أختلف الناس حول مقتل الرئيس الأمريكي جون كيندي ، وشهود عيان زعموا أنهم رأوا – مغني الروك أند رول - الفيس بريسلي بعد مماته ، والمؤرخين وعلماء الطب الشرعي أختلفوا حول طبيعة موت نابليون ، فهل مات حتف أنفه كما تقول العرب ؟؟ أم أن هناك من دس له سم الزرنيخ في الطعام ؟؟ الجدل الطويل حول تفسير بعض الأحداث التاريخية في العادة يأتي بعد مرور فترة طويلة من الزمن ، الحادثة محل الخلاف الآن هي حرب الدكتور خليل إبراهيم والتي أستطاع نقلها إلي العاصمة الخرطوم بكل يسر وسهولة ، تفاوتت التفسيرات ، فهناك من أعتبرها غزو تشادي ، وهناك من أطلق عليها غزوة أمدرمان تيمناً بغزوة أنجمينا ، هذه الحادثة فتحت المزيد من التساؤلات عن صلابة الأجهزة الأمنية في عهد الإنقاذ ، وهل هي بالفعل قادرة على تحمل مسؤولية أمن المواطن السوداني ؟؟ أم أنها غثاء ، وجهاز بيروقراطي متخصص فقط في الرقابة على الصحف وتخصيص الإعتقالات ، هناك من يقول أن قوة الأجهزة الأمنية في بداية عهد الإنقاذ مرده إلي تماسك التنظيم الذي كانت تجمع بين أفراده عقيدة دينية راسخة ، هذه العقيدة جعلت كل منتسب للتنظيم شخصية أمنية قادرة على التصدي لأي خطر يواجه النظام بلا مقابل بحكم إعتقادهم بأنهم يحمون دولة الخلافة الإسلامية ، والدليل على ذلك فشل الحركة الشعبية لتحرير السودان في التسلل لمدينة جوبا عام 92 ، على الرغم أن هذه المدينة تقع داخل مناطق التماس ، وعلى الرغم من توفر التجاوب الداعم للحركة الشعبية داخل مدينة جوبا بحكم أن غلبة سكانها من الجنوبيين ، وما يواجهه النظام الآن ليس تفكك الأجهزة الأمنية فقط بل تفكك التنظيم نفسه الذي يفتقر للعقيدة الدينية التي تمثل العمود الفقري للفكر الجهادي ، خروج الترابي ووقوفه الضمني مع الطرف الآخر – حتى مع صعوبة قياس هذا الوقوف – هو من الأسباب التي أدت إلي إنتقال العراك المسلح لمدينة الخرطوم ، في الأحداث الأخيرة ركز النظام على الجانب الإعلامي في المعركة وتأخر كثيراً في الدفاع عن مدينة أمدرمان ، هذا التلكوء ليس سببه إعداد الخطط العسكرية التي تستغرق وقتاً طويلاً من الزمن ، بل سبب التأخر هو توفير الحماية المستعجلة لرموز النظام ، أما المواطن السوداني تأتي مرتبته دائماً في المرحلة الأخيرة ، الرئيس البشير كان خارج السودان لأداء مناسك العمرة ، لكن أين كان وزير الدفاع ووزير المخابرات ؟؟ ، في أيام الحصار الأمريكي على النظام ، وتحت ظل ظروف إقتصادية في غاية التعقيد ، في بداية التسعينات ، كان النظام يشن حرباً ضروساً في جنوب السودان ضد الحركة الشعبية ، ولم يكن يتعلل بالحصار الذي يتسبب في تآكل المعدات العسكرية ، مع أن حرب الجنوب كانت توسعية وتختلف كثيراً عن ما جرى في أمدرمان في صبيحة 10 مايو حيث تهدد رأس النظام مباشرةً ، فالسودان الآن بسبب حصيلة النفط ، وبسبب توقف حرب الجنوب ، وإذا نظرنا إلي حجم مشتريات السلاح المتدفقة من الصين ، كل هذه الظروف ، تمكن الجيش السوداني من ضرب المهاجمين قبل وصولهم إلي مدينة أمدرمان بسهولة ،وتجعله أفضل كثيراً في أخذ زمام المبادرة ، لكن ما حدث هو تقاعس متعمد فرضته مسألة تداخل أوليات حماية رموز النظام قبل حماية الشعب السوداني . من أسخف التفسيرات التي سمعتها عن هذا الإختراق هي الرواية التي تقول أن النظام كان يعلم بتحرك الدكتور خليل إبراهيم ، لكنه سمح لهم بالدخول إلي أمدرمان حتى يسهل إصطيادهم ، فبدلاً من محاربة جيش العدل والمساواة في الوديان والغفار ، وهم مكشوفين من الغطاء الجوي ، من الأفضل محاربتهم في أمبدة ، وفي المناطق المكتظة بالسكان في مرزوق والعشش وابو سعد ، من يروج لهذه النظرية يجب محاسبته وتحميله ثمن كل الدماء التي سفكت ، فهي نظرية سخيفة ومقيتة فيها إستخفاف بعقول الناس ، وهي تعكس تفكير رجل المليشيا الذي لا يملك جيشاً على الأرض ، بل يتخفي بين المدنيين ويستخدمهم كدروع بشرية . لكن التفسيرات والتصريحات المتفاوتة أعطت الحدث المزيد من الدعابة ، بالذات تفسير سفير السودان في الأمم المتحدة عندما سُئل عن الخرق الأمني ، قال : أن أمريكا في أحداث الحادي من سبتمبر 2001 تعرضت أيضاً لخرق أمني !! وشبّه زحف جيش حركة العدل والمساواة على أمدرمان بمجموعة الإنتحاريين الذين هاجموا برجي التجارة في نيويورك ، وهي نظرة مقبولة إذا نظرنا إلي حجم مخاطرة التي أقدم عليها المهاجمون ، مما أدى إلي إرتفاع سعر رأس الدكتور خليل إبراهيم في بورصة المطلوبين ، وصل سعره إلي مائتين وخمسين مليون دولار ، مما جعله أغلى من سعر رأس أسامة بن لادن بخمسة مرات ، ولا أعلم هل سيُدفع هذا المبلغ من إجمالي عائدات البترول قبل توزيع الحصص بين شريكي حكومة الوحدة الوطنية ؟؟ أم من حصة حزب المؤتمر الوطني فقط حصرياً ؟؟ أم من مال دافع الضرائب المغلوب على أمره ؟؟ هذا المبلغ كافي لجعل شركة بلاك وتر تتولي حماية أمدرمان لمدة خمس سنوات ، أنها ثقافة الجوائز وأسلوب المنطقة الخضراء في الحماية الأمنية ، من يعش كثيراً يرى عجباً كثيراً . سارة عيسي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة