم منهمكين في محاولة تثبيت بقائهم السياسي مع حزب المؤتمر الوطني على رغم ادعائهم ما تبقى من الولاء لحزب الأمة . لكن بعض أفراد مسيرية يؤكدون أن أزمة أبيي المندلعة أواخر العام 2007 وازدياد المخاطر التي تتهدد معيشتهم جراء احتمال انفصال الجنوب، تشكل عوامل محتملة لتقريب صفوف الإدارة الوطنية في مسيرية المنقسمة على ذاتها .

    حيث عملت مسيرية مع حزب المؤتمر الوطني في خلال الحرب، نظر إليهما العديد من أفراد الحركة الشعبية لتحرير السودان على أنهما كيان واحد. وتصر مسيرية على أنها لم تقاتل لمصلحة حزب المؤتمر الوطني بل لصون بقائها، بيد أن مصالحها تطابقت مؤقتاً مع مصالح الحزب الحاكم. وبحسب أعضائها، على رغم دعمهم وحدة السودان كما ورد في اتفاقية السلام الشامل، إلا أنهم يختلفون على نقطتين: بروتوكول أبيي، وحلّ ولاية كردفان الغربية. ويدعي العديد من شباب مسيرية مدعومين من قادة المجتمعات النافذين، أن النخب التي ذهبت إلى نايفاشا للتفاوض حول اتفاقية السلام الشامل تبنت جدول أعمال حزب المؤتمر الوطني من أجل المحافظة على مواقعها بدل الدفاع عن الشؤون القبليّة .
    وتتهم مسيرية حالياً حزب المؤتمر الوطني باستغلالها في الحرب وإهمالها فور عودة الاستقرار. وكان من المقرر أن يُستتبع توقيع اتفاقية السلام الشامل ببرامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الاندماج، لكن عوضاً عن ذلك، أفيد عن وقف الدعم لميليشيات مسيرية في غياب أي مساعدة حول نزع السلاح أو إعادة الاندماج. وتفتقر الإدارات الأهلية للقدرة على إعادة دمج المقاتلين، لإن الموارد التي أعطيت لها خلال الحرب لم تعد متوفرة . ومع توقف حزب المؤتمر الوطني عن دعم قادة القبائل والميليشيات وامتناعه تنفيذ وعود التنمية، بدأت شكاوى الميليشيا المقاتلة ضد الخرطوم تتزايد .
    تشكل نسبة البطالة المرتفعة وغياب الماشية والمسؤوليات العائلية والانتساب في الماضي إلى قوّات الدفاع الشعبي بيئة مشجعة على التعبئة. ولقد التحق بالجيش الشعبي لتحرير السودان عام 2007 أكثر من 14000 رجل من مسيرية من قوات الدفاع الشعبي في ديباب بمن فيهم بعض قادة القبائل، ونالوا مناصب ورواتب عالية. في الواقع، حل ذلك مكان برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الاندماج. بحسب بعض هؤلاء الرجال، كان حاكم ولاية الوحدة تعبان دانغ يؤمن لهم الطعام والمستلزمات الأخرى. لكن الحركة الشعبية لتحرير السودان لم تتمكن من تسديد رواتب المجندين الجدد، فأقنع حزب المؤتمر الوطني العديد منهم بالعودة إلى صفوفه عبر تقديم حوافز مالية. وتالياً، تم تفكيك مخيم الحركة الشعبية لتحرير السودان في ديباب فيما تم نشر بعض المجندين الذين بقوا مع الجيش الشعبي لتحرير السودان على طول حدود العام 1956 .
    تدعي قبيلة مسيرية أن معظم هؤلاء المقاتلين لا يشكلون تهديداً لها. وقال قائد كبير في مسيرية "يحتاج شبابنا للعيش لكنهم لن يقاتلوننا أبداً. لهذا السبب عاد منهم الكثيرون عندما تفاقمت ومشكلة أبيي لدعم مجتمعاتهم" . وبالنظر إلى إهمال حزب المؤتمر الوطني وإمكانية انفصال الجنوب، يبدو أن قبيلة مسيرية تعي أكثر من ذي قبل الحاجة للاتحاد كقبيلة، والتكلم والتصرف في تضامن. وبهذا أُثيرت مسألة مصالحة القادة المحليين والنخبة في الخرطوم. لكن لشباب المسيرية المثقفين مقاربة مختلفة؛ إذا بقيت مظالمهم بلا حل، قد يلجأون إلى التعبئة العنيفة.
