|
|
 Re: ملف الشاعر الراحل قرشي محمد حسن (2) حياته وشعره (Re: عبد القادر الرفاعي)
|
قرشي محمد حسن
الصحفي المرموق , وشاعر الغناء
بقلم : د . إبراهيم بلال
انحدر الشاعر قرشي محمد حسن من عائلة الامام المهدي – عليه السلام – فجده الحاج شريف احد الأشراف ، عاش ومات بجزيرة لبب " بدنقلة " أما قرشي ، فقد ولد عام 1915م وترعرع في ود نوباوي بأمدرمان .. درس القرآن الكريم عند الشيخ محمد البدوي ، وتتلمذ على مشايخه من السلف الصالح ، وعلى رأسهم شيخ الإسلام محمد البدوي. التحق بمعهد أمدرمان العلمي، وتخرج منه عام 1945م وأبدى استعدادا كبيرا لدراسة الأدب والثقافة منذ عهود الدراسة الأولى ، إضافة إلى متابعته وحرصه على قراءة الأعمال الأدبية والثقافية المترجمة من اللغات الأوربية الأخرى. كما تابع الاطلاع على ما تقدمه الدوريات ، والكتب العربية لكبار العرب في زمانه ..
احترف قرشي محمد حسن مهنة الصحافة ، وعمل بجريدتي "الأمة " و " النيل" في وظيفة محرر ، ثم رئيس تحرير مجلة "هنا أمدرمان"، " وتقلد " بعد ذلك منصب رئيس تحرير" مجلة الخرطوم " وشارك بإبداعه في تحرير " مجلة الثقافة السودانية " بالإضافة إلى المكانة المرموقة التي احتلها قرشي في أجهزة الإعلام والصحافة ، فقد كان عضوا فعالا ، وشخصية يشار إليها بالبنان في " طائفة الأنصار".
لقد نظم الشاعر وأقام العديد من المهرجانات الأدبية والثقافية , من بينها مهرجانات عن المدائح النبوية ... ولقد أسهم الشاعر بإبداع جديد من شعره بما قدمه من أغنيات جديدة ألفها وهو تحت تأثير الروح الشفيفة بشعر المديح ، تحت تأثير فلسفة الجمال الصوفية ، التي انسكبت على قصائده الغنائية ، فأعطتها تلك النكهة من التسامي الروحي والنفسي .. فقد لقيت الترحيب عند كبار الفنانين السودانيين، تغنى بها الفنان الكبير عثمان حسين ... " اللقاء الأول "، "الفراش الحائر " ، وخمرة العشاق " ... كما تغنى له الفنان الرائع حسن عطية قصيدة " عتاب " . وغنى له الفنان حسن سليمان الهاوي قصيدة " نجوى " وتغنى له الفنان خضر بشير بقصيدته " شاطئ النيل الخصيب "
وعلى الرغم من أن الشكل الذي كتبت به هذه القصائد الغنائية , كان باللغة الدارجة العامية ، إلا أن المحتوى العميق لتلك القصائد قد استفاد كثيرا من الاستخدامات الرمزية في القصيدة الصوفية , حيث تفسر معاني الغزل وصورة ذات الشكل الحسي ، بالتأويلات الرمزية الصوفية بمعانيها السامية النبيلة .
تلك التعابير الرمزية التي أساء بعض المتطرفين الأغبياء فهمها قديما فدعا بعضهم لوقف أذاعتها ونشرها ! والذين فعلوا ذلك ، قد دللوا على مدى جهلهم العميق بمعطيات الثقافة الأدبية والعربية والإسلامية ...
