موضوعات سودانية فى صحيفة البيان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 10:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة معالى ابوشريف (الكيك)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-17-2003, 09:34 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
موضوعات سودانية فى صحيفة البيان





    الأربعاء 23 شوال 1424هـ - 17 ديسمبر2003 -العدد 215


    الحركة الشعبية تتجاوز الآخرين


    اضاءة سودانية، بقلم: د. حيدر ابراهيم علي





    يبدو ان جون قرنق زعيم الحركة الشعبية هو الوحيد بين السياسيين السودانيين الذي يعرف ماذا يريد؟ وفي الوقت نفسه يحقق ما يريد، لادراكه جانب المعادلة: اي كيف يحقق اهدافه؟ ما هي الوسائل العملية؟. وهنا يكمل جوانب العقل الاستراتيجي السياسي: تحديد الاهداف جيدا وحسب المراحل، ثم وسائل التحقيق والانجاز. بينما اللاعبون الاخرون خاضعون لردود الفعل لذلك تربكهم مبادرات وخطوات قرنق الفجائية او التي تبدو كذلك. والحركة محظوظة حيث تتبارى كل الاطراف لكسب ودها وبالتي هي التي تحدد قوانين لعبة التقارب والتباعد مع القوى السياسية الاخرى. فالنظام والمؤتمر الوطني يريدان سحب بندقية قرنق التي يهز بها التجمع الوطني الديمقراطي مبرزاً قوته من خلالها. خاصة وان النظام اعلن مبكراً انه لا يحترم الا القوى وقد أعلن البشير في مناسبة ما ان ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، والسلطة اخذت بالقوة. وقرنق صمد عسكرياً وكسب سياسياً من خلال تحالفه مع القوى الشمالية وتفاوضه مع النظام.


    رغم ان قرنق تحدث بذكاء حين قال: «فعندما ذهبنا الى نيروبي كنت اضع على رأسي قبعتين احداهما قبعة التجمع الوطني الديمقراطي، والاخرى قبعة الحركة الشعبية والجيش الشعبي، وكان هدفنا ان نفي بمتطلبات القبعتين معاً ولقد اشبعنا حاجة القبعتين معا. هذا دليل على تحالف يفترض ان يكون استراتيجياً، والحركة تحتاج لحلفائها السابقين سياسياً. فالحركات المسلحة وصلت الى السلطة في اغلب الاحيان لانها حققت الانتصار في الميدان العسكري. بينما الحركة الشعبية توقفت عن الحرب وجلست الى مائدة المفاوضات وتوقيع اتفاقية السلام التي تمنحها قدرا من المشاركة، يفترض ان ينتهي معها الدور العسكري وان تهييء نفسها للعمل السياسي، وان ننسى انها حصلت على ما لديها نتيجة للحرب التي كان من الممكن ان تستمر الى ما لا نهاية. فالحرب عمل سياسي بطريقة اخرى.


    من المتوقع ان تبدأ الحركة الشعبية حواراً حقيقياً مع القوى السياسية، والحوار يختلف عن التفاوض الذي اجادته الحركة في الفترة الماضية. فالتفاوض يقوم على المناورة والضغوط لانتزاع تنازلات متبادلة اي المساومة، بينما الحوار هو محاولة للفهم المتبادل والبحث عن الارضية المشتركة لذلك فهو مستمر ومتواصل خلافاً للتفاوض الذي ينتهي مع انجاز المهمة التي خلقته: هنا ايقاف الحرب. ومن الملاحظ ان الحركة الشعبية لم تقم حوارا حتى مع الحلفاء وبعضهم اندمج في الحركة. والبيانات المشتركة ليست حوارا الذي يعني تداول الافكار بعد دراسات عميقة وتقييم جيد لكل الاطراف. وقد يبدأ الحوار بالمؤتمرات وورش العمل والندوات اي عمل فكري ـ سياسي لا يتوقف عند حدود الاحتفالية كما يحدث ويتكرر في لقاءات القوى السياسية. وهذه مسئولية كبيرة يتوجب على الحركة القيام بها والا تعتمد على رصيدها القتالي السابق فهذا تاريخ الان رغم انه تاريخ طازج وقريب.


    تواجه الحركة الشعبية مشكلة الديمقراطية الداخلية وقبول الاخر المختلف في الوقت الراهن وهذا مرتبط بعملية الخروج من العسكرة الى السلوك المدني الذي يتطلب قدرا كبيرا من اتاحة. فقد تكون ظروف العمل العسكري لا تحتمل التسيب والاهمال، واي خطأ قد يكلف الارواح ولذلك قد تحدث بعض التجاوزات في الظروف الاستثنائية ولكن استمرار الذهنية والممارسة لا يمكن تبريرها بعد انتهاء ظروف الحرب. رغم ان الانتهاكات مرفوضة اصلا مهما كانت المواقف. والان لابد للحركة ان تتعامل بديمقراطية تؤهلها لتمثيل السودان الجديد، شعارها الاستراتيجي. فالسودان الجديد لابد ان يكون ديمقراطيا ومتنوعاً ومتعدداً وعادلاً. واي تهاون في الدفاع عن الديمقراطية وتكريسها، هو عودة الى السودان القديم مهما كان انتشار الشعار.


