«كتابة الموت» فـي الفكر الغربيّ المعاصر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 02:15 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-07-2008, 11:27 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
«كتابة الموت» فـي الفكر الغربيّ المعاصر

    «كتابة الموت» فـي
    الفكر الغربيّ المعاصر


    مصطــفى الكيـــلانــي
    كاتب من تونس


    --------------------------------------------------------------------------------


    يهدف هذا البحث إلى بيان أهمّ المراجع الخاصّة بفلسفة الموت في الثقافة الغربيّة المعاصرة. وهو يندرج ضمن عمل ضخم سعينا إلى توفير مادته المعرفيّة على امتداد أعوام من القراءة والتجميع. إنّ البحث في قضايا وعي الموت هو بعض من البحث في إشكاليّة الوجود، ذلك المجال الأوسع مدى، لعُمق ارتباطه بالمسألة الجماليّة وبموضوع الكتابة على وجه الخصوص وبالعمل الفنيّ والفعل الثقافيّ والحضاريّ، أي بما هو أرحب أفقا وأشمل تناولا بحثيّا...

    ١ وعي الموت الغربيّ المعاصر:

    التماثل والاختلاف

    وإذا « فلسفة الموت» تمثّل حجر الزّاوية في هذا البحث المتعدّد الحقول، المختلف الوسائل والغايات، لذلك اتّجهنا ضِمْنَه إلى عرض بيبليوغرافيّ يقارب توصيف النتائج التي أفضت إليها المباحث المقروءة وتنزاح عنه في الآن ذاته إلى طرح قضايا جماليّة، لا شكّ أنّها تفيد ثقافتنا العربيّة راهنا وتُحيل على تراث معرفيّ في حقل عام أدرجه القُدامى ضمن ما أسموه «المَعَاد»، على أساس الإثبات المطلق لمصير الكائن مُمَثّلا في البعث بعد عذاب القبر، وتحديدا المآل الذي هو الثواب أو العقاب، الجنّة أو النار.(١ وقد ارتأينا، لاتّساع مجال المدوّنة الخاصّة بفلسفة الموت في الفكر الغربيّ المعاصر، التوقّف عند المراجع التاليّة:

    أ- «هكذا تكلّم زرادشت» لفريديريك نيتشه، وإن انصرف اهتمام هذا الفيلسوف إلى موضوع الموت في مُجْمَل أعماله. إلاّ أنّ هذا الكتاب يقارب بين النقائض ويخوض في قضايا حِكميّة ذات اتّصال وثيق بفلسفة الوجود استنادا إلى اللاّ- معنى الكامن في حدث الموت وردّ هذا اللاّ- معنى إلى الوجود قصد البحث عن معنى مّا، سنسعى إلى محاولة إبانته في هذا البحث التمهيديّ المختصر.

    ب- «الموت» لفلاديمير جانكلفيتش وما تفرّع عنه من أعمال في الموضوع ذاته. وتُعْتبر أعمال جانكلفيتش أشمل الكتابات وأدقّها حول الموت لاطلاعها على أمّهات المراجع في المجال البحثيّ المذكور، عند الإحالة على مختلف العصور، والاهتمام بدءا ومرجعا بوعي الموت في الفكر الغربيّ المعاصر، على وجه الخصوص.

    ج- «الإنسان تجاه الموت» لفيليب آرياس «ومقالات في تاريخ الموت في الغرب، من العصر الوسيط إلى اليوم».

    ولئن اتّجه اهتمام آرياس إلى البحث الإنسانيّ (anthropologique) ودراسة القبور والحفريّات الخاصّة بها فإنّ بُعْدًا من أعماله يشمل السؤال الفلسفيّ الخاصّ بالموت...

    د- «صميم الذات» لـ إدغارموران، الّذي يُقَارب الموت، عَوْدا إلى تجربة مَرض قارب فيها الباحث مجال الموت بالحدْس والعقل المفكّر معا، وتوصّل إلى عديد النتائج الهامّة الّتي، لا شكّ، أنّها ستثري هذه القراءة.

    وإذا وصلنا بين مختلف هذه المراجع الأساسيّة في دراسة وعي الموت الغربيّ المعاصر توفّرالبُعْد الأنطلوجيّ في «حفريّات» نيتشه العميقة الجذور الجامعة بين تراثات معرفيّة فلسفيّة تعود بنا إلى أقدم العصور والثقافات والحضارات وبين راهن الفكر الغربيّ، والشمول المعرفيّ الخاصّ بفلسفة الموت لدى جانكلفيتش واستقراء وعي الضمير المفرد في ارتباطه بالغيريّة القريبة والبعيدة، والأفق التاريخيّ الّذي يرصد الأطوار الكبرى في مَسَارّ الوعي المذكور بِمَرْجعيّات فلسفيّة وإناسيّة تقارب بين الأثر الحسّيّ ودلالته الاجتماعيّة والنفسيّة والوجوديّة، وبين الحضور الذاتيّ على أساس تجربة فرديّة قاربت الموت بالمرض، ثمّ استعادت الصحّة لتستقرئ المحنة، دون مسبق معرفيّ، لدى مُوران.

    وبهذا التنوّع والتعدّد في المقاربات المذكورة يكتسي وعي الموت الغربيّ المعاصر صفَتيْ التماثُل والاختلاف، نتيجة الانتماء إلى مناخ ثقافيّ وحضاريّ مشترك ولتغايُر الذوات المفكّرة الباحثة في سياق عامّ يسمح بمغامرة التفكير الحُرّ خارج أطواق الوثوقيّة والتعصّب للمسبق والثابت والنهائيّ.

    فكيف تختلف هذه القراءات لتتآلف، وتتآلف لتختلف؟

    ٢ فريديريك نيتشه:

    إعادة النظر فـي الحياة بتفكير جديد فـي الموت

    آنَ الرجوع إلى «هكذا تكلّم زرادشت» تفاجئنا جملة- وتد، هي بمثابة الحكمة المرجعيّة القائمة على سؤال لماذا نَحْيا؟ ومفاد الإجابة هو أنّ الحياة شبيهة في«حقارتها»، على حدّ عبارة نيتشه، بالمقاومة السلبيّة أو الاحتراق دون الإحساس بالدفء (٢

    إلاّ أنّ صفة العجز الكامنة في الإنسان، نتيجة الموت الحتميّ، هي الّتي استوحى منها نيتشه مبدأ «الإنسان الأعلى»... فلولا هذا العجز لما اتّضح مفهوم القوّة، شأن الحياة لا تعني أيّ شيْء من غير موت..، بل قد يُشَبَّه الإنسان بالنّهر الملوّث الّذي يحتاج إلى بحر.(٣

    وإذا الحكمة، كما أوردها نيتشه على لسان زرادشت، تكمن أساسا في مغالبة الموت لإثبات حقّ الكائن في التفرُّد. وما الإنسان، بهذا المنظور، سوى إمكان محدود تجاه ما تحتمله الذات من مدى الاقتدار على التجاوُز. (٤

    وكما يبحث نيتشه له باستمرار عن لغة استعاريّة لتقريب المعنى من الذهن أو تحويل المعنى الهارب إلى بنية للمعنى سعيا إلى محاولة تثبيته بالمجاز اللّغويّ تتعدّد وجوه التّشبيه بأسلوب الفيلسوف الشاعر، «كالنّهر الوسخ» يحتاج إلى«بحر واسع» يحتضنه ويُزيل أدرانه، شأن «الإنسان» و«الإنسان الأعلى» أو «الحبل» المشدود بين «الوحش» و«الإنسان الأعلى»، أو وصف الإنسان «بالجسر»الّذي لا يعني هدفا أخيرا بل عبورا وسقوطا«في الآن ذاته(٥، أو قطرة ثقيلة تسقط من «سماء مرعدة». (٦

    وبهذا المفهوم تصبح الحياة، شأن الإنسان، بعضا من قضيّة أزليّة، هي الموت، بناء على التسليم بالكارثة (le chaos)، إذ ينبثق وعي الموت لدى نيتشه، في الأساس، من حقيقة اللاّ-معنى، ذلك اللاّ- مسمّى، مرادف الكارثة افتراضا، ولعلّه «الأصل» الّذي به نقارب المعنى الأنطلوجيّ التقريبيّ لكلّ من الحياة والموت...

