المبعوث الصيني في حوار مع الراي العام يقدم موقفا ضبابيا حول توقيف البشير

Quote: ربع قرن من الزمان قضاها الدبلوماسي الصيني (لي قوي جين) فى اضابير الشئون الافريقية، تخللها عمله سفيرا فى عدد من دول القارة السمراء. مما اهله لان يكون مبعوث بكين الخاص لازمة دارفور منذ مايو 2007م، ومنذ ذلك الوقت زار السودان خمس مرات، آخرها كان الجمعة الماضية بعد وصوله من واشنطون الى الخرطوم مباشرة. وطوال ثلاثة ايام من الاتصالات الدؤوبة، والمفاوضات الـ(لحوحة) نجحتُ فى فك شفرة تمنّع الرجل الذى طالما استعصم على اجهزة الاعلام. ورغم ان جدول اعمال المبعوث كان مزدحما الا انه افسح لنا نصف ساعة فقط، وبطبيعة الحال لم تكن كافية لطرح الكثير من الاسئلة. الا انها كانت كفيلة بتوضيح الموقف الصينى عن الكثير من الراهن السياسى، ولكن وفقا لروح الدبلوماسية الناعمة الاسلوب المفضل لبكين. الحوار الذي كان يجرى في السفارة الصينية سبق اعلان خبر مقتل الصينيين بسويعات قليلة. ----------- ? سعادة المبعوث تحدثتم فى زيارتكم هذه عن تقديمكم للحكومة السودانية جملة من المقترحات لتجاوز ازمة المحكمة الجنائية الدولية، ما هى هذه المقترحات؟ - هذه الزيارة تأتى للتباحث مع الجانب السودانى حول كافة القضايا الراهنة بما فيها ملف دارفور وما يتعلق أزمة المحكمة الجنائية. ليس لدى مبادرة محددة لاطرحها في هذا الخصوص. واتيت للتعرف على الاوضاع الجديدة فى دارفور، اضافة للاستماع لمقترحات الجانب السودانى بخصوص المحكمة الجنائية. كما اعربنا عن امل الصين فى اتخاذ الحكومة السودانية لمزيد من الإجراءات الايجابية. ? هل توضح طبيعة هذه الاجراءات التى تصفها بالايجابية؟ - يمكن اتخاذ قرارات عبر مبادرة اهل السودان تسهم فى بلورة آراء القوى السياسية لحل ازمة دارفور فى اسرع وقت ممكن. الامر الذى سيخفف الضغط ويسدل الستار عن ازمة الجنائية. كما نؤكد دعم الصين للمبادرة القطرية، لا سيما وان هذه المبادرة حظيت بدعم وتأييد من الاتحاد الافريقى وجامعة الدول العربية. وتشمل المبادرة القطرية وقف اطلاق النار، والمفاوضات السياسية مع الحركات المسلحة، وتحسين الاوضاع الامنية والانسانية بجانب اعادة تعمير ما دمرته الحرب فى اقليم دارفور. ونأمل ان تجلس حكومة السودان والحركات الى طاولة المفاوضات فى اسرع وقت ممكن. واود ان ارسل اشارة الى الحركات المسلحة بان الخيار العسكرى لن يجدى، ولا يمكن ان تحل ازمة دارفور الا بالمفاوضات والحوار السياسى، وتبادل الآراء حول اهتمامات ومصالح كل طرف. نحن في الصين ندعم الخيار السياسى. ? هذا ما على الحكومة ان تفعله، ما هي المساعدات التي يمكن ان تقدمها الصين؟ - نحن نرى ان اساس مشكلة دارفور هو الفقر ونقص الموارد الطبيعية، وفى سبيل ذلك اتخذنا سلسلة من اجراءات التعاون الاقتصادى والتجارى. ولا يقتصر هذا التعاون على مجال النفط بل يمتد لمجالات الزراعة وتحسين البنية التحتية ومحاربة الفقر. نحن على استعداد لزيادة هذا التعاون مع السودان لاحداث تنمية وتطور اقتصادى واجتماعى، وذلك لازالة اس الصراعات والنزاعات. ? ما زالت هناك بعض الدول ترى ان الحكومة يتعين عليها التسريع بنشر القوات الهجين، هل ترى الصين ان الحكومة تتباطأ في هذه العملية؟ - بالفعل نحن نقدر الجهود التى بذلتها الحكومة السودانية فى نشر القوات الهجين فى اقليم دارفور، ونشجع الحكومة على التعاون مع القوات الهجين واكمال نشر قواتها فى اسرع فرصة، والآن تم حل معظم العقبات التقنية المتعلقة بالبعثة، ولاحظنا ايضا ان هناك جنوداً لحفظ السلام وصلوا من بنغلاديش وتايلاند الى دارفور. ? هل ترى الصين ضرورة تطبيق مبدأ المحاكمات والمحاسبة قبل تحقيق السلام في دارفور، ام انها ترى الاولوية للسلام؟ - الصين تتفهم اطلاق نظام قانونى لمحاكمة ومحاسبة مرتكبى الجرائم فى اقليم دارفور، وقد بدأ التحقيق وجمع الادلة فى هذا الصدد، واعتقد ان الاتحاد الافريقى وجامعة الدول العربية يؤيدان هذا المسعى، والصين تدعم هذه الخطوات. ? ما هي طبيعة علاقة الصين مع الحركات المسلحة فى دارفور، فى ظل تحفظ بعض الحركات على الدور الصينى لتسوية الازمة؟ - العلاقات الصينية والسودانية تميزت بروح الصداقة منذ زمن طويل، وهذه العلاقة مع كل الشعب السودانى بما فيه شعب دارفور. وانا اؤكد ان الصين لا تكن اى مشاعر عداء للحركات السياسية، وهذه الحركات بطبيعة الحال جزء من ابناء الشعب السودانى. فقط نأمل فى ان تنضم الحركات للتسوية السياسية وعملية السلام. وان يتم تبادل الآراء بين مختلف الاطراف لتلبية مطالبهم عبر التسوية السياسية، ونحن نرغب فى انهاء معاناة اهل دارفور. ونطالب المجتمع الدولى بارسال اشارة واضحة ومتواصلة لجميع اطراف النزاع، تفيد بعدم جدوى الحل العسكرى، وضرورة اللجوء للحل السلمى. ? كيف تقيمون أداء القوات الصينية المشاركة فى العملية الهجين بدارفور؟ - كما تعلمون فان الصين هى اول دولة من خارج القارة الافريقية ترسل وحدات هندسية من ضمن قوات حفظ السلام قوامهم (315) فرداً. وقد أسهمت هذه الوحدات فى انشاء المعسكرات والمخيمات وحفر الآبار، مما حظى بتقدير الامم المتحدة والمجتمع الدولى. وهنا لابد من الاشارة الى ان هذه القوة حظيت بوسام، تقديراً لما قامت به من اعمال. وأود ان انوه الى انه عند وصول هذه القوة للاقليم وجدت عدم الترحيب من بعض الحركات. ولكن من جانب آخر هذه القوة اوضحت مدى جدية الصين كدولة كبيرة ومسئولة تسهم بفاعلية فى تحقيق السلام والاستقرار فى دارفور. ? الى اى حد يمكن ان تتأثر العلاقات السودانية الصينية فى حالة تأييد قضاة الجنائية لمذكرة التوقيف بحق الرئيس البشير؟ - نرى ان تطوير العلاقة بين بكين والخرطوم تتم بما يتفق والمصالح الآجلة والعاجلة للبلدين، ان كلا البلدين يستفيد من تعزيز هذه العلاقة الوطيدة. ان قضية المحكمة الجنائية لا تؤثر على العلاقات. ? ما هو موقف الصين بصورة قاطعة تجاه مسألة توقيف البشير؟ - ابدت الكثير من الدول والمنظمات الدولية رفضها لمذكرة اوكامبو، عبر اصدار اعلان مشترك. ان الصين تتفهم كل هذه المطالب السياسية. وتؤكد الصين على ضرورة ان تحظى هذه المطالب باهتمام واحترام المجتمع الدولى. وترى ايضا ان أية خطوة لا بد من ان تصب لصالح حل مشكلة دارفور، وتعزيز العملية السلمية فى الاقليم. ? لكن كيف تنظرون الى مذكرة توقيف البشير بصورة واضحة -اذا سمحت-؟ - اعتبر ان مذكرة توقيف الرئيس البشير سابقة خطيرة فى التاريخ ان يتم توقيف رئيس دولة ذات سيادة، وهذا بالتأكيد ليس فى صالح العملية السلمية فى دارفور. والصين ترى ضرورة الخروج بمعادلة تعزز العملية السياسية السلمية فى دارفور، وهذا بمثابة (وجود حريق فى منزل)، فالحاجة الملحة هى اخماد الحريق، وليس البحث عن هوية مرتكب هذا الحريق. ونحن نركز على إخماد النار اولا، وهذا لا يعنى اننا نغض الطرف عن إشعال النار. ? أيعنى هذا تحقيق السلام ومن ثم العدالة؟ - لابد من دفع العملية السياسية ونشر القوات الهجين كأولوية، اما بقية الخطوات والمبادرات فيجب ألا تدمر الجهود لبناء عملية سلمية فى دارفور. ? اذاً الصين تتجه لتجميد قرار المحكمة الجنائية؟ - هناك بعض الافكار لتجميد القرار من الاتحاد الافريقى والجامعة العربية، ولكن حتى الآن لا توجد دولة او منظمة تطرح مشروع القرار رسميا على الامم المتحدة. وهنا لابد من الاشارة الى ان الحكومة الصينية تدعم أية خطوة لإحلال السلام وتحسين الأوضاع الانسانية والامنية باقليم دارفور. هناك مجهودات ايجابية لحل ازمة الجنائية، وهذه الدول فى حالة تشاور للخروج بأنجح السبل الفعالة لتجاوز الازمة. ونأمل جميعا فى الهبوط الناعم من هذه الازمة، بما لا يشكل عوائق او تشويشاً حول تسوية قضية دارفور. ? ما حقيقة الدور الصينى تجاه مذكرة اوكامبو؟ - اود ان اشير الى ان الصين قامت بمجهودات دؤوبة لتجاوز ازمة الجنائية، وقد اجرينا عدداً من المشاورات والاتصالات مع عواصم غربية كبرى (باريس، لندن، واشنطون)، وكل هذه المساعى لتفادى اى نوع من العراقيل للعملية السلمية بدارفور. وفى ذات الوقت لاحظنا ان السودان اتخذ عدة خطوات واتصالات دبلوماسية فاعلة فى ذات الصدد. ? يطرح البعض تساؤلا عريضا حول عدم استخدام الصين لحق النقض (الفيتو) لايقاف القرار (1593) فى مجلس الامن قبل صدوره، اسوة بما حدث لصالح موغابى؟ - خلال التصويت للقرار فى مجلس الامن امتنعت الصين عن التصويت، واعربت حينها عن معارضتها الواضحة لتدخل المحكمة الجنائية فى الشئون السودانية دون موافقة الخرطوم. ونحن نشدد على ضرورة الالتزام باحترام وحدة وسيادة السودان، علاوة على الحصول على موافقة الخرطوم فى اى خيار للتسوية. ونحن بصفتنا دولة كبرى ومسئولة نؤكد تعاوننا مع الإطراف كافة لحل هذه القضية. ? وهل يمكن استخدام الفيتو لاحقا؟ - فى المستقبل ستتخذ الصين موقفها حسب مبادئها وروح التعاون مع الاطراف كافة، وفى سبيل النظر لقضايا النزاعات فى افريقيا حسبما ما هو على حق. ? لعبت الصين دورا كبيرا فى ابعاد كوريا الشمالية من لائحة الدول الراعية للارهاب، الى أي حد يمكن لعب ذات الدور على صعيد الملف السوداني؟ - نعم ان الصين بذلت جهدا كبيرا بالتعاون مع الدول الاخرى من خلال المباحثات السداسية لحل مشكلة الملف النووى الكورى، وقد احرزنا تقدما كبيرا. غير ان هناك اختلافاً فى اسس المشاكل والازمات بكل منطقة من العالم، فالقضايا المختلفة لها حلول مختلفة وبطرق مختلفة ايضا. اما على صعيد السودان فاننا سنواصل بذل الجهود لحل الازمات العالقة. ? الى اى حد يمكن الاستفادة من الشراكة الافريقية الصينية بصورة عامة، والسودان والصين بصورة خاصة؟ - شهدت العلاقات الصينية الافريقية فى السنوات الاخيرة تطورا لافتا وسريعا، وازداد التعاون بين الجانبين فى مختلف المجالات. وقد اصبح منتدى بكين اطاراً فعالاً لتعزيز التعاون بصورة جيدة. وتحافظ العلاقات الصينية السودانية على تميزها وتطورها، ومن المؤكد استفادة البلدين من هذه العلاقة بما يخدم مصالح البلدين. خاصة ان التعاون بين البلدين لا يقتصر على مجال النفط فقط بل يمتد الى مجال الزراعة. والصين على استعداد لمساعدة الأصدقاء فى إفريقيا وخاصة السودان على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق أهداف الألفية وذلك بنية صادقة. خاصة ان الصين ليست لها مصالح خفية. ? فى ظل عجز عالمى فى مجال الطاقة والغذاء، نجد ان التعاون السودانى الصينى يثير حفيظة البعض، مما يتسبب فى ضغوط على الجانب السودانى؟ - العلاقات السودانية الصينية قطعت شأواً بعيداً فى مجال التعاون وتبادل المنافع،وانا احب ان اؤكد بأنه لن تنجح أية محاولة مهما كانت فى تشويش العلاقة بين البلدين الصديقين.