ديوان القرشيات:
لقد ألف قرشي محمد حسن ديوانه "القرشيات " .. وقدم له الصديق العالم السوداني ، الطبيب والأديب موسى عبد الله حامد – حفظه الله .. كما شارك في التقديم البروفسير / عون الشريف قاسم - رحمه الله .. فلهما فضل السبق في ذلك. ولا ننسى هذا الجهد الذي بذله الناقد الفاضل الأستاذ جعفر شيخ إدريس في كثير من المواقف المبدئية يعلن الشعراء عن أفكارهم ومواقفهم إزاء الحياة بالشعر .. فقد عبر الشاعر السوداني الشيخ فرح ود تكتوك عن موقفه من السلطة بقصيدته الشهيرة (( يا واقفا عند باب أبواب السلاطين )) ... وعبر محمود سامي البارودي ، زعيم التنوير الشعري العربي عن رأيه أن يكرس الشعراء كل الأعمال السامية الجليلة ، والمجاز والحكم .. ، وكان تعبيره عن ذلك شعراً نعتذر عن ضيق المقام لإيراد ذلك النموذج للبارودي ...
اما الشاعر قرشي محمد حسن , فقد عبر رأيه عن موقف الشاعر من الحياة والسلطة في مقدمته التي كتبها بديوانه القرشيات .. حين قال فيها :
(( لم امدح الملوك والزعماء ولست من المادحين ، الذين قال عنهم رسول الله (ص) ،(حثوا على المادحين التراب) ويضيف قرشي: (لكني مدحت رسول الله (ص) لأنه سيد البشر ، وسيد الملوك ومدحت الامام المهدي ، لأنه خليفته ...
وبكيت أمي وأبي ، وهما اعز الناس عندي ، وعلى نفسي . ثم بكيت بعض شخصيات تستحق البكاء .. اما الهجاء فقد نزهت لساني عنه ...)) ..
كتابة الشعر عند القرشي :
لقد كتب القرشي أشعاره على الطريقة التقليدية، والتزم بها، كما يرفض التجديد الذي جرى في الشعر العربي الحديث ... فقد قال بنفسه , في مقدمة ديوانه القرشيات: (( اما كتابة الشعر بأسلوب المدرسة الحديثة فقد دخلت في هذه التجربة، ونجحت تجربتي فقد كتبت بأسلوب مختلف اختلافا كليا عن ما يكتبه الآخرون من رواد المدرسة الحديثة ، وأمامكم تجربتي لتحكموا لها أو عليها .. ))
بهذه الروح الطيبة الموالية روح التطور الأدبي ، استقبل الشاعر قرشي محمد حسن روح التجديد في الأدب السوداني الحديث )).
تأملات عاجلة في القرشيات :
الوقفة عند ديوان (( القرشيات )) تحتاج إلى مقالة خاصة به ... فمحتويات الديوان تطرقت لمواضيع عديدة , من بينها : الوطنيات والثورة المهدية , والدعوة و الوجدانيات وأحداث العالم , وإفريقيا , والوجدان الديني .. هذه هي الموضوعات التي سماها الشعار وافرد لها قائمة في مطلع ديوانه .. إنها جميعا موضوعات آنية وهامة .. ولكن الذي لفت نظري قصيدته الطويلة ( الملحمة) عن الثورة المهدية .. التي وقف معبرا عن الأحداث والمنعطفات لها في تاريخ هذه الثورة السودانية المجيدة
لقد ذكرتني هذه القصيدة بقصيدة (( أيها النيل " لأمير الشعراء احمد شوقي , حين أراد أن يستلهم التاريخ القديم لمصر الشقيقة فيقف عند مراحله المختلفة ...
اما وجدانيات قرشي فقد سحرتني حقا بما ضمت من وجد وعاطفة .. لذلك اخترت بعض المقاطع من قصيدته "جمال ودلال "
ربه جمالا كما تريد ودلال
أنا أهواك والصبابة زادي
نحن روحان في الحياة التقينا
فاتخذنا من الشواطئ ديرا
أنت ملك علي القلوب مولى
والهوى قد يكون طمعا وذلا
وقر بين إلف الأيك ظلا
ومن الروض معبدا ومصلى
لعلنا نلاحظ تلك الحالة من السمو والتسامي في قصيدته الوجدان هذه .. ولعلنا نلمح فيها ذلك المنحى الصوفي الشفاف .
لقد لفت نظري .. تلك النزعة الصوفية في شعر الوجدان الديني (( وهو شعر افرد له قرشي بابا خاصا من قرشياته , .. وهنا نشهد رائعته (( لمحات الحجاز )) , حين يبدأها بتلك المقدمة الغزلية الرمزية كعادة كبار شعراء المديح أمثال شرف الدين البصيري , وعمر بن الفارض يقول القرشي :
سفر المحب لدار مية واجب
كيف الخلاص وحب ميه في دمي
ومتى مددت حبائلي لوصالها
بادر أمية قد عشقتك يافعا
أنا لست في حبي لمية مدع
جفت دموعي والزمان محارب
والقلب مضنى والدموع سواكب
حالت ظروف دونها ونوائب
ما زايلتني عن هواك شوائب
هي مذهبي والحب فيه مذاهب
إنها قصيدة رائعة في حب الذات (( الإلهية والذات النبوية )) ترقى إلى نماذج الشعر الصوفي الكبير عند أعلامه : البصيري، ابن الفارض , عبد الغني النابلسي .. وهذا مبحث خاص في شعر قرشي محمد حسن .. تأثره بشعر المديح الصوفي عند مؤسسيه الأوائل ..
ديوان القرشيات ما يزال يزخر بالمادة الشعرية في تنويعها وثرائها اللغوي والعروضي والفني " وتعدد مواضيع القصيد فيها، فهناك : الرباعيات والوطنيات , والمواضيع العربية و الإفريقية , والمديح في صورته الوجدانية كما مثلنا له جميعا تحتاج إلى وقفة وتأمل وتدقيق ولكن لدينا ملاحظة هامة لابد من لفت النظر إليها ... هي ان الشاعر قد عمل بجهد كبير في كل جوانب الحياة التي تحدثنا عنها في مطلع هذه المقالة , وبسبب انشغال الشاعر هذا لم يجد ديوان القرشيات العناية الكافية , ولم يكتمل إصداره بعد فظلت فيه العديد من الأخطاء العروضية والمطبعية " نلفت النظر للقائمين بشأن التراث في هذا البلد مراجعة مسودة هذا الديوان الهام وإعادة تصحيحه وإصداره بالصورة الرائعة به كعمل قومي تراثي هام و أن تكون تلك المراجعة في إطار إحياء ودراسة وتحليل أعمال هذا الأديب السوداني الكبير .
خاتمة :
لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل
فكيف تنكرنا حبا بعد ما شهدت
واثبت الوجد خطى عبره وضنى
ولا ارقت لذكر البان و العلم
به عليك عدول الدمع والسقم
مثل البهار على خديك والعنم
شرف الدين البصيري
|
|
 
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
| ملف الشاعر الراحل قرشي محمد حسن (2) حياته وشعره | عبد القادر الرفاعي | 06-18-08, 05:16 AM |
| Re: ملف الشاعر الراحل قرشي محمد حسن (2) حياته وشعره | عبد القادر الرفاعي | 06-18-08, 05:39 AM |
| Re: ملف الشاعر الراحل قرشي محمد حسن (2) حياته وشعره | عبد القادر الرفاعي | 06-18-08, 05:51 AM |
| Re: ملف الشاعر الراحل قرشي محمد حسن (2) حياته وشعره | Hamid Elsawi | 06-18-08, 06:01 AM |
| Re: ملف الشاعر الراحل قرشي محمد حسن (2) حياته وشعره | عبد القادر الرفاعي | 06-18-08, 06:12 AM |
| Re: ملف الشاعر الراحل قرشي محمد حسن (2) حياته وشعره | عبد القادر الرفاعي | 06-18-08, 10:33 AM |
| Re: ملف الشاعر الراحل قرشي محمد حسن (2) حياته وشعره | عبد القادر الرفاعي | 06-19-08, 04:12 PM |
| Re: ملف الشاعر الراحل قرشي محمد حسن (2) حياته وشعره | عبد القادر الرفاعي | 06-19-08, 07:13 PM |
| Re: ملف الشاعر الراحل قرشي محمد حسن (2) حياته وشعره | عبد القادر الرفاعي | 06-19-08, 07:56 PM |
| Re: ملف الشاعر الراحل قرشي محمد حسن (2) حياته وشعره | عبد القادر الرفاعي | 06-26-08, 11:53 AM |
|
| |
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست