محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 10:53 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة محمد قاسم(ودقاسم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-12-2003, 11:41 AM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم

    الفصل الأول
    الاستقبال بالمطار

    قبل عشرين عاما خلت ، وقف الشاب عبد الحليم مع بعض أقاربه ، ونفر من أصدقائه المقربين قبالة لوحة الرحلات القادمة في صالة القدوم الواسعة في ذلك المطار الخليجي الضخم . وهو المطار الذي استقبله هو نفسه قبل عام ونصف العام عندما قدم لأول مرة من الخرطوم ليبدأ مشواره في هذه الغربة الطويلة ، ويلتحق بعمل جديد ، ليدخل به فصلا جديدا من فصول حياته في هذا البلد الغني الذي يجعل كل القادمين إليه يحلمون بالغنى وسعة الرزق . الصالة الواسعة تعج بالبشر من كل جنس ، نساء ورجال وأطفال ، شباب وشيوخ ، عرب وعجم ، آسيويين وأفارقة ، مسلمون ونصارى ، وملل أخرى . لغات عديدة ، وسحنات شتى . وأزياء مختلفة ومتنوعة تنعكس ألوانها مع الأضواء المنبعثة من كل أنحاء الصالة ، فتكون حزمة ألوان زاهية كأنها مجموعة ألوان الطيف أو تزيد . الكل يتجه بأنظاره عبر الزجاج السميك الملون الذي يفصل الصالة الداخلية عن الخارجية ، والجميع يحاول اختراق ذلك الحاجز ليرى من هو في انتظارهم ، وكثيرا ما يرتد إليه بصره دون أن يحصل على ما يرغب فيه .
    عبد الحليم لا يشغل نفسه بشيء من ذلك ، فنظره وتفكيره ينصب في اتجاه لوحة القدوم يتابع تغيراتها حرفا حرفاً ، رقما رقماً ، لحظة بلحظة . لوحة الرحلات القادمة مازالت تؤكد أن الرحلة التي ينتظرها عبد الحليم قادمة في موعدها ، وهو يعلم تماماً أن الناقل الوطني ( سودانير ) لا تفي بوعدها ، ولاتصل في موعدها إلا في حالات قليلة . لذا أعد عبد الحليم نفسه لانتظار طويل ، لكنه ظل يخشى من حدوث مالا يمكن الاحتياط له . تتنازعه هواجسه في اتجاهات شتى . هاجس يقول أنها لن تأت إلى هنا أبداً ، هاجس آخر يقول له أن أحداً ينادي باسمه ليبلغه أنها قابلته في مطار الخرطوم وكلفته بإبلاغه أن حجزها قد سقط في اللحظات الأخيرة ، وأنها ستحاول إيجاد حجز بديل وستتصل به حال توفره . وبينما هو مستسلم لهذه الهواجس وغيرها ، فإذا بأحد أصدقائه يلفت نظره إلى حضور أحد موظفي ( سودانير ) إلى صالة المطار ، والتفاف المستقبلين حوله يسألونه عن حقيقة قيام الطائرة في موعدها المحدد من مطار الخرطوم . يدلف عبد الحليم بحركة لاشعورية نحو الجمع المتحلق حول موظف ( سودانير ) ليستطلع الأخبار ، وموظف ( سودانير ) الطويل القامة يقف وسط الجمع ، ويتطاول أكثر مما يجب حتى ليبدو وكأنه نخلة تحيط بها الحشائش من كل جانب ، وهي لا تأبه بذلك . هذا المتعالي دائما ، تعّود أن يخاطب الناس بهذه الصورة ، ويخيّب آمالهم بإجابة مقتضبة للغاية وهي :
    ( والله نحن المعلومات اللي عندنا هي نفسها الإنتو شايفنها على الشاشة )
    يغمغم الحضور ويبدءون بالانصراف من حوله ، إلا أن آخرين ينتبهون لوجود موظف ( سودانير ) بينهم في صالة المطار ، فيتوجهون إليه لطرح نفس السؤال ، ليتلقوا نفس الإجابة دون حذف أو زيادة . فضل عبد الحليم أن يعود للبحلقة في لوحة الرحلات القادمة . حدثت بعض التغيرات على المعلومات التي رآها من قبل ، فهناك أمور استجدت . الباكستانية وصلت ، الشرق الأوسط على البوابة ، والسودانية في موعدها المحدد . الانفعال يبدو واضحا على عبد الحليم ، ويظهر التوتر في كل حركة من حركاته . يداعب شفتيه بأنامله دون ما عصبية ، يتلاعب بشاربه الكث الذي لم يعمد إلى تقصيره حتى لهذه المناسبة . نظر حوله فرأى أصدقاءه يوجهون أنظارهم إليه ،حملق في وجوههم فخيل إليه أنهم جاءوا معه إلى المطار فقط ليرقبوا حركاته ويسجلونها . وبلا شك سيعيدون تشغيل شريط الذكريات هذا عدة مرات ، وسيضحكون عليه ، ويسخرون من قلقه ، وتلف أعصابه في ذلك اليوم .
    تذكر عبد الحليم ما حكته له أمه قبل عدة سنوات ، عن زواجها من أبيه ، وكيف انتقلت من بيت أهلها للعيش في بيتها بعد أن تم عقد قرانها على والده حين كانت الأمور تؤتى بمنتهى البساطة دون تعقيدات اجتماعية ، أو مادية ، أو إدارية . قالت أمه أنها فقط خطت خطوات معدودة لتنتقل من منزل والدها وتبدأ العيش في منزل عمها الذي هو والد زوجها وجد أولادها . لم يكلفها ذلك تأشيرات ، أو مراجعة سفارات ، أو سفر بالطائرات ، أو أي تجهيزات إضافية . لم يستقبلها أناس عديدون عند الباب ، فقط خالتها الحاجة خديجة أخت أمها ووالدة زوجها وجدة أولادها هي التي استقبلتها عند الباب مرحبة بها وبمقدمها لتنضم إلى أسرتها وتعيش بينهم كواحدة من بناتها . تذكر أن أمه قالت له أن قطيع البقر الذي تملكه قد انحدر كله من بقرة واحدة أهدتها لها خالتها خديجة كنوع من الترحيب بها حين انتقلت للعيش في دار زوجها . تلك الأم لم تترك بيتها مطلقا إلا لأداء واجبات من نوع العزاء ، أو لزيارة مريض ، أو لمشاركة في أفراح الأقربين ، ولم تسافر أبدا خارج الوطن ولا ترغب في ذلك ، إلا أن يكون لرحلة الحج أو العمرة .
    عبد الحليم رجل عملي لا يحتمل الانتظار ، وقد تشرب عادات أهله ، وهم قوم لا يؤجلون أعمالهم إلى موعد لاحق ، ويعمدون إلى فعل البر فورا باعتبار أن خير البر عاجله . والزواج بر ، وقمة هذا البر اجتماع الرجل بزوجته ليلة الدخلة التي يسمونها عندهم ( القيلة ) ، ويقصدون بها بقاء العروس مع عريسها طوال الليل وجزءا من نهار ، يفعلان خلالها الأفاعيل دون كلل أو ملل ، ثم يخرجان للناس بدم صدق ، فينحر الخروف الممتلئ شحما ولحما أمام الدار احتفالا ببراءة العروس واجتياز العريس للحواجز بنجاح . وفي حركة مسرحية رائعة ، تقفز العروس فوق الخروف المذبوح عبورا إلى بيت أهلها ، وكأنها بذلك تمنح الآخرين الإذن للاستمتاع بلحمه . أما صبية البلدة فلهم احتفال من نوع آخر ، يشوبه التصنت والهمس ، والغمز واللمز . يعيش هؤلاء الصبية جوا متوترا طوال الليل كأنهم مشجعي فريق كرة القدم الذين يطالبون فريقهم بالانتصار فقط ، ولا يرون لذلك بديلا ، ثم لا ينصرفون إلا عند الفجر الذي يمثل بزوغه بالنسبة لهم صافرة انتهاء المباراة ، وبذلك يكون هؤلاء الصبية هم أول من يعرف النتيجة ، ويا ويل صاحبهم إذا ظلت المباراة سجالا بينه وبين عروسه حتى دخول الفجر، حينها ستتحدث البيوت عنه والطرقات ، وتنقل النسمات والرياح أخباره إلى القرى المجاورة . وفي كل الحالات هم يسجلون الحدث لحظة بلحظة ، وينقلون الأخبار بأمانة وحيادية ، ولا يهمهم إن كانت سارة أم لم تكن . ويظل الحدث في ذاكرتهم لا يمحوه إلا أن يحل محله حدث مشابه آخر ، ويظل أرشيفهم حافل بمثل هذه الأحداث .
