|
محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم
|
الفصل الأول الاستقبال بالمطار
قبل عشرين عاما خلت ، وقف الشاب عبد الحليم مع بعض أقاربه ، ونفر من أصدقائه المقربين قبالة لوحة الرحلات القادمة في صالة القدوم الواسعة في ذلك المطار الخليجي الضخم . وهو المطار الذي استقبله هو نفسه قبل عام ونصف العام عندما قدم لأول مرة من الخرطوم ليبدأ مشواره في هذه الغربة الطويلة ، ويلتحق بعمل جديد ، ليدخل به فصلا جديدا من فصول حياته في هذا البلد الغني الذي يجعل كل القادمين إليه يحلمون بالغنى وسعة الرزق . الصالة الواسعة تعج بالبشر من كل جنس ، نساء ورجال وأطفال ، شباب وشيوخ ، عرب وعجم ، آسيويين وأفارقة ، مسلمون ونصارى ، وملل أخرى . لغات عديدة ، وسحنات شتى . وأزياء مختلفة ومتنوعة تنعكس ألوانها مع الأضواء المنبعثة من كل أنحاء الصالة ، فتكون حزمة ألوان زاهية كأنها مجموعة ألوان الطيف أو تزيد . الكل يتجه بأنظاره عبر الزجاج السميك الملون الذي يفصل الصالة الداخلية عن الخارجية ، والجميع يحاول اختراق ذلك الحاجز ليرى من هو في انتظارهم ، وكثيرا ما يرتد إليه بصره دون أن يحصل على ما يرغب فيه . عبد الحليم لا يشغل نفسه بشيء من ذلك ، فنظره وتفكيره ينصب في اتجاه لوحة القدوم يتابع تغيراتها حرفا حرفاً ، رقما رقماً ، لحظة بلحظة . لوحة الرحلات القادمة مازالت تؤكد أن الرحلة التي ينتظرها عبد الحليم قادمة في موعدها ، وهو يعلم تماماً أن الناقل الوطني ( سودانير ) لا تفي بوعدها ، ولاتصل في موعدها إلا في حالات قليلة . لذا أعد عبد الحليم نفسه لانتظار طويل ، لكنه ظل يخشى من حدوث مالا يمكن الاحتياط له . تتنازعه هواجسه في اتجاهات شتى . هاجس يقول أنها لن تأت إلى هنا أبداً ، هاجس آخر يقول له أن أحداً ينادي باسمه ليبلغه أنها قابلته في مطار الخرطوم وكلفته بإبلاغه أن حجزها قد سقط في اللحظات الأخيرة ، وأنها ستحاول إيجاد حجز بديل وستتصل به حال توفره . وبينما هو مستسلم لهذه الهواجس وغيرها ، فإذا بأحد أصدقائه يلفت نظره إلى حضور أحد موظفي ( سودانير ) إلى صالة المطار ، والتفاف المستقبلين حوله يسألونه عن حقيقة قيام الطائرة في موعدها المحدد من مطار الخرطوم . يدلف عبد الحليم بحركة لاشعورية نحو الجمع المتحلق حول موظف ( سودانير ) ليستطلع الأخبار ، وموظف ( سودانير ) الطويل القامة يقف وسط الجمع ، ويتطاول أكثر مما يجب حتى ليبدو وكأنه نخلة تحيط بها الحشائش من كل جانب ، وهي لا تأبه بذلك . هذا المتعالي دائما ، تعّود أن يخاطب الناس بهذه الصورة ، ويخيّب آمالهم بإجابة مقتضبة للغاية وهي : ( والله نحن المعلومات اللي عندنا هي نفسها الإنتو شايفنها على الشاشة ) يغمغم الحضور ويبدءون بالانصراف من حوله ، إلا أن آخرين ينتبهون لوجود موظف ( سودانير ) بينهم في صالة المطار ، فيتوجهون إليه لطرح نفس السؤال ، ليتلقوا نفس الإجابة دون حذف أو زيادة . فضل عبد الحليم أن يعود للبحلقة في لوحة الرحلات القادمة . حدثت بعض التغيرات على المعلومات التي رآها من قبل ، فهناك أمور استجدت . الباكستانية وصلت ، الشرق الأوسط على البوابة ، والسودانية في موعدها المحدد . الانفعال يبدو واضحا على عبد الحليم ، ويظهر التوتر في كل حركة من حركاته . يداعب شفتيه بأنامله دون ما عصبية ، يتلاعب بشاربه الكث الذي لم يعمد إلى تقصيره حتى لهذه المناسبة . نظر حوله فرأى أصدقاءه يوجهون أنظارهم إليه ،حملق في وجوههم فخيل إليه أنهم جاءوا معه إلى المطار فقط ليرقبوا حركاته ويسجلونها . وبلا شك سيعيدون تشغيل شريط الذكريات هذا عدة مرات ، وسيضحكون عليه ، ويسخرون من قلقه ، وتلف أعصابه في ذلك اليوم . تذكر عبد الحليم ما حكته له أمه قبل عدة سنوات ، عن زواجها من أبيه ، وكيف انتقلت من بيت أهلها للعيش في بيتها بعد أن تم عقد قرانها على والده حين كانت الأمور تؤتى بمنتهى البساطة دون تعقيدات اجتماعية ، أو مادية ، أو إدارية . قالت أمه أنها فقط خطت خطوات معدودة لتنتقل من منزل والدها وتبدأ العيش في منزل عمها الذي هو والد زوجها وجد أولادها . لم يكلفها ذلك تأشيرات ، أو مراجعة سفارات ، أو سفر بالطائرات ، أو أي تجهيزات إضافية . لم يستقبلها أناس عديدون عند الباب ، فقط خالتها الحاجة خديجة أخت أمها ووالدة زوجها وجدة أولادها هي التي استقبلتها عند الباب مرحبة بها وبمقدمها لتنضم إلى أسرتها وتعيش بينهم كواحدة من بناتها . تذكر أن أمه قالت له أن قطيع البقر الذي تملكه قد انحدر كله من بقرة واحدة أهدتها لها خالتها خديجة كنوع من الترحيب بها حين انتقلت للعيش في دار زوجها . تلك الأم لم تترك بيتها مطلقا إلا لأداء واجبات من نوع العزاء ، أو لزيارة مريض ، أو لمشاركة في أفراح الأقربين ، ولم تسافر أبدا خارج الوطن ولا ترغب في ذلك ، إلا أن يكون لرحلة الحج أو العمرة . عبد الحليم رجل عملي لا يحتمل الانتظار ، وقد تشرب عادات أهله ، وهم قوم لا يؤجلون أعمالهم إلى موعد لاحق ، ويعمدون إلى فعل البر فورا باعتبار أن خير البر عاجله . والزواج بر ، وقمة هذا البر اجتماع الرجل بزوجته ليلة الدخلة التي يسمونها عندهم ( القيلة ) ، ويقصدون بها بقاء العروس مع عريسها طوال الليل وجزءا من نهار ، يفعلان خلالها الأفاعيل دون كلل أو ملل ، ثم يخرجان للناس بدم صدق ، فينحر الخروف الممتلئ شحما ولحما أمام الدار احتفالا ببراءة العروس واجتياز العريس للحواجز بنجاح . وفي حركة مسرحية رائعة ، تقفز العروس فوق الخروف المذبوح عبورا إلى بيت أهلها ، وكأنها بذلك تمنح الآخرين الإذن للاستمتاع بلحمه . أما صبية البلدة فلهم احتفال من نوع آخر ، يشوبه التصنت والهمس ، والغمز واللمز . يعيش هؤلاء الصبية جوا متوترا طوال الليل كأنهم مشجعي فريق كرة القدم الذين يطالبون فريقهم بالانتصار فقط ، ولا يرون لذلك بديلا ، ثم لا ينصرفون إلا عند الفجر الذي يمثل بزوغه بالنسبة لهم صافرة انتهاء المباراة ، وبذلك يكون هؤلاء الصبية هم أول من يعرف النتيجة ، ويا ويل صاحبهم إذا ظلت المباراة سجالا بينه وبين عروسه حتى دخول الفجر، حينها ستتحدث البيوت عنه والطرقات ، وتنقل النسمات والرياح أخباره إلى القرى المجاورة . وفي كل الحالات هم يسجلون الحدث لحظة بلحظة ، وينقلون الأخبار بأمانة وحيادية ، ولا يهمهم إن كانت سارة أم لم تكن . ويظل الحدث في ذاكرتهم لا يمحوه إلا أن يحل محله حدث مشابه آخر ، ويظل أرشيفهم حافل بمثل هذه الأحداث . وهنا ، من يحتفل بعبد الحليم وعروسه ؟ من يهتم بهم ؟ من يتنصت عليهم ؟ من ينقل أخبارهم ؟ هنا لا أحد يقوم بهذا الدور . فالكل بما لديهم مشغولون ، ولا أحد يأبه بالبراءة والاجتياز ، وكأنها أمور مسلم بها ، أو أنه لا أهمية لإثباتها من عدمه ، ومجرد مجيء أصدقاء عبد الحليم ، وبعض أقاربه للمطار لاستقبال العروس يعتبر نوعا من الاحتفال ، وقد يكون هو النوع الوحيد من الاحتفالات الذي في استطاعتهم فعله هنا، وكل الاعتبارات قد لا تسمح بأكثر من ذلك . العروس المنتظرة ليست من أقارب عبد الحليم ، وليست من معارف أهله أو جيرتهم . وأهل عبد الحليم لم يروها أو يتعرفوا عليها إلا عند خطبتها ، وبحسابات أهله هي - ببساطة متناهية - بنت غريبة . لكن أمه حين وافقت على خطبتها لعبد الحليم قالت لأخواته ، إنها غريبة ، ولكنها ستصبح زوجة لعبد الحليم ، وأما لأولاده ، وبالتالي فهي ستكون جزءاً من العائلة ، وستنتفي عنها صفة الغربة . فاطمة أم عبد الحليم قالت ذلك والعبرة تكاد تخنقها ، وأمور كثيرة تعتمل في صدرها ، لكنها تمالكت نفسها ، وقررت أن تفرح بزواج عبد الحليم وأن تكبت كل مشاعرها الأخرى . كانت فاطمة تحلم بزواج ابنها عبد الحليم من بثينة ابنة أختها التي احتضنتها بعد وفاة أمها وهي ما تزال طفلة في المهد ، وأشرفت على تربيتها ، وأدخلتها المدرسة ، وصبرت عليها حتى أكملت دراستها الابتدائية . ولو توفرت بالقرية مستويات دراسية أعلى لما ترددت في أن تجعلها تواصل دراستها . وبثينة مثال للفتاة القروية الجميلة المهذبة ، الممتلئة بالحيوية ، وقد عاشت في بيت خالتها مع عبد الحليم وأخواته كأنها أخت شقيقة ، إلا أن عبد الحليم كان يرغب في الزواج من فتاة حضرية راقية نالت قسطا أكبر من التعليم حتى لا تكون هناك هوة ثقافية كبيرة بينه وبينها . ولو تزوج عبد الحليم من بثينة ، ابنة خالته لقالت فاطمة أمه: الحمد لله يا عبد الحليم يا ولدي ( زيتنا في بيتنا ) و ( يا دار ما دخلك شر ) . انتبه عبد الحليم فجأة ووجد نفسه يردد مستغربا : ( يا دار ما دخلك شر ؟!) يستعيذ عبد الحليم من الشيطان ويلعنه ، ويتساءل في نفسه : من أين يأتي الشر يا أمي ؟ وفاء ليست شريرة ، ولن يمسني أو أهلي منها إلا كل خير إن شاء الله . هي ودودة وتحبني ، وأنا واثق أنها ستحب أهلي ، وستصبح بنتا لأمي ، وأختا لأخواتي ، وصديقة للجميع . وهي متواضعة ، ومهذبة ، وتجيد فن التعامل مع الآخرين . أريدها فقط أن تأتي إلي الآن ، وسنبدأ حياتنا فورا ، لن أؤجل عناقها حتى تصل البيت ، فذلك عمر طويل ، سأعانقها هنا بالمطار، وعلى مرأى من كل الناس . أعرف أنهم سيتبنون مواقف مختلفة تجاهي ، لكن من المؤكد أن بعضهم سيقف إلى جانبي ، أو على الأقل سيقدر ما يعتريني من شوق للقائها ، والذين يرون في ذلك عيبا أو هتكا للعرف والذوق