اغـتراب المــوج

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 10:35 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة محمد قاسم(ودقاسم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-04-2005, 02:12 AM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
اغـتراب المــوج

    تخرج إليك ملساء من غير سوء ، تفيض بالدهن الذي يمنحك الدفء وأنت تحتاجه في موسم حصادها البارد . تكون حبات الفول السوداني ناضجة وطرية حين خروجها من غلافها المدفون تحت التراب ، هكذا جعلها الخالق في قرار مكين لتأتيك نظيفة وطاهرة فتحرك غرائزك في امتلاكها ، ثم تقلبها بين يديك فتستمع بها كعروس لم يمسسها قبلك إنس ولا جان .
    والخريف هذا العام كان موسوما بخضرة مزهرة ، ونسمة ندية ذات أريج ، وفتيات القرية كالفراشات يرحن ويجئن بين الترعة وبيوت القرية . والحقول ترسل نوارها فيختلط شذا البساتين فيرسل عبقا كزهر الفل ، فتستحيل الحياة جرة من عسل النحل . والأولاد يتقافزون ، ويهمسون ، ويأتمرون بالجمال والوداعة ، والحياء الذاخر . حياء كحياء حبات الفول السوداني ، تبقى في غلافها حتى يأتيها صاحب النصيب ، فتفيض عليه من شبقها ، فيتلقاها بلهفة من انتظر عشقه الأبدي مكابدا عنت الأيام والشهور .
    سيكون محصول هذا العام وفيرا ، وسيتم تحميله في ثلاث شاحنات . وتهافت التجار عليه لن يهزم طموح عبد الرحيم في الحصول على سعر مجز . فهو سيدفع منه المهر، ويستجيب به لكل عادات أهله في الكرم ، والتفاخر . وأبوه يقف بين الناس ، يحلف بالطلاق أن حفل زواج ابنه سيكون مسموعا في كل القرى والفرقان ، وأنه ينوي ذبح ثلاثة عجول من خيرة مراحه .
    ليالي الحصاد باردة ، وفئران الليل تمنعه النوم ، لكن لا مفر ، فهو سيبقى هنا إلى جوار جرن الحصاد حتى تعبئه المحصول في جوالات البيع . كلما فتح غلافا وجده يحتضن حبتين من الفول الناضج ، ممتلئتين بالدهن ، فيرسل غناءه في الآفاق ، ليصل إلى أعماق الحبيبة المغلفة برداء الحياء الذي ينضح أنوثة . وعند الصبح ترسل الشمس أشعتها لتمتص تدريجيا رطوبة الغلاف الخارجي لحبات الفول فيكتسب صلابة تجعله يقوى على قسوة الدق وحركة الانتقال ، وكلما ازدادت أيام الانتظار يزداد غلاف الفول صلابة ، ويزداد معها غلاف الحياء صلابة . لكن الأبواب الموصدة دائما تنتظر من ينقر عليها لتنفتح له على مصراعيها فتكشف طواعية عن ما تواريه خلفها .
    لم يخب ظن عبد الرحيم بجرن الفول ، حين خرجت من الحقل شاحنات ثلاث كل واحدة تتبع أختها محملات بمائتين وأربعين كيسا من الفول الناضح ، الممتلئ بالزيت . تراقصت آمال عبد الرحيم وهو يجلس إلى جانب السائق في مقصورة القيادة بالشاحنة الأخيرة . غدا يبيع المحصول ، ويعود محملا بوعوده للغالية ، فتفرح أمه ، ويطرب أبوه ، وتكتمل الزينة لتجعله محط أنظار شباب القرية . والمدينة تفغر فاه مصانعها لتعبئ مجهود عبد الرحيم كلّه في صفائح ، وتجعل من بعضه علفا للماشية . وعبد الرحيم لا يهتم إلا بالجنيهات التي ستدخل جيبه وتيسر له فض غلاف الحياء ليستطعم مكنوناته كما استطعم من قبل حبات الفول الناضجة خلف غلافها المتين .
    تجّار القرية لم يتمكنوا من قهر رغبة عبد الرحيم في نقل محصوله إلى هناك ليبيعه بنفسه لمصنع الزيوت ، لكن تجار المدينة انتظروه عند مدخل المصنع ، وغمروه بعطائهم ، فأسالوا لعابه ، وملئوا جيبه بالأماني . وعندما قبض عبد الرحيم تلك الرزم من الجنيهات ، فكّر بشراء المدينة . واحتواه كرم أبناء قريته في منزلهم العامر بذلك الحي القصي . واستجاب عبد الرحيم لنداء الأمواج المغتربة ، فما هو إلا موجة تسير باتجاه الريح ، فاستأجر مخبزا ولم يكن بإدارته خبيرا ، لكن ابن عمه الذي سبقه إلى الاغتراب اكتسب خبرة في هذا المجال .
    والعمل في المخبز يستدعي وجود عبد الرحيم لأكثر من ثلثي اليوم ، ثم ينام عبد الرحيم ، ليصحو باكرا ليبدأ دورة جديدة في فجر اليوم التالي . بدأت ذاكرة عبد الرحيم تتساقط شيئا فشيئا ، المشي على حافة الترعة ، مراقبة الفتيات جيئة وذهابا بين الترعة وبيوت القرية ، شجرة الطلح الكبيرة وهي تغرس جذورها في قاع الترعة ، حياء حبة الفول ، ونقائها ، وحالة انتظار نضج الحبة وفض غلاف الحياء المتجذر في أعماق ابنة خالته . وخلف بطانيته احتمى عبد الرحيم من برد الشتاء في موسم الحصاد ، ولم تعد فئران الليل في الحقل تزعجه . والآن لا حاجة لعبد الرحيم بهذه الذكريات ، فهنا تسير أموره كدورة قطعة الخبز ، ثم تأتيك طازجة من الفرن إلى مائدتك كاشفة عن حمرة وجهها واستوائها دونما حياء . وفتيات المدينة يقفن حاسرات في صفٍ طويل للحصول على الخبز ، ويتسابقن للفوز بالوصول إلى طاولة عبد الرحيم ، فيبادل الواحدة منهن كلمة أو كلمتين وربما يهفو قلبه لواحدة أو اثنتين فتخرج منه ابتسامة خليطا بين نقاء الموج الخارج من البحر وأدران البر . ويتمدد اغتراب الموج هنا ، وهناك تنضج حبات الفول ، ويقوى غلافها ، فتحتمي به حتى تمتد إليها أيدي آكليها ، فلتقاهم ندية ، نظيفة ، ناضجة . وعبد الرحيم لم تعد تشغله حبات الفول ونضجها ، فهو فقط يفكّر بحبات الخبز المحسّن والتي اعتاد تزيين وجهها بمادة كيميائه قيل أنها تسبب السرطان للبشر .


    (عدل بواسطة ودقاسم on 09-04-2005, 03:58 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
اغـتراب المــوج ودقاسم09-04-05, 02:12 AM
  Re: اغـتراب المــوج حمزاوي09-04-05, 02:43 AM
    Re: اغـتراب المــوج ودقاسم09-04-05, 04:36 AM
      Re: اغـتراب المــوج ابو جهينة09-04-05, 05:02 AM
        Re: اغـتراب المــوج ودقاسم09-04-05, 06:20 AM
  Re: اغـتراب المــوج Abdulla Ageed09-04-05, 05:22 AM
    Re: اغـتراب المــوج ودقاسم09-04-05, 07:58 AM
  Re: اغـتراب المــوج Mohamed Abdelgaleel09-04-05, 07:15 AM
    Re: اغـتراب المــوج ودقاسم09-13-05, 02:34 AM
  Re: اغـتراب المــوج ودقاسم10-05-05, 06:25 AM
    Re: اغـتراب المــوج saif massad ali10-05-05, 10:40 AM
      Re: اغـتراب المــوج ودقاسم10-10-05, 03:41 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de