وزير الدفاع السوداني: هدفنا إعادة توطين النوبيين لا تهجيرهم - محمد خليل كاره

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-14-2024, 05:14 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-28-2008, 07:33 AM

ASHRAF TAHA
<aASHRAF TAHA
تاريخ التسجيل: 08-04-2007
مجموع المشاركات: 1017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
وزير الدفاع السوداني: هدفنا إعادة توطين النوبيين لا تهجيرهم - محمد خليل كاره

    عندما كانت السيارة تدلف إلى داخل البوابة الرئيسية لمقر القيادة العامة للجيش السوداني كانت الخواطر التي طرقت ذهني طوال الطريق وصلت إلى خواتيمها: هنا إذن منبع «الدورة الجهنمية» لدواليب حقب الحكم في هذا البلد القارة: انقلاب، فثورة شعبية. انقلاب.. فثورة.. فانقلاب.. الخ.. هنا تنمو وتتضخم نوازع شهوة السلطة في دواخل ضباط صغار فتدفعهم المغامرة إلى امتطاء صهوات الدبابات لتشق بهم طريقاً باتجاهين: إلى القصر.. أو إلى القبر.
    ..ما علينا، فها نحن الآن داخل مكتب وزير الدفاع الفريق أول مهندس عبد الرحيم محمد حسين الذي تحسبه هذه الأيام أنه قد ترك كل هموم المنصب الحساس وتفرغ لحملة للترويج لسدي دال وكجبار عبر سلسلة ندوات ومحاضرات يرعاها شخصياً ويتحدث فيها ويحاور خلالها مناهضي السد، لا داخل السودان فحسب بل بادر إلى اقتحام تجمعاتهم حتى في دول الخليج. وبينما كان الفريق حسين يرحب بنا ويدعونا إلى الجلوس كنت قد تجاوزت تردداً انتابني لوهلة.. واستهللت الحوار بإلقاء سؤال خشيت أن يكون استفزازياً ومحرجاً وان كنت أراه مهماً:
    * المتابع لملف سدي دال وكجبار والجدل الدائر حولهما هذه الأيام، يلفت انتباهه حماسك الشديد وانكبابك على رعاية حملة الترويج التي زرت في إطارها الرياض وقبلها دبي، حتى بدأ الكثيرون يتساءلون عن سر هذا الحماس الاستثنائي.. هل ذلك مرده انتماؤك إلى المنطقة المعنية أم أن المسألة لها تفرعات متعلقة بالأمن القومي تصل أهميتها إلى درجة إدراجها ضمن مهام وزير الدفاع؟

    ـ أولاً من منطلق موقعي في إطار منظومة حكم «الإنقاذ» أشعر شخصياً بأنه تقع على عاتقي مسؤولية تاريخية حيال هذه القضية، رغم أن المسؤولية الكلية هي مسؤولية جماعية.. وصحيح أن كوني من المنطقة يعطي دافعاً إضافياً للاهتمام بالقضية لكن موقعي كوزير للدفاع يستلزم الاهتمام بالقضية كونها قضية أمن قومي خصوصاً إذا تنبهنا إلى خطورة ضعف الكثافة السكانية في السودان عموماً وفي الولاية الشمالية على وجه الخصوص..

    ومثلما قلت في محاضرات عدة فإن اهتمامنا في السودان ينصب على تقوية ممسكات الوحدة الوطنية وإحدى هذه الممسكات تتمثل في إسهام الولايات في الاقتصاد القومي.

    وفي هذا الإطار نجد أن أهلنا في الولاية الشمالية ظلوا يتفاخرون بأنهم رواد التعليم في السودان وأنهم فعلوا كذا وكذا.. لكن السؤال الآن، بعد أن انتشر التعليم في كل الأنحاء، ما هو حجم إسهام هذه الولاية في الاقتصاد القومي، مقارنة بالجزيرة مثلاً التي تنتج القطن وبقية الولايات التي تساهم بإنتاج الثروة الحيوانية والصمغ وغير ذلك.