    وكما يفترض الرماد نارا أو إذكاء لنار فإنّ الصفة الكارثيّة للعالم والإنسان تستدعي إصرارا على إكساب اللاّ- مسمّى تسمية واللاّ- معنى معنى، شأن الفوضى الّتي تنشئ نظاما والنّظام الّذي يلد فوضى.

    فلا إمكان، إذن، لتغيير الطبيعة، بل هو الإقرار بقوانينها، مع إثبات الاقتدار الإنسانيّ على إكساب الوجود أفقا آخر أكثر اتّساعا بإكساب الحياة والموت معا معنى مّا، إذ من الموت ينبثق المعنى الممكن للحياة، ومن الإنسان ينبجس مشروع «الإنسان الأعلى»، لدفع الحياة إلى أقصى حالات وجودها وإكساب الموت معنى مّا بالحياة النبيلة المرتجاة...

    لقد أدرك نيتشه وحشة الوجود وضآلة الموجود، إلاّ أنّه ارتأى في الاتّجاه الآخر إمكان تمعين الموت بالحياة وتمعين الحياة بالموت، رغم أنّ الموت حادث بسيط متكرّر في نظام الكلّ الخاضع، هو الآخر، لقانون التكرار (العود الأبديّ)... فلا تمعين لهذا الغامض الحقير إلاّ بالإبداع الّذي يستلزم الإحالة على الحياة، لأنّ «الّذي يبتكر يختار رفاقا له، لا جثثا»، والّذي يبدع يبحث له عن الّذين يبدعون معه، لإنشاء «قيم جديدة وطاولات جديدة أيضا». (٧ على أساس الانتماء إلى الأرض والافتخار بهذا الانتماء (٨ واللّواذ بالجسد حيث اللاّ- معنى يضحي إمكانا للمعنى والوجود يتحقّق بفعل الإرادة، والإرادة لا تكون إلاّ بالجسد، مكمن الحكمة ومبعثها ومجال «الحرب» و«السلم» معا، الفعل والاستكانة، التمرّد والإذعان لطبيعة الأشياء...

    وإذا الشعور الحادّ بالانقضاء هو أهمّ حافز على إنشاء أخلاق جديدة تنتصر للإنسان الأعلى على الإنسان، بمفهوم مختلف للفضائل، وفي ذلك جمع خاصّ منفرد بين الذريعة الأخلاقيّة الّتي تكسب الوجود معنى وبين المعنى الأخلاقيّ المتعدّد الّذي يصدر عن رغبة جامحة في إكساب الإنسان صفة الكائن الأخلاقيّ القادر على بلوغ أعلى المراتب في الوجود رغم بُهمة اللاّ- معنى الملتفّة به المندسّة في أدقّ صفاته الحادثة أو الممكنة حدوثا.

    فكيف يُجاوز الإنسان ذاته؟ هل بِحُبّ فضائله الّتي بها يهلك في الأخير، على أساس التسليم بأنّ الحياة المقرونة بالفضائل تُكسب الإنسان صفة الكائن القادر على تجاوز ذاته بإضفاء معنى ما على وجوده؟ وكيف نشحن الإنسان بإرادة القوة ليبلغ أعلى الذرى فيشرف على مسرح الوجود كاملا ويستهزئ من الجدّ الكاذب الماثل في الحياة بتحويل ذلك الاستخفاف إلى فعل إرادي يسم «جحيم الحياة» أو «مهزلة الحياة» بمعنى ما، «بالحب» و«الجنون» معا، إذ «صحيح أنّنا نحبّ الحياة لاننا لم نعتد على الحياة بل على الحب. وهناك باستمرار بعض من الجنون في الحب. ولكن هناك أيضا باستمرار بعضا من الجنون في الحبّ.» (٩ ؟

    فتتقابل «الخفّة» و«الثقل»، الحركة والرسوب، لأنّ الثقل في تدليل نيتشه يعني البقاء في أسافل الوجود، ولا انتصار على الثقل والهلاك معا إلاّ بالحركة، أي الارتفاع بالجسد في أعتى حالات إدراكه الإداريّ إلى أعلى ذرى النشوة في سماء الأنا...

    وما الحياة، بهذا السعي، إلاّ «سُمّ قليل» يفضي حتما إلى «سمّ هائل» يتجسّد حدوثا بالموت. فيخضع الكلّ، سواء كانوا أخيارا أو أشرارا، لقانون الانتحار «الطبيعيّ. إلاّ أنّ الإنسان يستطيع بالفضائل تحويل»الثقل«إلى خفّة مّا والبهمة إلى بعض من الانكشاف، كما يكتسب هذا الانتحار صفة الحياة بالحبّ والجنون والعقل في الآن ذاته... وما الإرادة الّتي بها يرتفع الإنسان عن أحطّ المراتب في الوجود ليحقّق مجده بالإنسان الأعلى إلاّ وليدة نشأة «الأنا» والأخلاق البدائيّة القائمة أساسا على ثنائيّة الخير والشرّ... غير أنّ الاكتشاف الأنطولوجيّ المذهل في التفكير النيتشهيّ يظهر، على وجه الخصوص، في «الأنت»، الّذي لا يمثّل ضميرا قائم الذات، بل تسمية للأنا في بدائيّته، وهو الأقدم وجودا من الأنا. فيحدّ «الأنا» «بالأنت»، ويظلّ «الأنا» حركة دائمة نحو المستقبل. (١٠

    ولئن زخر «هكذا تحدّث زرادشت» بالحكمة في مواضيع شتّى تخصّ الكائن البشريّ، فإنّ الموت هو الموضوع الأساسيّ الّتي تعود إليه كلّ الحِكَم، لأنّه الحافز الأوّل على الحياة ذاتها، كأن تدعو الحكمة على لسان زرادشت «أن نموت في الوقت المناسب»، لأنّ الّذي لم يعش زمنه كاملا لا يمكن اعتباره قد مات، بل لعلّه لم يولد مطلقا... (١١، حسب المجاز النيتشهيّ...

    وبهذا المنظور يزول الحدّ الفاصل بين الحياة والموت، كأن يكتسب الموت معنى ما بالحياة ولا تكون الحياة إلاّ بالموت.

    وكأنّنا لحظة التفكير في الموت، بالمفهوم النيتشهيّ، ندرك الوجه الآخر للحياة، بإرادة الحياة ذاتها وبما هو أوسع مدى من اللّغة، إذ رغم «الشر» يوجد عالم آخر مجهول للاكتشاف، ورغم البهمة هناك ألفاظ هي الأكثر صمتا والأقدر على إنشاء العاصفة، «شأن الأفكار الّتي تحملها أجنحة الحمام، فهي الّتي تقود العالم...» (١٢

    إنّ أيّة حقيقة في أقوال زرادشت-نيتشه هي مشروع حقيقة، ولكنّ الثابت في زحمة الاختلاف ونسبيّة المعنى أنّ إدراك الأصل، الماضي أو البدء الأوّل، يعني امتلاك الاقتدار على إدراك منابع المستقبل ونُشدان الجذور الجديدة(١٣.