    من أهم مهام الحركة الشعبية تأكيد وحدويتها على ارض الواقع والعمل على خلق تقارب حقيقي واقعي بين الشماليين والجنوبيين، هناك حاجز نفسي وثقافي ولدته الحرب والعداوات فصل بين الشماليين والجنوبيين. وهذا الحاجز يجب هدمه من خلال النظر الى المستقبل اكثر من التثبت المرضي بالتاريخ. ومن البداية لابد من الابتعاد عن اشعار الجيل الجديد بذنب لم تعد لديهم اي صلة به: الاضطهاد والظلم اللذان وقعا على الجنوبيين قد تكون ظروف الحرب والدعاية الايديولوجية كانت تقتضي تضخيم الظلم واستدعاء احداث من التاريخ او الماضي القريب لتأكيد عدالة القضية وتعبئة الجماهير. ولكن الان لابد من تغيير الخطاب السائد والبحث عن المشترك الذي يوحّد السودانيين. هذه واجبات الحركة الشعبية العاجلة لتأكيد الوحدة: التفاعل بين الشماليين والجنوبيين، ما يعني ان تتحول الحركة الى تنظيم قومي حقيقي وليس مجرد تنظيم جهوي يدافع عن مظالم مجموعات مهمشة، لان الحل لمشكلة السودان يفضي بالضرورة الى حل مشكلات المهمشين الموجودين في كل السودان، وليس فقط في الجنوب او المناطق الثلاث. هذه مرحلة انتقال تاريخية وحاسمة لبناء سودان جديد موحد وديمقراطي وحديث.








    الأربعاء 23 شوال 1424هـ - 17 ديسمبر2003 -العدد 215


    الحركة الشعبية والقوى السياسية


    إضاءة سودانية، بقلم: د. الطيب زين العابدين





    لقي وفد الحركة الشعبية الى الخرطوم في الأيام الفائتة ترحاباً حاراً يعكس تسامح أهل السودان وميلهم الى العفو وحسن استقبالهم للضيف، وكانت القوى السياسية الشمالية خاصة المعارضة لحكومة الانقاذ في مقدمة المحتفين بالوفد الزائر. هذا لا يعنى أن هذه القوى مطمئنة تماماً لتوجهات الحركة وسياساتها بل وقضايا التفاوض التي تطرحها. فالقوى السياسية تريد أن تطمئن الى قومية الحركة التي تتفاوض فقط على حقوق أهل الجنوب وحصتهم في الحكومة الاتحادية وفي الخدمة المدنية وفي مقاعد المجلس التشريعي، واستقلالهم بحكم الجنوب، ونصيبهم من ثروة البلاد القومية وحقهم في الاستئثار بأكبر قدر من عائدات النفط في الجنوب، وتريد الحركة أن تضم بعض مناطق الشمال التي تتبع له منذ عهد الحكم البريطاني (أبيي وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق) الى حكومة الاقليم الجنوبى وأن يكون من حقها في نهاية الفترة الانتقالية أن تنضم الى الجنوب في استفتاء تقرير المصير، وحجتها في ذلك أن بعض أبناء هذه المناطق قد حاربوا جنبا الى جنب مع الحركة الشعبية مما يعنى أن المكاسب تقسم بناءً على حمل السلاح لا على الحق والعدل. ولم تحاول الحركة أن تناقش حظوظ وحقوق أقاليم السودان الأخرى فان خصوصية الجنوب الغاء حقوق الآخرين.كيف تطمئن القوى السياسية الى قومية الحركة وهي تتخذ هذا النهج؟


    وتتخوف القوى السياسية أيضا من التزام الحركة الشعبية بالنظام الديمقراطي، فالحركة تعلم أن أهم قضية بالنسبة للمعارضة الشمالية التي كانت حليفة لها لسنوات عديدة هي قضية التحول الديمقراطي في السودان، ولم تشأ الحركة حتى الآن أن تجعل هذه القضية محل تفاوض بينها وبين الحكومة، وهي حركة عسكرية في المقام الأول يشك الناس في احترامها للنظام الديمقراطي، ولم تقم في الأماكن التي سيطرت عليها في الجنوب ادارة مدنية أو نظمت بها انتخابات ولو على مستوى المحليات.


    وقد استوعب الوفد الزائر للخرطوم، كما جاء على لسان رئيسه، ان الجماهير تريد أن يصل المتفاوضون في نيفاشا الى اتفاق سلام بأسرع فرصة ممكنة، وأنها تريد السلام والديمقراطية وتصر على أهمية التحول الديمقراطى في البلاد لأنه ليس هناك سلام بدون ديمقراطية، وأن التحدى الذي يواجه الجميع هو بناء نظام اقتصادى عادل ومتطور. لقد عرف وفد الحركة اذن مطالب الجماهير وهي في الانتظار لترى ماهي الخطوات التي تتخذها الحركة الشعبية من أجل تحقيق تلك ال





    الأربعاء 23 شوال 1424هـ - 17 ديسمبر2003 -العدد 215


    نيفاشا تقود السودان إلى المجهول


    خالد محمود






    اللحذر لذي استقبلت به القوى السياسية السودانية انباء اتفاق نيفاشا ـ وقبلها اتفاق ماشاكوس اكثر من خلفية، فالعبارة الشهيرة التي اطلقها احد الساسة البريطانيين بأن السودان مقبرة الدبلوماسيين اكثر من معبرة، والمسألة السودانية منذ الاستقلال واحداث توريت بمنتصف الخمسينيات لم تنتج فقط عددا من المبادرات السياسية بما يتجاوز ما فعلته أي قضية اخرى بل كانت قادرة ايضا على التهام وابتلاع هذه المبادرات والعودة الى الطور النزاعي وكأن شيئا لم يكن. فعلى الرغم من الادراك العام لدى عموم السودانيين في الحقبة الاخيرة من خيار الحرب الذي دفعت البلاد ثمنه اكثر من 5.1 مليون قتيل و4ملايين لاجيء وخراب اقتصادي انتهى بالسودان سلة غذاء العالم الى التحول الى ضحية للمجاعة والامراض، كما دفعت ثمنه ثلاث انقلابات عسكرية ـ اخرها مطعم بالتطرف الاصولي، بالرغم من هذا الادراك الذي بات يؤمن بحتمية السلام أي كانت استحقاقاته، الا ان ترجمة هذا الايمان كقناعات وفعل وسلوك سياسي مازالت تعترضه الكثير من العقبات.