    وهنا ، من يحتفل بعبد الحليم وعروسه ؟ من يهتم بهم ؟ من يتنصت عليهم ؟ من ينقل أخبارهم ؟ هنا لا أحد يقوم بهذا الدور . فالكل بما لديهم مشغولون ، ولا أحد يأبه بالبراءة والاجتياز ، وكأنها أمور مسلم بها ، أو أنه لا أهمية لإثباتها من عدمه ، ومجرد مجيء أصدقاء عبد الحليم ، وبعض أقاربه للمطار لاستقبال العروس يعتبر نوعا من الاحتفال ، وقد يكون هو النوع الوحيد من الاحتفالات الذي في استطاعتهم فعله هنا، وكل الاعتبارات قد لا تسمح بأكثر من ذلك .
    العروس المنتظرة ليست من أقارب عبد الحليم ، وليست من معارف أهله أو جيرتهم . وأهل عبد الحليم لم يروها أو يتعرفوا عليها إلا عند خطبتها ، وبحسابات أهله هي - ببساطة متناهية - بنت غريبة . لكن أمه حين وافقت على خطبتها لعبد الحليم قالت لأخواته ، إنها غريبة ، ولكنها ستصبح زوجة لعبد الحليم ، وأما لأولاده ، وبالتالي فهي ستكون جزءاً من العائلة ، وستنتفي عنها صفة الغربة .
    فاطمة أم عبد الحليم قالت ذلك والعبرة تكاد تخنقها ، وأمور كثيرة تعتمل في صدرها ، لكنها تمالكت نفسها ، وقررت أن تفرح بزواج عبد الحليم وأن تكبت كل مشاعرها الأخرى . كانت فاطمة تحلم بزواج ابنها عبد الحليم من بثينة ابنة أختها التي احتضنتها بعد وفاة أمها وهي ما تزال طفلة في المهد ، وأشرفت على تربيتها ، وأدخلتها المدرسة ، وصبرت عليها حتى أكملت دراستها الابتدائية . ولو توفرت بالقرية مستويات دراسية أعلى لما ترددت في أن تجعلها تواصل دراستها . وبثينة مثال للفتاة القروية الجميلة المهذبة ، الممتلئة بالحيوية ، وقد عاشت في بيت خالتها مع عبد الحليم وأخواته كأنها أخت شقيقة ، إلا أن عبد الحليم كان يرغب في الزواج من فتاة حضرية راقية نالت قسطا أكبر من التعليم حتى لا تكون هناك هوة ثقافية كبيرة بينه وبينها . ولو تزوج عبد الحليم من بثينة ، ابنة خالته لقالت فاطمة أمه:
    الحمد لله يا عبد الحليم يا ولدي ( زيتنا في بيتنا ) و ( يا دار ما دخلك شر ) .
    انتبه عبد الحليم فجأة ووجد نفسه يردد مستغربا :
    ( يا دار ما دخلك شر ؟!)
