انظروا إليه إنه رينقو الصغير وهو يبتسم، ابتسامة تعكس نقاء قلبه رغم ما بوجهه من كدمات المجاري وأتربة الأزقة والممرات وما بعينيه وأنفه من آثار الكفاح من أجل الحياة .
إنها لحظة نادرة في هذه الدنيا العجيبة، لحظة سجلتها كاميرا الفنان، والتي لولاها ولولاه لذهبت اللحظة كما كل الأشياء التي مضت في البعيد، الأشياء التي لم يسمح لنا "الزمان" أبداً أن نراها، والزمان هنا ليس ذلك الكائن الذي يمكن أن يلقب بالدهر ويقاس بالساعات، بل هو الإسم الموارب لذلك التراكم من أفعال التراتبيات / الطبقات الاجتماعية وتحيزاتها وممارساتها واستبعاداتها مثل تلك التي تجعلنا ننسب فعل بناء الهرم الأكبر لخوفو وليس للبنائينالذين لا يعرف أحد شيئاً عنهم.
يا ترى ماذا كان يمكن أن يصير رينقو لو وجد ما يفترض أن يجده الأطفال من أنداده ؟
إن ابتسامته الجميلة التي توجي بأنه يمكن أن يكون مهندساً بارعاً يستطيع أن يملأ الفراغ بالجمال .
وقوة تحمله البادية، عياناً على وجهه واستنتاجاً من أنه حتى لم يتم القبض عليه لسرعته في العدو، هذه القوة توحي بانه يمكن أن يكون عداءا أسرع من " أبو بكر كاكي صاحب الميداليات الذهبية " أو لاعبا جباراً مثل دروغبا أو صمويل إيتو تهتف باسمه الملايين . انظروا إلى حلاقته بماذا توحي ..؟؟
إنها توحي بأنه مثل كل الناس، يسعى لأن يكون أنيقاً ويحلم بأنه في طريق العمر ، سيلتقي بفتاته الجميلة طبعاً، ويتجول معها في الحدائق الجميلة، ويحكي عنها لأصدقائه حكايات خرافية كما يحكي المحبون عادةً .
رينقو هذا، لو تحققت يوتيبيا أولاد قرف الذين عاشوا في ( الطريق إلى المدن المستحيلة ) تلك المدن الفاضلة التي توفر لأمثال رينقو مدرسةً وبيتاً وطعاماً ولغةً عادلة، ربما صار عالماً مثل باستير أو آينشتاين، أو ربما صار مثل بلزاك أو بشرى الفاضل .
ولكم المدن الواقعيات، كالخرطوم منشغلات كما ترون في بناء الأسوار ونسج شبكات الأمن لحراس البارونات القدامى والجدد من " شرور : أمثال رينقو، رينقو يخيفهم عندما ينظرون إليه من وراء نوافذ زجاج عرباتهم، فيعرهون إلى طلب المزيد من تشديدات المن والكشات ! أو في أفضل الحالات يهرعون إلى تدبيج المقالات حول الإحسان إلى الفقراء! ( الفقراء الذين من بينهم أم رينقو وأبيه، وجدته وأخيه ) دون أن يسألوا: لماذا صار هؤلاء فقراء ؟ وصاروا هم المحسنون أغنياء ؟ فالإحسان، في وضعٍ كهذا يمكن أن يكون أكبر رشوة لضمير الإنسان ينيمه أو يعميه حين يعبر صاحبه كل يوم بجوار الأماكن التي يتجمع فيها أمثال رينقو وهو يحمل " فلذات أكباده " الذين هم في عمر رينقو إلى المدرسة الخاصة أو المدرسة الأجنبية أو المدرسة النموذجية وهم حاملين ساندويتشاتهم اللذيذة في حقائبهم الملون الجميلة ، وليس في الأمر عجب .
المحسن / المحسنة يمكن أن يكون / تكون عضواً / عضواً في جوقة المغنين للحرية والعدالة والمساواة ، ولكن الحرية والعدالة والمساواة تعني في وجهٍ من وجوهها الجوهرية ومهما كانت اعتقادات الناس: " أن أعطي بقد رما تتيح لي مواهبي، وأن آخذ بقدر ما أعطي "
وعلى هذا الأساس فرينقو ليس حراً، وليس له من الدعالة والمساواة من ستحتوت، ( والسحتوت هو ما يلقى به من طعام )
رينقو لن يصير أي شيء !
فربما قبضت عليه الجهات التي يقوم وجودها وعملها على ترك الفيل والطعن في ظله ليخرج إلى حيث أتى أكثر الناس هزالاً في الروح والبدن .
أو ربما تمزقت رئتيه من شم السلسيون والبنزين .
أو ربما دهسته عربة في شتاءٍ ما ، وهو يتغطى بالكرتون في زقاق ما مثلما حدث لرفاقه من قبل . ويستمر المحسنون في رشوة ضمائرهم بإخراج الزكاة والدعوة للإحسان
المقال أعلاه .. هو باكورة ما خطه د. ابكر ىدم إسماعيل في الإصدارةالصحفية الجديدة " أجراس الحرية " عبر عمود في الصفحة الأخيرة يتناوبه وأصقاء آخرون تحت اسم " جرس أخير " مبدئيا ... هنيئا لنا بهذه الإصدارة وشكرا لها إذ أنها تتيح لنا فرح الإلتقاء بقامات وطنية عاشقة لهذا التراب ومحبه لهذا الوطن من أمثال د. أبكر آدم إسماعيل
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة