سباحة حرة في نهر عطبرة (مصطفي البطل)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-19-2024, 09:34 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-18-2008, 04:27 PM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سباحة حرة في نهر عطبرة (مصطفي البطل) (Re: abubakr)



    سباحة حرة في نهر عطبرة ( 2 )

    http://sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3626

    مصطفي عبد العزيز البطل

    [email protected]





    عند سن العاشرة تقريبا و انا في السنة الاخيرة من المدرسة الاولية عرفت ان الناس ينقسمون الي شايقية و جعليين و دناقلة و هدندوة و دينكا و فور وغير ذلك، و عرفت علي وجه التحديد انني و اهلي نوبيون. و كان التقليد ان تسافر الاسرة مرة كل عام الي وادي حلفا لقضاء كامل الاجازة المدرسية الصيفية و ذلك تحت الشعار الخالد: ( عشان الاولاد يعرفوا اهلهم و يرتبطوا ببلدهم). و لزمن ما بعد ذلك استقر وجداني علي ان حلفا و الحلفاويون هم اصل الحياة و مركزها و اساس كل شئ و ان بقية الناس و الاشياء تدور حولهم كما تدور الكواكب حول الشمس. و قد انبنت عقيدتي تلك علي شواهد متعددة. واحدة من تلك الشواهد ان الحلفاويون في ذلك العهد لم يكونوا يقبلون تزويج بناتهم لغير الحلفاويين. وكان اذا تزوج احد الحلفاويين من فتاة غير نوبية من القبائل الاخري – و ذلك في حكم النادر الذي لا حكم له - و اراد احدهم الاشارة لذلك الزواج قال: ان فلانا " تزوج سودانية"! و لانني اثناء فترات اقامتي في وادي حلفا كنت اقضي غالب ايامي في منازل اهل والدتي فقد كان من الطبيعي ان يكون ذلك الجانب من الاسرة الممتدة هو اول من اتعرف عليه واكثر من تترسخ علاقتي به. كان جدي عباس افندي محمد ابراهيم من اوائل خريجي المدارس في السودان وقد عمل موظفا اداريا متميزا في مصلحة السكة الحديد حتي وصوله سن التقاعد، و كان يتحدث اللغتين العربية و الانجليزية بطلاقة الي جانب الرطانة النوبية. و اذا كانت الاشارة لاجادة اللغة العربية غير ذات مغزي عند غالبية السودانيين حيث ان العربية لديهم هي " لسان الام" كما يقول الفرنجة ، فان الامر يختلف عند كثير من النوبيين الذين كانوا يتحدثون النوبية كلغة اولي ثم يتعلمون اللغة العربية بعد ذلك في المدارس تماما كما يتعلمون اللغة الانجليزية. وهكذا جازت الاشادة بفلاح من افلح منهم في اجادتها. و مسألة اللغة هذه كانت من أعوص المشكلات التي واجهتني في سنوات طفولتي فقد كان الكل في وادي حلفا يتحدث الرطانة النوبية الي جانب نوع من العربية يشابه في فكرته و مضمونه ما يعرف في جنوب السودان باسم "عربي جوبا" وان كان الاخير اكثر ابانة و فصاحة. و اذكر ان امرأة نوبية عجوز من اهلي ارادت ان تقول لي بالعربية-الحلفاوية انها تعاني من الصداع فقالت وهي تتوجه الي بالكلام: ( راسك بتوجعني). و لم افهم كيف ان رأسي انا يمكن ان "يوجع" شخصا آخر! غير انني مع توالي الايام تمكنت من فك كثير من ألغاز اللغتين، الرطانة و "عربي حلفا"، تماما كما فك شامبليون الغاز اللغة الهيروغلوفية، فأصبحت افهم الرطانة النوبية فهما جيدا وان لم اتقن الحديث بها. و لامر ما ساد اعتقاد داخل العائلة الممتدة انني فشلت في تعلم الرطانة، و قد رأيت ان من مصلحتي ان اترك ذلك الاعتقاد ينمو و يضطرد دون تصحيح، اذ كنت قد لاحظت ان الكبار اذا ارادوا الحديث في موضوعات معينة في حضوري قلبوا من العربية الي الرطانة النوبية علي ظن من الوهم انني لا استوعب ما يقال، فكان ترك هؤلاء "علي عماهم" افضل واكثر فائدة بالنسبة لي من تبصيرهم !



    و مع ان جدي عباس افندي محمد ابراهيم كان من ذوي الكسب المقدر تعليما و توظيفا و مركزا اجتماعيا، الا ان عميد ذلك الفرع من العائلة كان بلا منازع هو ابراهيم احمد ابراهيم شقيق جدتي طاهرة احمد ابراهيم. و ابراهيم احمد هو الذي يرد اسمه في الكتب و المدونات باعتباره رئيس مؤتمر الخريجين و رافع المذكرة الشهيرة التي انهت الي ممثلي المستعمر رغبة المؤتمر في حصول السودان علي استقلاله، وقد تولي وزارة المالية في اول حكومة بعد الاستقلال. و كان ابراهيم هذا رجلا مهابا يتمتع بسلطة معنوية اسطورية في اوساط العائله و بين سائر الحلفاويين و ربما بين كل من عرفه و خبر سيرته من السودانيين، فلا اذكر انني سمعت حديثا عنه قط طيلة حياتي في غير لغة التبجيل والاجلال باستثناء ما سمعته من شخص واحد فقط هو الشيخ حسن الترابي. فقد وردت سيرة ابراهيم احمد عندما كنت اجالس الشيخ في رفقة الصديقين الاستاذين حسين خوجلي و خالد فتح الرحمن في العام ١٩٩٥، فقال الشيخ الترابي عن ابراهيم احمد انه كان متشببا بالانجليز متشبها بهم في هيئته و سلوكه، ثم شرع في نوع من التعبير الحركي الجسدي في محاولة لتمثيل جانب من ذلك التشبه المزعوم، و اتبع ذلك بفاصل قصير من ضحكاته المميزة الساخرة. و لعل هذه فرصة مؤاتية كي انهي اليك، ايها العزيز الاكرم، ان في نيتي ان اكتب سلسلة حلقات عن فترة عملي في جوار عدد من الرؤساء و الوزراء و كبار رجال الدولة ابتداء من العام ١٩٧٩، حيث بدأت حضور جلسات مجلس الوزراء واللجان العليا و الوزارية والاختلاط برجال السلطة في مختلف العهود والتداخل معهم و مرافقتهم في المهام الداخلية و الخارجية وذلك حتي العام ١٩٩٠، او لعلني اقف بها عند ٣٠ يونيو ١٩٨٩ فاتفادي بذلك التطرق الي الاشهر التي قضيتها في خدمة نظام الانقاذ لاسباب تعرفها واعرفها. وسيرد في تلك الحلقات بالضرورة الحديث عن شخصية الشيخ حسن الترابي و ساوافيك عندها بالقرائن والادلة علي ان عشقه الخرافي اللامتناهي للتطفيف من اقدار الاخرين و تقزيمهم و السخرية منهم بدون احتراس او حذر من ناحية، و ضعف حسه الامني واستخفافه بما حوله و من حوله من ناحية اخري، كانا السبب الفعلي والاساسي وراء قرار الرئيس السابق جعفر نميري فض تحالفه مع الاخوان المسلمين و محاصرتهم و اعتقالهم قبيل اسابيع من اندلاع انتفاضة ابريل عام ١٩٨٥، و ليس رغبة و ضغوط الادارة الامريكية ممثلة في نائب الرئيس جورج بوش الذي كان قد زار السودان وقتها كما يشيع في ادبيات الحركة الاسلامية.