    ب. ولادة الحركات الشعبيّة المعارضة
    قام شباب مسيرية المثقفون بالتأسيس لمنتديات جديدة طالبوا فيها الحكومة المركزية بالتحرك على الفور. وعندما اتخذ القرار بحل كردفان الغربية في أيار/ مايو 2005، أرسلت الخرطوم سلمان سليمان (بديلاً عن الحاكم الطيب عبد الرحمن مختار) لتولي حماية النظام . ولدى وصوله إلى الفولة، لوقي بالمظاهرات. واحتلّت مجموعات شابة المنصة لمنعه من الكلام. بعدئذ، أرسلت الحكومة الحاكم السابق مختار ليُعيد الهدوء. وفور لقائه قادة شباب، سرت الشكوك حول تواطؤ البعض مع حزب المؤتمر الوطني. وتم تعيين شخصية بارزة هي حميدان علي حميدان كمفوض لمدينة دار السلام، ثم تم نقله إلى مكتب الرئاسة كمفوض . وضخّ حزب المؤتمر الوطني مبالغ ضخمة من المال –قيل إن بعضه لم يُحتسب بدقة- بهدف المناصرة. وبدأت المشاريع تنفذ مباشرة من مكتب الحاكم بدل أن تمرّ عبر الوزارات المعنيّة .
    حُلّت الولاية رسمياً في 20 آب/ أغسطس 2005. بعد تسعة أشهر، أي في أيار/مايو 2006، بدأت حركة شمم ترصّ صفوفها . وهي تتخذ من دار مسيرية (أرض مسيرية) ومن ضمنها أبيي، منطقة لعملياتها، وتطرح المشاكل على نحو تحليلي يهدف إلى إشراك الحكومة المركزية بطريقة بناءة، وإلى طلب الحصول على رد مقنع وتفادي المواجهات المسلحة. وقد فصّلت مذكرة قدمتها الحركة وبلغت نافع علي نافع (مساعد الرئيس، ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني للشؤون التنظيمية والمسؤول عن ملف دارفور) اثني عشر مطلباً حول التنمية وآراء حول أبيي وأعطت الخرطوم 30 يوماً للرد.
    وعندما لم ترد الحكومة، نظمت حركة شمم عصياناً مدنياً في الفولة في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2006. وتحت شعار "يوم الحداد" في إشارة إلى إهمال حزب المؤتمر الوطني لمسيرية، عطل أعضاء القبيلة المصارف والمراكز العامة والأعمال الخاصة وأسسوا المجموعة كقوة يجب أخذها بعين الاعتبار . وقد ربطت المخابرات وأجهزة الأمن شمم بـ"طورا بورا" وهو الاسم المستخدم لوصف التمرد في دارفور. واتهمت شمم بالتخطيط لتوسيع التمرد ليطال الولاية مستهدفاً حقول النفط وخطوط أنابيبه. وفي بداية العام 2007، أرسلت الحكومة وفداً من نخبة مسيرية لتهدئة الوضع الذي رأت فيه انتفاضة قبلية وليس مسألة سياسية . واجه الوفد الشعب في لقاوة وبابانوسا والفولة والمقلاد، لكن لجان الشباب بقيادة شمم أحبطت المبادرة عبر تنظيم منتديات مضادة.
    مع تلقي مجموعات الشباب الدعم، أرسلت الحكومة مبعوثاً رئاسياً هو الدرديري محمد أحمد . سلمه قادة الشباب مطالبهم بما فيها ترتيب اجتماع مع الرئيس. فنظم المبعوث زيارة للرئيس البشير في حزيران/يونيو 2007، قدم فيها وعوداً صريحة بالتنمية بما فيها تطوير الطرقات ومحطات توليد الطاقة . كما أوعز إلى الحكومة بتشكيل هيئة تنمية كردفان وطلب من الشباب إعداد لجنة للمتابعة . لكن بعد مضي تسعة أشهر، شعر الشباب أن مطالب قليلة تحققت وطالبوا بحل اللجنة. رد الرئيس طالباً منهم إعادة هيكلتها. فوافقوا لكنهم قارنوا تطوّر منطقتهم بمشاريع سريعة في الشمال (على سبيل المثال في ولاية النيل) مؤكدين أن حزب المؤتمر الوطني قد خذلهم. وقال قائد شاب لمجموعة الأزمات "لقد أنفق حزب المؤتمر الوطني الكثير من المال على الشعب الذي لم يقاتل في الحرب [أي شعب ولاية النيل والولايات الشمالية] بينما نحن الذين حاربنا، لم نتلق سوى الوعود الكاذبة ."
    التحق الشباب من مختلف الأحزاب السياسية بالحركة التي تحمل اليوم اسم شباب. وأصبحوا بهذا أطرافاً أساسيين في مواجهة مشاكل المنطقة لا بل أصبحوا يختبرون مدى التحامل الذي يتعرض إليه الشباب من قبل السياسيين في حزب المؤتمر الوطني وحزب الأمة وقادة الإدارة الوطنية على حد سواء. وفي 16 أيار/ مايو 2006، نظموا مؤتمراً ضم أعضاء شمم وشكلوا مجلساً من خمسين عضواً يمثلون أهم مدن المنطقة وبلداتها الكبرى. تتلقى الحركة الدعم من مختلف الأطياف السياسية ولا سيما الأعضاء السابقين في حزب المؤتمر الوطني وحزب الأمة والحزب الشيوعي. وتدعي الحركة أنها تسعى لمواجهة احتياجات شعب مسيرية وحقوقه وقد بدأت العمل مع المجتمعات في المدن الكبرى في جنوب كردفان مثل الفولة وبابانوسا والمقلاد .
    يعتقد قادة شباب أن المنافع بدأت تقطر شيئاً فشيئاً إلى المنطقة، على سبيل المثال لم يبدأ بناء الطرقات –من الدبابات إلى الفولة- وحفر الآبار لاستجرار مياه الشرب وتشييد محطات طاقة لولا مواجهتهم الحكومة وقدرتهم على التفاوض مع كبار النخبة والمسؤولين. وبدأوا يحظون بقبول مجتمعاتهم وميليشيا قوات الدفاع الشعبي ومن الممكن أن يصبحوا القادة المحليين الجدد في كردفان الغربية فيحلوا مكان المدراء والنخب التقليديين. فهم مثقفون ويجيدون الكلام ويفهمون السياسة المركزيّة. ويعتبرون أنهم يستطيعون قيادة شعبهم نحو مواجهة مشاكلهم أكانت أبيي أو تقاسم عائدات النفط أو التعويض عن الضرر البيئي الذي أحدثته انسكابات النفط وبناء خط الأنابيب.
    غير أنه في المرحلة التي تلت المؤتمر والعصيان المدني في الفولة عام 2006، نشبت خلافات في قيادة شباب حول النهج الواجب إتباعه. فقد اعتقد العديد أن المزيد من الحوار لن يؤدي إلى النتيجة المرجوة من الخرطوم . في المقابل، أراد البعض الآخر زيادة خياراته لتتضمن استخدام القوة. في بداية العام 2007، أدت اجتماعات سرية عقدت بين حركة شباب وبين قادة شباب من مسيرية في قوات الدفاع الشعبي إلى الاتفاق على أن تشكل الأخيرة جناح الحركة العسكري. لكن ذلك لم يترجم تحركاً عنيفاً .
    يشكك بعض القادة المحليين التقليديين بالحركة. فهم يعتبرون أن شمم تواجه المسائل الإقليمية على نحو بناء من دون مناصرة القوة، لكنهم يعتقدون أن بعض قياديي شباب يميلون إلى العنف . وفيما يعترفون أن شباب وشمم قد كسبا معاً ولاء العديد من مسيرية، إلا أنهم قلقون من أن تتصرف القبيلة الأخيرة بشكل مستقل وتسعى إلى أخذ الأدوار الجديدة، ما يعني المزيد من التفكك في مسيرية. وهم يشككون في وجود روابط بين بعض عناصر شباب ومجموعات الثوار في دارفور ويخشون بالتالي إمكانية انتقال التمرد إلى كردفان الغربية بالتنسيق مع حركة العدل والمساواة .
    ولكنّ أزمة أبيي جمعت بين شباب والإدارات الأهليّة في التفافة حول الحاجة إلى توحيد قيادة مسيرية بعيداً عن تأثير حزب المؤتمر الوطني أو ثوار دارفور. غير أن مسؤولين كبار في إدارة مسيرية الأهليّة يقولون إنه إذا واصلت الخرطوم تجاهلها مطالب الحصول على حصة متساوية من المشاريع التنموية ولم تحل مسألة أبيي، فلا ضمانة تردع حركة شباب مدعومةً بقوات الدفاع الشعبي من حشد قبيلة مسيرية ضد حزب المؤتمر الوطني .
    في منتصف العام 2007، حاولت حركة شباب مواجهة النزاع بين قبائلها وبين قبيلة نغوك دينكا في أبيي من خلال نشاطات ثقافية واجتماعية مشتركة. فكان يفترض أن يقوم شباب مسيرية من مقلاد وفولة بزيارة بلدة أبيي وقرى أخرى تابعة لدينكا لأداء الرقصات والمشاركة في الألعاب الرياضية، على أمل أن يُسهم ذلك في ردم الهوة وتعزيز التعايش الاجتماعي. غير أن هذه النشاطات لم تنعقد لأن نغوك دينكا شككت بحركة شباب.
    بحسب تقرير أعدته وكالة مساعدة دولية ولم تنشره، يعتقد أفراد نغوك دينكا أن بني مسيرية عجيرة لم يدعموا جهودهم للعودة إلى ديارهم بعد اتفاقية السلام الشامل. وأكدوا أنه إذا ما أرادت قبيلة مسيرية تحسين العلاقات بالفعل، يتعين عليها أولاً كبادرة حسن نية، مطالبة الحكومة المركزية بإنشاء إدارة تمكن أبيي من الحصول بالمساواة على الموارد . ولا يمكن بناء التعايش الاجتماعي بين مجموعات نغوك دينكا ومسيرية في المنطقة إلاّ إذا وافق الطرفان على التعايش الذي يعتمد بدوره على التسوية السياسية النهائية في أبيي وعلى موافقة ممثليهم القبليين على إجراء المحادثات. غير أن الأزمة التي اندلعت في مدينة أبيي في أيار/مايو 2008 بين الجيش الوطني بدعم من ميليشا قوات الدفاع الشعبي والجيش الشعبي لتحرير السودان وتجدد تهجير نغوك دينكا زادت بلا أدنى شك من حدة العداء بين القبيلتين والذي كان موجوداً منذ الحرب.

    . IV الوقاية من تجدد النزاع
    تسبب حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان من خلال التلاعب بالانشقاقات الإثنيّة وإتباع تكتيكات فرّق تسد، بإضعاف السلم الاجتماعي الذي كان قائماً ذات يوم في ولاية كردفان الجنوبيّة بين المسلمين وغير المسلمين وبين العرب وغير العرب . ومن السبل المتبعة لرأب الصدع، حمل حكومة الوحدة الوطنيّة على تطبيق بروتوكول اتفاقيّة السلام الشامل الرامي إلى إقامة حوار تشاركي في كردفان الجنوبيّة بين أبرز القبائل بهدف التوفيق بين المصالح والطموحات. ولكنّ الوقت ضيّق، وتبدر الحاجة إلى تحقيق تقدّم ملموس بشأن الدمج والإصلاح أقلّه قبل عقد الانتخابات الوطنيّة وما تحمله في طيّاتها من مخاطر تقاطب.