    يستعيذ عبد الحليم من الشيطان ويلعنه ، ويتساءل في نفسه :
    من أين يأتي الشر يا أمي ؟ وفاء ليست شريرة ، ولن يمسني أو أهلي منها إلا كل خير إن شاء الله . هي ودودة وتحبني ، وأنا واثق أنها ستحب أهلي ، وستصبح بنتا لأمي ، وأختا لأخواتي ، وصديقة للجميع . وهي متواضعة ، ومهذبة ، وتجيد فن التعامل مع الآخرين . أريدها فقط أن تأتي إلي الآن ، وسنبدأ حياتنا فورا ، لن أؤجل عناقها حتى تصل البيت ، فذلك عمر طويل ، سأعانقها هنا بالمطار، وعلى مرأى من كل الناس . أعرف أنهم سيتبنون مواقف مختلفة تجاهي ، لكن من المؤكد أن بعضهم سيقف إلى جانبي ، أو على الأقل سيقدر ما يعتريني من شوق للقائها ، والذين يرون في ذلك عيبا أو هتكا للعرف والذوق العام ، فأنا لا أهتم بهم الآن .
    ظل عبد الحليم ينتقل من هاجس إلى آخر ، ويشعر بالجو حوله يزداد برودة ، والمكيفات الضخمة الموجهة إلى هامات زوار المطار تهمس في آذانهم بردا ، إلا أن إحساسه بالبرد كان يفوق إحساس غيره ممن هم حوله ، أو هكذا يبدو لعبد الحليم . بدأ يقاوم قشعريرة في جسده حين نبهه فجأة أحد المرافقين أن الطائرة قد وصلت في موعدها . التفت ناحية اللوحة ليتأكد بنفسه من صحة ذلك ، وبدت له الكلمات المثبتة على اللوحة أكثر وضوحا من ذي قبل ( وصلت في الموعد المحدد ) .
    صمت الناس من حوله لبضع لحظات كمن أصابهم ذهول بسبب وصول الرحلة في الموعد المحدد على غير العادة . ثم عادوا يتحدثون مع بعضهم البعض ، ويركزون أبصارهم تجاه الحاجز الزجاجي السميك ليتمكنوا من رؤية القادمين ، والكل يتلهف شوقا للقاء من يحب أو من ينتظر . الحواجز هنا كلها سميكة بهذا المستوى أو ربما أكثر ، ولا أحد من هؤلاء المنتظرين يعرف سببا لذلك . كل الناس يعرفون أن رؤية المستقبلين للقادمين تبعث على السرور والاطمئنان ، ولا أحد يعلم سببا لهذه الرغبة في تعكير أمزجة الناس ، ومضايقتهم ، وزرع الإحساس بالخوف في نفوسهم . الكل يتساءل :
    ما الحاجة لإقامة مثل هذا الحاجز ؟
    ما الهدف منه ؟
    أهو للحماية ، أم الستر ، أم هو حاجز وكفى ؟
    عبد الحليم يعرف أن وفاء ستكون رزينة في هذا الموقف ولن تتعجل الخروج ، أو تزاحم الناس في صفوف الجوازات ، أو الجمارك ، وستنتظر دورها بكل هدوء . وهي تعرف مدى شوقه للقائها ، كما تتوق للقائه وتهيم به وجدا وحباً ، لكن كلاهما يعلم أنها مسالة وقت ، وهي ليست إلا دقائق معدودة وينتهي كل شئ ، وسيبقيان مع بعضهما بقية العمر .
    الزمن بحسابات عبد الحليم يسير بطيئا . الانتظار ممل ، والدقائق كأنها الدهور . لو أن سلطات الجوازات وسلطات المطار تحسان بما يعيشه عبد الحليم من قلق وتوتر ، وما يكتنف وفاء من شوق ولهفة لما ترددا مطلقا في إطلاق سراح وفاء . مرت ربع ساعة منذ وصول الطائرة ، لكن أحدا من القادمين لم يخرج من الصالة .
    لماذا هذه الإجراءات العقيمة المملة ؟
    من اخترع مثل هذه المعوقات ؟
    ولمصلحة من ؟
    من المؤكد أنه شخص قاس القلب لم يتعرف على الحب في حياته ، ولم يعش لحظاته . هذا الكم الهائل من الإجراءات لم يوضع إلا لحرمان الأحبة من الاستمتاع بحلاوة اللقاء . لم كل هذه التأشيرات والمستندات ، والإجراءات الجمركية ، والقيود على حركة الناس وسفرهم ؟
    أليس في الأسفار فوائد ؟
    كل تلك الأسئلة ، وغيرها كثير ، ظلت تدور في ذهن عبد الحليم وهو يوجه نظره بقوة عله يخترق ذلك الزجاج السميك الملون ليرى وفاء في أي صف تقف وكيف تتصرف .
    الباب الأوتوماتيكي ينفتح فجأة ويخرج أحد القادمين ، نشط الخطى ، يحمل حقيبة على كتفه ولا تبدو عليه آثار السفر ووعثائه . انطلق هذا الخارج من الصالة دون أن يلقي نظرة ناحية المنتظرين ، ربما لأنه لا يتوقع أحدا ينتظره . إذن هو شاب لا يحمل في ثناياه شوقا لأحد ، لكن من المؤكد أنه شاب عملي ، وأن لديه هدفا محددا يسعى إليه ولا يحيد عنه .
    يتوالى القادمون في الخروج ، ويتحرك الأطفال رغبة في اللعب بالباب الأوتوماتيكي . المستقبلون يحاولون كسر الملل فيعمدون إلى مداعبة الأطفال القادمين ومساءلتهم . السؤال التلقائي الذي يتردد على شفاه الكل :
    ( السودان كيف ؟ )
    فيرد الأطفال في براءة كل حسب رؤيته الخاصة خلال فترة الإجازة .
    قال أحدهم :
    ( السودان كعب خلاص )
    وقال آخر :
    ( والله يا عمو السودان كويس جدا )
    وردت طفلة :
    ( والله السودان حلو خالص يا عمو ) .
    امرأة مسنة خرجت من الصالة متجهة بكليتها نحو المستقبلين تبحث في وجوههم عن عزيز ينتظرها . قفز أحدهم من بين المنتظرين مناديا بصوت عال :
    ( أيوة يا حاجة أنا هنا ) .
    جاءت إليه بلهفة ، وعانقته كأنها تحاول إفراغ شحنة أشواق السنين . إنه ابنها الذي غاب عنها ثلاثة أعوام متتالية لم تره خلالها . كانت تنتظر قدومه إليها ، إلا أنه فاجأها بطلبه قدومها إليه للزيارة وأداء العمرة في رمضان وانتظار الحج . استجابت الأم لطلب ابنها على مضض ، فقد كانت ترغب في أن يعود هو من غربته ليراه الجميع ، أهله وإخوانه وأخواته . وهاهي الآن تقف أمامه ، تزداد وقارا بشلوخها العريضة ، وهي تتدثر بالزي السوداني المميز ، الثوب الذي يستر جميع جسدها فلا يظهر منها إلا ذلك الوجه الدائري المشرق الذي حرك شوق كل المنتظرين وأثار فيهم الرغبة للقيا أمهاتهم . تناولت منه تصريح الإقامة حسب النظام المتبع ، وعادت إلى الصالة الداخلية مرة أخرى لتكمل بقية الإجراءات .
    عدد من القادمين خرجوا والتقوا بمن ينتظرونهم . عناق ، وقبلات ، وأحضان ، ودموع فرح . حقائب تفوح منها روائح شتى ، الحلو مر ، الفسيخ ، الويكة ، البهارات ،الكركديه ، العطور ، كلها تختلط مع بعضها البعض ، فتمنحك إحساسا بأنك تخترق سوق أم درمان من الشمال إلى الجنوب مبتدئا بزنك اللحمة ، مارا بزنك الخضار ، ثم أكشاك البهارات ، فالملابس ، فالعجلات ، فالسرائر والمراتب ، فالعطور ، وغيرها حتى تصل منطقة البوستة . ومن بين القادمين نساء يبدو عليهن علامات دخولهن حديثا إلى عش الزوجية ، عرائس في عمر الزهور ، نقشن الحناء على أيديهن ببراعة ودقة متناهية ، فجعلن الوقوف من رجال ونساء ، يطلقون العنان لنظراتهم وتعليقاتهم أحيانا .