    كان اتفاق نيفاشا 25/9/2003 استثنائياً في تفصيلته، فلأول مرة في تاريخ التفاوض السوداني ـ السوداني تتطرق اجندة المفاوضات الى تفريعات الترتيبات العسكرية الى هذا الحد، تلك المفاوضات التي جعلت الشركاء يستمرون في التفاوض لمدة 22 يوماً، ومع ذلك الاصرار وتلك الرغبة في متابعة تفاصيل التفاصيل لا يملك المتابع الا ان يسأل نفسه.. الى اين تمضي نيفاشا بالسودانيين الى الوحدة ام الى الانفصال الى السلام ام الى نسخة معدلة من انتاج الحرب الى الثروة النفطية ام الى سياسات المجاعات والافقار، ولماذا بدا الاتفاق كصيغة زواج عيني الطرفين فيها على صباح يوم الطلاق؟؟ باديء القول ان اتفاق نيفاشا هو سطر التتمة في الحل السياسي المستند الى مبادرة الايجاد واتفاق ماشاكوس. هذا الحل الذي كان في جوهره بلورة لرؤية جديدة لقضية الجنوب السوداني قامت على الاعتراف بالمظلمة التاريخية للجنوبيين وعلى التهميش السياسي والاقتصادي الذي تعرضوا له وعلى ان مشروع الاستقلال الوطني لم يضمن لهم داخل مظلته حقوقا تذكر. ويعتبر هذا الفهم والذي يصل عند قائد سياسي مثل الصادق المهدي الى حد صياغة مشروع اعتذار تاريخي على نحو ما حدث في الولايات المتحدة، او على نحو ما حدث زوراً عند الفاتيكان واليهود، او على نحو ما كان مقترحا بين الغرب وعموم افريقيا في مؤتمر ديربان 2000، مختلفاً تماماً عن الفهم الكلاسيكي الذي تربت عليه نخبة الاستقلال السودانية من ان الحديث عن المظالم والتهميش نسبي وانه ان كان التفاوت موجودا بين المناطق في أنصبة الثروة والخدمات فلا يمكن الكلام عن قضية جنوبية، ولا يمكن تصنيف الاعمال المسلحة التي تعبر عن الاحتجاج على هذه المظالم الا في خانة التمرد.


    لقد كان الاعتراف بقضية جنوبية او بمسألة جنوبية على الاقل بما انتهى ذلك بالاعتراف بحق تقرير المصير سمة الخطاب السوداني في حقبته الثالثة، ومن غريب المصادفات ان الجبهة الاسلامية التي جاءت لقطع الطريق عام 1989 على اتفاق كوكادام وعلى منطق التفاوض مع الجنوبيين ورفعت في مواجهة ذلك شعارات جهادية ودينية هي التي بادرت في اتفاق فرانكفورت في 25/1/1992 الذي قاده علي الحاج بالاعتراف بحق تقرير المصير والذي ابرم مع الفصيل المتحد ـ الفصيل الجنوبي المنشق على الحركة الشعبية والذي يقوده رياك مشار منذ تلك اللحظة اصبح هذا الامر من مسلمات الادبيات السياسية على الجناحين الحاكم والمعارض، فالمعارضة في مقررات اسمرا 97 تقول عن حق تقرير المصير ما تقوله الحكومة في اتفاق الفصائل الجنوبية عام 1998 ـ وكأن الطرفين وفي ظل غمرة الاقتتال كانا يقران بحقيقة سياسية عامة ولدت ـ واستقرت ـ ولم تعد تتحمل الانكار. وحتى فيما يتعلق بالموقف الاميركي هو الاخر، فقد تبلور مبكرا ولم يأت كما يتصور البعض مرافقاً لشطحات المحافظين الجدد او ميولهم التفكيكية.


    ففي اكتوبر عام 1993 وفي اجتماع دعا اليه السناتور هاري جونستون رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الاميركي، وجرت فيه مناظرة حول القضية السودانية انتهى الحضور والذي كان يضم اكاديميين وعسكريين وساسة من جميع ألوان الطيف الجنوبي الى ان حل القضية في ان يقرر الجنوب مصيره بنفسه ـ وقد اقترح جونستون ـ تفريغ هذا الكلام في وثيقة سميت اعلان واشنطن يوقع عليها جميع الحضور بمن فيهم جونستون نفسه.


    تطور


    لقد كان الوصول الى محطة نيفاشا ليس حلاً وسطاً تاريخياً بين ضدين، الجبهة والحركة، وانما كان تطوراً وانتصاراً لمفهوم على مفهوم ـ مفهوم السودان الجديد وازالة مظلمة الجنوب وحق تقرير المصير والدفاع عن المناطق المهمشة والمقرطة والعلمنة التي رفعها جون قرنق ـ وحمل تأثيراتها داخل خطاب التجمع ـ وتوازى معها بابداع نوعي حزب الامة وبعض الفصائل على مفهوم الجبهة والقوى التقليدية ـ حاجته ما اسمته بالمشروع الحضاري ـ والنهج الجهادي والرؤى الاحادية والشمولية.