    كان لابراهيم احمد اشقاء اخرين جميعهم ذوي مراكز اقتصادية واجتماعية مرموقة في العاصمة و غيرها فضلا عن اصهار ذوي بأس مثل زوج شقيقته القاضي محمد صالح الشنقيطي الذي تولي في مرحلة الاستقلال مناصب دستورية رفيعة. و كانت والدتي اذا نشب شجار بينها و بين والدي ذكرته بان والدها هو عباس افندي و ان خالها هو (الوزير) ابراهيم احمد، لكأنها تلمح من طرف خفي بأن اسرة والدي ليست علي ذات القدر من الرفعة و علو الشأن. و لم يكن والدي يقيم وزنا لذلك الهتر و يقول لنا ان والدتكم ناقصة عقل و دين و انها تهرف بما لا تعرف. و الحق ان والدي كان هو نفسه ذي صفة و مقام و هيئة بمقاييس ذلك الزمان فقد اكمل دراسته بمدرسة حلوان الثانوية في ضواحي القاهرة بمصر قبل ان يأتي الي السودان ليعمل بمصلحة السكة الحديد في اربعينات القرن الماضي. و كان شقيقه الاكبر كامل مهندسا تخرج في جامعة الملك فؤاد ( القاهرة حاليا) و هو من اوائل من هاجروا للعمل في المملكة السعودية حيث تعرف علي محمد بن لادن، والد اسامة بن لادن، و عمل معه و قيل انه شاركه في بعض المشروعات الكبري، و لكن ارادة الله شاءت ان يقضي نحبه في حادثة صعق كهربائي اثناء عمله بارض الحجاز. ثم ان خال والدي مباشرة هو العمدة محمد داؤد عمدة حلفا دغيم، و العمودية راسخة عند اسرة اخوال ابي منذ عهد سحيق. و عمودية دغيم ليست مما يستهان به اذ ان دغيم هي رأس وادي حلفا و عمودها و ذروة سنامها. و يذكر السودانيون هتاف النوبيين الشهير الرافض لاغراق النوبة وتهجير سكانها الي منطقة خشم القربة في بداية الستينات: ( حلفا دغيم و لا باريس). و هناك هتاف آخر منغم و مقفّي كان البعض يهتف به عندما يستبد بهم الغضب فيخرجهم عن طورهم وهو: ( حلفا دغيم و لا برلين / خشم القربة يطلّع د.....). و علاوة علي ذلك كان لوالدي اقرباء اصابوا بعض النجاح و كان هو يعتز بهم و بنجاحهم اكثر من اعتزاز هؤلاء الاقرباء انفسهم بانفسهم، ومن ابرز هؤلاء ابن خالته و صديقه عوض عبد المجيد الذي وصل في النصف الثاني من الستينات الي مرتبة نائب محافظ بنك السودان، و لكن والدي كان اذا تحدث عنه الي الاخرين قال انه " محافظ بنك السودان". وقد حدثت في أمر هذا التجاوز احد اخوالي فرد عليّ بالقول: ( ما اصلو ابوك تربية مصريين)! غير ان عوض، مهما يكن من أمر، لم يخيب لأبي ظنا فقد تولي بالفعل في العام ١٩٧٠ منصب محافظ البنك المركزي ثم زاد عليها فأصبح وزيرا للمالية في العام ١٩٨٥. و مع التسليم بان مقارنة عوض بابرهيم احمد غير واردة بتاتا من الوجهة الموضوعية، فان توليه الوزارة قد حسم - علي الاقل من الزاوية الحسابية المحضة - مسألة التنافس الوزاري بين الفريقين بالتعادل الايجابي: وزير واحد لصالح والدتي مقابل وزير واحد لصالح والدي!



    و برغم اعتزاز والدي الشديد بأصله النوبي وبالنوبيين عموما و برغم ان عطبرة كانت تحفل باعداد كبيرة من هؤلاء فان جميع اصدقائه المقربين في المدينة كانوا من غير النوبيين باستثناء احمد امين احمد المهندس الفني في كبانية عطبرة. و يرجع ذلك بصفة اساسية الي ان المجموعة الصوفية الصغيرة التي ينتمي اليها لم تكن تضم في صفوفها نوبيين اذ كان اغلب هؤلاء قد انخرطوا في صفوف جماعات اخري مثل البرهانية و الاحمدية. و لا اكاد اليوم اذكر اسما لتلك المجموعة التي كان والدي جزءا منها، و ربما لم تكن تلك المجموعة تشكل طريقة صوفية بالمعني المتداول، و لكنها علي اية حال كانت تجتمع يوميا للصلاة و القراءات و التجويد و الدروس الدينية في زاوية الحاج ميرغني مختار ( لعل الاسم الصحيح ميرغني مصطفي) بحي العمال. وكان مرشد هذه الجماعة هو الشيخ ماهر اسماعيل شاهين الذي كان يقيم في مصر و لكنه يحضر في اوقات معلومة من كل عام الي عطبرة حيث يتزايد عدد المحتشدين في الزاوية لسماع دروسه اضعافا مضاعفة اذ كان الكثير من غير اعضاء الجماعة الراتبين يحضرون دروس الشيخ القادم من مصر بانتظام. و كان الشيخ ماهر عند حضوره للعاصمة بعد انتقال والدي اليها عام ١٩٨٠ يقيم و يلقي دروسه بمنزل الوالد الحكومي بحي السكة حديد بموازاة جامع شروني. و من اصدقاء ابي المقربين في عطبرة الي جانب الحاج ميرغني، الحاج محمد صالح كرار، الذي عرفت انه كان عضوا في جماعة الاخوان المسلمين عندما قدموه مرشحا لهم في الانتخابات النيابية في النصف الثاني من الستينات، و كذلك الحاج علي ميرغني، وهم من رؤساء العمال و يطلق علي هؤلاء في ورش السكة الحديد رتبا و مسميات مثل ( ملاحظ ) و ( كمندة). و خارج المجموعة الدينية هذه و اغلبها من العمال كان للوالد اصدقاء من كبار الموظفين مثل الطيب عباس مدير شئون المستخدمين و نائبه كرم الله حامد. و من اصدقائه ايضا صموئيل جورجيوس صاحب "محلات الطير الابيض" في سوق عطبرة. و كانت جميع مستلزمات المنزل تأتي شهريا بكميات كبيرة و بانتظام من محلات الطير الابيض، وقد اعرض الوالد و رفض رفضا باتا الانصياع للضغوط التي مورست عليه من البعض للتحول من الطير الابيض الي جمعية الموظفين التعاونية اذ كان شديد التقدير لصديقه صموئيل و كثيرا ما حكي لنا عن بداياته المتواضعة و كفاحه المثابر و نجاحه المستحق.



    شكلت مرحلة الدراسة الوسطي عندي نقلة نوعية من حيث الاتساع النسبي للوعي العام والانفتاح علي قضايا عليا و قد تطور كل ذلك و تبلور في شكل اهتمامات ذات طابع شمولي. و كثير من الفضل يرجع الي بعض المعلمين الذين كان لديهم يقين مطلق بدور وواجب كل من نال قسطا من التعليم في التصدي لقضايا المجتمع بالفكر والعمل. و كنت شديد الاعجاب و التأثر بهؤلاء المعلمين الذين كان الهم العام و تنمية المجتمع و تقويمه يحتل بؤرة تفكيرهم فكانت حياتهم تنقسم بين التدريس و تلمس واستكشاف ملكات و مهارات الطلاب والاجتهاد في تجليتها و تطويرها، و بين العمل علي قيادة المشروعات والبرامج علي مستويات المدرسة و الحي و المدينة ثم علي النطاق القومي. و من هؤلاء المعلمين الذين رسخت اسماؤهم في ذهني المرحوم الاستاذ حسن محمد احمد الجابري و الاستاذ عبد الرحمن سوار الدهب. كان الاول عضوا في الحزب الشيوعي، و قد كان تعقبي لطريق الجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي بعد ذلك نتاج تلقائي لرغبة عارمة في الاقتداء بنموذجه و تحري نمط حياته الذي بدا لي مكتظا بالحيوية الخلاقة حافلا بالثراء المعنوي. في بداية المرحلة الوسطي و بتشجيع مثابر من استاذي عبد الرحمن سوار الدهب كتبت عددا كبيرا من القصائد الشعرية دونتها في كراسة كاملة و لم اتوقف عن المغامرات الشعرية حتي العام ١٩٧٠ حين كتبت قصيدة بمناسبة وفاة جمال عبد الناصر و بعثت بها الي صحيفة الايام التي قامت بنشر بيتين او ثلاثة منها بعد ادخال عدة تعديلات عليها بواسطة المحرر، و كانت هذه اول مرة اري فيها اسمي مطبوعا علي صفحات جريدة و قد تملكتني بعدها ( حمي النشر) و سيطرت علي احلام اليقظة. اقلعت عن كتابة الشعر بحثا عن الطريق الاقصر الي عالم الصحافة و شرعت في كتابة الموضوعات النثرية و ارسالها بالبريد الي خالي المرحوم فؤاد عباس الذي كان وقتذاك صحافيا مرموقا. و قد نشرت لي جريدة ( الصحافة ) اول مقال بعنوان ( اللغة العربية مصدر فخر وإلهام لنا ) و اظن انني سرقت فكرته من احدي مواد مجلة ( العربي) الكويتية. و تلا ذلك المقال عدة مقالات و مواد صحفية نشرت في كل من ( الصحافة) و ( الرأي العام). و كان يخيل الي في كل مرة تنشر لي فيه احدي الصحيفتين مقالا ان كل الدنيا قد قرأته و اعجبت به، فكنت اذهب الي المدرسة في الصباح الباكر و اتعمد المرور امام مكتب المدرسين مثني و ثلاث و رباع علي امل ان يستدعيني احدهم و يقول لي انه قرأ مقالي. وقد حدث ذلك فعلا في عدد من الحالات و كان الاعجاب والاطراء من المعلمين يجعلني اتيه زهوا و يجعل رأسي ينتفخ حتي ليكاد ينفجر. لم اكن اعرف اي طالب غيري في مرحلتي العمرية او الدراسية يكتب مقالات تنشرها الصحف في مدينة عطبرة كلها. و قد استنمت الي هذه القناعة و ارتحت اليها حتي لاحظت ذات يوم مقالا في صحيفة ( الرأي العام) يحمل توقيع ( عبد الوهاب الافندي - مدرسة بربر الوسطي) فشعرت بشئ من القلق و التوجس. و ظهرت بعد ذلك عدة مقالات بنفس التوقيع، و كانت و الحق يقال عالية المستوي من حيث الموضوعات و الصياغة. ولكن نفسي مع ذلك زينت لي ان التنافس القائم بيني و بين عبد الوهاب الافندي لا بد ان ينتهي لصالحي في اجل قريب، فمن يكون هذا الافندي و ماذا تكون بربر حتي يخرج منها كاتب ينافسني في مجال تفوقي و نبوغي الذي شهد به الاعداء قبل الاصدقاء؟! و لم تكن بربرعندي تعدو كونها قرية كبيرة اقرب الي التخلف علي هوامش مدينة عطبرة. وقد عشت علي هذا التصور آمنا مطمئنا لفترة زمنية غاب خلالها الافندي تماما عن شاشات الرادار التي كانت متيقظة لرصد تحركاته، و استيقنت ان الفتي الريفي لابد ان يكون قد ثاب الي رشده و عرف حدوده فلزمها.