    عادت المرأة المسنة هذه المرة يرافقها عامل آسيوي يحمل لها حقائبها وإلى يمينها تسير عروس كالقمر . طويلة القامة ، رفيعة القوام ، ذات جمال أخاذ ، لا يغيب عن الناظر إليها من أول وهلة . افترت أسارير عبد الحليم حين وقعت عينه عليها . نعم إنها الحبيبة التي انتظرها كثيرا . هذه المرة هي بشحمها ولحمها ليست صورة ،أو خطابا ، أو اتصالا هاتفيا ، إنها هي حقيقة لا حلما ،إنها هي حتى من بين أربعين شبيها . هي وفاء التي أحبت وأوفت وصدقت الوعد ، هاهي الآن تبدأ خطوتها الأولى من مشوارها الطويل إلى بيت الزوجية والأمومة والأسرة . ابتسمت باستحياء حين وقع بصرها على عبد الحليم ، واتجهت إليه مباشرة دون تردد . بادرته بالتحية ، ومد إليها يده ليصافحها ، فبادلته ذلك بيد ناعمة كالحرير نقشت عليها الحناء فأحالتها إلى لوحة فسيفساء نادرة . إذن لم يتمكن عبد الحليم من معانقة وفاء أمام كل هذا الجمع ، واكتفى فقط بأن يمد يده ليصافح وفاء ، وكأنه لم يغب عنها إلا للحظات . أدخل يده في جيبه ليخرج لها تصريح الإقامة لتتمكن من إنهاء إجراءات الجوازات . تسلمت وفاء التصريح والتفتت ناحية المرأة المسنة لتودعها وتطمئنها أنها وصلت إلى زوجها، فقد كانت تجلس إلى جوارها في الطائرة ، وأمضيتا مع بعضهما وقتا ممتعا ، واستطاعت وفاء أن تقدم خدمات كثيرة لتلك المرأة التي كانت تركب الطائرة لأول مرة في حياتها . دلفت وفاء إلى داخل الصالة وانطلقت المرأة المسنة مع ابنها وهي تردد :
    ( إن شاء الله عروسك يا أحمد يا ولدي ، البنية الحليوة المؤدبة دي )
    كان أحمد قد ملأ عينيه من جمال وفاء ، فقد رآها وهي خارجة مع والدته من صالة المطار تسير قريبة منها وكأنها ابنتها . سأل أحمد أمه إن كانت تعرف هذه العروس من قبل أم أنها فقط تعرفت عليها خلال سفرها هذا . قالت الأم أن وفاء كانت تجلس إلى جوارها في الطائرة ، وأنها ساعدتها كثيرا خلال السفر ، وقد عرفت منها أنها من عائلة كريمة تسكن في حي شمبات بالخرطوم بحري ، وهي كانت تعمل موظفة في إحدى الوزارات ، وزوجها كان زميلا لها تقدم لخطبتها من أهلها بعد أن تعرف عليهم ، وقد قدمت للعيش معه في الغربة ، وزودتني بهاتف زوجها، وطلبت مني أن اتصل للسؤال عنها بعد أن استقر وارتاح من تعب السفر .
                  

العنوان الكاتب Date
محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم ودقاسم05-12-03, 11:41 AM
  Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم Elmosley05-12-03, 03:05 PM
    Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم غدى05-12-03, 04:37 PM
      Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم ودقاسم05-13-03, 09:16 AM
    Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم ودقاسم05-13-03, 07:13 AM
      Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم abuguta05-13-03, 08:12 AM
        Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم ودقاسم05-13-03, 10:17 AM
  Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم elsharief05-13-03, 08:03 AM
  Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم السفير05-13-03, 09:29 AM
  Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم ودقاسم05-13-03, 02:15 PM
  Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم ودقاسم05-19-03, 07:26 PM
  Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم Abdalla Gaafar05-26-03, 08:59 PM
  Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم ودقاسم05-27-03, 09:31 AM
  Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم ودقاسم05-28-03, 11:05 AM
  Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم ودقاسم05-30-03, 05:12 PM
  Re: محاولة للكتابة ،،، ما رأيكم ودقاسم06-03-03, 10:53 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de