ترفع الأرض وجهها ليحدثك التراب عن أناس تعشقهم، بشر أتوا قبل مولد الحزن، عن آخرين أتوا معه وكلهم لا يعرفون إلا وجه الحزن
وفى إفتتاحية الأبجدية الأولى كان المعلم الأول يمسك حرف الحا من يده العليا، يرفعه عاليا ويقفز به فوق شبح المفردات ويتجاوز رهق "الحا" يتجاوزه ربنا الى حب أو حديقة، حنين أو حقل
وقطعا لم يكن الدرس الأخير عن ال – الحب – هدية لعقول الكبار، قبل قلوبهم، بل كان عن ال – حرب-
تنتهى كل الدروس، ولكن أكثر الناس لا يفقهون
أناس فى بلادى أعشقهم يشاركون التراب تفتحه الأبدى يكتبون على ألواحه: إنا قديما كنا هاهنا منذ أزل العشق فما بالك يا هابيل تحتضن الفجيعة
هو منك وفيك وإليك
قاتلا أومقتولا
أناس فى بلادى على وجوههم إتخذ الود موطنه إن هم ضحكوا، تهب السماء أفضل ما فيها من أنس وإن هم غضبوا، تحول الود زلزلة وبحرا من هدير الحمى ولكن، حتى وهم فى غضبهم النبيل ذاك لا تملك إلا أن تهبهم المحبة أناس يرتدون لون الطين جلدا عليهم والنجمات شامات وضيئة ترصع ذلك الأديم الجلدى
ولكن أكثر الناس لا يفقهون
إقتله، إقتلها، إقتلهم
لم تود قتلهم؟ وفى الهواء متسع من شهيق يبذر الحياة فيكم جميعا
لم تود قتله يا قابيل؟
وأنتم ليس إلا فروعا فى شجرة واحدة تهب الظل رائحته تمنح الوطن اسمه وتوسم جباهكم بعلامة البقاء
كيف إذن إن أنتم قطعتموها ستفترشون ظلكم الندى، لترقص على حفيف أوراق دمكم الطينى كل أمنيات الأهل والأحباب والصحاب
أناس فى بلادى أعشقهم، تعشقهم
حين يذهب من يحبونهم يتشحون بالقصائد والرماد والتراب فالتراب تعويذة الحياة لديهم عزيز يمضى الى التراب وهاهو ترابك يا عزيز على رؤوسنا أى حزن زاهى مشع، ذلك الحزن ويلبسون الأبيض حدادا ليس تهميشا للأبيض، بل إجلالا للأسود
أناس يبكون حين تأتيهم بعد غياب ويبكون حين تفارقهم وبين جدران البكاء وصفحات كتاب الفراق فرح يسيل مع الدمع، ومودة بطيبة الأرض والعيون
فكيف بالله لا تحبهم؟ هنا أو هناك كيف بالله يطاوعك القبح، أو أنت تطاوعه تستل بأصابعه مدية خوف لا وجود له إلا فى بطن الوهم وتغرسها فى صدر الحب، وتقتلهم؟ وفى الوقت متسع من الضياء، لتغرس نخلة وسنديانة وبانة وأبنوسة على صدر الأمل الوضئ
ولكن أكثر الناس لا يفقهون
يا قابيل لن يصير دمك ذهبا أو ماءا ولن يخلع جلدك ثوبه الطينى عنه ولن تجد من يحبك، إن أنت حالفت الهزيمة فى رؤاك وتخاصمت مع أحلام الأرض إكتب إسمك على صفحة روحك وليشع السناء وتفنى خيبات الموت و الفناء، ولتزهر بسمات البقاء
لتهزم الضياع فى عيون ذلك المكان، ليبقى عشق أسمه السودان إن ضاع ضعتم، إن ضعتم ضاع
ولكن، أكثر الناس لا يفقهون
05-12-2008, 08:49 AM
أبوذر بابكر
أبوذر بابكر
تاريخ التسجيل: 07-15-2005
مجموع المشاركات: 8610
ترنيمة النهر نحن كلما مرت دمعة تحت عرائش التعب تصطك فينا مفاصل الأمانى تؤرقنا سقيا العظام الخائفة ونحن كلما نام ظل توسد قبر جسده يستيقظ الغمام فينا ليصعد نوم الظمأ إلى مراقد النهر ليهبط خرف الطين على لهاة الأغانى نحن جرح الموج النائم بين بكاء الماء وضحك الجمر