    تُشكّل ولاية جنوب كردفان جزءاً مما يُعرف بحزام السافاناه ، الذي يتميّز بتفاعل إثني بين العرب والنوبة، والعرب والجنوبيين، والنوبة والجنوبيين. وتقيم هذه المجموعات تبادلات اجتماعيّة واقتصاديّة وتترابط معيشتها في ما بينها، وهي تتشارك مصالح مشتركة ومتنافسة. ولقد ترتب عن الحرب الطويلة شكاوى متراكمة تجلّت عن طريق هويّات عرقيّة وإثنيّة – عرب في وجه أفارقة – كما هي الحال في نزاع دارفور. كما فشلت الحكومات المتعاقبة في معالجة المشاكل ولا سيّما نظام حزب المؤتمر الوطني في خرطوم والذي تسبب على العكس بتشدد العنصريّة في وجه العروبة والإسلاميّة.
    ولا زالت هذه الهوّة العرقيّة تمثّل خطراً فعليّاً يتهدد وجود السودان الذي أخفقت حكومة الوحدة الوطنيّة في معالجته. وليس شركاء هذه الحكومة من حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان متمسكين تمسكاً شديداً بمبادئ اتفاقيّة السلام الشامل سيّما في ما يخصّ التحوّل الديمقراطي والمصالحة وهما ركيزة فضّ النزاع والتعايش السلمي بين مجموعات كردفان الجنوبيّة. وينجم عن هذا تصدّع الثقة التي توليها هذه المجموعات لكلا الحزبين بهدف السير بجدول أعمال السلام إلى أبعد من المصالح الحزبيّة. وما لم يُقابل هذا التخوين بردٍّ عكسي فقد يُفضي إلى فشل اتفاقيّة السلام الشامل. وكانت كردفان الجنوبيّة في الخطوط الأماميّة في أثناء الحرب؛ وها هي اليوم في الخطوط الأماميّة لعمليّة بناء السلام والمصالحة.
    وعليه، يُعدّ استقرار المنطقة شرطاً أساسيّاً إذا أُريد للسودان أن ينعم باستقرار أكبر. ويُذكر هذا الوضع بدارفور عشيّة اندلاع النزاع. ويُعدّ الفشل في تطبيق أحكام اتفاقيّة السلام الشامل للمناطق الانتقاليّة أي كردفان الجنوبيّة، النيل الأزرق، وأبيي، سبباً يُقوّض مصداقيّة اتفاقيّة السلام بين الشمال والجنوب كإطار عمل منطقي لتسوية نزاع دارفور وغيره من النزاعات المماثلة القائمة على حدود العام 1956.
    أ. إعداد المشاورات الشعبيّة
    يُرسي البروتوكول حول فضّ النزاع في ولايات جنوب كردفان/جبال النوبة والنيل الأزرق عمليّة تشاور شعبي يُمكن من خلالها التعبير عن الآراء بصورة ديمقراطيّة ومعالجة الشكاوى. وينصّ البروتوكول على ضرورة عقد التشاور بعد الانتخابات العامة المرتقبة عام 2009 والتي قد تبدر الحاجة إلى تأجيلها حتّى العام 2010. تنصّ المادة 3. 3 على واجب أن يقوم المشرّعون المنتخبون بإقامة لجنة تقييم برلمانيّة تنظر في تطبيق البروتوكول وتُعدّ تقريراً بعد مضي عام على الانتخابات. ولن يصدر التقرير على الأرجح قبل سنة من نهاية الفترة الانتقاليّة عام 2011. كما أدّى التأخير في التطبيق إلى إحباط النوبة بدرجةٍ أكبر واستبعاد إمكانيّة أن يُثمر البروتوكول والمشاورات الشعبيّة نتائج إيجابيّة مثمرة.
    ولكنّ المشاورات الشعبيّة تمثّل فرصة ذهبيّة تُمكّن سكان كردفان الجنوبيّة من وضع جدول أعمال خاص بهم في ما يخصّ المفاوضات مع خرطوم، ومن مقارباتها إمكانيّة إعادة التفاوض بشأن الحكم الذاتي. و لا يُبدي الكثير من النوبيين تفاؤلاً حيال العمليّة نتيجة إشراك المواقع التي يسيطر عليها عرب في الولاية بعد حلّ كردفان الغربيّة. كما يشعرون بأنّهم تحت رحمة حزب المؤتمر الوطني وتلاعبه بالتعداد والسبيل الوحيد الذي يضمن لهم مصالحهم هو الفوز بغالبيّة معقولةٍ في الانتخابات ولا سيّما في المجلس التشريعي. ويرى أنصار الحركة الشعبيّة لتحرير السودان ومؤيدوها أنّ الحزب سيفوز بالغالبيّة في المجلس التشريعي على الرغم من الفتور الملحوظ حيال الحزب، ولا سيّما بين صفوف قبائل النوبة. وتحتاج الحركة الشعبيّة لتحرير السودان بأن تعترف بعدم وجود قاعدةٍ تخوّلها أن تجمع القبائل المختلفة في الولاية لتعالج مشاكلها وأهدافها.
    وعليه، من الأهميّة بمكان أن يستعد سكان الولاية للتشاور عن طريق وضع جدول أعمال مشترك. وتحتاج المجتمعات المحليّة المنقسمة سياسيّاً لأن تحرص على خدمة مصالحها عبر التوفيق بين الاختلافات والطموحات واستخدام موارد مشتركة حتّى في حال انفصال الجنوب عام 2011. ويتعيّن على مجتمعات كردفان الجنوبيّة أن تتحاور بشأن المبادئ المتعلّقة بالتعايش السلمي لاستكمال البروتوكول. وفي غياب جدول أعمال مشترك، لن تتمكن أي من المجموعات من الإفادة من عمليّة التشاور الشعبي.
    ويجب على الولاية الجديدة أن عقد حواراً شاملاً يضمّ جميع نواحي كردفان الجنوبيّة ويُشرك ممثلين عن القبائل كافةً، حوار يُصادق عليه المجلس التشريعي ويُعبّر عن الأهداف الأوليّة لعمليّة التشاور المحتملة. ويجب على جدول الأعمال هذا أن يتضمن: تحديد مواطن قصور اتفاقيّة السلام الشامل، كما جاء في المادة 3. 6؛ تحديد المبادئ التي توجّه عمليّة التشاور؛ مناقشة عمليّة التأسيس لآليّة نظاميّة على مستوى الولاية تكون مشابهة لمفوضية السلم لجنوب السودان المعنيّة بفضّ النزاعات القبليّة سيّما في ما يخصّ استخدام الأرض وطرق ترحال القطيع؛ والأهم، تحديد المبادئ الأساسيّة التي توجّه عمليّة تأسيس لجنة أراضي الولاية.
    ب. خطة عمل لبناء السلام
    تفادياً لتردّي الوضع وتأزمه، لا بدّ من اتخاذ تدابير ملموسة تترجم مكاسب السلام فوراً على الأرض. ففي غياب حكومة فعّالة ومقبولة في الولاية، تكون قادرةً على التوفيق بين مطالب المواطنين، ستُترك إدارة الأمن في عهدة ميليشيات غير مسؤولة أو بين يدي المجتمعات المحليّة نفسها. ويجب على حكومة الوحدة الوطنيّة ولا سيّما الجيش الوطني والجيش الشعبي لتحرير السودان المسارعة إلى دمج المقاتلين في وحدات الدمج المشتركة بموجب اتفاقيّة السلام الشامل وتدعيم هيكليّة القيادة. ومن المهم بالدرجة نفسها، أن تقوم الحكومة بتوفير الأموال للبدء في عمليّة نزع السلاح والتسريح وإعادة الإندماج. كما يجب تسريع الدمج الإداري وإنشاء لجنة خدمة مدنيّة لضمان توظيف الموظفين الماهرين والمؤهلين دون سواهم.