    فهذا «الماضي-المستقبل» هو الّذي نستطيع به أن نعيد النّظر في الحياة ذاتها بتفكير جديد في الموت لتحرير الفكر واللّغة معا من مسبق التفكير في الأصل الجاهز والحقيقة الساكنة الخاضعة لدلالة الواحد الثابت المستعاد...غير أنّ تفكيك بنية النظام الموروث وكسر العادة وتبديد الكثافة المستبدّة بحريّة التفكير لا تعني نفي النواة الّتي بها يكون الفرد فردا والكائن مختلفا عن غيره من الكائنات. إلاّ أنّها نواة متحرّكة لا تقرّ وسطا بعينه، لأنّ الوسط موجود في كلّ مكان، واللحظة هي سيّدة الموقف، لأنّها الوحيدة الّتي تكسب الوسط صفات التعدّد والحركة خارج سبيل الانتظام الواحد...

    لقد سعى نيتشه إلى كسر الخطّ الواحد لمفهوم الأبديّة وأكسب التكرار صفة «العود» المختلف بناء على التغاير والتغيّر، إذ كلّ شيء يمضي ويعود من غير أن تحتكم الحركة لهدف بعينه، بل يفنى كلّ شيء لينشأ من جديد، وعلى شاكلة جديدة. وكلّ شيء ينفصل. غير أنّ نواة الوجود تظلّ باستمرار مخلصة لذاتها، إذ الوجود يبدأ في كلّ لحظة، وحول كل«هنا» يوجد الـ«هناك»، وبين الـ«هنا» والـ«هناك» وسط في طريق الأبديّة، يمثّل خطّا غير متّصل...( ١٤

    وكما دعا زرادشت - نيتشه إلى التحرّر من عتمة الموت بإكساب الموت معنى مّا في الحياة وخلّص الحياة من مسبق المعنى، فقد حرص على إنهاء الأكذوبة القائلة بأنّ اللّغة هي أصل الكائن (ماهيّته) ومرجعه وأساس وجوده، بل اتّضح لزرادشت- نيتشه أنّ اللّفظ هو علامة «الثقل»، لا الخفّة»، واللّغة وجه آخر لنسيان الكينونة أو الانحراق المفجع لها عن الأصل»، البدء الأوّل.

    فكيف التوسّل باللّغة ضدّ اللّغة في تناول سؤال الموت من خلال الحياة واعتماد الحياة في التدليل على الموت؟

    ٣ فلاديميرجانكلفيتش: من لا يقدر على الموت لا يستطيع أن يحيا أويموت.

    لماذا انصرف اهتمام جانكلفيتش إلى الموت وهو في اعتقاد أصدقائه وعامّة الناس موضوع عديم الجدوى، لا يمكن أن يؤدّي الخوض فيه إلى نتائج محدّدة ؟ (١٥

    إنّ الحافز الأوّل على هذا الاهتمام هو موضوع الموت ذاته الّذي يجمع بين السذاجة والتفاهة والمأساة، باعتباره الحدّ المقابل أو الوجه الآخر للولادة، إذ الحياة وسط بين الولادة والموت، والفراغ يسبق الولادة كما يعقب الموت.( ١٦ وكما تبيّن لبرجسون، في قراءة جانكلفيتش له، أنّ العين أداة الإبصار، وهي، في الآن ذاته، الحاجز الّذي يمنع توسيع النظر، إذ في الأقاصي أشياء لا يمكن للعين إبصارها، فإنّ الجسد، في تقدير فلاديمير جانكليفتش، إمكان للإدراك واستحالة له، لأنّه مهدّد في كلّ لحظة بالمرض والموت، على أساس الإقرار بـ«الواقعيّة الوجوديّة» الّتي تقول بأنّ «شرط الموت الحياة، وشرط الحياة الموت» (١٧.

    وبناء على هذا الإقرار بالتواصل والتلازم بين الحياة والموت يمثل لنا الموت مجالا بحثيّا قائم الذات ومرجعا أساسيّا للخوض في أخطر القضايا الأنطلوجيّة الخاصّة بالكينونة.

    فما هو الموت تحديدا لدى جانكلفيتش، عند التخصيص ومحاولة النظر في الدقائق والتفاصيل؟

    إنّ الموت ظاهرة بيولوجيّة، كالولادة، والشباب والشيخوخة، وهو أيضا ظاهرة اجتماعيّة مثل الولادة والجريمة على سبيل المثال، لا الحصر... (١٨ كما يصل الموت بين الطبيعة والإلغاز، العادة وتجاوز العادة، الإجراء أو التأجيل والحدوث المفاجئ، الغياب ثمّ الظهور حدّ الفضيحة، كأن «يوقظ في النفوس، وخاصّة في نفوس الأقارب حبّ الاطّلاع والرعب...( ١٩ فيتركّب وعي الموت المعاصر، في تقدير جاتكلفيتش، من ضمائر ثلاثة في سياق واحد مشترك: الأنا» والأنت» و«الهو».

    فلم يعد الموت موت الآخر فحسب، كما هو الشأن في ماضي الوعي، بل إنّ موت الآخر يعني أيضا، وبالضرورة، موت «الأنا» القادم، تماما كالأجراس تدقّ لتنبّه إلى خطر قادم يتهدّد «الأنا» باستمرار، بضرب من التذكير. (٢٠

    وبهذا الانقلاب في الوعي استحال الموت تفكيرا فرديّا وإمكانا للحياة، إذ نحيا لنموت ونموت لنحيا، ونموت في الحياة ذاتها بهذا التفكير الفرديّ الدّائم في الموت...

    فكيف تختلف الضمائر الثلاثة لتتواصل في اشتغال وعي الموت الحادث؟

    إنّ الـ«هو» مرادف الآخر البعيد الّذي اقترن مفهوم الموت قديما به وانحصر فيه، وهو في بنية وعي الموت الحادث، ليس إلاّ ضلعا في مثلّث مفهوم الموت. ولئن تغيّرت دلالاته العامّة فقد ظلّ دالاّ على الإرجاء، إذ لا يعني موته بالضرورة الموت العاجل للأنا.

    أمّا الـ«أنت»، فهو الآخر القريب، إذ يمثّل حالا من التردّد بين الإرجاء في حضور «الأنا» وبين معنى الحدوث التراجيديّ بوعي الأنا الحادّ...

    وأمّا «الأنا» فهو اكتمال وعي لحظة الموت وانقضاء حال الإرجاء تماما...

    ولئن اتّصف موت الـ«هو» بالتعميم واللبس والتنكير، قريبا من معنى الموت المحض، كالّذي يتمثّله في العادة الطبيب ويتعامل معه فإنّ موت الـ«أنا» خاصّ، كأن يتحوّل ضمير الوعي من الجمع إلى الإفراد، ومن التنكير إلى التعريف.( ٢١

    وبين صفة التنكير الخاصّة بالضمير المفرد الغائب (هو) والذاتيّة التراجيديّة للضمير المفرد المتكلّم (أنا) تنشأ حال من الاشتراك بين الضميرين المذكورين، ذلك المفرد المخاطب الّذي يبدو ماثلا في تخوم «الأنا» القريبة، بمثابة البوّابة المتحرّكة الواصلة بين صميم الذات وأبعاد الآخر.(٢٢

    وإذا حاولنا استحضار الروابط بين مختلف هذه المواقع تبيّن لنا الترسيم التالي، وقد استخلصناه من قراءتنا لمجمل صفات الضمائر الواردة في تحليل جانكلفيتش:

    فبين العامّ والخاصّ توجد حال من الاشتراك تضفي على موقع الـ«أنت» صفتَيْ النسبيّة وسرعة الانتقال الدّلاليّ بين الحدّين، كأن نذكر الأمّ أو الأب أو الأخ أو الأخت أو الزوجة أو الصديق، لتنشأ العلاقة بين «الأنا» والـ«أنت» بالمجاورة والتّداخل.( ٢٣

    وإذا الموت، نتيجة الارتباط بين الضمائر الثلاثة، مقترن طيلة حياتنا بالمستقبل، خلافا للولادة الّتي تعني الماضي الهارب.

    وكما يحدّ وعي الموت بثالوث الضمائر المذكور فإنّه يعمق دلالة بالأنا الّذي يمثّل حركة اطّراد بين ماض ومستقبل منفصلين، ماض تحقّق ومستقبل هو في الطريق إلى التحقّق عاجلا أو آجلا.

    ولأنّ الموت يحدث للآخر، بحكم رؤية الآخر بالتباعد، فإنّ الـ«أنا» لحظةَ يموت يتوقّف كلّ شيء ليضمحلّ، بما في ذلك الموت ووعي الموت.( ٢٤

    فبَيْن الانقضاء والحضور والتأجيل يتّسع أفق التناول البحثيّ لموضوع الموت في كتابات فلاديميرجانكلفيتش الّتي انتهجت البحث الأنطلوجيّ في «ظاهرة الموت»، كما هي، دون الالتزام بتوجّه مفرد، إذ الموت يحدث مرّة واحدة، وبصفة خاطفة، ثمّ ينقطع ويتلاشى، وكأنّ شيئا لم يكن، وبذلك يستحيل معرفته في ذاته أو عند التوسّل بالما- وراء، كأن ينتقل التناول البحثيّ من تحليل الظاهرة إلى التأويل الّذي لا يستند إلى وقائع وحقائق ملموسة.( ٢٥

    كيف التفكير، إذن، في الموت، حسب منظور جانكلفيتش؟ هل أثناء حدوثه الخاطف الذي يعبر شاشة الوجود بسُرعة مذهلة ولا يترك آثارا محسوسة أم إثر الحدوث أم قبله، وفي الوضعين لا وُجود لِوقائع محسوسة؟

    وإذا بدا الموت غير قابل للتفكير في الما - قبل وفي الأثناء وفي الما - بعد، فمتى يُمكن التفكير فيه؟(٢٦

    لقد تبيّن لجانكلفيتش، بالاستناد إلى أفلاطون، أنّ الموت يحدث فَحَسْب ولا يؤدّي دلالة بعينها، ونتيجة لذلك لا يُمثّل موضوعا محدّدا. وإذا جاز اعتماد «التفكير في الموت» فهو تفكير غامض ملتبس تستحيل إبانته.( ٢٧، كما يتأكّد هذا المعنى لدى أرسطو الذي يرى الحياة فَيْضا، إِشْرَاقا، عكس الموت الذي هو عَتمة، غموض مطلق..

    فيتّفق الفلاسفة من مختلف العصور على أنّ الموت «موضوع» ملتبس لا يؤدي الخوض فيه إلى نتائج مُحدّدة، بل هو «اللاّ- شيء»، في منظور شيلنغ Shelling لأنّه تقريبيّ هارب غير محدّد، فهو تسمية مُعَمّمة لمجهول مطلق، مقاربة للعدم، وليس مرادف العدم..

    وكأنّ انتهاج التفكير في الموت أفق مغلق لَوْلا محاولة جانكلفيتش تحويل القضية إلى إمكانات عديدة للتناوُل البحثيّ، بين الإمكان الذي يقارب الظاهرة، كما هي، ويظلّ محكوما بالتعميم والإطلاق وبين التفكير في حوافّ الظّاهرة.

    إلاّ أنّ هذا الإمكان يفضي حتما إلى الضَيَاع والانزلاق في موضوع أو موضوعات أخرى تحيد عن الظاهرة وتتوغّل في آفاق بعيدة لا تمتّ إلى الموت بصلات وثيقة أو محاولة التفكير في المَوْتَى. غير أنّ هذا الإمكان لا يُؤَدّي هو الآخر، وبالضرورة، إلى نتائج محدّدة، لأنّ موضوع الموتى قد لا يتآلف تماما وقضيّة الموت، تلك الظاهرة الطارئة البارقة المُلْغَزَة..

    فكيف نعتمد الفكر، الّذي هو ظاهرة وجود، للتدليل على نقيض الوجود؟

    وبهذا السؤَال يغيّر جانكلفيتش الوجْهة دون التخلّي عن القصد الأوّل والمرجعيّ الدافع إلى كتابة الموت..

    فتتوالد الأسئلة عند محاولة التفكير في اللاّ - مُسمّى دون التوصّل إلى نتيجة بعينها. وأمام استحالة التفكير في الموت يعرض لجانكلفيتش سبيل آخر، هو السعي إلى البحث فيه باعتماد الأعماق الدفينة للحياة.( ٢٨

    ونتيجة الارتباك العامّ في رؤى فلاسفة الموت على امتداد العصور تختلف التسميات في تعيين هذا القابع في خبايا الوجود. فهو العدم لدى برجسون، وهو الشرّ عند سبينوزا وريلكه...

    وكما للصمت دلالة ما داخل اللّغة فللموت حضُور مخصوص في الحياة، وبالرؤيا يتّسع مجال الرؤية.( ٢٩

    فالموت هو مصير الكائن البشريّ، وهو مصير كلّ المصائر، يصيب كامل الوجود خلافا للمرض الذي يصيب جزءا من الجسد، وهو شبيه بالشمس الّتي لا يُمكن إمعان النظر فيها مباشرة، بل قد نُدْرِك البعض عند النّظر في الحوافّ..

    وهل يُمكن البحث في الموت باعتماد اللاّ - وجود، اللاّ - معنى؟(٣٠

    وكأنّ الموت، بعد مختلف محاولات التسمية لدى جانكلفيتش يعني انتفاء الماهيّة ونفي الوجود معا دون القول بأنّه مُرادف اللاّ - شيء أو العدم، بل «هو انبساط اللاّ - معنى للمعنى واللاّ - وجود بالنسبة للوجود».(٣١

    وإذا اللّغة المفهوميّة لدى جانكلفيتش تعجز عن أداء معنى هذا اللاّ - مُسَمَّى فتعتمد مجازا خاصّا ليس مجاز اللّسان المتداول أو الشعر المحض، كالمَنْحى الّذي سار فيه كلّ من نيتشه وهيدغر، كلما تعسّر مفهوم أنطلوجي والتبس، ولكنّه المجاز المفهوميّ الذي يلتقي أحيانا والمجاز الشعريّ، كأن يتوسّل بالصوت الذي يعني انتفاء الصوت، ذلك الصمت الزاخر بأصوات بعيدة وموسيقى غير مرئيّة، يتردّد صَدَاه العميق في أذن الإنسان، صمت يسِمُه «باللّيلي».(٣٢ لأنه يُحْدَس ولا يُدْرَك بالحواسّ، يُسْمَع مجازا ولا يُرَى حسّا..

    و هل الحُبّ يساعد على فهمٍ ما للموت؟

    وُجهة أخرى تساعد على بعض الفهم دون التوصّل إلى إنارة هذا المُعَتّم.

    فإنْ تأكّد أنّ الحُبّ مصدر الخلق، الإنشاء، الحريّة، الشّعر، الموسيقى، على أساس الإقرار بأنّه «اندلاع لضرب من الانتشاء الغنائي».(٣٣ فالموت أداة نفي قطعيّة تُهلك الكائن البشريّ بضربة واحدة ليندثر كلّ شيء ويضمحلّ تماما.( ٣٤

    ونتيجة تداخُل السُبُل في محاولة الإمساك بمعنى مّا لهذا الحضور البرقيّ المختفي عاجلا فانّ المعنى الممكن للموت لا يكون إلاّ بردّ الموت إلى الحياة، حتّى لكأنّه السبيل الوحيد المتبقّى لجانكلفيتش ليسير فيه ويُطوّف بعيدا ويصطدم باستحالة التوصّل إلى معرفة هذا اللاّ - مُسمّى، فيعود إلى البدء الأوّل، كتائه الصّحراء لا يريد لنفسه التوغّل بعيدا في المكان، بل يُبعّد ليقرّب، وكلّما نأى عن دائرة الوجود افتراضا تناقص فعل التّدليل اللّغوي بمُتعدّد إمكاناته الاستعاريّة واستبدّ الصمت تماما بالصّوت واستفحل الغموض، لذلك سرعان ما يستعيد مفاهيم الوجود والعلامة اللّغويّة بلسان مفهوميّ شعريّ أحيانا بغية مقاربة اللاّ- مسمّى بمختلف صوره الممكنة، بدءا بالدّلالة الأنطلوجيّة، كما تردّدت في متعدّد الأسئلة والمقاربات، ومرورا بالدلالة الطبيعيّة، عند الإحالة على الجسد...

    فيلتقي بذلك المعنى الأنطلوجيّ والمعنى الطبيعيّ لتأكيد الانقضاء، التوقّف. إلاّ أنّ الاختلاف بين الدلالتين يكمن في إمكان البحث الأنطلوجيّ بتنويع الأسئلة وتغيير المساءلات خلافا للبحث الطبيعيّ في ظاهرة الموت الّذي يستقرّ في إثبات القانون الأزليّ، ومفاده أنّ اللاّ- وجود هو المحدّد للوجود، ولا معنى، كما أسلفنا، للحياة دون موت. «فمن لا يقدر على الموت لا يستطيع أن يحيا أو يموت». (٣٥

    ولأنّ الموت «مستقبل»، إلى آخر لحظة في الحياة، فهو الحافز الأقوى على الاستمرار في الحياة (٣٦ بحثا عن «حقيقة الحقائق» الّتي تكمن في الموت، ولكنْ لحظة يدرك الإنسان هذا الحدّ الأقصى في الوجود لا يستطيع استعادة الحياة، فينعكس ذلك وجعا داميا في الإبداع الفنّي، بشعور مأساويّ حادّ على امتداد العصور وفي مختلف الآداب والفنون...

    ولأنّ الحياة مدفوعة بالأمل فهي دائمة التغيّر، خلافا للموت الّذي يعني فقدان الحياة تماما.( ٣٧ لقد أثبت جانكليفتش بمختلف الأسئلة والمقاربات المعلنة أنّ الموت موضوع لا يستند إلى علم موضوعيّ ينبني تحديدا على معرفة للزمان والمكان، بل ينحصر وجوده في شهادة الإنسان، ما يحدسه بدءا وفي الأثناء ويظلّ تقريبيّا نسبيّا(٣٨، لأنّه ثابت الحدوث، مجهول في التوقيت والماهيّة(٣٩، كأنْ يستدلّ جانكلفيتش بمخاطرة باسكال الّتي تنصّ على أنّ الإله والموت يتواصلان في معنى «الوضوح الغامض» أو «الغموض الواضح» إذ الموت «ظلمة مضيئة ونور مظلم، ذلك ما يدفع إلى تفاؤل التشاؤم وتشاؤم التفاؤل...»( ٤٠

    وإذا الإنسان في مواجهة الموت شبيه ببطل يربح وقت التأجيل، ولكنّه مهدّد في كلّ لحظة بالسّقوط.( ٤١

    إنّ التأجيل ضروريّ لانبعاث الأمل في الإنسان، فإنْ علم بميعاد الموت تملّكه قلق حادّ، لذلك يظلّ الموت دون أجل محدّد إلاّ في حالات المرض (٤٢ ونتيجة هذا الجهل يمتلك الإنسان إرادة الفعل.

    ولئن بدت بعض الإشارات الدالّة على اقترابه، كالشيخوخة والمرض والوهن فهي علامات حافّة به وليست من الموت وإليه، لأنّ الموت يظهر فجأة، كما أسلفنا، ويضرب مرّة واحدة ليوقف نبض الحياة ويتلاشى هو الآخر، وكأنّه لم يحدث..

    ولكنْ، هل الموت لحظة أو زمن يقاس بلحظة، هي اللّحظة القاتلة؟

    بهذا السؤال ينتقل جانكلفيتش من البحث في الموت عبر مختلف الظواهر الحافّة المتّصلة به ضمن اقترانه بالحياة إلى لحظة الموت ذاتها، باعتبارها أقصى التّجربة، أقصى الحدّ المفضي إلى المطلق(٤٣.

    وإن بدت هذه اللّحظة حدثا في سلسلة أحداث لا نهائيّة في قانون التواصل الأزليّ بين الحياة والموت فموت هذا الآخر يمثّل، بالنّسبة للأنا «نهاية العالم ونهاية التاريخ»، وباختصار، نهاية كلّ شيء.(٤٤

    إنّ الموت إنهاء لمختلف وظائف الجسد، فهو الكلّ الّذي يشمل كامل الكيان ويتحوّل به الوجود إلى النّقيض ليتحلّل كلّ شيء ويندثر. لذلك تختلف لحظة الموت عن غيرها من اللّحظات في سيرورة الزّمن المعتاد، لأنّها لحظة تحوّل مفاجئ لا تفضي إلى انحناء قصد الرّجوع إلى الماضي، بل هي انقضاء كامل(٤٥، كأن تتّسم بالتّغيير المفاجئ الّذي لا يفضي إلى أيّ تغيير بعد أن انقلب الجسد إلى جثّة هامدة وفقد أيّ اقتدار على الحركة..

    إنّ لحظة الموت، بناءً على محاولات الإبانة السّالفة، مجهولة تماما إذ لا يمكن حدّها مسبقا. فهي لحظة مخصوصة لا تتقيّد «بالـ«آن» والـ«هنا»، كغيرها من اللّحظات في واقع الوجود، لأنّها تحدث وسرعان ما تنقضي غيابا مطلقا(٤٦.

    لذلك استحال التواصل بين الميّت والآخرين من الأحياء لارتباط الموت بالعالميْن، عالم أسفل باعتباره ظاهرة محدّدة بمكان وزمان وحالة مدنيّة، وعالم آخر مفترض مجهول، ولا تواصل بين عالمين، شأن الانقطاع بين وجود في الدّاخل ووجود آخر ممكن في الما- وراء أو استحالة أيّ وجود آخر..

    إلاّ أنّ هذه اللّحظة تنبثق من الحياة ذاتها وتفاجئ الجميع أو يستعدّ لها الجميع. وقد روّض الفلاسفة قديما أنفسهم على هذا الاستعداد، طيلة حياتهم، فأثاروا أسئلة الوجود والعدم وخاضوا في قضايا الما- وراء بحثا عن بصيص من النّور يضيئون به ليل العتمة الطّويل..

    ولأنّ الحياة لا تكون إلاّ بالموت فإنّ الموت هو مرجع القيمة في الحياة، كأن يحيا الإنسان ويستعدّ للّحظة الأخيرة، دون التّفريط في الحياة، لذلك يحتاج إلى الصّبر لمغالبة الألم وإلى الشّجاعة لخوض آخر التّجربة.

    وكما لا ينفي جانكلفيتش تماما إمكان الحياة بعد الموت، بناءً على ثنائيّة الجسد والرّوح، فهو يعتقد في أنّ الرّوح لا تكون إلاّ في الجسد، شأن العلاقة بين خلايا الدّماغ والذّاكرة، والفكر والتّفكير والحضور الفيزيائيّ، إذ لا معنى لتفكير في ذاته أو تفكير مطلق في الفراغ.( ٤٧

    إنّ ميزة الكائن البشريّ الأساسيّة تكمن في أنّه يعيش ليهلك ويشقى ليهلك أيضا، إذ الشّقاء قدر الإنسان، وبه يختلف عن غيره من الكائنات، وهو شقاء ناتج في الأساس عن وعي منقوص ومعرفة محكومة بالجهل. فالّذي يعلمه الإنسان، في تقدير برجسون، ليس إلاّ مشروعا للمعرفة، وما يعلمه حقّا، على حدّ عبارة جانكلفيتش، أنّه لم يتوصّل بعد إلى معرفة شيء. (٤٨

    ٤ فيليب آرياس: إفراغ الموت من معنى الألم والشقاء بمزيد تأنيسه.

    كيف تطوّر وعي الموت في تاريخ الإنسانيّة؟ كيف تجسّدت تعبيراته عبر مختلف العصور؟

    لقد اعتمد آرياس أربعة مقاييس عند تناول ظاهرة الموت في منظور الوعي البدائيّ، وهي كالآتي:

    أ- ليس الموت مجرّد ظاهرة فرديّة، بل يشمل المجموعة الّتي ينتمي إليها الفرد. لذلك تنشأ طقوس مأتميّة خاصّة تمارسها المجموعة عند موت أحد أفرادها، بما يشبه الاحتفال الّذي يتّخذ له أطوارا ثلاثة: قبول المائت دوره الفاعل عند الاستعداد للموت ومشهد التّوديع ومشهد الحزن (الدّفن).

    ب- لا تنحصر الخشية من الموت في اعتقاد المجموعة بأنّ انقضاء فرد يعني خسارة عضو منها، بل يمتدّ هذا الشّعور ليستحيل خوفا من موت متكرّر عاجل، كانتشار الأوبئة في المجتمعات القديمة الدالّ على اختلاف التوازن في الحياة الطبيعيّة للإنسان واختلال الحياة الاجتماعيّة أيضا..

    ج- الموت ضجعة في انتظار البعث. إلاّ أنّ هذه الضجعة تختلف من فرد إلى آخر في الاعتقاد السائد لدى المجتمعات القديمة، فهي الضّجعة المطمئنّة الهادئة لمن عمل حسنا، وهي ضجعة متوتّرة مزحومة بالكوابيس والعذابات في انتظار عذاب أشدّ يوم الحساب لمن ارتكب آثاما في حياته.

    د- يمكن تأنيس الموت وتخليصه من عنف القوى الطبيعيّة الأعمى. إلاّ أنّه يظلّ من الشّرور الكبرى في الوجود الّتي هي العذاب والخطيئة والموت (٤٩.

    بهذه المقاييس الأربعة الأساسيّة يتّضح طور أوّل من وعي الموت هو وعي «الموت المتوحّش»، يليه طور ثان حدّه الدّارس بوعي «موت الأنا» بعد الانتقال من مفهوم مطلق هو القدر إلى مجال للتّخصيص يتعيّن بالفرد(٥٠ منذ القرن الحادي عشر للميلاد، إذ لم يعد الموت في هذا الطّور الثاني ظاهرة عامّة، قانونا يتكرّر فحسب، بل هو ذلك الموت الفرديّ المقترن بهويّة مخصوصة (٥١. وينشأ طور ثالث بدءا من القرن التاسع عشر، بعد أن ساد التردّد في الطّور الثاني بين مفهوم القدر المشترك الموروث عن الطّور الأوّل وبين خصوصيّة الموت الذاتيّ في الطّور الثاني، بأنْ تضاءل المفهومان لصالح معنى ثالث جديد هو معنى الآخر المخصوص، وليس أيّ آخر..( ٥٢، كما حلّ «الخجل» من الموت مَحلّ مفهوم «الشر»، خلال القرن العشرين، ويعود ذلك في الأساس إلى تطوّر الاستشفاء وظهور أدوية ووسائل علاجيّة جديدة قصد التّخفيف من الألم وإنهائه تماما(٥٣.

    فيثير مجتمع اليوم بمغالبة الألم والانتصار عليه سؤال كيف التعامل مع الموت؟ لتظهر إجابتان، الأولى ساذجة والثانية أرستقراطيّة(٥٤. ومفاد الأولى رفض صفة الفضيحة في الموت والتكتّم عليها بالصمت، ولا شيء عدا الصمت.(٥٥ أمّا محصّل الثانية فإنّه يتمثّل في استخدام وسائل علاجيّة جديدة لإفراغ الموت من معنى الألم والشقاء بمزيد تأنيسه والقطع النهائيّ مع آثار الطوْر الأوّل..

    بهذه القراءة التاريخيّة العامّة لوعي الموت تتّضح أطوار ثلاثة أساسيّة:

    أ- وعي «الموت المتوحّش» أو البدائيّ، كما تجسّد في الأساطير القديمة وحفريّات القبور.

    وقد استمرّ هذا الطّور إلى القرن الحادي عشر لميلاد المسيح.

    ب- وعي الموت المتردّد بين «طور التوحّش» وبدء التأنيس.

    وينقضي هذا الطور بالقرن الثامن عشر للميلاد.

    ج- وعي «الموت المؤنّس».

    وتُحدّ بدايته بالقرن التاسع عشر، ويشمل القرن العشرين، ويمتدّ حضوره إلى اليوم.

    ٥ إدغارموران: تجربة المرض عتبة بين الحياة والموت.

    إنّ الكتابة عن الموت مختلفة تماما عن الكتابة في الموت، وليس المرض، بهذه الدلالة، إلاّ عتبة بين الحياة والموت.. على هذا الأساس من استقراء التجربة الذاتيّة استطاع موران مقاربة الموت ليستقرئ تجربة مرضه بعد أن استعاد الصحّة. ويُعتبر مفهوم الكارثة (le chaos ) مرجعه الأساسيّ في ذلك.

    ليس موضوع الموت، في تقدير موران، إلاّ جزءا من كلّ، هو النظام الكونيّ الّذي هو وليد فوضى، وهو النّظام الّذي يؤدّي حتما إلى الفوضى، عند التهدّم، لتتواصل الحركة، بما يُشبه النظام الدوريّ. فالنجوم والكواكب تُكمل دوراتها في السماء، في الوقت ذاته الّذي يتقوّض من خلاله النظام، أيّ نظام، كي تحلّ الفوضى محلّ النسَق ويعمّ اللاّ- وثوق واللاّ-حدّ والتناقُض وتتفكّك المنظومة من الداخل لتُنْشئ منظومة جديدة. وما يتراءى ساكنا في ظاهر النسق يُخفي دبيب التقوُّض من الداخل، شأن قانون الالتهام الّذي يجعل الحياة تستمرّ ليأكل البعض من الكائنات البعض الآخر، دون توقُّف.

    فـ«الكارثة» أو «الفوضى» مفهوم مرجعيّ خارج عن أيّ نظام وأيّة تسمية، لأنّه المحرّك الّذي يُؤثّر في الوجود باستمرار، وليس وجودا قائم الذات، إذ هو اللاّ- معقول والمعقول في آن واحد، يفكّك ما تقادم ويعيد بناء ما تهدّم (٥٦ نتيجة التقاء عالمَيْن، عالم متهدّم وآخر جديد، أو بالأحرى تَواصُل صِفَتَيْ الاكتمال وعدم الاكتمال في بنية عالم قديم هالك يُنشئ في أعلى ذرى اكتمال بنائه وانهدامه عالما جديدا.( ٥٧

    إنّ الكارثة أو الفوضى «موت - ولادة» أو «ولادة-موت»، كأن يتداخل الانهدام والتَبَنْيُن (structuration)، شأن التقاء السماء والأرض، منظومة الواقع وفوضى المتخيَّل، استنادا إلى صورة الكائن البشريّ، كما صاغها موران، وهي أقرب إلى الاستعارة الشعريّة منها إلى التوصيف الحِسّيّ المُتَدَاوَل، ذلك «الإنسان المحموم المستنير الّذي يعمل ويحلم دون انقطاع، يُبدع أحلامه ويحلم عملَه..»( ٥٨

    وإذا الكارثة دلالة تقريبيّة لِلاّ-مُنقضي، خلافا لمفهوم الإلاه الّذي يعني الخلق الكامل..

    وكما يُصيب الوجود التقادم والانهدام ليتجدّد باستمرار فإنّ الموجود، كغيره من الكائنات، خاضع هو الآخر لهذا القانون الأزليَّ..

    وعلى هذا الأساس من استقراء تجربة المرض الشخْصيّ يتأكّد الموت بالحياة، كما تثبت الحياة بالموت..

    ولأنّ الموت يعني توقّف كلّ شيء في حياة الكائن البشريّ، بمعنى استحالة الرؤية، فقد انصرف اهتمام موران في الأساس إلى الحياة وإلى بيان أهميّة الخلق الفنّيّ، على وجه الخُصوص، الّذي يُعْتبر أهمّ الأفعال الإنسانيّة لمُغَالبة العجز والنهاية المؤجّلَة.( ٥٩

    ٦ مُحصّل وعي الموت الغربيّ المعاصر بين صفة المشروع النظريّ المُنفتِح وفعليّة التجاوز.

    عند استقراء مختلف هذه المقاربات تبدو لنا كتابة الموت في الفكر الغربيّ المعاصر شبيهَةً بمنظومة فلسفيّة يتقاطع ضمنها الأفق الزمانيّ والحضور الآنيّ، كأن يصل نيتشه بين التراث الأنطلوجيّ الكلاسيكيّ وبين تراثٍ أنطلوجيّ حادث بواسطة القراءة التفكيكيّة الناقدة الّتي لا تقطع تماما مع السابق الفلسفيّ الإغريقيّ، بل تذكّر بالبَدْء الأوّل لتحويل وجهة التفكير من التماثل والعادة وواحديّة المعنى إلى الاختلاف والتعدُّد ومرجعيّة العدم والفوضى واللاّ-معنى.

    وإذا نيتشه، عند ردّ اللاّحق إلى السابق، يُمثّل تراثا فلسفيّا حادثا لِطَوْر جديد في وعي الموت وكتابة هذا الوعي.

    وكأنّ مشروع كتابة الموت الحادثة تستدعي جهْدًا معرفيّا بمنظور شموليّ يستنير في الأساس من نهج فكر الاختلاف لدى نيتشه ومن توسيع دائرة المساءلة الأنطلوجيّة عند جانكلفيتش ومحاولة دراسة المنفلت من خلال الظواهر الحفريّة الحسيّة بمنهج أنتروبولوجيّ كمُقاربة آرياس أو استنطاق الحال الفرديّة واستعادة وَهَج قصديّتها العفويّة المباشرة بمحصّل ثقافة متعدّدة المراجع الأنطلوجيّة والإبستيمولوجيّة، كقراءة موران لتجربة مرضه الخاصّة، حتّى لكأنّه انتظام القراءة يَقْضي تَسَلْسُلا يشي في الاتّجاه الآخر بالتزامن بين مُقاربات متغايرة ضمن خارطة معرفيّة تحدّدت تسميةً بـ«الفكر الغربيّ المعاصر»..

    إلاّ أنّ هذا التغايُر بين الذوات الباحثة المفكّرة مشروط بتكرار عدد من الثوابت الخاصّة بهذا الفكر الجامع، ينكشف بعضها ويظلّ بعضها الآخر تقريبيّا لا يستقرّ على حال، وذلك لطبيعة الفكر ذاته واستحالة تثبيت ظاهرة الموت باعتبارها موضوعا إشكاليّا لا يقوم على حدود موضوعيّة مخصوصة..

    فتلتقي هذه المقاربات رغم اختلافها المعرفيّ والمنهجيّ في النقاط التالية:

    أ- يمثّل نيتشه بثورته الأنطلوجيّة همزة وصل بين محصّل فلسفة الموت الكلاسيكيّة والكلاسيكيّة

    الجديدة ثمّ الحديثة وبين فلسفة الموت المعاصرة إذْ ينزِل بِفكر الموت من مطلق المعنى إلى إمكان المعنى، ومن طَوْق المعنى الجاهز المستعاد إلى آفاق اللاّ-معنى المفتوحة على الإمكان والنسبيّة والاختلاف..

    ب- ينشأ وعي جديد للموت يحوّل المأساة والشعور الحادّ بالعجز والإذعان الكامل لطبيعة الأشياء

    إلى إقرارٍ واعٍ لِوضعيّة الكائن البشريّ في الوجود وتجاه الفناء، ليتحمّل بذلك المسؤوليّة كاملة في إكساب وجوده معنى مّا بإرادة الفعل والقوّة والحُبّ وإنشاء قيم جديدة على أنقاض قِيمٍ وفضائل قديمة هالكة..

    ج- إنّ أنطلوجيا العودة إلى البدء الأوّل الّتي اعتمدها نيتشه بمنظور نقديّ تفكيكيّ مُنفتح قصد تحرير الكائن البشريّ، والفكر تحديدا، من سجن الزمن- اللحظة وفخاخ المعنى المستعاد ونماذج اللّغة المتداولة نُشدانا لـ«جذور جديدة» ومقاربة لـ«مستقبل الماضي» الّذي حَرَّرَ به الفكر واللّغة والحياة والموت من مسبق جاهزيّة المعنى ودلالة المطلق الغيبيّ هي علامات منهج عامّ يتردّد صداه في قيعان مختلف المقاربات الباحثة في فلسفة الموت الغربيّة الحديثة والمعاصرة، ومفاده تخليص الحياة من مسبق جاهزيّة المعنى وإكسابها معنى مّا بالموت.

    وقد دفعت هذه الفكرة- الأساس الإنسان، كما أسلفنا، إلى تحمّل مسؤوليّة في الوجود وتجاوز ذاته بالإرادة ومغالبة العجز وتحويل وعي الموت من حيّز التسليم بالقدر المحتوم إلى فضاءات الأمل والحبّ ورغبة التحدّي والإصرار على البقاء رغم قصر العمر وتراجيديّة وضع الإرجاء..

    د- يُضحي الموت قيمة مرجعيّة لكلّ القيم والفضائل الجديدة، وذلك لإنهاء تاريخ وعي الفاجعة المطلق وخوض معركة الوجود، بل يستحيل حافزا على إرادة القوّة والفعل ومُلْهما للإبداع الفنّي ودافعا إلى التأسيس الثقافيّ والحضاريّ، شأن الوهن يحمل في ذاته إرادة القوّة أو الفظاعة تكمن في ثناياها سمات الجمال الأكثر إدهاشا..

    هـ- لم يعد الموت في الفكر الغربيّ المعاصر إنهاء لحياة ضمن دلالة أنطلوجيّة إطلاقيّة، بل هو التعدّد في الصفات بإشكاليّة اختلاف التعبيرات الدالّة عليه، كسماته الطبيعيّة والنفسيّة والوجوديّة والاجتماعيّة. فما كان واحدا مطلقا غير قابل للتفكيك والتعدّد والنسبيّة ينقلب إلى «موضوع» تقريبيّ لا يحتكم إلى وعي ضمير واحد، بل إنّ اكتشاف نيتشه للـ«أنت»، باعتباره الصدى الأوّل الكامن في وجود للـ«أنا»، دفع بجانكلفيتش وآرياس إلى البحث في الآخر بمفهوم جديد للغيريّة، ليمتدّ بذلك مجال الحوار كي يشمل الـ«أنا» في ذاته والـ«أنا» مسكونا بالـ«أنت» ومدفوعا إلى الـ«هو»، الآخر القريب أو البعيد، ضمن دائرة التّعالق النفسيّ والاجتماعيّ والوجوديّ.

    و- ولأنّ الموت حدوث مستقبليّ فإنّ للرّاهن حضوره الفاعل، كأن يسعى الإنسان إلى الفعل لتجاوز ذاته باستمرار، على أساس إدراك نهايته المحتومة مسبقا.

    وبهذا الإدراك الحاد لأهمية الآن يُغالب الإنسان عجزه ويُضانك المستحيل وينشغل عن اللّحظة الأخيرة بسلسلة من اللّحظات الفاعلة المؤسّسة في سيرورة العمر القصير دون تفجّع أو استكانة..

    ز- ليس المنكشف في المقاربات المذكورة من الموت إلاّ النّزر القليل ممّا يمكن معرفته.. لذلك يبدو الوثوق مشروطا في البدء والانتهاء باللاّ-وثوق، والإجابة لا تعني سوى مزيد الإغراق في المساءلة لإدراك الحقيقة الّتي مفادها أنّ الإنسان مهما بلغ من معارف فهو لم يتوصّل بعد إلى معرفة شيء، وفي ذلك مكمن سرّ البحث الدّائم عن إرواء معرفيّ ولا إرواء، لتستمرّ بذلك صفة المشروع ماثلة في الفكر والفعل معا. وما يتحقّق من معارف ومهارات ناتج في الأساس عن هذا الانفتاح الدائم على مستقبل عامّ للإنسانيّة، وهو مستقبل يُحيل بالضرورة على وعي الإنسان الفرد الّذي لا يفصل بين الحياة والموت، كمحصّل أهمّ النتائج الّتي أفضت إليها كتابات فلاديمير جانلفيتش عند تسليمه بأنّ «الّذي لا يقدر على الموت لا يستطيع أن يحيا أو يموت».

    الهوامش

    ١ نشير دون حصر إلى «شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور» لجلال الدين عبد الرحمان السيوطي و«سكرات الموت وشدّته» للإمام الغزالي و«في الكلام على أرواح الأموات والأحياء والدّلائل من الكتاب والسنّة والآثار وأقوال العلماء» و«حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» للامام ابن قيّم الجوزيّة و«التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبيّ...

    ٢ - F. Nietzsche, Ainsi parlait Zarathoustra, Paris: union générale d

    p 291 éditions, 1958,

    ٣- المرجع السابق، ص ١٣.

    ٤- السابق.

    ٥- السابق، ص ١٤.

    ٦ـ السابق، ص ١٥.

    ٧ـ السابق، ص ٢١.

    ٨- السابق، ص ٣١.

    ٩ـ السابق، ص ٣٩.

    ٠١ـ السابق، ص ٥٧.

    توجد فروق كبرى مفهوميّة بين(le moi) و(le toi) و(je) و(tu) في الفرنسيّة، ترجمة عن الألمانيّة خلافا للعربيّة حيث تنحصر التسمية في أنا وأنت.. ويمكن ترجمة (je) و(tu) ب أنا وأنت، و(le moi) و(le toi) ب الـ«أنا والـ«أنت»..

    ١١ـ السابق، ص ٦٦.

    ١٢ـ السابق، ص 138.

    ١٣ـ السابق، ص ٢٠٠.

    14ـ تُعتبر هذه المصطلحات- المفاهيم أهمّ خلفيّة معرفيّة أنطلوجيّة لإنشاء الدرازين (Dasain) في كتابات مارتن هيدجر الفلسفيّة.

    ١٥ـ Vladimir Jankélévitch,(( Penser la mort)), Paris:Liano-Levi, 1994.

    ١٦ـ المرجع السابق، ص ١٨.

    ١٧ـ المرجع السابق، ص ٢٠-21.

    18 Vladimir Janklévitch, ((La mort)), Flammarion, 1977, p 5 »

    19» المرجع السابق، ص ١٠.

    20 )) السابق، ص ٢٢.

    21ـ السابق، ص٢٧.

    ٢٢ـ السابق، ص٢٩.

    ٢٣ـ السابق.

    ٢٤ـ السابق، ص ٣٢.

    ٢٥ـ السابق، ص ٣٧.

    ٢٦- السابق، ص ٣٨.

    ٢٧ـ السابق

    ٢٨ـ السابق، ص ٤٤.

    ٢٩- السابق، ص ٤٨.

    ٣٠ـ السابق، ص٦٧

    ٣١ـ السابق، ص ٦٩.

    ٣٢ـ السابق، ص ٨٤.

    ٣٣ـ السابق، ص ٨٦.

    ٣٤ـ السابق، ص ٩٠.

    ٣٥ـ السابق، ص 108- 109 .

    ٣٦- السابق، ص 120.

    ٣٧ـ السابق، ص 130.

    ٣٨ـ السابق، ص 133- 134.

    ٣٩- السابق، ص 135.

    ٤٠- السابق، ص 138.

    ٤١ـ السابق، ص 144.

    ٤٢ـ السابق، ص 146.

    ٤٣- السابق، ص 227.

    ٤٤ـ السابق، ص231.

    ٤٥ـ السابق، ص ٢٤٢.

    ٤٦- السابق، ص 247.

    ٤٧ـ السابق، ص ٤١١.

    ٤٨ـ السابق، ص 267.

    ٤٩- Philippe Ariès, L homme devant la mort,)) Seuil, 1977, p 313- 315

    ٥٠- المرجع السابق،
    المصدر :مجلة نزوى العمانية
    http://www.nizwa.com/browse52.html
                  

04-11-2008, 09:44 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: «كتابة الموت» فـي الفكر الغربيّ المعاصر (Re: zumrawi)

    Upppppppppppppppppp
                  

04-15-2008, 07:59 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: «كتابة الموت» فـي الفكر الغربيّ المعاصر (Re: zumrawi)

    Uppppppppppppppp
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de