    و لكن النبأ العظيم جاء به من لم نزوّد عند النصف الثاني من العام ١٩٧٧ في نهاية السنة الاولي من المرحلة الجامعية، و كنت اقضي جانبا من العطلة السنوية في مدينة باريس. و أثناء تجوالي في شارع الشانزليزيه الشهير في قلب العاصمة الفرنسية في صحبة الصديق و رفيق الدرب ابوبكر عبدالله محمد، الذي يشغل حاليا وظيفة قيادية في جهاز السودانيين العاملين بالخارج، لفتت انتباهي بعض المجلات العربية متراصة علي شماعة حديدية. و كانت المجلة الاولي في العالم العربي آنذاك هي مجلة ( المستقبل) التي يرأس تحريرها نبيل خوري بعد ان ترك رئاسة تحرير ( الحوادث). اشترينا مجلة ( المستقبل) بعد ان تقاسمنا التكلفة - ابوبكر و انا – مناصفة، وغلاء الاسعار في باريس عبر الازمنة هو من قبيل " العلم القضائي" في لغة المحاكم. و ما ان وقعت عيناي علي صفحة الغلاف حتي كدت اسقط علي الارض مغشيا عليّ من هول الصاعقة التي وقعت علي ام رأسي، فقد رأيت اسم عبد الوهاب الافندي علي غلاف المجلة بحروف بارزة. و بعد ان استجمعت اقطار نفسي شيئا فشيئا و جهدت في التركيز قرأت افتتاحية المجلة بقلم رئيس تحريرها نبيل خوري وفيها كتب ان هيئة تحرير ( المستقبل) قد نظرت في سلسلة مقالات بعث بها اليها عبد الوهاب الافندي ووصلت بالاجماع الي قناعة كاملة مؤداها ان ما حوته تلك المقالات يمثل افضل ما كتب في شأن القضية الفلسطينية و جذورها في السنوات العشر الاخيرة، و لذلك قررت المجلة نشر جميع المقالات علي صفحاتها متسلسلة في عدة حلقات. وتهاويت في صمت الي مقعد احدي المقاهي وقد استغرقني تماما احساس ملاكم ملقي علي الارض بعد ان تلقي لتوه ذلك الشئ الذي يسمونه في مضمار رياضة الملاكمة: الضربة القاضية الفنية!
                  

العنوان الكاتب Date
سباحة حرة في نهر عطبرة (مصطفي البطل) abubakr06-18-08, 04:26 PM
  Re: سباحة حرة في نهر عطبرة (مصطفي البطل) abubakr06-18-08, 04:27 PM
  Re: سباحة حرة في نهر عطبرة (مصطفي البطل) abubakr06-18-08, 04:29 PM
    Re: سباحة حرة في نهر عطبرة (مصطفي البطل) الطيب شيقوق06-18-08, 08:08 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de