كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
حباب الرأسمالية ،،، حبابا
|
منذ أن قال لينين بأن الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية ، انطلق الناس يسبون الرأسمالية ويتهمونها بالعدائية والاستغلالية ،، لكن فترة طويلة مرت دون أن نستمع إلى مزيد من السب الموجه للرأسمالية ،، وقبل ثلاثة أيام شاهدت في إحدى القنوات الفضائية فيلما وثائقيا موضوعه ( سلفادور الليندي ) ، وتذكرت على الفور تلك الأيام التي كان الزعماء الاشتراكيون يخاطبون فيها جماهيرهم الثائرة ويمدّ الواحد منهم ذراعه متوعدا الإمبريالية والرأسمالية بالزوال ، متهما إياها بكل السوء واللاإنسانية ،، والآن تقود الرأسمالية العالم غصبا عنه ، وتفرض مذهبها السياسي ، وتفرض قوانينها ، وتجعل العالم كله يبصم على مبادئ حقوق الإنسان ويتبناها وكأن الاشتراكيون يدينون أنفسهم على ما سبق ،، وحتى أحزابنا الاشتراكية تراجعت وقبلت بالديمقراطية الليبرالية وقبلت بذهاب فائض القيمة لجيوب الرأسماليين ، وبطريق التطور الرأسمالي طريقا وحيدا للتنمية ،،، اكتشف زملاء لينين الذين لم يلتقوه من الأجيال الجديدة أن العيش في كنف الرأسمالية هو عيش راق وطاعم ومرفّه ، وانتقلوا إلى الغرب ليوفر لهم الحرية والعمل السياسي الحر وليمنحهم ملاذا يعارضوا من خلاله حكومات بلدانهم التي تتخذ الرأسمالية مذهبا اقتصاديا وترفض مبادئها السياسية ،، واكتشف الرفاق والجماهير التي كانت مشبعة بالشعارات الثورية ، اكتشفوا أن لا خير للإنسانية إلا في تبني منهج إنساني يتيح قبول الآخر ويقيم أسسا للتعايش السلمي بين أصحاب المصالح المختلفة ، والثقافات المختلفة والأعراق المختلفة ،، في التطبيق فشل طريق التنمية الإشتراكية فشلا ذريعا في إقامة الحد الأدنى من متطلبات الشعوب ، فلم يوفر لا لقمة العيش ولا جرعة من حرية ،، وصنع من القيادات آلهة تعبد من دون الله ،،، لكن الشعوب التي عانت من هذا التطبيق ثارت عليه وهزمته شر هزيمة ،، والجيوب التي بقيت اتخذت لنفسها طريقا وسطا تحاول من خلاله النفاذ إلى الديمقراطية والحرية ، لكن ببطء شديد وبينها وبين شعوبها درجة عالية من الترصد ، وكل يريد أن ينقض على الآخر .. لكن ، هل ذهبت الاشتراكية إلى غير رجعة ؟ أنا من الذين يرون أن الاشتراكية هي النظام الإنساني الذي يوفر للإنسان معيشة كريمة وحرية حقيقية ،، لكني مقتنع بأن الاشتراكية لن تأتينا إلا عبر التطور الحياتي العادي ،، وليس عبر الثورات المفتعلة ،، هي يمكن أن تأتي عبر الثورة ، لكنها الثورة الشاملة وليست الجزئية ،، فلا يمكن أن يكون في عالمنا هذا من يمشي عاريا أو يموت جائعا ، وفيه من يموت أميا ، ونظل نحن نسعى للإشتراكية ،، لابد أن تعم الرأسمالية كل عالمنا ، لابد أن ينبني العالم على الأسس الرأسمالية ، ولابد أن يتعرف الإنسان ، كل الإنسان ، على حقوقه وواجباته ، ولابد أن تصل أزمة الرأسمالية إلى درجة التعقيد اللازمة ، لتنتج لنا المرحلة التالية من عمر الإنسانية ،، فالرأسمالية ليست سيئة ، لأنها هي التي تبني ، والاشتراكية توزع لتعيد البناء على أسس جديدة ،، والرأسمالية هي الطريق الوحيد للتنمية ، وأي طريق سواها يجرنا إلى مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان ومزيد من استغلال الإنسان ،، نعم نحن نود لو أن الاشتراكية تأتينا اليوم بعدالتها المزعومة ، لكن تجاربنا تصرفنا عن أمنيتنا هذه ، فتنقلب الأمنية إل عشم في مزيد من الاستمرار للرأسمالية وسرعة في انتشارها في كل دول العالم لنهض عالمنا هذا في مناطق تخلفه ويتقدم نحو الرأسمالية الحديثة ، رأسمالية الرفاهية ، والحرية ،،
|
|
|
|
|
|
|
|
|