حديث الأربعاء مع يوسف كوَّة مكِّي (1 من 3) د. عمر مصطفى شركيان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 08:35 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة خالد كودى(Khalid Kodi)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-28-2006, 08:35 PM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حديث الأربعاء مع يوسف كوَّة مكِّي (1 من 3) د. عمر مصطفى شركيان (Re: Khalid Kodi)

    خلاصة

    وفي مختتم النَّدوة يمكننا تلخيص أهمَّ ما جاء في محاضرة القائد الضَّيف يوسف في عدة نقاط، وهي: أزمة الحكم في السُّودان، مشكل الهُويَّة السُّودانيَّة، مسألة الدِّين والسياسة، التنمية غير المتوازية، تهميش الأقاليم في الخدمات الاجتماعيَّة والصحيَّة والتَّعليميَّة، التَّذويب الثَّقافي القسري في ثقافة أحاديَّة (عربيَّة-إسلاميَّة)، عدم الاعتراف بالقوميات الوطنيَّة الأخرى، فقدان تكافؤ الفرص، وغياب الدِّيمقراطيَّة والتعددُّيَّة الحزبيَّة. ولكي تسود الدِّيمقراطيَّة الحقيقيَّة ينبغي الاعتراف بالتعدُّديَّة الثَّقافيَّة والدِّينيَّة والإثنيَّة، والارتقاء بالقطاعات الفقيرة وتحسين ملامح المجتمع السُّوداني حتَّى لا يشعر أولئك المساكين وهؤلاء الكادحون بأنَّهم غرباء في وطنهم، ولكي نبدِّل خوفهم أمناً. وليس إلى الإصلاح الاجتماعي من سبيل إلاَّ إذا وُجِدت الأداة السياسيَّة الصَّالحة التي تستطيع أن تنهض بعبئه وتنقذه من مشكلاته؛ فهل ترى أنَّ السُّودان قد ملك أداة سياسيَّة صالحة تمكنها من محاولة هذا الإصلاح؟ هذا سؤال يستطيع أن يجيب عليه أي سوداني. كما ينبغي التَّركيز على تقييد السلوك البربري عند أهل الحكم، وتشجيع الخصال القويمة والقيم الإنسانيَّة. إذ أنَّ الاستمرار في المفاصلة بين فئات الشَّعب السُّوداني قد تساعد في تباعد انعدام الثِّقة بين الشمال السياسي والجنوب الجغرافي، والمركز المسيطر والغرب المغلوب على أمره، والشَّرق المهمَّش والشمال القصي المهجور الذي تعبث به كثبان الرِّمال وعواصف الصحراء. كذلك، ينبغي الاتفاق حول مفهوم جامع ومقبول للمواطنة؛ تلك هي التي تسع جميع القوميات السُّودانيَّة المختلفة، بحيث تفرض مزيداً من المسؤوليات القوميَّة، وتنمِّي مزيداً من القيم الحضاريةَّ والإنسانيَّة، وتسمح بحماية الثقافات والإثنيات والدِّيانات الأخرى. وما ينبغي للدِّين أن يكره النَّاس عليه إكراهاً، وأن تفرضه القوة القاهرة على النفوس فرضاً، وإنَّما هو ينبوع رحمة وحنان يجب أن تصبو النفوس إليه عن رضاً، وتهوي إليه القلوب عن محبة وشوق. وما أظن أنَّا مُنحنا الدِّين وسيلة إلى الطغيان والجبروت، وطريقاً إلى إساءة المعاملة. كذلك يفكر قليل من النَّاس، وإنَّهم لكذلك يعملون! ولكنهم، فيما نعتقد، يخدعون أنفسهم ويضلِّلون عقولهم، ويخفون ما يملأ قلوبهم من الضعف وحب النَّفس الأمارة بالسوء والعجز عن احتمال تبعات العقل. ولولا أنَّ هؤلاء النَّاس قد اتَّخذوا الدِّين وسيلة من وسائل السيادة وأداة من أدوات الحكم وبسط السُّلطان، يكذِبون به على أنفسهم ويكذِّبون به على النَّاس... لولا هذا كله لما أُريقت الدِّماء ولا انتثرت الأشلاء، ولا أُزهقت النفوس، ولا قتل النَّاس بعضهم بعضاً في السُّودان على هذا النحو وبهذا المنوال فيما سُمِّي ب"الجهاد في سبيل الله"! ففي هذه الحروب الدنيويَّة، التي مبعثها السِّياسة ولا شئ غير السِّياسة، لا دخل ولا تدجيل للدِّيانة فيها. أفلم تروا كيف أسدى الرئيس الفرنسي الرَّاحل فرنسوا ميتران نصيحة ثمينة لرئيسة وزراء بريطانيا مارجريت تاتشر في نزاعها مع الأرجنتين حول جزر الفوكلاند العام 1982م! إذ نصح ميتران السيِّدة تاتشر أن لا تتوسَّل وتتبتَّل إلى الآلهة في صغائر الأمور حينما تقدم على مثل هذا النوع من المغامرة، وها هو ذا يقولها بلغة إنجليزيَّة بحيث تفهمها تاتشر جيِّداً (When you do this kind of job, you don’t invoke the gods every time there is a small hitch).