05-13-2008, 07:33 AM
أبوذر بابكر
أبوذر بابكر
تاريخ التسجيل: 07-15-2005
مجموع المشاركات: 8610
قالوا انها شجرة عمياء مات ظلها صبيا فاستعارت أعين الخواء تقتات رائحة الفجيعة محرمة على الطير والشعراء فلا تأكلوا إلا قليلا ثم اهبطوا الى دماءكم أو تدثروا بخيانة الأرض بنزق الشمس الفاضح أو بموات الأسماء
قالوا انها حكاية مثقوبة جلست فى قفرها خرائب الأيام وما خلفت وراء نومها سوى حفنات من جمر الأحلام اقداما من قصب الشوق أحذية من طين الذكرى وقميصا موبوءا بالدمع كأخيلة الأيتام
قالوا انها محض نبوءة هرمة تختزن الهزيمة تهدم صحو الغناء بمعاول الرماد ولا تصلح إلا للبكاء أو معاقرة السهاد أو كتابة وجه الجرح أو الرقص قريبا من جسد الخوف فى حلقات الوقت الخائر أو الجلوس بين يدى آلهة العناء أو لأن تكتب ميثاق القرب بالإبتعاد
قالوا انها ليل تحرسه شمس سُرقت عيناها وعلى الأبواب إنتصبت أسوار من صمت وحجر تتسلقها على أكتاف العتمة أقمار كى تقتات حلمها الأخير من موائد الأسى أو من مواسم الضجر عرجت فوق براق مكلوم كى تعزى السماء فى مآتم الظلام لتدلق أنخاب موتنا المرير أو لتزيل رجس إسمها وإثمنا أو إسمنا و إثمها من لوح سيئاتنا المحفورعلى معابد السراب أو تستبدل ماء الحضور بنار الغياب
قالوا انها زيف النهار فلتعلو يا زبد الضوء ولتسرق وقتك منا ولتخبر كذبك عنا إنا نحن المتعَبون نلوذ بظل فوق النار إنا نحن المقتولون نقايض جسد فضيحتنا بخيبات الروح أو بما يتيسر من جروح
وطنا بقصيدة أو موتا و بوار
05-14-2008, 11:12 AM
أبوذر بابكر
أبوذر بابكر
تاريخ التسجيل: 07-15-2005
مجموع المشاركات: 8610
كان الوقت خريفا صبيا، ممعنا فى دفق النشوة، وقد بدأت أصابع الغيوم تغزل مفارش الخضرة وتبسطها على الأديم الموشى ببقايا إصفرار ظل منتبها منذ موسم خلا، وأبى إلا أن ينتظر مقدم المطر
كنا مجموعة من أصدقاء أصفياء، قررنا الذهاب الى حيث تلكم الملهمة العذبة الشهية
كان الوقت محبة وصفاء، وكانت الدنيا لا تزال تهب طعمها الكامل
ظلت العربة القوية تنساب على أرض ندية، ونحن نولى الأرواح شطر الشمال تاركين "نيالا" ليس خلفنا، بل على ركن قريب فى القلب، فقد كانت ملامح قصة عشق جميلة قد بدأت للتو بين القلب وذاك الوادى الحبيب
بدأنا المسير شمالا، وكانت أهازيج "ود أب قزه" لا تزال ممسكة بشرفة الطرب النقى فى نفوسنا
هذى هى دارفور
دار إلفة عجيبة، ساحة حب إلهى زاهى وكامل المعنى
أناس معطونون برحيق ختامه أصالة وجمال مطلق فى الروح والهيئة، دار تهبك نفسها دونما عناء، كرم وزلفى لوجه الله والمحبة، ولا تملك سوى أن تحنى هامة الدم شكرا وعرفانا لهم، إنهم الأهل، إذا أردنا أن نهب الكلمة معناها الأصيل
مشوار بين وهاد وهضاب، تتراءى وكأنها تلوح بأيديها وتغريك الود، وددت والله لو أن نترجل ونحتضن تلك البقاع الباسمة
الى الأعلى كانت السحب تظلل موكب الفرح ذاك، توفر ظلا ملونا، معطرا بعبق نسمات ليست كمثيلاتها، ولا عجب فهى آتية من ربوع تشبعت بأريج سماوى وطيبة أرض ونفوس لا يدانيها سوء
وفجأة لاحت العروس
