|
تناقضات الاخوان ....موقف عباس مدنى
|
موقف عباسي مدني
سمير عطا الله
لا نعرف الهدف الحقيقي أو الغاية الرئيسية من الخطوة الأخلاقية الكبرى التي اقدم عليها الشيخ عباسي مدني، عندما اعلن الاضراب الرمزي عن الطعام، استنكارا لخطف الرهينين الفرنسيين والرهينتين الايطاليتين في العراق. ولكن لا شأن لأحد في ذلك، فما يهمنا كرأي عام عربي، هو ان زعيم «جبهة الانقاذ الوطني» التي سكتت عن عمليات الخطف والقتل في الجزائر طوال سنين، يرفض الآن ثقافة تعذيب الابرياء واسترهان الأرواح وتجارة الخطف. ويكبر معنى الخطوة اكثر عندما ننتبه الى ان الاستنكار يشمل الفرنسيين، او يقصدهم بالذات. وتزداد اهمية اذا ما قيس موقف مدني بمواقف الذين احلوا قتل المدنيين، او المواقف الأسوأ، أي الصمت عن التوحش الذي يمارسه الارهاب، وتبريره بما تفعله الوحشية الاسرائيلية في فلسطين. الحقيقة ان احداً لا يمكن ان يساهم في لجم ثقافة القتل، اكثر من القياديين الذين عاشوا مرحلة نشرها. وللشيخ مدني تجربة واسعة في معظم تأملات هذه الحياة. فاذا كانت خلاصتها الوصول بالنفس الى الترفع عن الخلاف مع الدولة الفرنسية من اجل موقف انساني، فهو انتصار مشهود على الذات. ومن حسنات التجارب الشخصية انها تقرب الناس من الواقع والحقيقة، فتعلمهم ما يذوقه الآخرون، وتريهم ماذا يفعل العذاب والاضطهاد بضحاياه. فليس اسهل من اطلاق الكلام والتعليمات من خلف مكتب او شاشة تلفزيونية. الحقيقة مختلفة تماما ودامية وشديدة الصعوبة. وما يتعرض له الدكتور حسن الترابي وعائلته وبعض حزبه في الخرطوم هذه الأيام، مثال على الفارق بين سهولة الوصف وصعوبة المعاناة. فالمشكلة الكبرى في كل ما يعانيه الدكتور الترابي هو انه كان صاحب هذه المدرسة في معاملة السياسيين والقياديين والزعماء. وهو الذي أوصى بالسجون كحل سهل واختصار للوقت وسرعة تخلص من المعارضين. ولا يجد الدكتور الترابي اليوم فريقا سياسيا يقف الى جانبه، لأنه لم يترك زعامة سياسية في السودان إلا ورمى بها الى السجن أو الى المنفى. ولو ان قواعد المعاملة السياسية كانت قائمة في العالم العربي، لكان الدكتور الترابي محصناً الآن. لكن السياسيين العرب تبادلوا ارسال بعضهم البعض الى السجون والموت والمنافي والنسيان والفقر والاهمال. ويحدث ذلك كله من دون أي شعور بالندم أو بالذنب. فلا اهمية لحياة الآخر، سواء امضاها في مدافن السجون أو اختصرها ـ أي اختصرت له ـ الى المثوى المبكر. ومن هنا اعتقد ان موقف الدكتور مدني، مفترق تاريخي في العلاقات البشرية. ومحطة تاريخية في مسيرة الدم الجزائرية، التي لا توقفها القوة وحدها، بل الشعور بأهمية النفس البشرية.
|
|
|
|
|
|