    اتَّصف حديث مساء الأربعاء مع القائد الضَّيف يوسف كوَّة مكِّي بالكلام الصَّريح الخالي من التَّلميح، فلم يؤثر الغموض على الوضوح، ولا الرَّمز والإلغاز والإشارة على تسمية الأشياء بأسمائها، ولم تشوبه المراوغة والمداورة، ولم يكن بالطَّويل الممل ولا القليل المخل. وإنَّه لفي حديثه، إذا العرق ينساب على وجهه انسياباً ليس بقليل، وكان يقول – بصوته الممتلئ الهادئ الرَّزين - ضاحكاً غير آبه: أفلا تنظرون إلى العرق الذي يسيل على جانبي وجهي مدراراً! لا تظنوا إنَّه لناتج عن البرد، بل إنَّه لمرض ذاك هو الذي يأكل أحشائي. كان يوسف يظهر عليه جهد، وتبدو عليه أية ملال وكلال، وبعد هذا كله – أو قل وبرغم هذا كله – كان هادئاً مطمئنَّاً. وكان يوسف لهذا المرض متحمِّلاً بصبر وجلد وأناة؛ إنَّه والله لرجل من النُّوبة، ليس للجزع على نفسه سلطان، ولا للضعف إلى قلبه سبيل! حقَّاً، كان فتى من فتيان النُّوبة، فيه عنفهم، وفيه شدَّتهم عند البأس حين يتجلَّى البأس، وفيه عنادهم، وفيه اعتدادهم بأنفسهم دون الكبرياء والخيلاء (Proud, but not arrogant)، وفيه إيثارهم لهذه الخصال التي يؤثرها أصحاب المروءة والرجولة الكاملة، أولئك الذين يأنفون الضَّيم، ويأبون الخسف، ويكرهون أن يؤخذوا بما لا يحبُّون. فعندما انخرط يوسف في صفوف الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان، كان يدرك – الإدراك كله – أنَّ الذي هو عليه مقبل تملؤه الأخطار، ولكنه لا يكره الأخطار ولا يهابها، وإنَّما احتقرها احتقاراً وازدراها ازدراءاً؛ أليس أقصاها وأقساها، وأشدَّها ثقلاً، وأمرَّها مذاقاً، هو الموت! فإذا كان لا يحفل بالموت في شئ، فإنَّه خليق ألا يحفل بما هو أيسر منه شأناً وأهون منه أمراً. فإنَّ الرَّجل الكريم هو الذي يلقي جليل الأمر معترفاً به غير منكر له ولا جاحد لأخطاره. لذلك رأى النُّوبة من يوسف هذا شيئاً ما هم بالذين يختارون عليه أحداً أبداً. لم يفتر يوسف من النِّضال مهما بلغه من دواعي الفتور كثير، ومثله كمثل الدكتور جون قرنق حين سُئِل ذات مرة: ألم يصيبك الإعياء من الحرب؟ فردَّ على سؤال السائل: كلا، بل سئمت من الظلم والضَّيم، وكذلك قالت روزا باركس – الأفروأمريكيَّة التي رفضت أن تخلي مقعدها الأمامي في إحدى النَّاقلات العامة لرجل وإنَّه لأبيض، حسب قوانين التمييز العنصري في مونتيقوميري بولاية ألاباما الأمريكيَّة وقتئذٍ في الفاتح من كانون الأول (ديسمبر) 1955م – إذ قالت إنَّها سئمت من الاضطهاد، لذلك تحدَّت البيضان من الرِّجال، ورفضت أن تخلي سبيل مقعدها لهؤلاء القوم الثقال. ثمَّ كان يوسف يعتبر بما كان لآبائهم من مجد مؤثل، ويقدِّر ما أصابهم من محن مظلمة وفتن مدلهَّمة، وذلك إباءاً للضَّيم وبغضاً لسوء القالة، وعرفوا كيف يثبتون لها ويصبرون عليها، ويخرجون منها كراماً عظاماً.

    هذا هو يوسف وإنَّه لهو ذاك، وهذه هي حال النُّوبة، وقد امتحنوا في أديانهم وثقافتهم بأعظم الشر وأشنع النكر، فصبروا على المحنة، وثبتوا للخطب، واصطلوا النار التي بها حرَّقهم الأغيار تحريقاُ مؤلماً. وقد عرف النَّاس في تأريخهم كله أن لن يُخدَمَ رأي ولا دين بمثل اضطهاد أصحابه وفتنتهم والإغراء بهم؛ دونكم قصَّة أصحاب الأخدود!