    الآن الفرصة متاحة أمام هذه الولاية لتساهم في الاقتصاد الوطني بتقديم الغذاء خصوصاً وان السودان مثله مثل دول العالم كلها تتجه نحو الاعتماد على الذات في الحصول على الغذاء.. كما أن الفرصة متاحة أمامها لتقدم الطاقة.. ولا يخفى على أحد أهمية توفير الأمن الغذائي، وتوفير الطاقة.. إضافة إلى كل ذلك فإن الأخ رئيس الجمهورية تفضل بتقدير رغبتي في الاضطلاع بهذا الدور وشجعني ودعمني في هذا الاتجاه حتى أنه كلفني بالالتقاء بالجاليات في الخارج خصوصاً في الخليج من أجل توضيح الصورة.

    * أشرت في سياق إجابتك إلى أن الولاية الشمالية تعاني من ضعف الكثافة السكانية وأن ذلك من مهددات الأمن القومي.. لكن أهم حجج المناهضين لإقامة السدود في المنطقة النوبية ترتكز على القول إن الهدف من إقامة هذه السدود يرتبط «بمؤامرة» لتهجير السكان وإفراغ المنطقة منهم في سبيل خدمة أطراف خارجية عقدت معها حكومتكم صفقات مريبة.. ما قولكم؟

    ـ بالطبع من السهل جداً دحض هذه الاتهامات والشكوك.. وقد ظللنا نكرر في كل محاضراتنا ولقاءاتنا التنويرية مع الناس أن الغرض من إقامة السدود في هذه المنطقة هو إعادة توطين من هاجروا منها لتفادي خطورة ضعف الكثافة السكانية وليس الغرض تهجير المقيمين فيها.

    والواضح أن الذين يبثون هذه المخاوف يخلطون بين مشروع قديم يسمى سد «دال 1» والمشروع المقترح حالياً.. أما المشروع الأول فكان من شأنه إذا قام أن يؤدي إلى إغراق المنطقة من دال وحتى كجبار.. وكان قيام هذا السد سيستلزم عمليات تهجير واسعة النطاق. أما السدود التي نتحدث عنها الآن بما فيها سد دال المقترح حالياً فإنها ستؤدي إلى إغراق الحد الأدنى من المساحات.

    * ما هي حجم المساحات التي ستغرق تحديداً؟

    ـ حسب نتائج الدراسات الخاصة بسد كجبار والتي اكتملت أخيراً فإن المساحة التي ستغرق لا تتجاوز 32 كيلومتراً جنوباً.

    * وما حجم المساحة التي ستغرق جراء قيام سد دال؟

    ـ أقل من المساحة التي سيغرقها سد كجبار.. مع العلم أن الدراسات الخاصة بسد دال لم تكتمل.

    * ما هي الجهة المنوط بها إجراء هذه الدراسات..وماذا تدرس؟

    ـ دراسة سد كجبار أنجزتها شركة ألمانية متخصصة قامت بدراسة كنتورية ومسح جيوفيزيائي فضلاً عن مسح جوي دقيق ويتم عبر كل ذلك وغيرها من الخطوات، تحديد ارتفاع السد والمساحات التي ستغمرها المياه بدقة.. والمعطيات الأخرى المطلوبة. وبالنسبة لسد كجبار فقد اكتملت الدراسات، كما أشرت سابقاً، وبالتالي فقد بتنا على علم بكل التفاصيل بما في ذلك أسماء القرى التي ستغمرها مياه السد كلياً أو جزئياً، وأين ستكون حدود السد جنوباً.. كل ذلك بأدق مفردات القياس.

    * هذا عن سد كجبار.. فماذا عن دراسات سد دال؟

    ـ دراسات سد دال لم تكتمل بعد كما قلت، ما يعني صعوبة الحديث عنه بالتفصيل. إلا أن كل ذلك لم يثبت علمياً بعد، وإلى حين إعلان نتائج الدراسات في تقرير نهائي في شهر أغسطس المقبل فإن أي حديث قبل ذلك لا يسنده شيء علمي. وعندما يصدر التقرير النهائي سيعلم الجميع ما إذا كان السد ذا جدوى أم لا.

    * هل أفهم من كلامك أن الدراسات الخاصة بسد دال يمكن أن تؤكد في نهاية المطاف أنه غير ذي جدوى.. هل هذا احتمال وارد؟.

    ـ نعم بالطبع.

    * وهل سيتم صرف النظر عن إنشاء السد إذا ثبت عدم جدواه؟

    ـ نعم بالطبع.

    * نعود إلى نتائج دراسات سد كجبار.. ما حجم المساحة المرشحة للغرق؟

    ـ مساحة الأراضي الزراعية التي ستغمر 3600 فدان.. ولكن مساحة الأراضي الزراعية التي بدأ تجهيزها بديلاً للمساحة التي ستغمر تقدر بـ 30 ألف فدان في سهل كوكة.

    * وماذا عن السكان؟

    ـ سيظلون بمناطقهم.

    * ألن يتم تهجيرهم؟

    ـ لا.. إطلاقاً.

    * وهل ينطبق الأمر على السكان حول سد دال أيضا؟

    ـ أيضاً في منطقة سد دال التهجير غير وارد إطلاقاً.

    * تتردد معلومات تشير إلى أن الناس هناك سيتم تهجيرهم إلى منطقة الشوك قرب القضارف (شرق السودان).

    ـ هذا كلام فارغ.. أعتقد أن أبعد منطقة يمكن أن يتم ترحيلهم إليها هي أرقين..(المتاخمة لحدود مصر)..هذا على أسوأ الفروض.

    * هل تستطيع أن تؤكد أن أهل المنطقة سيظلون في المنطقة نفسها ولن تتكرر مأساة غرق حلفا القديمة والهجرة إلى حلفا الجديدة؟

    ـ نعم.. وأعيد وأكرر أن السبب الرئيسي الذي دفعنا لتغيير منهجيتنا في إقامة السدود ورفضنا بموجبها إقامة المشروع القديم (سد دال 1) هو حرصنا وتمسكنا بألا نسمح بأي تهجير. وبالمناسبة فقد ظللت أكرر سؤالاً في كل المحاضرات والندوات وأكرره الآن: لماذا تم تهجير سكان حلفا القديمة إلى شرق السودان (بعد غرق منطقتهم تحت مياه السد العالي في العام 1963)؟.

    وفي رأيي أنه كان بالإمكان إقامة سد دال المقترح الآن أو سد كجبار وكان بالإمكان أن يتم توطين أهالي حلفا في سهل ارقين القريبة جداً من حلفا علماً بأن هذا السهل أكبر مساحة من «خشم القربة» التي هجر إليها سكان حلفا القديمة.

    * على ذكر سهل ارقين.. يتردد أيضاً أن هذه الرقعة تم بيعها للمصريين.. ما صحة ذلك؟.

    ـ لم يحدث.. ولن يباع إطلاقاً سنتيمتر واحد من تراب السودان.

    * يشير من يثيرون هذه الشكوك إلى اتفاق «الحريات الأربع» الذي وقعتموه مع مصر..

    ـ هذا الاتفاق لا إشارة فيه إلى بيع إطلاقاً.

    * حسناً..ألا يحتوي هذا الاتفاق على بند يسمح بتوطين مصريين؟.

    ـ قضية التوطين قضية مختلفة تماماً. «دي قضية براها وترتبط بتشجيع الاستثمار» وهنالك أمور تتعلق بدراسة الأشياء من منظور الأمن القومي مثل دراسة ما إذا كان من الأفضل أن تكون الكثافة السكانية مركزة على الحدود أم في العمق أم.. أم؟ ولا تنس يا أخي أن السودان يملك 220 مليون فدان صالحة للزراعة ويستثمر منه فقط 37 مليون فدان وبالطبع فإن هذه الملايين من الأفدنة لا تتوفر في الشمالية فحسب بل في كل السودان.

    * ألا يكفي إنتاج سد مروي لتزويد كل الولاية الشمالية بالطاقة الكهربائية؟

    ـ لا يكفي.. وللعلم فإن السدود في السودان يصل عددها إلى نحو 10 سدود تقدر الطاقة التي تنتجها جميعها بما يقارب 6 آلاف ميغاواط.. وبمقارنة بسيطة نجد أن السعودية، على سبيل المثال، يبلغ عدد سكانها نحو نصف عدد سكان السودان، ورغم ذلك تنتج 33 ألف ميغاواط، في حين أننا في السودان يقدر سقف إنتاجنا حتى الآن بعد كل هذه الضجة فقط 6 آلاف ميغاواط رغم أن بلادنا مساحتها أكبر ومواردها أكثر.. هل تعتقد أن هذه الآلاف الستة ستكون كافية للخطط التي نتحدث عنها في الزراعة والتعدين وخلافهما؟ بالطبع لا.

    * مناهضو السدود يتحدثون عن دراسات تحدد وترجح جدوى مصادر أخرى لإنتاج الطاقة بدلاً من إنشاء السدود وتحمل آثارها.. ما رأيكم؟

    ـ علمياً ثبت حتى الآن أن الطاقة الكهربائية المائية هي أرخص الوسائل وأفضل ما هو متاح.. ونعلم أن أكبر كمية أمكن إنتاجها في العالم من الطاقة الشمسية لم تتجاوز 10 ميغاواط، فيما تعادل تكاليف إنتاج ميغاواط واحد من الطاقة الشمسية 10 أضعاف القيمة التي تكلفها الكمية نفسها من الطاقة الكهربائية. ولم يتوصل العالم حتى الآن لإنتاج الطاقة الشمسية بكميات ضخمة توازي تلك المنتجة من الطاقة الكهربائية.

    * ما دام الأمر بهذا الوضوح.. لماذا تجنح الحكومة إلى الغموض وعدم الوضوح في تنوير السكان والرد على أسئلتهم لتهدئة مخاوفهم.. على سبيل المثال أهلي في القرية الموازية لدال من الجهة الشرقية (سركمتو)لا يعرفون حتى الآن أي شيء عن هذا السد الذي سيكونون هم أول ضحاياه.. يكاد يقتلهم القلق على مصيرهم ولا أحد يقدم إجابات عن أسئلتهم..

    ـ العكس.. عندما زار الرئيس عمر البشير هذه المنطقة قابله الأهالي وخصوصا أبناء دال هناك بهتافات حماسية تطالب بإقامة «السد الآن..السد الآن» ما دفع الرئيس لمخاطبتهم قائلاً: «إذا استمر أهالي كجبار في معارضة السد في منطقتهم فإننا سنصرف النظر عن إقامة السد هناك ونركز على سد دال».

    * هناك الآن اجتماعات تعقد في الخرطوم يتم خلالها تلويح واضح بإمكانية حمل السلاح.. يمكنك ان تعتبر هذا الكلام بلاغاً يمس الأمن القومي لكن ليس هدفه طلب التحرك لمنع هذه الاجتماعات أو اعتقال القائمين عليها، وإنما تحذيركم بما سوف ينتهي إليه الحال إذا استمر غموض التحرك الحكومي وعدم تنوير الناس بما يحدث بشفافية تامة.. وأنا شخصياً لمست من خلال استقصائي كصحافي تنامياً سريعاً في عدد المناهضين لقيام سد دال.. فهل ستلجأون هنا أيضاً إلى قمع المعارضين بإطلاق الرصاص، مثلما حدث في كجبار؟

    ـ نحن حتى الآن لا نستطيع أن نؤكد تماما قيام سد دال أو عدمه.. كل الأمر يعتمد على ما ستسفر عنه الدراسات التي سبق أن قلت إنها ستنتهي في أغسطس.

    * إلى حين حلول موعد إعلان تلك النتائج ألا توجد حتى مجرد خطوط عريضة يمكن تنوير الناس بها؟

    ـ نعم توجد خطوط عريضة الآن تشير إلى أن السد سيكون جدواه كبيراً.. لكن لا نستطيع أن نحدد حالياً كم هي كمية الطاقة التي سينتجها السد بالضبط ، أو المناطق والمساحات التي ستغمرها مياه السد، وأين سيوطن السكان المتأثرون.. وغير ذلك.

    * هذا ـ يا سعادة الوزير ـ هو بالضبط ما يقلق الناس.. كل الإجابات عن أسئلتهم المطروحة تظل معلقة.

    ـ نعلم ذلك وستظل معلقة إلى حين ظهور نتيجة الدراسات.. إذا كان في المقدور أن نجيب عن هذه الأسئلة دون إجراء دراسة الجدوى فلماذا نصرف على هذه الدراسات أصلاً؟!..

    الآن في المرحلة الحالية يصعب الكلام بصورة جادة حول الخيارات المتاحة سواء في مسألة إسكان الناس أو غيرها.. خصوصاً بشأن المناطق المتاخمة لدال، إذ لابد أولاً من أن نعرف عدد القرى التي ستغمرها المياه.. وهل ستغمرها بالفعل أم سيقتصر الأمر على مجرى النهر.. بعد نتائج الدراسات وعندما نعرف كل الحقائق ، حينها سنبدأ البحث في الخيارات المتاحة.. وأقول لك بوضوح : لنفترض أن الدراسات أثبتت جدوى مشروع السد ولم نجد خيارات مناسبة لإسكان الناس..في هذه الحالة أؤكد أن السد لن يقوم.

    أريد أن أعيد وأكرر: على كل الناس أن يطمئنوا.. لا قيام لسد على الإطلاق دون إيجاد البدائل المحلية المقنعة لتوطينهم..وأن يطمئنوا أيضاً أن التهجير غير مطروح كبديل على الإطلاق، لأن هذه السدود الغرض منها أساساً إعادة توطين النوبيين في أراضيهم التي هجروها نتيجة لغياب التنمية.

    * هل تستطيع أن تؤكد أن كل هذه البدائل حتى لو كانت محلية سيتم اللجوء إليها برضا الأهالي التام ؟.

    ـ تماماً.

    * دعني أعدل صياغة السؤال: لنفترض أن الدراسات أثبتت جدوى قيام السد ومن ثم اقترحتم على الأهالي كل البدائل المحلية لإسكانهم.. ورغم ذلك قالوا :لا نريد السد ولا نريد البدائل.. ما ستفعلون كحكومة في هذه الحالة؟

    ـ سنقنعهم. وأنا واثق من أننا نسير في خط إقناع الناس بخطى حثيثة. المعروف أن القرى في هذه المنطقة أصبحت فارغة.. والسكان هجروها، فلا مناص من إغراء الناس بالعودة. وليتم ذلك فلابد من توفير معطيات التنمية. هذا هو المنطق.. من يرفض هذا؟.

    * هذا المنطق مقنع نظرياً، لكن حتى ذلك الذي هجر المنطقة أو هاجر منها يظل متشبثاً بها.

    ـ يتشبث بماذا؟ هو غير موجود فيها ولا ينوي العودة إليها ولو افترضنا فرضاً أنه سيعود إليها يوماً، فإن ابنه الذي تربى خارجها لن يزورها حتى الآن على سبيل المثال بعض أهلنا في الكلاكلة (معقل النوبيين في أطراف الخرطوم)، وفدوا إليها منذ أكثر من 20 عاماً ولم يعودوا إلى قراهم في البلد..بل حتى لم يزوروها..هذه حقيقة معروفة.

    ثم دعني أطرح سؤالاً:هل يمكننا أن نعيد أمجاد الحضارة النوبية ودون أن نكون مجتمعاً نوبياً في البيئة النوبية؟ هل إذا استمرت الأوضاع الحالية سيستمر المجتمع النوبي في الوجود؟ وإلى أي مدى زمني؟ هل سنجد مجتمعاً نوبيا قائما بالفعل بعد 10 أو 20 عاما من الآن إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه من هجرة وهروب من القرى النوبية؟ أسأل أيضاً: لو أردنا أن نحافظ حتى على ما تبقى اليوم من المجتمع النوبي في مناطقنا ، هل يمكن أن يتم ذلك دون أن نخلق سبلاً لكسب العيش في تلك المنطقة..ناهيك عن طموحنا في إعادة من غادروها؟

    * دعني أنا أسأل أيضاً عن نقطة يثيرها المعارضون وهي أن هذه السدود ستغرق الآثار النوبية، تلك الكنوز المدفونة تحت الأرض والتي لم يتم اكتشافها بعد، في عملية يعتبرونها مقصودة تهدف لقطع دابر هذه الحضارة.. ما ردكم؟

    ـ هذا غير صحيح.. ولو سمح زمنك أرجو أن تسجل زيارة إلى مصلحة الآثار واسألهم هناك عن صحة ما أقول: إن أكبر حملة دراسة للآثار وأكبر تمويل في هذا المجال على مدى تاريخ السودان تم في سد مروي.. أكثر منطقة في السودان تم تنقيب آثارها لحفظها ودراستها الآن هي مروي.. والسبب أن جزءاً من موازنة بناء سد مروي تم تخصيصه للاعتناء بآثار المنطقة ودراستها والاستفادة منها.

    وكما قلت من قبل على هؤلاء الذين يثيرون مثل هذه الشكوك أن يجيبوا عن السؤال: تلك هي آثار أجدادكم في المنطقة فلماذا لم تمكثوا فيها لتحرسوها!! الآثار مازالت شاخصة وقائمة والدفوفة ما زالت موجودة.. لماذا تركناها وهاجرنا؟!

    * هل يعني ذلك أنك لست متفائلاً بمستقبل المنطقة إلا بإقامة السدود؟ هل مصير ووجود النوبيين الذين أسسوا أقدم حضارات الدنيا مرتبط فقط بهذه السدود؟!

    ـ تخيل معي ماذا سيحدث إذا استمر الحال على ما هو عليه.

    أنا وأنت وغيرنا من جيلي وجيلك ترعرعنا في البلد ولنا ارتباط عميق به.. لكن تخيل عندما يصل ابنك المتربي في الخليج إلى سنك هل سيكون شعوره وارتباطه بالبلد مثلك؟ ولنفترض أن ابنك سيكون كما تريد، ماذا عن ابنه؟ كيف سيكون شعوره نحو البلد؟وهل سيتحدث النوبية أصلاً؟

    * الأهالي في منطقة سد دال أناس مسالمون بسيطون «وفي حالهم» فضلا ان عددهم قليل مقارنة بمنطقة كجبار والمحس عموماً.. وحتى لو فكروا في مقاومة بناء السد فليس لديهم الإمكانيات الفعلية التي توفرت في مقاومة سد كجبار.. السؤال: هل تضمن لهؤلاء الناس ألا يظلموا من قبل الحكومة ، في ظل محدودية خيارات المقاومة لديهم عدداً وعدةً، في غياب سبل الضغط التي لجأ إليها آخرون حتى نالوا تعويضاتهم حسبما أرادوا رغم تلكؤ الحكومة في بادئ الأمر؟

    ـ بخصوص التعويضات دعني أوضح أن آليات تحديدها وصرفها أصبحت أدق مما كان عليه الوضع سابقاً.. في كجبار مثلاً تم تصوير كل المنطقة من الجو بدقة متناهية بحيث يمكن أن ترى في الصور التي التقطت من الجو حتى قطعة حجر طولها 10 سنتيمترات ما يعني أن أي شيء من ممتلكات الناس، بيوتاً كانت أو زرائب أو نخيلاً أو غيرها ،يمكن رصدها بدقة وتسجيلها.. فلا مجال الآن لان يظلم أحد.. سيتم تعويض المتأثرين بمنزل مقابل منزل وشجر مقابل شجر.. وهكذا..

    أما مقابل الفدان من الأرض فسيكون التعويض 10 أفدنة إضافة إلى الحوافز المادية المجزية مقابل انتقاله إلى مكان آخر في المنطقة نفسها.

    * لنفترض أن الأهالي قبلوا بالسد واختاروا أفضل الخيارات.. هل أخذت الدراسات في الحسبان أبعاد الثقافة الزراعية السائدة في المنطقة والتي لم تجرب في استثمار الحيازات الكبيرة وبافتراض أنهم نجحوا في استثمار هذه الحيازات الكبيرة ،هل تقدم الدراسات سبل تسويق المحاصيل وضمان تصريفها؟

    ـ لهذا السبب بالضبط بدأنا منذ مدة في تعبيد الطرق البرية الطويلة والعمل جار الآن في طريق «حلفا ـ دنقلا» الذي يبلغ طوله 400 كيلومتر.. وتعلم، بالطبع، أن طريق «دنقلا ـ امدرمان» تم إنجازه.

    * عفواً قبل أن تسترسل.. يتساءل الناس عن جدوى تعبيد طريق «دنقلا ـ حلفا» على ضوء الاعتقاد بأن المنطقة ستغرق وبالتالي ستغمر بالمياه حتى المسار الحالي الطريق نفسه.

    ـ لا، لا. كل ذلك محسوب مسار الطريق لن تصله المياه.

    والآن دعني أواصل في توضيح فكرتي.. ولا أذيع سراً إذا قلت ان هذا الطريق لا جدوى له اقتصادياً في الوقت الحالي..ورغم ذلك بدأنا في تنفيذه منذ مدة.. ولم يكن ذلك اعتباطاً.. إنما كنا نعد لبناء البنية التحتية لاستيعاب التنمية القادمة في المنطقة.دعك من طريق «دنقلا - حلفا»، الحقيقة أن كل الطرق في الولاية الشمالية بما فيها تلك التي تربطها بالخرطوم ليست لها جدوى اقتصادية بالقدر الذي يضعها في منافسة مع طرق أخرى في البلاد مثل «طريق الإنقاد الغربي» وغيره.

    لكن ما يدفعنا إلى الإصرار على الصرف على هذه الطرق هو استشعارنا العميق بأهمية استراتيجية ضمان الأمن الغذائي، القمح خصوصا، للسودان كله.. والذي لا تتوفر إمكانيات زراعته بكميات كبيرة سوى في الشمال حيث ينتج الفدان الواحد من 20 إلى 40 جوال قمح.. وهذا لا يتوفر في بقية أنحاء السودان.

    * عفواً، لكن نظام «الإنقاد» جرب استراتيجية توطين القمح في الشمالية منذ أيامها الأولى وفشلت.

    ـ نعم لم يحصل في ذلك تقدم كبير والسبب بات معروفاً.

    * ما هو هذا السبب؟

    ـ نتذكر جميعاً الهتافات الساخرة التي كان يرددها أهلنا آنذاك والتي جسدت الواقع: «تلت للأسبير وتلت للزبير وتلت للتير». (ضحك).. بمعنى أن المزارع يخرج بعد حصاد محصوله خالي الوفاض بعد أن يوزع إنتاجه على ثلاث جهات: الثلث لقطع غيار طلمبة الري، والثلث الآخر للجبايات الحكومية والثلث الأخير يأكله الطير.الخلاصة أن بعض الأخطاء شابت تطبيق الاستراتيجية التي لم تراع توفير المعينات اللازمة لزيادة الإنتاج وسبل التسويق.

    وهذا، بالمناسبة، ما أحبط الآمال في أن يكون السودان سلة غذاء العالم.. الشعار الذي كنا نسمع به منذ طفولتنا.. ولا شيء يمنع أن تحقق هذه الآمال بشرط توفير الطاقة وتأمين سبل النقل لضمان التسويق.. على هذين العاملين الأساسيين يعتمد نجاح الاستثمار في السودان.

    أقول هذا من منطلق عشرات التجارب التي خضتها شخصياً مع مستثمرين من الكويت والسعودية وغيرهما.. يأتي هؤلاء فيطلبون الحصول على تسهيلات لاستثمار مساحات واسعة في الزراعة.. وبعد أن نوفر لهم ما يطلبون من مئات الأفدنة ونفاجأ بهم وقد انسحبوا بسبب عدم توفر العوامل الأخرى اللازمة للاستثمار الضخم وأهمها الطاقة والنقل.

    زملاء في المقابلة

    حضر المقابلة إلى جانب «البيان» كل من الأستاذ حسن ساتي المحلل السياسي السوداني المعروف رئيس مجلس إدارة صحيفة «آخر لحظة» التي تنشر مع «البيان» هذه الحلقات بترتيب خاص، والذي رتب مشكوراً هذا اللقاء وأيضاً مدير مركز ليالي للإنتاج الإعلامي مأمون العجيمي.

    ساعة ونصف

    استمر اللقاء مع الوزير السوداني نحو ساعة ونصف الساعة.

    وفي بداية اللقاء دعانا الفريق حسين بإلحاح إلى تناول شيء مما احتوته سلتان على طاولة بوسط مكتبه فيهما كمية من البلح و «حلاوة المولد»

    الخرطوم ـ محمد خليل كاره
                  

04-29-2008, 00:35 AM

welyab
<awelyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وزير الدفاع السوداني: هدفنا إعادة توطين النوبيين لا تهجيرهم - محمد خليل كاره (Re: ASHRAF TAHA)

    جهد مقدر من قريبي ..

    لكن.... ما زالت تلك الهالة السوداء قابعة ..

    والسؤال البديهي .. لماذا اقدمت السلطات لاسلوب القمع !!!
    وهي كما تقول ...... قادرة على اتباع اسلوب الاقناع !!

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de