أطلت علينا وهى تتربع على ذرى شامخة، كا، الإله قد سكب كل ما تبقى من خضرة عليها، ووهبها ذلك الحسن العالى
يا للسحر ويا للعجب
كان أكثرنا إندهاشا، ذلك الفنان، أو مشروع الفنان آنذاك، صديقنا الحميم "صلاح سليمان" فقد رأيناه فجأة وهو ينتصب واقفا على ظهر العربة، واضعا كفيه على رأسه وهو يصيح
الللللللللللللللللللللللللللللللللله
ودونما شعور منا أيضا، أخذنا بعبقرية وسحر المكان
أهذى هى أنت يا "سونى"؟
أهكذا دائما يحتوى شرق الأشياء على كل السحر؟
أطلت شمس الظهيرة بوجهها المذهب من بين بعض غيوم، وكأنها تقول
ألم أقل لكم، ألم أخبركم عن هذه العروس
وصل الركب، وقد سبقه هيام ووله معلن، ها قد أتيناك يا "سونى"، ركابنا الشوق والمحبة وكل التقدير والمعزة لك ولأهلك
نثر الود كما لم يكن من قبل
"عافية"
"سلام"
"عافية"
تبادلنا التحايا وأعلنا محبتنا للناس والمكان، إشتعل المدى فرحا، ةتسربت الخضرة من حيث هى الى عمق الدواخل، تؤصل روابط العلاقة وتؤكد رسوخ اليقين بأنا نحن هم وهم نحن، فمن العسير أن ينسكب كل هذا الإحساس دون مجاملة أو قصد، أن تنداح مثل هذه المشاعر دونما قصد أو سابق قرار، إلا أن يكون ما بالدواخل متماثلا، وإلا أن يكون الحب نابعا من أقصى بحيرات الصدق القابعة داخل النفوس
"فى سونى بى شرق الجبل تشعر كأنك جوه جنة"
هكذا غنى المغنى، وهكذا رددنا نحن معه
قلت لصلاح، لم لا تجسد لنا هذا الشلال القادم من حدائق القمر يا صلاح
أذكر أن قال لى
هذا الشلال، وهذه البقعة، قصيدة، بل ملحمة عصية على السرد، وكيف سيتأتى للوحة واحدة أن تحتوى كل هذا السحر الفردوسى
وقد صدق
أشياء ومناظر لا تستطيع وصفها مهما أوتيت من سعة فى الخيال، جمال كامل القسمات، الأرض مطرزة بألوان الزهور والأعشاب التى لا يمكنك مقاومة الخوف من أن تدوس عليها، وأنت سائر يعترض خطواتك مجرى مياه كوثرية الملامح، من اين أتت أو الى أين تذهب، لن تعرف ابدا، فما عليك سوى أن تغريها السلام والحب وتمضى
الناس هناك لهم طعم الأرض وطيبها وطيبتها، لهم شموخ ذلك الجبل وعلو هامته ولهم سمو معناه وأصالة تاريخه
هناك وعلى ذلك الجبل، قامت الممالك تشرح وتفسر معنى العزة والقوة والأصالة للآخرين، هناك التحمت السحنات وتمازحت القسمات وعملت الدنيا كيف يكون الصدق وسماحة الأرواح
وهناك الآن، يعانى أؤلئك البشر الأشجار لا لشئ سوى أنهم أرادوا أن ينحت إسمهم على خد ذلك الجبل، ليس إمعانا فى شهوة التملك والإستحواذ، بل تكريسا لإنسانيتهم الفارهة الباذخة
هناك، تركنا والله جزءا من الروح، تطوف وتحى الأهل، وتركنا قسما من الحلم، ونرجو الآن أن يزور مضاجع الأطفال وينثر فوق حدائق نومهم، الأمل والفرح والحلم أن تشرق الشمس وتهب الورد والفراش، القلم واللوح والكراس، أن تهديهم لحظة أمن وطمأنينة وسلام، تحمل بيد سلة مملوءة بخبز المحبة ومحبة الخبز
فلتسكن هناك يا حلمنا القديم خذ مكانك على ضفاف الجرح والنواح حدث الأطفال عنا إنا قد سئمنا الخوف ضع غناءك أمام عيونهم وبسمة فى وسامة الصباح
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة