بكري .. أ ما كان ينبغي أن تسود الصفحات حداداً على رحيل الشاعر مصطفى سند و قبله فارس

Quote: للاسف الشديد، نحن نجاري وبلا وعي منا، نهج الترميذ لكل ماهو سالب او شرير، بلوننا الاسود، وفقا لمعطيات الثقافة المهيمنة. من ذلك سواد القلب في مقابل بياضه، حيث الاول شر محض والاخير خير محض. لهذا الملائكة بيض مثلا، والشياطين سود! اما الترميز للموت او الحزن بالسواد، فهو الابلغ اثرا، من حيث تعارض المدلول الصارخ هنا، مع خط ثقافتنا العام، فيمااتصل بالموت تحديدا. كدليل علي مدي تجذر المفهوم غير السالب للموت في ثقافتنا، نجد استثناء عدم الترميز له باللون الاسود كما جرت العادة للاسف الشديد. علي العكس، فلون الكفن عندنا ابيض، والزي الرسمي لي مناسبات الوفاة والميلاد ايضا هو الابيض. طبعا احنا بنتخيل "خطا" ان العمة والجلابية مثلا، ذي عربي، انطلاقا من الافتراض الخاطئ اننا عرب وثقافتنا عربية! لنفهم الترميز للموت باللون الاسود في الثقافة الغربية، يتطللب المام دقيق بمكونات وخاصية هذه الثقافة المادية، اللي علي النقيض تماما، وعلي نحو عمودي، من ثقافتنا الافريقية المترعة بالروحانيات. طبعا ووفقا لي مصطلحات جماعات الاسلام السياسي، فهذا "اسلامي" حسب ولعهم العبثي، بالتفريق الي مالانهاية مابين ماهو اسلامي، او غير اسلامي! الموت تحديدا في ثقافتنا، الافريقية، وليس الاسلامية بالمفهوم اعلاه، لايعني نهاية الحياة كما في الثقافة الغربية والعربية، وانما، بدايتها الحقيقية. منذ ماقبل عصر الاهرامات وللاف السنين امن اجدانا بسرمدية الحياة الاخري. لهذا الاهرامات، وقد تم تصميمها للحياة السرمدية الاخري، ظلت باقية الي يومنا، ولااثر لمساكن الحياة الدنيا! مصداقا لهذا، المثل الشعبي يقول: خربانة ام بناين قش! بل لازلت اذكر وصم جدتي لمجرد التساؤب عند صلاة الفجر، بعبارة : دار الهوي! لاحظو ان جدتي كانت تردد كلام غير مفهوم ولامن القران في شئ، في صلواتها! لذات السبب هداهم "اي اجدادنا" ايمانهم العميق بابدية الحياة الاخري الي اختراع التحنيط للموتي! بل وفي صباي في دنقلا، عايشت عادة ترك قنينة الماء مملوءة علي الدوام بالقرب من شواهد القبور! هذا يعيد للاذهان عادة اجدادنا المتمثلة في دفن الاواني المنزلية بل افراد الاسرة الاخرين مع الميت! متي ماوضعنا هذا الاعتقاد المتجذر في ثقافتنا، بسرمدية الحياة الاخري، سنجد اصرار اخونا بكري علي استعمال اللون الاسود كتعبير عن الحزن، في غاية الغرابة من وجهة نظر ثقافتنا، منذ ماقبل عصر الاهرامات!