العام ، فأنا لا أهتم بهم الآن . ظل عبد الحليم ينتقل من هاجس إلى آخر ، ويشعر بالجو حوله يزداد برودة ، والمكيفات الضخمة الموجهة إلى هامات زوار المطار تهمس في آذانهم بردا ، إلا أن إحساسه بالبرد كان يفوق إحساس غيره ممن هم حوله ، أو هكذا يبدو لعبد الحليم . بدأ يقاوم قشعريرة في جسده حين نبهه فجأة أحد المرافقين أن الطائرة قد وصلت في موعدها . التفت ناحية اللوحة ليتأكد بنفسه من صحة ذلك ، وبدت له الكلمات المثبتة على اللوحة أكثر وضوحا من ذي قبل ( وصلت في الموعد المحدد ) . صمت الناس من حوله لبضع لحظات كمن أصابهم ذهول بسبب وصول الرحلة في الموعد المحدد على غير العادة . ثم عادوا يتحدثون مع بعضهم البعض ، ويركزون أبصارهم تجاه الحاجز الزجاجي السميك ليتمكنوا من رؤية القادمين ، والكل يتلهف شوقا للقاء من يحب أو من ينتظر . الحواجز هنا كلها سميكة بهذا المستوى أو ربما أكثر ، ولا أحد من هؤلاء المنتظرين يعرف سببا لذلك . كل الناس يعرفون أن رؤية المستقبلين للقادمين تبعث على السرور والاطمئنان ، ولا أحد يعلم سببا لهذه الرغبة في تعكير أمزجة الناس ، ومضايقتهم ، وزرع الإحساس بالخوف في نفوسهم . الكل يتساءل : ما الحاجة لإقامة مثل هذا الحاجز ؟ ما الهدف منه ؟ أهو للحماية ، أم الستر ، أم هو حاجز وكفى ؟ عبد الحليم يعرف أن وفاء ستكون رزينة في هذا الموقف ولن تتعجل الخروج ، أو تزاحم الناس في صفوف الجوازات ، أو الجمارك ، وستنتظر دورها بكل هدوء . وهي تعرف مدى شوقه للقائها ، كما تتوق للقائه وتهيم به وجدا وحباً ، لكن كلاهما يعلم أنها مسالة وقت ، وهي ليست إلا دقائق معدودة وينتهي كل شئ ، وسيبقيان مع بعضهما بقية العمر . الزمن بحسابات عبد الحليم يسير بطيئا . الانتظار ممل ، والدقائق كأنها الدهور . لو أن سلطات الجوازات وسلطات المطار تحسان بما يعيشه عبد الحليم من قلق وتوتر ، وما يكتنف وفاء من شوق ولهفة لما ترددا مطلقا في إطلاق سراح وفاء . مرت ربع ساعة منذ وصول الطائرة ، لكن أحدا من القادمين لم يخرج من الصالة . لماذا هذه الإجراءات العقيمة المملة ؟ من اخترع مثل هذه المعوقات ؟ ولمصلحة من ؟ من المؤكد أنه شخص قاس القلب لم يتعرف على الحب في حياته ، ولم يعش لحظاته . هذا الكم الهائل من الإجراءات لم يوضع إلا لحرمان الأحبة من الاستمتاع بحلاوة اللقاء . لم كل هذه التأشيرات والمستندات ، والإجراءات الجمركية ، والقيود على حركة الناس وسفرهم ؟ أليس في الأسفار فوائد ؟ كل تلك الأسئلة ، وغيرها كثير ، ظلت تدور في ذهن عبد الحليم وهو يوجه نظره بقوة عله يخترق ذلك الزجاج السميك الملون ليرى وفاء في أي صف تقف وكيف تتصرف . الباب الأوتوماتيكي ينفتح فجأة ويخرج أحد القادمين ، نشط الخطى ، يحمل حقيبة على كتفه ولا تبدو عليه آثار السفر ووعثائه . انطلق هذا الخارج من الصالة دون أن يلقي نظرة ناحية المنتظرين ، ربما لأنه لا يتوقع أحدا ينتظره . إذن هو شاب لا يحمل في ثناياه شوقا لأحد ، لكن من المؤكد أنه شاب عملي ، وأن لديه هدفا محددا يسعى إليه ولا يحيد عنه . يتوالى القادمون في الخروج ، ويتحرك الأطفال رغبة في اللعب بالباب الأوتوماتيكي . المستقبلون يحاولون كسر الملل فيعمدون إلى مداعبة الأطفال القادمين ومساءلتهم . السؤال التلقائي الذي يتردد على شفاه الكل : ( السودان كيف ؟ ) فيرد الأطفال في براءة كل حسب رؤيته الخاصة خلال فترة الإجازة . قال أحدهم : ( السودان كعب خلاص ) وقال آخر : ( والله يا عمو السودان كويس جدا ) وردت طفلة : ( والله السودان حلو خالص يا عمو ) . امرأة مسنة خرجت من الصالة متجهة بكليتها نحو المستقبلين تبحث في وجوههم عن عزيز ينتظرها . قفز أحدهم من بين المنتظرين مناديا بصوت عال : ( أيوة يا حاجة أنا هنا ) . جاءت إليه بلهفة ، وعانقته كأنها تحاول إفراغ شحنة أشواق السنين . إنه ابنها الذي غاب عنها ثلاثة أعوام متتالية لم تره خلالها . كانت تنتظر قدومه إليها ، إلا أنه فاجأها بطلبه قدومها إليه للزيارة وأداء العمرة في رمضان وانتظار الحج . استجابت الأم لطلب ابنها على مضض ، فقد كانت ترغب في أن يعود هو من غربته ليراه الجميع ، أهله وإخوانه وأخواته . وهاهي الآن تقف أمامه ، تزداد وقارا بشلوخها العريضة ، وهي تتدثر بالزي السوداني المميز ، الثوب الذي يستر جميع جسدها فلا يظهر منها إلا ذلك الوجه الدائري المشرق الذي حرك شوق كل المنتظرين وأثار فيهم الرغبة للقيا أمهاتهم . تناولت منه تصريح الإقامة حسب النظام المتبع ، وعادت إلى الصالة الداخلية مرة أخرى لتكمل بقية الإجراءات . عدد من القادمين خرجوا والتقوا بمن ينتظرونهم . عناق ، وقبلات ، وأحضان ، ودموع فرح . حقائب تفوح منها روائح شتى ، الحلو مر ، الفسيخ ، الويكة ، البهارات ،الكركديه ، العطور ، كلها تختلط مع بعضها البعض ، فتمنحك إحساسا بأنك تخترق سوق أم درمان من الشمال إلى الجنوب مبتدئا بزنك اللحمة ، مارا بزنك الخضار ، ثم أكشاك البهارات ، فالملابس ، فالعجلات ، فالسرائر والمراتب ، فالعطور ، وغيرها حتى تصل منطقة البوستة . ومن بين القادمين نساء يبدو عليهن علامات دخولهن حديثا إلى عش الزوجية ، عرائس في عمر الزهور ، نقشن الحناء على أيديهن ببراعة ودقة متناهية ، فجعلن الوقوف من رجال ونساء ، يطلقون العنان لنظراتهم وتعليقاتهم أحيانا . عادت المرأة المسنة هذه المرة يرافقها عامل آسيوي يحمل لها حقائبها وإلى يمينها تسير عروس كالقمر . طويلة القامة ، رفيعة القوام ، ذات جمال أخاذ ، لا يغيب عن الناظر إليها من أول وهلة . افترت أسارير عبد الحليم حين وقعت عينه عليها . نعم إنها الحبيبة التي انتظرها كثيرا . هذه المرة هي بشحمها ولحمها ليست صورة ،أو خطابا ، أو اتصالا هاتفيا ، إنها هي حقيقة لا حلما ،إنها هي حتى من بين أربعين شبيها . هي وفاء التي أحبت وأوفت وصدقت الوعد ، هاهي الآن تبدأ خطوتها الأولى من مشوارها الطويل إلى بيت الزوجية والأمومة والأسرة . ابتسمت باستحياء حين وقع بصرها على عبد الحليم ، واتجهت إليه مباشرة دون تردد . بادرته بالتحية ، ومد إليها يده ليصافحها ، فبادلته ذلك بيد ناعمة كالحرير نقشت عليها الحناء فأحالتها إلى لوحة فسيفساء نادرة . إذن لم يتمكن عبد الحليم من معانقة وفاء أمام كل هذا الجمع ، واكتفى فقط بأن يمد يده ليصافح وفاء ، وكأنه لم يغب عنها إلا للحظات . أدخل يده في جيبه ليخرج لها تصريح الإقامة لتتمكن من إنهاء إجراءات الجوازات . تسلمت وفاء التصريح والتفتت ناحية المرأة المسنة لتودعها وتطمئنها أنها وصلت إلى زوجها، فقد كانت تجلس إلى جوارها في الطائرة ، وأمضيتا مع بعضهما وقتا ممتعا ، واستطاعت وفاء أن تقدم خدمات كثيرة لتلك المرأة التي كانت تركب الطائرة لأول مرة في حياتها . دلفت وفاء إلى داخل الصالة وانطلقت المرأة المسنة مع ابنها وهي تردد : ( إن شاء الله عروسك يا أحمد يا ولدي ، البنية الحليوة المؤدبة دي ) كان أحمد قد ملأ عينيه من جمال وفاء ، فقد رآها وهي خارجة مع والدته من صالة المطار تسير قريبة منها وكأنها ابنتها . سأل أحمد أمه إن كانت تعرف هذه العروس من قبل أم أنها فقط تعرفت عليها خلال سفرها هذا . قالت الأم أن وفاء كانت تجلس إلى جوارها في الطائرة ، وأنها ساعدتها كثيرا خلال السفر ، وقد عرفت منها أنها من عائلة كريمة تسكن في حي شمبات بالخرطوم بحري ، وهي كانت تعمل موظفة في إحدى الوزارات ، وزوجها كان زميلا لها تقدم لخطبتها من أهلها بعد أن تعرف عليهم ، وقد قدمت للعيش معه في الغربة ، وزودتني بهاتف زوجها، وطلبت مني أن اتصل للسؤال عنها بعد أن استقر وارتاح من تعب السفر .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | ودقاسم | 05-12-03, 11:41 AM |
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | Elmosley | 05-12-03, 03:05 PM |
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | غدى | 05-12-03, 04:37 PM |
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | ودقاسم | 05-13-03, 09:16 AM |
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | ودقاسم | 05-13-03, 07:13 AM |
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | abuguta | 05-13-03, 08:12 AM |
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | ودقاسم | 05-13-03, 10:17 AM |
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | elsharief | 05-13-03, 08:03 AM |
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | السفير | 05-13-03, 09:29 AM |
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | ودقاسم | 05-13-03, 02:15 PM |
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | ودقاسم | 05-19-03, 07:26 PM |
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | Abdalla Gaafar | 05-26-03, 08:59 PM |
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | ودقاسم | 05-27-03, 09:31 AM |
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | ودقاسم | 05-28-03, 11:05 AM |
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | ودقاسم | 05-30-03, 05:12 PM |
Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم | ودقاسم | 06-03-03, 10:53 AM |
|
|
|