    ولا تعني الاشارة الى هذا الامر الاعتراف بالتصور النظري ان قرنق والحركة ممثلين للديمقراطية والعلمانية والسودان الجديد وان الجبهة بالكامل وفي كل مسيرتها التاريخية ممثلة لسودان المظلمة. فحتى وان كان الجزء الاخير من المعادلة ليس بعيدا عن الحقيقة فان شواهد التاريخ انتهت بنا من خبرات الحرب الباردة ان كافة الاغطية الايديولوجية والعقائدية كشفت تحتها عن اوضاع قبلية وبدائية متكلسة لا تمت بصلة للاشارات المتقدمة والبراقة التي تحملها، وحتى لا نذهب بعيداً فان شهادة رياك مشار المنشورة بتاريخ 18/9/2003 على الموقع الالكتروني لـ «سوث سودان ينشن» حول الواقع الاستبدادي والشمولي والقبلي لداخل الحركة الشعبية نموذجاً محتملاً لهذا الامر. في صيغة اخرى فان واقعاً سياسياً انتصر على واقع مضاد، ومنطق سياسي مثلته الحركة الشعبية وحولها التجمع وامامها وخلفها ومعها وضدها الامة، انتصر على واقع ومنطق اخر، بغض النظر عن صحة وصدقية الحركة في التزامها بالمرجعيات المعلنة.


    هناك رؤية ترى فيما طرحه قرنق، انه البراغماتي الاكبر، فبدلا من ان يقامر على جزء من السودان ـ كما فعلت الحركات الجنوبية المسلحة مثل انانيا او انانيا، فانه هذه المرة يقامر على السودان كله، وهو بطرحه للسودان الجديد يربط نفسه بأحلام المهمشين في جبال النوبة والذين قادوا حركة مقاومة مسلحة بقيادة يوسف كوه، وبالانفسنا، وبحركات تمرد غرب السودان اضافة الى الكفاح التاريخي لمؤتمر البيجا. كما يرى اصحاب هذه الرؤية ان طرح قرنق للعلمانية ايضا يخرج به عن دائرة احتراب مع الثقافة العربية الاسلامية او بصيغة ادق لا يجعل الامر محاولة للانتصار للثقافة الجنوبية الاحيائية ـ المسيحية في مواجهة الثقافة الشمالية الاسلامية، بل تجعله اقرب لليبرالي المؤمن بحقوق جميع الثقافات من ثقافة الدينكا والنوير والشلوك الى ثقافة الزاندي الى الثقافات الاستوائية من امتدادات التبت الافريقي والتي لها تفريعاتها في السودان.


    الشاهد ان الحركة نجحت اولا في جعل منطقها مفهوماً سواء للمعارضة الشمالية التي بلغ تعسف انقاذ ما قبل التوالي والبيروستريكا معها الى ان يصبحا في صف واحد، او الشارع السوداني العادي الذي جعلت الازمة الاقتصادية ومحرقة الحرب اليومية التي تدور بلا افق منه رديفاً بلا منازع لمشروع السلام او المنظمات الحقوقية والكنسية والغوثية العالمية في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة.


    على هذه الارض جاءت ماشاكوس ثم نيفاشا لتبلور هذا المنطق، والذي كما سبق الاشارة اقرب لحل انتصار تاريخي على كونه حلاً وسطاً تاريخياً، وقد ساعد على ذلك الامر ثلاثة متغيرات: ـ ان حكم الجبهة الاسلامية في ظل صدام الولايات المتحدة الاميركية مع الانظمة الاصولية اتخذ اغرب تكتيك ـ لم يتوقعه احد وهو الانقلاب على نفسه فتنكر لمرجعياته ومارس تحت قيادة شيخ البراغماتيين العرب د. حسن الترابي واقعياً شعار اصوليين بلا اصولية فتنازل عن قضية الحدود وتسامح مع فكرة العلمانية ودعا لما اسماه بالتوالي ومارس نوعا من التقية الجماعية وهنا يجدر الاشارة بأن هذا النهج ليس جديداً حيث تم ممارسته في حقبة نميري في قضية تطبيق الشريعة، وانتهت تواترات هذا النهج للاطاحة بجناح الترابي ذاته ولفتح ابواب السودان بلا حدود للتعاون الدولي فيما يسمى بمكافحة الارهاب بما يلامس القضية المشتعلة التي تركز عليها الولايات المتحدة الاميركية.


    ـ بروز عامل النفط في السودان. فعلى الرغم من ان قضية النفط قضية جوهرية في الصراع السوداني منذ فترة قديمة فان الفترة الاخيرة شهدت تغيرات محددة. فقد اتى الى السلطة جورج بوش الذي تربى في بيت نفطي وكان يشغل منصب رئيس مجلس ادارة شركة بترول والذي جاء معه طاقم معظمه يملك الحيثية نفسها، بل ان حتى المساعدين الابعد مثل زلماي خليل زاد المبعوث لافغانستان والذي لعب دوراً في العراق كان مثلا مستشاراً لشركة يونوكال الاميركية والتي سعت لدى طالبان قبل الحرب على افغانستان للسماح لها بمد انابيب الغاز عبر الاراضي الافغانية.


    وتعتبر خطة بوش للطاقة كما يشير الى ذلك مايكل كلير استاذ دراسات السلام والامن العالمي في جامعة هامشير ومؤلف كتاب حرب الموارد ـ المشهد الجديد للنزاع العالمي في مقال نشر بمجلة «التاريخ الحالي» مارس 2003، مكونا اساسياً لهذه السياسة سواء في الشرق الاوسط او آسيا او افريقيا. وتقوم خطة بوش على رصد خطورة حالة التبعية للخارج في المجال النفطي الذي يشكل 35% من استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة الاميركية في الوقت الحالي، تحصل الولايات المتحدة على 53% من هذا النفط من مصادر خارجية ويتوقع ان ترتفع الى 62% بحلول 2020 وهذا يعني زيادة الاستهلاك بنسبة 50% اي من 4,24 مليون برميل في الوقت الحالي الى 1,37 مليون برميل في المستقبل، وبدون هذه الكميات الاضافية المستوردة ستجد الولايات المتحدة الاميركية صعوبة بالغة في الحفاظ على النمو الاقتصادي وفي تأمين الطاقة اللازمة لاساطيل السيارات والطائرات الاميركية لقد اعتبرت خطة بوش هذه التبعية تمثل نوعا من التهديد للامن القومي وحذرت ان الامور اذا مضت على هذا النحو فستعني ان الولايات المتحدة ستستورد بعد 20 سنة نحو برميلين من كل ثلاثة براميل تستهلكها وعليه دعت الخطة الى السير في طريقين متوازيين الاول هو استغلال كل مصدر محلي للطاقة بما في ذلك المحمية الطبيعية في الاسكا وكذا انظمة الطاقة البديلة والثاني هو التأمين المطلق للطاقة المستوردة. ان الولايات المتحدة كما تقول الخطة عليها انفاق نحو 5,2 تريليون دولار على النفط المستورد حتى عام 2020 وبالتالي فان على الحكومة الاميركية ان تؤمن هذا الانفاق امنيا وعسكرياً.