    ويتعيّن على حكومة الوحدة الوطنيّة أن تُحمّل أعضاء حكومة ولاية كردفان الجنوبيّة مسؤوليّة الفساد المتفشي بما في ذلك على أعلى المستويات حيث تختلس الأموال المخصصة لتدعيم مكتسبات السلام. وتحتاج الولاية لقيام لجنة مكافحة الفساد ناهيك عن إطار عمل تشريعي وتنظيمي لمكافحة الابتزاز. ويُعدّ تزويد المنطقة بموارد منصفة وعلى فترةٍ طويلةٍ شأناً حاسماً إذا أُريد للشعوب أن تشعر بالأمل. ويجب على الخرطوم أن تُسارع إلى صرف نسبة 2% المتراكمة من عائدات النفط وأموال صندوق إعادة التأهيل والتعمير لشعوب مسيريّة ولحكومة ولاية كردفان الجنوبيّة لتسريع عمليّة التنمية.
    وتأسست في غرب الولاية هيكليّات حكوميّة ولجان شعبيّة بهدف رصد وجهة صرف هذه الأموال واستخدامها، في حين لم تحظََ أبيي بإدارة مماثلة، ولم تتأسس إدارة قادرة على توزيع الأموال في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان. وبهدف تسريع تدفق مدخلات مماثلة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان، يجب على شركاء الحكومة الوطنيّة المسارعة إلى إقامة لجنة مشتركة قادرة على الإفادة منها كما يجب عليها العمل عن قرب مع مؤسسات الحكومة لتحديد أكثر المناطق استضعافاً، وللحرص على التخطيط المناسب وعلى مشاريع توزيع مكتسبات السلام.
    ومع أنّ حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان توافقا على تخصيص 75% من الصندوق الوطني للتنمية وإعادة التعمير إلى المناطق الانتقاليّة، بما في ذلك كردفان الجنوبيّة، لم تنفق في الولاية غير مبالغ زهيدة. ولعلّ رفض الجهات المانحة دعم الصندوق ما لم تعالج أزمة دارفور، قد صعّب البحث عن الأموال لتطبيق مشاريع توزيع مكتسبات السلام في الولاية. ولقد ساهمت المساعدة الإنسانيّة ومشاريع التنمية على محدوديّتها في تحسين وضع مجموعات صغيرة وإنقاذ حياة الكثيرين ولكنّها ترتكز في معظمهم على أهداف قصيرة الأمد. وما أن تقوم آليّات محاسبة أساسيّة، حتّى يجب على الجهات المانحة إيجاد مشاريع سريعة التأثير في الولاية الجديدة.
    أمّا في ما يتعلّق بعمليّة إعادة التأهيل والتعمير، فيجب إشراك الجهات المسؤولة كما السكان لتحديد التوقعات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. ولهذا يجب أن يتوفّر المزيد من التمويل وأن توافق جميع الأطراف على سياسة تنموية في الولاية الجديدة. وأمّا الخطّة التي رفعتها حكومة الولاية لدمجها في الخطّة الإستراتيجيّة الوطنيّة الخمسيّة فهي نتاج عمل مكتبي ولا تتعدّى كونها مجموعة مستندات وبيانات قديمة تتضمن توصيات العام 2005 الصادرة عن بعثة التقييم المشتركة والتي أجرتها الحكومة المركزيّة ومنظمة الأمم المتحدة عام 2006. وأورد تقرير البعثة حاجات التأهيل وإعادة التعمير عبر السودان التي لاقت مصادقة البرلمان الوطني. ومع أنّ حكومة الولاية أوردت في خطتها توصيات حول كردفان الجنوبيّة، إلاّ أنّها لم تتضمن في المقام الأوّل مناطق الحركة الشعبيّة لتحرير السودان. ولا زالت الخطّة بحاجة إلى تنقيح يستند إلى تشاور شامل وتشاركي ومجتمعي.
    وسلكت التجاذبات، رغم سلبيّتها، مسلك المنطق العنيف، عندما لجأت إليها جميع الأطراف في خلال الحرب لحشد الدعم، ولكن في حقبة بناء السلام، يجب على حزب المؤتمر الوطني بشكلٍ خاص وإنما أيضاً على الحركة الشعبيّة لتحرير السودان الكفّ عن مثل هذه الممارسات. ويجب على الطرفين أن يُشجعا على بناء الحوار، في أسرع وقتٍ ممكن، بين قبائل النوبة وبين النوبة العرب المقيمين في جبال النوبة من أجل تحديد أولويّات مشتركة ترمي إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة وتشجيع حكومة الوحدة الوطنيّة على تلبية الحاجات والتوقعات الوطنيّة. ومن شأن حوار مماثل ينعقد قبل الانتخابات أن يُرسي دعائم عمليّة تشاور ناجحة لحقبة ما بعد الانتخابات. ويُرجح في خلاصات عمليّة لا تُهمين عليها أجندات الأحزاب أن تكون الأكثر استدامةً.
    وفي المنطقة العديد من التجارب المستقاة من مؤتمرات قبليّة سابقة انعقدت لفضّ الخلافات بين النوبة والعرب، وعجيرة ونغوك دينكا. ويجب على قادة الإدارة الأهليّة، والمنظمات الشبابيّة (شمم وشباب)، والنخب والشخصيّات المثقفة في كلا المنطقتين، تشجيع شعوبها على العمل معاً في سبيل المصالحة والتعايش السلمي، أولاً بهدف مجابهة الجهود الحزبيّة الرامية فقط إلى الفوز بالانتخابات وثانياً بهدف المساهمة في السلم الاجتماعي.
    ويجب على بعثة الأمم المتحدة في السودان، مراجعة العمليّة في جبال النوبة لتعزيز قدرتها على الوقاية من النزاعات القبليّة والمشاركة بصورةٍ فاعلةٍ في إرساء نظام إنذارٍ مبكر للوقاية من النزاع مع ممثلين عن الشرطة الوطنيّة والإدارة الأهليّة. ويجب عليها أن تدعم عمليّة نزع السلاح والتسريح وإعادة الإندماج في الولاية. وإذا بدت القيادة المحليّة عاجزةً عن تلبية مهمّة البعثة، وجب استبدالها. هذا ومن الملحّ أن تعمد الجهات المانحة إلى توفير الدعم الفني ضماناً لإعادة إندماج مناطق الحركة الشعبيّة لتحرير السودان اندماجاً إداريّة في حكومة الولاية. وتشكل عمليّة بناء السلام الناجحة في الولاية الجديدة ضرورةً لاتفاقيّة السلام الشامل ولتدعيم عمليّة السلام في السودان ككل. وهي تقتضي مزيداً من الدعم الدولي السياسي والمالي على حدٍّ سواء.
    .V خاتمة
    أهمل شركاء اتفاقيّة السلام الشامل ناحيةً مهمّةً لتحقيق السلام في السودان. وحيث أهلكتهم أزمتا دارفور وأبيي، وزاد عليهما التخوين المشترك، تركوا الظرف في ولاية كردفان الشماليّة ينزلق إلى شفير الهاوية. واستُخدم النوبة ومسيريّة كدمى في لعبة أكبر منهما. ومنذ التوقيع على اتفاقيّة السلام الشامل في العام 2005، تخّلى حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان عن حلفاء الحرب وبدلاً من الإيفاء بالوعود التي قطعاها في زمن الحرب – لا سيّما الحاجة الماسة إلى التنمية – تابعا جداول عمل وطنيّة على أمل أن تُحقق لهما الفوز في انتخابات 2009 أو 2010.
    ولقد ضاق بقادة نوبة ومسيريّة الاحتمال ونال منها الإحباط لما تُمارسه السلطة المركزيّة من تهميش ونظراً لغياب مكتسبات السلام. فبات حسبهما اللجوء إلى عصيان مسلّح في حال لم يُسارع قريباً إلى تلبية حاجاتهما. وإذا أخفق حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان في إيلاء المنطقة ما تستحقه من أهميّة، فقد يعود خمولهما ليُطاردهما شبحاً يُهدد استقرار المنطقة المنقسمة أصلاً. وتحتاج الوقاية من نزاعٍ جديد في كردفان الجنوبيّة إلى إدراجها بشكلٍ أساسي على جداول الأعمال الوطنيّة والدوليّة.
    خرطوم/نايروبي/بروكسل، 21 تشرين الأوّل/أكتوبر 2008K
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de