د.أحمد طراوة ،، د.أحمد القرشي ،، أ.محمد المرتضى حامد --- تعالوا و احكوا لنا عن عثمان حسين ..

Quote: وسيبقى الفراش الحائر مرفرفاً رغم الرحيل محاسن حسن المكي بمشاعر ملؤها الحزن والأسى، نعى الناعي وفاة ورحيل علماً من أعلام الفن والغناء السوداني، ورمزاً من رموز المجتمع والثقافة والإبداع والجمال.. الأستاذ الكبير عثمان حسين ذلك الهرم الشامخ الذي امتدت تجربته وعطاؤه الفني لأكثر من خمسين عاماً.. ساهم بفعالية في تشكيل الوجدان الإنساني لهذه الأمة العظيمة.. فقد ظلّ طوال سنين حياته متوهجاً برؤى الفن والجمال والأصالة والإبداع الذي تأصل وتجذّر في ذاته وأعماقه منذ بواكير حياته الأولى التي تعود مرجعيتها إلى جزيرة «مقاشي» بالشمالية، فتسرب من هذه البيئة التي ضمها الوجد والشجن والحنين والنيل ونال معايير الحسن والجمال منها. فعند انتقاله إلى العاصمة في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي حط به الرحال في منطقة الخرطوم غرب تحديداً حي السجانة العريق الذي كان يموج بالحركة الإبداعية والمبدعين من الشعراء والملحنين والمطربين نذكر منهم إسماعيل حسن، خليل أحمد، محمد حسنين، حسن سليمان «الهاوي»، عبدالفتاح الله جابو، التجاني السيوفي والفنان عبدالحميد يوسف صاحب الأغنية الشهيرة «غضبك جميل زي بسمتك».. فعمل معه الفنان عثمان حسين «كورس» وشاركه في كثير من حفلاته ورحلاته.. وقد تعلّم العزف على آلة العود على يد الموسيقار علي سليمان شقيق الفنان حسن سليمان.. ولابدّ أن نذكر أن الفنان عثمان حسين كان متأثراً في بداية مشواره الفني بشقيقه طه حسين الذي كان يتغنى بأغنيات حقيبة الفن.. وتمضي الأيام ويبدأ نجمه في البزوغ والإشراق.. وقدراته وملكاته الإبداعية في التفتق والجلاء.. ويلتقي بعدد من الشعراء أبرزهم رفيق دربه «الأخضر» الشاعر حسين بازرعة في ثنائية رائعة وحس فني متناغم.. كان نتاجها تلك المفردات الدقيقة والشفيفة تتدفق كشلالات من النور والضياء.. فيضع لها عثمان حسين ألحاناً شجية دافئة عميقة هي الأكثر نفاذاً إلى وجدان المستمع وخلوداً في خارطة الغناء السوداني.. فكانت أجمل أيامي، لا تسلني، ناداني غرامك، أنا والنجم والمساء، من أجل حبي، بعد الصبر، قصتنا، شجن، وهذا المقطع «الشجي»: أنا عارفوا بكره يعود في رعشة ندم ننسى الحصل بيناتنا والسهر اللي كان تصبح حياتنا نغم وعُشنا يبتسم وتعود مراكب ريدنا لي بر الأمان الأستاذ عثمان حسين صاحب مدرسة متفردة وفكر إبداعي متقن، لذلك كان ينتقي ويتخيّر مفرداته من فحول الشعراء.. التقى بالشاعر «الصوفي» قرشي محمد حسن في اللقاء الأول وخمرة العشاق والفراش الحائر ثم اللواء ركن عوض أحمد خليفة، السر دوليب، محمد يوسف موسى، صلاح أحمد محمد صالح، التجاني يوسف بشير، حميدة أبو عشر، محمد البشير عتيق الذي تغنى له بأغنية «حارم وصلي مالك» عام 1940م وهي أول عمل يتغنى به عثمان حسين.. والقائمة تطول.. ونلمح فيها شعراء من الوطن العربي جمعتهم به «أحلى الصلات». وبالإبحار في خضمه العريض نلحظ أنه أحدث تطوراً ونقلة في مسار الأغنية الحديثة.. وهو من ذلك الجيل الذي حمل لواء الكلمة «النظيفة» وقام بإرساء وترسيخ فن رفيع مفعم بالقيم الإنسانية والرسالية والجمالية التي تسمو بالذوق والشعور وتهذّب النفوس وترتقي بها إلى مدارج الجمال والكمال. الفنان عثمان حسين فنان شامل ومتجدد ومشارك في كافة المحافل الفنية والثقافية وقد عرفته الأوساط الفنية والإجتماعية ببساطته وإنسانيته وأريحيته وابتسامته التي تدخل الفرح والسرور في قلوب محدثيه ومجالسيه ومحبيه ومعجبيه.. فقد كان مثل الحديقة الغناء متعددة الأزهار والألوان تعطّر بشذاها وعبيرها كل الأجواء والأرجاء.. بل كان «ربيعاً» للدنيا والمباهج والفنون. وإذا رحل عن هذه الفانية فسيبقى ويظل طائراً مغرداً وفراشاً مرفرفاً ولحناً خالداً نردده في نفوسنا وقلوبنا بالمودة والمعزة والحب والجمال والسلام فكل الرحمة والمغفرة له.. وللشعب السوداني الصبر وحُسن العزاء