    تفسير نفطي


    فيما يخص السودان هناك ايضا تطور خاص يخص النفط اذ يمكن اعتبار 30 اغسطس 1999 نقطة تحول خاصة في التاريخ النفطي السوداني. معنى ذلك اليوم انضم السودان رسميا الى الدول المصدرة للنفط حيث ارسل شحنته الاولى البالغة 600 الف برميل الى سنغافورة عبر انبوب يمتد 1600 كيلومتر تحت الارض من حقول نفط هجليج في الجنوب الى مرفأ البشاير على مسافة 400 كيلومتر شرق الخرطوم. وقد كان وراء هذه القفزة كونستريوم يضم شركة النفط الوطنية الصينية وشركة بتروناس الماليزية وسودابت السودانية واركس الكندية حيث بدأ العمل عام 1999 بطاقة 150 الف برميل يوميا ارتفعت الى 200 الف عام 2000 ثم 230 الفاً عام 2001 ثم الى 250 الفاً في الوقت الحالي.


    وبالرغم من اعتبار البعض ان التفسير النفطي للسياسة الاميركية هو تفسير كلاسيكي وساذج ومتهالك الا اننا هنا بصدد الحديث عن وساطة في مشروع سلم ولسنا بصدد الحديث عن شن حرب من نوع الحرب على العراق او افغانستان، كما انه يمكننا الانتصار جزئيا لهذا التفسير بمعنى ان لوبي النفط ولوبي المدرسة الواقعية الاميركية قد غلب وجهة نظره على تحالف اليمين المسيحي ومجموعات الاميركيين الافارقة وانحاز لصالح انجاز تسوية ملموسة تبدو متوازنة بدلا من الانسياق لقصص الرق وروايات الاضطهاد الديني التي احاطتها المبالغات.


    ويؤكد هذا التصور الملابسات التي احاطت بمشروع قانون سلام السودان في الاروقة الاميركية. فقد تبنى مجلس النواب في يونيو 2001 مشروع قانون يدين الخرطوم ويخصص 10 ملايين دولار للمعارضة الجنوبية وينص على عقوبات على الشركات التي تستثمر في السودان. لكن قبل ان يصل المشروع الى مجلس الشيوخ فيقره ويصبح قانونا حشدت ادارة بوش قواها بعد ان كانت استقرت على ان وقف الحرب هو الحل العملي لتعود الشركات الاميركية وبالتالي جاء تصويت مجلس الشيوخ في اغسطس 2001 على قانون سلام السودان مختلفا عن تصويت مجلس النواب، كما تبعت ذلك بجملة اجراءات مختلفة تماما عن سياسات كلينتون الصدامية ومن بين ذلك ارسال ممثلي المنظمات الانسانية الاميركية وممثلي الوكالة الاميركية للتنمية الدولية وارسال 40 الف طن من المساعدات الغذائية الى الشمال السوداني وتعيين قائم بالأعمال للسودان مقره نيروبي ثم تعيين السيناتور السابق جون دانفورث مبعوثاً خاصاً للسودان وغير ذلك.


    لقد انتهت التوجهات الاميركية في هذا المضمار لبعض النجاحات حيث خرجت الشركات الغربية الواحدة تلو الاخرى ففي يناير 2002 اعلنت شركة «لوندن اويل» وقف اعمالها في السودان، وبعدها «اوام» النمساوية وقبلهما «تاليسمان» الكندية التي قاومت طويلاً حتى اعلنت في منتصف يونيو عن بيع حصتها في الكونستريوم السوداني والبالغ 25% الى الحكومة الهندية.


    ـ تطورات سبتمبر.. كانت واقعة سبتمبر وما تلاها من الحرب على افغانستان والعراق ـ والفشل الاميركي في تقديمهما نموذجاً للاستراتيجية الاميركية الجديدة عاملاً جديداً للاندفاع نحو التسوية.


    فالولايات المتحدة عاجزة للحظة عن اقناع الشرق الأوسط والعالم الثالث ومعظم شعوب العالم ان حربيها في العراق وافغانستان كانتا من اجل الديمقراطية ـ كما ان تصاعد المقاومة في البلدين ـ وخاصة العراق ـ مثل تحديا واحراجاً ضخماً لادارة بوش امام شعبه، كما ان هناك منتجاً ثانوياً لهذه السياسات هو انتشار تصور ذهني في الشرق الاوسط يرى في الحروب الاميركية حروباً على الاسلام والمسلمين. لكل هذه الخلفيات أبدت امكانية قيادة الولايات المتحدة لمشروع تسوية في السودان بارقة امل كبيرة حدت بكولن باول ان يهبط على ارض التسوية بنفسه حيث وجدها فرصة تاريخية لتقديم الولايات المتحدة داعية سلم وراعية تسوية وداعمة للاستقرار والرخاء.


    تجسد هذه الاعتبارات الثلاثة المستجدات التي حفزت ظهور ماشاكوس ـ نيفاشا وهي اعتبارات تكشف ان المقارنة بينه وبين اتفاق اديس ابابا 1972 غير واردة بالمرة. فاتفاق اديس ابابا تم في ظل دعم سياسي عام شمالي وجنوبي اما اتفاق اليوم فانه يتم بين الحكومة والحركة الشعبية واذا لم يتم توسيع قاعدة دعم الاتفاق ليشمل المعارضة الشمالية او بتعبير آخر القوى السياسية الشمالية وكذلك القوى السياسية الجنوبية فسيصبح ورقة في مهب الريح ـ خاصة ان مشكلة المسألة السودانية في معظم الاحوال هي عدم شمولية الاتفاقات لتحيط بكل القوى الفاعلة. وعلى سبيل المثال تحفظ حزب الاتحاد الديمقراطي على الاتفاق واعتبره المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي انه تجاهل الرؤية الشاملة للحل السياسي وتحفظ عليه التجمع الوطني الديمقراطي الذي اعتبره فتح الباب امام قيام دولة ثيوقراطية، واحتج لام اكول حليف الحكومة السابق وقائد الفصيل الثالث الاهم في الحركة الجنوبية بينما عاب عليه حزب الامة بعدم وجود آلية لمشاركة القوى السياسية وافتقاده الى التوازن والاستدامة وعدم وجود دور لجيران السودان الشماليين يساوي دور دول القرن الافريقي واعطاء الاتفاق الاسرة الدولية دورا مهما في القوات المسلحة السودانية ثمة فارق اخر لا يقل اهمية يميز هذا الاتفاق عن اديس ابابا هو ان قوة الدفع وقوة ابقاء الاتفاق داخلية. فالاتفاق اقترحه وتوصل اليه سودانيون وتمت رقابته سودانيا، بينما الاتفاق الوليد يستمد حياته وحرارته من الخارج، وفي اللحظة التي ينتهي فيها هذا الدعم سيسقط تلقائيا.


    هذا على صعيد الشكل وملابسات الاتفاق ـ اما على صعيد المضمون ـ فقد تضمن اتفاق نيفاشا نموذجاً توفيقيا فيما يخص وضع مؤسسة القوة ـ يعتبر ضربا من ضروب المقامرة. فقد نصت بنود الاتفاق على انه في اطار السودان الموحد وفي حالة تأكيد الاستفتاء الشعبي لتقرير مصير الجنوبيين على الوحدة بعد المرحلة الانتقالية فان الطرفين يوافقان على تشكيل جيش السودان في المستقبل والذي سيكون مؤلفا من القوات المدمجة والقوات المسلحة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان، كما نص ان يظل الجيشان الرئيسيان الجيش السوداني الحالي وجيش الحركة على انهما جيشان متساويان وانهما يمثلان القوات الوطنية المسلحة للسودان خلال الفترة الانتقالية وان يتفق الطرفان على مبدأ التخفيض النسبي لحجم القوات المسلحة لدى الطرفين خلال توقيت مناسب عقب اتمام ترتيبات وقف اطلاق النار الشامل، وألا يكون للقوات المسلحة قانون داخلي وامر انتداب الا في حالة الطواريء المنصوص عليها دستوريا.


    والواضح هنا ـ انه حتى اذا تم التجاوز عن ملاحظات محقة يبديها البعض عما تحمله هذه البنود من انتهاك للسيادة السودانية وعدم جواز مساواة الجيش القومي الحالي للسودان بالجيش الشعبي للحركة، فانه من الزاوية الواقعية لا يمكن تصور وجود جيشين منفصلين في بلد واحد لهما الوضعية نفسها دون ان ينتهي الامر بينهما بالاحتراب ـ الا في شرط اخر ـ وهو جودها تحت اشراف مؤسسة قوة اكبر واقوى خارجية وهو امر قد يزيد الامر تعقيدا ويمكن ابداء التحفظ نفسه على النقاط الخاصة بإعادة الانتشار والتي لم يخف الاتفاق هذه المرة القول انها ستتم تحت اشراف مراقبة ومساعدة دولية، وكذا تشكيل الوحدات المشتركة والمدمجة.


    لقد عزز جون قرنق هذه المخاوف حين قال في خطاب للقيادات العسكرية الجنوبية في بورميك ان اهم انجازات اتفاق نيفاشا هو احتفاظ الجيش الشعبي بمئة الف من مقاتليه وعدم تكرار خطأ انانيا بالاندماج في الجيش القومي اضافة الى قيام الخزينة العامة للدولة بالانفاق على الجيش الشعبي وتحويله إلى جيش محترف مشيراً الى انها شركة اضداد.


    كذلك بدا الاتفاق امتداداً لما بدأ في ماشاكوس باعتبار المسألة السودانية مسألة شمالية ـ جنوبية بالرغم من القضية الجنوبية هي جزء من المشكلة فقضية توزيع الثروة تخص جميع السودانيين وكذا قضية غياب التنمية والديمقراطية، كما ان الاتفاق ارسى بهذا النهج انه لن يتم التفاوض الا تحت جعجعة السلاح وبالقدر الذي يمثله هذا السلاح من خطورة وبالتالي يجعل امراً وارداً في المستقبل القريب ان يقوم فصيل جنوبي اخر بقيادة لام اكول مثلا او حتى التمرد الحالي في دارفور بطرح اجندته منفرداً ما توافرت له حاضنة دولية.


    ولاشك ان انتقاد الاتفاق لا ينطلق وسط ما عاناه السودان ووعي الجميع بالمظلمة الجنوبية والتسلح بالوعي الديمقراطي ـ من رغبة في النكوص الى مراحل سابقة، لكنه ايضا يستهدف ألا تستبدل المظلمة بمظلمة وألا يلتبس منطق الوعي الديمقراطي بمنطق الوعي بموازين القوة وألا يقبل نزعات الاستقواء على المعادلة الوطنية السودانية بما يدمرها.


    وفي هذا الاطار قدم حزب الامة جملة توصيات تخص تطعيم الاتفاق بما يحميه سودانيا تضمنت ان يتبنى الطرفان الحكومة السودانية والحركة الشعبية تكوين مجلس قومي يسمى مجلس الشركاء الوطنيين ليقوم بمهمة سودانية على نمط شركاء الايغاد ويكون له دوره في المراحل المقبلة، وان توجه الدعوة من الجهات المعنية لمصر وليبيا في المقام الاول ثم نيجيريا وجنوب افريقيا للمشاركة في عملية السلام وان يكون للامم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي دور مراقبين مع الاتحاد الافريقي وان تتم معالجة النقاط الخاصة بالسلطة والثروة وازالة اثار الحرب والدستور الانتقالي والانتخابات بمنطق التعاضد الوطني.


    وقد يختلف البعض او يتفق مع توصيات حزب الامة خصوصا تلك التي تعول على قوى اقليمية ودولية في عصر الامبراطورية الاميركية التي لم تعد حتى تسمح لاوروبا بأن تلعب دوراً، لكن هذا الاختلاف لا يعني قبول ما تردده اطراف مؤسسات القوة الثلاث من اعتبار انه الحل المثالي ـ هو بالفعل حل مثالي لهذه المؤسسات، لجبهة الانقاذ التي لا تصدق انها مازالت في الحكم فيما كان المفروض انها مطاردة في الجبال، ولجون قرنق الذي انتهت التغيرات الاقليمية والدولية به الى وضع تعادلي، وللولايات المتحدة الاميركية، اما بالنسبة للشعب السوداني فهو حل جيد يوقف الحرب وينهي الدمار ويفتح الباب له امام استغلال ثروته النفطية ويشق به الطريق نحو التنمية لكنه ايضا يحمل ثغرات قد تنتهي به الى الاسوأ كما انه يعرضه لمثالب المؤسسات الثلاث مجتمعة.





                  

12-17-2003, 09:47 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: موضوعات سودانية فى صحيفة البيان (Re: الكيك)





    الأربعاء 23 شوال 1424هـ - 17 ديسمبر2003 -العدد 215


    دارفور جرح السودان النازف


    بقلم: د. ابراهيم الامين





    في افريقيا عموما لم تحقق الدولة الوطنية بعد خروج المستعمر تطلعات المواطن الافريقي لعجزها واستبدادها... تخلف الحركة السياسية، ضعف المجتمع المدنى أفرز ظاهرة التفتت والولاءات الضيقة (تكتلات قبلية داخل الدولة) وعابرة للحدود في الدول التي تقطنها قبائل مشتركة...


    لهذا عرفت دول كثيرة في افريقيا حركات عسكرية ارتكزت في عملياتها للاستيلاء على السلطة على اراض وعلى مساعدات مباشرة قدمت لها من دول مجاورة... غياب الاستقرار والولاء للكيانات الاولية واللجوء للبندقية كوسيلة لحسم الاختلاف ادى الى اتساع دائرة العنف والحروب الاهلية والى انتشار المجاعات والامراض القاتلة (الايدز - الملاريا - الايبولا - امراض سوء التغذية) ... اهمال الدولة للريف اضافة الى ما احدثته الكوارث الطبيعية (الجفاف والتصحر) ادى الى خلل في التوازن السكانى ÷ السودان كمثال يعتمد اقتصاده على القطاع التقليدى (الزراعة والرعي) ÷ اهمال هذا القطاع يعنى مزيداً من الهجرة من الريف مما ادى الى تدهور نوعية الحياة في الريف وفي المدن التي تم ترييفها... السودان اليوم الدولة رقم واحد من حيث عدد النازحيين من ابنائه وفي المرتبه الرابعه بين الدول المستقبلة للاجئين...


    فهو مع موقعه الوسيط ومساحته الواسعه محاط بدول مازومة انعكس غياب الاستقرار فيها في شكل موجات متلاحقه من اللاجئين، القائمة طويلة احداث الكنغو منذ ستينيات القرن الماضى ÷ الصراعات الدامية في يوغندا ودور قبائل الشمال اليوغندى وجنوب السودان فيها. وعلى حدودنا الشرقية تضرر السودان كثيرا من افرازات حرب التحرير الاريترية ومن الحروب الاهلية في اثيوبيا ومن الجفاف والتصحر في تلك البلاد.


    الحرب الأهلية في دارفور:- يشهد اقليم دارفور ثلاثة انواع من الصراعات وصل كل واحد منها الى حد الاحتراب والعنف وهي:


    (1) حمل السلاح ضد الدولة (التمرد على السلطة الحاكمة)


    (2) الصراع العرقى وهو الذي يدور بين القبائل العربية وغير العربية (الفور - المساليت...الخ) فقد جاء في وثائق مؤتمرات الصلح بأن نحوا من ثلاثين قبيلة ذات اصول عربية اشتركت في الحرب ضد قبيلة الفور وضد قبيلة المساليت. القبيلتان من اصول غير عربية.


    (3) الصراع حول موارد المياه وهو صراع قد تختلف اسبابة بين القبائل العربية او بين القبائل ذات الاصول غير العربية حول المسارات وموارد المياه.


