أمدرمان ليست للبيع !!
لقد لفت نظري مؤخراً خبراً أورده الأخ الفاضل بكري الصايغ في منبر صحيفة سودانيز أون لاين و لم يتسنّ لي التعقيب عليه . و الخبر يقول أن معتمد أمدرمان قد عرض أحياء الموردة و بانت و العباسية و أبو روف للبيع لمستثمرين كويتيين ! و لم أصدق ما قرأت و تساءلت هل هو جد أم هزل , أم ضحك و لعب ؟! و قرأت الخبر مرةً أخرى و أيقنت إن ما أقرأه حقيقةً و ليست خيالاً أو توهماً . و لكن ما عادَ هناك ما يستدعي العجب في زمن الجبهة أو الإنقاذ , فمنذ ان حط هذا النظام المشؤوم أحال الحياة في السودان إلى مأساة للانسان السوداني , تدمير شامل للحياة المعاشة و ما يميزها من مثلٍ فاضلة و اعراف مرعية و قيم إنسانية , فقد عز الطعام , و استشرت الأمراض الخبيثة المهلكة , و انحدر التعليم إلى أسفل سافلين , و عمّ الفساد الأخلاقي , و استأسد الاستبداد , و كم من عزيز قوم ذل و غني أفقر , و اهدرت كرامة الشرفاء في أقبية و أوكار التعذيب في بيوت الأشباح , و ازهقت أرواح الأبرياء بلا ذنب و بدون حق في دارفور ولم يستثنوا طفلاً ولا أمراةً أو شيخاً , و هتكوا الأعراض و اغتصبوا النساء , و أحرقت دورهم وسويت بالارض , و نهبوا ما يمتلكون من مالٍ و متاع و أنعام , في بشاعةٍ لم يشهدها السودان في تاريخه القديم و الحديث , و ضجت منها عدالة السماء و الارض . و بعد أن باعوا المصانع و المؤسسات و الشركات و البنوك الرابحة باثمان بخسة , و باعوا حتى الساحات و الملاعب في وسط الأحياء , تلفتوا يمنة و يسرة فلم يجدوا فضلةً من الاراضي , فهداهم فكرهم النفعي السقيم إلى بيع المدن بسكانها , و اية مدن ؟! انها أم المدائن مدينة أمدرمان و احيائها العريقة ؟ لقد رجعوا بنا في الزمان القهقرى إلى عهد الاقطاع عندما كان ملاك الاراضي يبيعون الارض و ما عليها من فلاحين ؟ إن الربح السهل و تجارة السحت و غشاوة الضمير و قصور العقل صار لهم الهادي في تصرفاتهم , فاضحوا كآفة الجراد متى حط على الاخضر من الزرع احاله إلى يباس و يباب , و بين ليلة و ضحاها , و هم الذين لم يكونوا يمتلكون شيئاً بالامس , شيدوا القصور و الفيلات الفارهة و ركبوا السيارات الفاخرة , و كدسوا الاموال بالباطل و السحت , و اخذوا باسباب التمدن من أدوات , و لكن لم تتأثر و تتغير طباعهم و افعالهم و ذهنيتهم الجنجويدية البدوية , و صدق فيهم قوله سبحانه و تعالى في الاعراب قبل ألف و أربعمائة سنة أو يزيد ( الاعراب أشد كفراً و نفاقاً و أجدر الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله و الله عليم حكيم ) من أين جاء هذا المعتمد ؟ لقد أورد في كلمته في حفل البيع أو المزاد مع المستثمرين الكويتيين إن أمدرمان هي بقعة المهدي و بلد الزعيم الأزهري ومثله في ذلك مثل صاحب البضاعة يزين بضاعته بالقول للشاري , فهل يا ترى يكون تبجيل هذين الزعيمين ببيع مدينتهم في صفقةٍ بائسة ؟! إن التفريط في تراث و مقدرات الوطن يتم دائماً في عهود الظلام الدكتاتورية , و ما عهد ضياع حلفا العزيزة و أثار النوبة ببعيد في عهد إبراهيم عبود , و هذه عهود تغيب فيها الحريات و يعتقل فيها الشعب و يكمم صوته و يبطش به , و يعيث فيها الفاسدون و المفسدون فساداً في الوطن الجريح . إن أهل أمدرمان هم أهل السودان جميعاً بأعراقهم و سحناتهم و الوانهم , و هي قلب السودان النابض , و موئل الحضارة و العلم و الفن و الرياضة و الثقافة و السياسة , و هي التي قادت السودان الحيدث إلى مراقي الحضارة و التمدن . مازالت الحسرة تتملكني كلما رأيت ما آل إليه شيخ الأندية نادي الخريجين بادرمان و الذي تعلمنا في ساحته دروس الوطنية في صبانا , و كذلك رديفه نادي الخريجين بالخرطوم و الذي أزيل من الوجود . أن هؤلاء الناس حاقدون على رموز السودان و تاريخه لأنهم بلا تاريخ و لا دور في صناعة أحداثه الوطنية , بل أستولوا على حكم بلادنا بالمؤامرة الانقلابية و بالبندقية و الدبابة . و من سخرية القدر أن يأتي بمثل هذا المعتمد و الذي لم يكن يحلم يوماً بأن يتسنم هذا المنصب وفي أمدرمان بالذات ! و بدلاً من أن يتولي المدينة بالتعمير و التطوير و توفير متطلبات الحياة الاساسية من الماء الذي شح و انعدم في المواسير , و الكهرباء التي اصبحت ترفاً وعمّ الظلام في الدور و الشوارع , و أن يلتفت لصحة البيئة , و أن يسعى لعمل مجاري صرف صحي في المدينة , و فوق هذا و ذاك توفير رغيف الخبز الذي أنكمش و زاد سعره و صار مهدداً لصحة المواطنين و ذلك لخلطه بمواد سامة مسرطنة , و دعك عن توفير التعليم الجيد للابناء , و توفير العلاج و الدواء للمرضى , و يحدث هذا بالرغم من الضرائب الجبايات الكثيرة التي اثقلت كاهل الناس الذين افقرتموهم بل صاروا تحت خط الفقر بينما أزدادت غنىً فئةُ قليلة من المنتسبين لنظامكم واقربائهم و محاسيبهم . و صار المعتمد سمساراً و دلالاً لبيع الارض العامرة بأهلها و ما عليها لتصبح منتجعاً و أماكن للهو و المتعة لفئة من الأثرياء المترفين من الأغراب ! بينما يقتلعون من الارض و يشردون سكانها من الوف الأسر . فليعلم المعتمد إن كان لا يدري أن كل المساكن في هذه الأحياء ما عدا حي بانت هي ملك حر لأصحابها و لديهم مستندات بذلك و ليست أراضي حكر , و قبل كل شيء فإن مساحاتها ليست أرضاً صحراء أو أرضاً يباب غير مسكونةٍ أو معمورة . إن المعتمد بفعلته هذه أساء إلى نفسه و أساء إلى حكومته و أساء إلى حزبه , و ليثق بأنه سيزيد الناس كرهاً فيهم إلى كراهة . و قد قال الفيتوري في نشيده لخالد – أصبح الصبح – في ثورة أكتوبر الخالدة أبدا ما هنت يا سوداننا يوماً علينا و نحن أهل أمدرمان و الموردة خاصة نقول أبداً ما هنتِ يا أمدرماننا يوماً علينا فليذهب هذا المعتمد غير مأسوفٍ عليه و بئس عمله و بئس الثمن البخس , فإن مليارات الشارين الكويتيين التي يطمع فيها باعة الاوطان لا تساوي لدينا حفنةً من ترابِ أرضنا . فأمدرمان ليست للبيع . هلال زاهر الساداتي

[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان

اراء حرة و مقالات	Latest Posts in English Forum
Articles and Views	اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases	اخبار و بيانات

الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة

About Us
Contact Us
About Sudanese Online

اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين

News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums

If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]