    رحم الله يوسف وطيَّب الله ثراه! فهو لم يعش ليرى بشائر السَّلام، ولم تدعه المنيَّة ليدرك جليَّة الأمر،(4) فإنَّ لكل شئ إبَّانه، وإن كان عصيَّاً على المرء تقبُّله؛ والرَّجل الحازم العازم الحكيم خليق أن يرضى بالقضاء المكتوب، والقدر المحتوم، يحتمل الخير غير زاهد فيه، ويحتمل الشَّر غير ساخط عليه. وحين عاد كاتب هذه السُّطور من مؤتمر كاودا الأول العام 2002م سألني أحد الرِّفاق الصحاب وهو يحاورني: تُرى ما الذي فقده المؤتمرون في مؤتمرهم التَّشاوري ذاك؟ فقلتُ له: لست أدري يا صاحبي؛ فأردف محدثي مجيباً: لقد افتقد هذا الجمع الكريم القائد يوسف كوَّة مكِّي، وافتقده الجمع الكريم كذلك في مؤتمر كاودا الثاني في نيسان (أبريل) 2005م. رحم الله يوسف! فما ينبغي أن يثير ذكره إلا ذكرىً ووفاءاً، وما ينبغي أن يثير ذكره إلا المودَّة والرَّحمة والنُّصح للنُّوبة خاصة والسُّودانيين عامة. اللَّهم إنَّه قد حمى شرف النُّوبة في هذه الحياة الدُّنيا، وفي تلك الأيام التي كانت تُرخص فيها الحياة والنُّفوس والدِّماء والأموال والأهل، ويغلو فيها الشَّرف والفخر والعزَّة والكَّرامة؛ اللَّهم فاحم جسده الطَّاهر وروحة العطرة في آخر هذه الدُّنيا. وما يدريك لعلَّه لو اُستشِير لأشار علينا بعد موته هذا بالتَّضحية في سبيل الأوطان!


    هوامش وإحالات

    (1) كان وفد الحركة الشَّعبيَّة في محادثات أبوجا الثَّانية يتألف من القائد سيلفا كيير ميارديت – رئيس الوفد، القائد يوسف كوَّة مكِّي – نائب رئيس الوفد، القائد دينج ألور، القائد أليجا ملوك، الدِّكتور جستن ياك، والقائد فيليب لامدونق.

    (2) صحيفة "الحياة"، الثلاثاء، 4/5/1993م، العدد 11039.

    (3) تشكَّلت قيادة التَّجمُّع الوطني الدِّيمقراطي بعد مؤتمر عقدوه في أسمرا – حاضرة أريتريا – من (1) السيِّد محمد عثمان الميرغني – رئيس التجمع الوطني الدِّيمقراطي وهيئة القيادة، (2) الفريق أول فتحي أحمد علي – نائب الرئيس، (3) مبارك الفاضل المهدي – الأمين العام ومسؤول مكتب الاتصال بالدَّاخل والمشرف على مكتب الشؤون العسكريَّة، (4) فاروق أبو عيسى - النائب الأول للأمين العام والنَّاطق الرَّسمي والمشرف على مكتب التَّنظيم والإدارة، (5) محمد عثمان أحمد عبد الله – نائب الأمين العام ومسؤول مكتب الإعلام والمشرف على مكتب الماليَّة، (6) الدكتور منصور خالد - نائب الأمين العام ومسؤول العلاقات الخارجيَّة والمشرف على مكتب الشؤون الإنسانيَّة والإغاثة واللاجئين، (7) بونا ملوال – نائب الأمين العام، ( التِّجاني الطيِّب – مسؤول مكتب التَّنظيم والإدارة، (9) الفريق عبد الرحمن سعيد – مسؤول مكتب الشؤون العسكريَّة، (10) أبدون أقاو – مسؤول مكتب الشؤون الإنسانيَّة والإغاثة واللاجئين، (11) المهندس هاشم محمد أحمد – مسؤول مكتب الماليَّة.

    (4) توفَّى القائد يوسف كوَّة مكِّي في يوم السَّبت الموافق 31 آذار (مارس) 2001م في مدينة نوريتش البريطانيَّة إثر داء السرطان، وتمَّت مواراة جثمانه في كاودا بجبال النُّوبة بعد رحلة طويلة شاقة طاف جثمانه عدة مناطق بجنوب السُّودان.
                  

العنوان الكاتب Date
حديث الأربعاء مع يوسف كوَّة مكِّي (1 من 3) د. عمر مصطفى شركيان Khalid Kodi02-11-06, 06:34 PM
  Re: حديث الأربعاء مع يوسف كوَّة مكِّي (1 من 3) د. عمر مصطفى شركيان Khalid Kodi02-23-06, 09:10 PM
    Re: حديث الأربعاء مع يوسف كوَّة مكِّي (1 من 3) د. عمر مصطفى شركيان Khalid Kodi02-23-06, 09:14 PM
      Re: حديث الأربعاء مع يوسف كوَّة مكِّي (1 من 3) د. عمر مصطفى شركيان Khalid Kodi02-23-06, 09:17 PM
        Re: حديث الأربعاء مع يوسف كوَّة مكِّي (1 من 3) د. عمر مصطفى شركيان Khalid Kodi02-28-06, 08:28 PM
          Re: حديث الأربعاء مع يوسف كوَّة مكِّي (1 من 3) د. عمر مصطفى شركيان Khalid Kodi02-28-06, 08:32 PM
            Re: حديث الأربعاء مع يوسف كوَّة مكِّي (1 من 3) د. عمر مصطفى شركيان Khalid Kodi02-28-06, 08:35 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de