كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
ملكيون أكثر من "الملك العراقي"
|
أتساءل –إن كان يحق لي ذلك- هل يمكن توصيف ما تقوم به جماعات متشاكلة في العراق بحق الأبرياء أنه مقاومة و.. مشروعة. وهل يصح أن يصفق بعض المثقفين العرب لأفعال ربما تكتسب بعض مشروعيتها من تلذذ هؤلاء بمناظر الدماء والأشلاء وهم يكسبونها يوما بعد آخر بعدا نضاليا وثوريا ووطنيا يجعل من بعض القتلة أبطالا!!
أتساءل ولربما لا يحق لي حتى التساؤل، فالشأن العراقي يخص أهله مهما ادعى الآخرون ومهما ركبوا موجات القومية العربية حينا وموجات "التأسلم" حينا آخرا، وكم أعجب من إصرار بعض المثقفين العرب على اتخاذ مواقف متشددة تميل إلى الزعم أن ما يجري هناك هو من قبيل "المقاومة" لا الإرهاب.
والحقيقة أنني أعجز تماما عن دعم الاحتلال الأمريكي للعراق، لكن في المقابل ليس بمقدوري أيضا تقريظ نظام صدام حسين كما يفعل بعضهم بطرق ملتوية إذ يعمدون إلى المقارنة بين الاحتلال وصدام، فالمسألة ليست اختيارا بين الاحتلال وصدام، بل في رفع يد "الجميع" عن العراق لينظر في أمره العراقيون فقط.
كيف سيعلّم أبو مصعب الزرقاوي العراقيين المقاومة والجهاد، وكيف سيتسنى له أن يكون ملكيا أكثر الملك لينوب عن العراقيين في شأنهم الخاص، ويعيث في طول البلاد وعرضها فسادا وتقتيلا. أتساءل –إن كان يحق لي- كيف سيعلّم بعض المثقفين العرب شعبا كالشعب العراقي إدارة أموره ومواجهة مشكلاته، وكيف يفرضون وصاية من هذا النوع المستهجن على شعب ابتدع أول قانون في التاريخ؟
ما ذنب 37 طفلا عراقيا ببراءة الأزهار ورقتها ليقرر الزرقاوي إنابة عنهم وعن أسرهم موتهم من أجل "القضية". والقضية بالنسبة للزرقاوي وزمرته لا تتمثل أبدا في إجلاء الأمريكيين عن أرض الرافدين "وهو مطلب مشروع للعراقيين فقط"، وإنما إحالة العراق إلى دولة "طالبانية" أخرى يذبح فيها الشيعة بعد انتهاء مأدبة ذبح "الصليبيين" والعراقيين على حد سواء، والدعوة لقتال الشيعة هي من ابتكار الزرقاوي بوصفهم "خونة وعملاء" على حد قوله!!
للزرقاوي بعض العذر فيما يفعله إذ أنه يتحرك من منطلقات تسودها الهشاشة الفكرية ويغلب عليها طابع التشدد الذي أضحى سرطانا في أوساط أنصاف المتعلمين في معظم أنحاء الشرق الأوسط، دافعا إياهم إلى نبذ أي شكل من أشكال الحوار أو التفكير. وتتغذى الجماعات المتطرفة من هذه الشريحة الجاهلة لأن هذه الجماعات لا تجهد كثيرا في تلقينهم مرئياتها وجرهم بعد ذلك إلى إلغاء عقولهم والتصرف بطرق غاية في البدائية والهمجية.
لكن الذي يدعو للعجب فعلا، ويحار المرء في تفسيره عوضا عن "آليات التفكير" لدى الزرقاوي هو تصدي عدد مقدر من المثقفين العرب للدفاع المحموم عنه وعن عصبته، بل واعتبارهم أن الشهداء العراقيين هم ضحية طبيعية للوجود الأمريكي الذي خلق الزرقاوي وغيره. ولا يرمش لهؤلاء طرف وهم يشاهدون مناظر يقشعر لها بدن الإنسان يوميا والعراقيون يهدهدون أطفالهم ويوارون جثامينهم الثرى. وكأن العراقيين لم تكفهم عذابات عهد صدام الذي انتفع من وجوده هؤلاء المثقفين المشبوهين ودافعوا عنه بكل ما يملكون من قوة.
وتحت ذريعة المقاومة تأبى قوات الاحتلال إلا أن تضاعف آلام "المسيح" العراقي بكل ما أوتيت من قوة. فتلك القوات لا تهتم أبدا بمقتل عشرات الآلاف من العراقيين منذ بدء الحرب وإلى غاية الآن، وتلح حاليا في مضاعفة العدد في سامراء والفلوجة بعدما قتلت المئات في مدن الجنوب. كان الله في عون العراقيين بين مطرقة الأمريكيين وسندان الزرقاوي.
إن العذاب الذي ينبغي أن يعيشه أي إنسان يثقله ضميره لاستشهاد 37 زهرة بريئة من دون ذنب، لابد أن يكون مضاعفا لدى المثقف بوصفه ضميرا لأمته وحاديا لركبها لا مطبلا لجهلتها ومصفقا لحماقات قتلتها. ليس ثمة ما يمكن أن يقال سوى أن بعض دعاة الاستنارة في العالم العربي هم أحوج ما يكونون للاستنارة. متى تتبرأ الثقافة العربية من هؤلاء؟
|
|
|
|
|
|
|
|
|