|
أخي يستولي على الثروة
|
من وسط هدوء الفجر ينبعث صوت أمي قادما من الطرف الغربي لحوشنا العتيد .. تبدو أمي هذا الصباح ممتلئة بالحنق ، تخاطب بحدّة شخصا عاقلا يقف أمامها ، وتعنّفه على فعلة شنيعة ، وبدا لي من بعيد وكأنها تهم بضرب ذلك الشخص صاحب الفعلة الشنيعة ، دون أن يردّ هو حتى ولو بكلمة واحدة .. الله يلعنك ، يا خايبة ، يا عايبة .. تساءلت ، من هذه التي تعرّض نفسها للعنات أمي في هذا الصباح الباكر ؟ من هذه الأنثى التي رمتها أمي بالعيب والخيبة ؟ من هذه التي سبقت أمي لزريبة الغنم ؟ ومتى فعلت فعلتها التي تعنّفها أمي لأجلها ؟ كانت أمي قد قامت للتو من صلاتها ، وحملت مسبحتها في يدها ، واتجهت إلى زريبة الغنم ممنية نفسها بحليب وافر لتصنع لنا منه شاي الصباح . وكان الجو يميل إلى البرودة ، فنحن الآن في منتصف الشتاء . والغنم – في هذا الموسم - عادة ترقد ملاصقة لحائط الحوش عله يصد عنها رياح الشتاء ، أو تلتصق ببعضها البعض . يا حاج ،، يا حاج ،، هرول أبي ناحية زريبة الغنم من جهة انبعاث صوت أمي . آآي يا حاجة ،، مالك ؟ ما قتّ ليك العنز دي بقت ترضع رقبتا ،،، تاني الليلة رضعت رقبتا ؟ آآي والله ، ضرعا ما فيهو ولا نقطة لبن ،،، والله أنا البراح فقدت الغنم ديل قبّال ما أنوم ، شايف ضرعا مليان لبن .. أها ، هسة تعال شوفا ، مداينة الله ما فيها ولا نقطة . نان منو القال ليك رضعت رقبتا ؟ عاد لبنا مشى وين ؟ يمكن رضعو واحد من الصخلان . بري والله ، أخير توديها السوق تبيعا ونرتاح منّها ، مادام عابت وخابت .. حمدت الله أن هذه اللعنات كانت موجهة لمعزتنا ، لكن غشتني سحابة حزن حين تخيلت أنها ستباع في السوق ، وربما لأحد الجزارين ليذبحها ويفرّق لحمها بين القبائل ،، وفي الضحى استمعت إلى أخي الأصغر وهو يلاعب ابنته الضغرى ،،،، أها كيف الليلة شربتي لبنك كلو ؟ لا باقي لي شوية ، هسة بشربو . يضحك أخي ، ويقول لابنته : والله صحي لبن الماعز بسمّن الشفّع .. الأيام دي سمنتي ، لكن والله حبوبتك دي تعرف تمرقنا من البلد .. سألت أخي : إنت بتحلب العنز دي لأولادك كل يوم ؟ قال : أيوة ،، ومال إيه ؟؟ طيب يا أخي مش كان تكلّم أمك ؟ الزمن ده يا خوي ما في كلام ، ولا إذن ، بس تضحى بدري وتستولي على الثروة ....
|
|
|
|
|
|
|
|
|