    حمل السلاح ضد الدولة في اقليم دارفور حدث جديد ارتبط بالنظام الحالى الذي اعلن بعد وصوله للسلطة بقوة السلاح بأنه لا يعترف الا بمن حمل السلاح لذلك تفاوض منذ ايامه الاولى مع الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان ورفض الحوار مع كل القوى السياسية الاخرى... بعد ان تحقق لحملة السلاح مكاسب في الجنوب وتتحدث الحركة الان عن مناطق في الشمال (المناطق الثلاث) وهي مكاسب عجزت القوى السياسية الاخرى عن تحقيقها. لذلك اتسعت دائرة العنف وتمددت الحرب الاهلية لتشمل مناطق في الشمال شكلت الحرب الدائرة في دارفور اخطر حلقاتها رغم انها بدأت في اطار قبلى محدود في جبل مره (وهي منطقة مرتفعة في غرب السودان ومتميزة بتربتها الخصبة ومناخها المعتدل، مناخ البحر الابيض المتوسط ووفرة المياه فيها) وفي منطقة كورنوى تطور هذا الصراع من احتجاج محدود الى حركة تمرد ضد المركز تمثل في احساس قطاعاً عريضاً من ابناء دارفور بانهم مهمشون حسب ما اورده الدكتور ادم الزين في ورقة بعنوان (نحو تجاوز حالة الاحتراب في دارفور المدخل التنموى) ظهر الاحساس الجمعى بالتخلف النسبي لاقليم دارفور ولاول مرة وبشكل علنى بعد ثورة اكتوبر 1964 في تلك المرحلة تكونت جبهه نهضة دارفور بقيادة احمد ابراهيم دريج.


    بعدها تدهورت الاوضاع في دارفور الى ان وصلت الان مرحلة اقرب الى التدويل من ان تتم معالجتها محليا... الاتهامات كثيرة منها المحلي ومنها الصادر من جهات في المركز اخطرها ما اعلنه محمد الامين خليفة القيادي في المؤتمر الشعبيى الذي يقوده الشيخ حسن الترابي في لقاء مفتوح عن دعوة المؤتمر الشعبي للحكومة ولحزبها لاعطاء حزبه الفرصة كاملة لحل مشكلة دارفور في الاطار الوطني السلمي بعيدا عن أي تعقيدات ولقفل الطريق امام التدخلات الخارجية وان تعطى الفرصة لمبادرة المؤتمر الشعبي... اعترف خليفة بأن الشعبي تربطه علاقات مع المجموعة المسلحة في دارفور وان ما تعانيه دارفور (الجوع والعوز والمرض) سببه ممارسات النظام الذي رفض تطبيق الشورى... واضاف ان الحكومة كان يجب عليها استغلال علاقة المؤتمر الشعبي بمسلحي دارفور رافضا في ذلك الوقت انتساب قيادات العدل والمساواة للمؤتمر الشعبي مؤكدا في هذا الاتجاه ان الحركة الاسلامية لم تنشطر الى جزئين (وطني وشعبي) انما الى خمسة اجزاء منها حركة العدل والمساواة ولم يفصح خليفة على الاقل حسب ما جاء في الصحف عن الجزء الرابع والخامس!! وفي عموده اليومى لصحيفة الازمنة كتب معاوية ابو قرون عن الكتاب الاسود، وهو الكتاب الذي تحدث عن المظالم التي يشكو منها اقليم دارفور وعن حركة العدل والمساواة وهي التي تقود العمل المسلح في دارفور بأنها جزء من النظام الحاكم قبل ان يحدث الانقسام في الحركة الاسلامية.


    محليا: ترى قبيلة الفور ان مؤسسات الدولة منحازة للقبائل العربية في سعيها لاجلاء الفور عن ديارهم او عاجزة على اقل تقدير عن توفير الحماية لهم... من جانبها تشكو القبائل العربية وغير العربية التي نزحت من الشمال نتيجة للجفاف والتصحر الذي ضرب ديارهم وتتحدث عن حاجتها للانتقال جنوبا بحثا عن الماء والكلا. هنا يبدا النزاع حول المسارات وموارد المياه خاصة في منطقة جبل مرة. غالبية سكان دارفور حسب احصاء 1993 يعملون في القطاع الاولى (زراعة - رعى) على مستوى الريف 41. 9 يعملون في الزراعة بشقيها النباتى والحيواني، الانتاج الحيوانى في دارفور له ما يميزه لوجود نمطين الاول هو نمط البداوة تمارسة القبائل البدوية وهي في حالة ترحال دائم، والثاني الانتاج المستقر حول المستوطنات وموارد المياه والوديان. في السنوات الاخيرة تزايدت معدلات النزوح من الشمال الى الجنوب وهذا يعنى مزيداً من النزاعات.


    في جبل مرة لجأ الرعاة الى استخدام القوة ضد الفور لاجبارهم على مغادرة الارض او ارغامهم على السماح لانعام البدو لترعى دون أي اعتراض عليها في اراضيهم المزروعة، من جانبهم كون الفور ميليشيات مسلحة للدفاع عن ارضهم واموالهم وزروعهم، غياب الادارة الاهلية وعجز مؤسسات الحكم المحلي والولائي عن ايجاد الحلول المناسبة ادى الى تدهور الاوضاع في دارفور لتصل مرحلة رفع السلاح ضد الدولة. نتيجة للهجرات من غرب افريقيا والنزوح من الشمال للجنوب وتطور الصراع بين المزارعين والرعاة لمحدودية طاقة الارض الاستيعابية فهي آخذه في التناقص العام تلو الاخر وغير قادرة على تلبية حاجة المزارع في التمدد في الزراعة والراعى في توفير ما يحتاجه لماشيته وفي ظل غياب هيبة الدولة يبدو ان المواطنين قد اخذوا القانون في ايديهم واخذوا يفرضون خياراتهم باستخدام العنف، فالرعاة يسعون للإجلاء الفوري عن الارض، المزارعون يسعون لحرمان الماشية من موارد المياه والدولة غائبة او مشغولة بقضايا اخرى هي اضعاف الحكم المحلي والاقليمي لتتم ادارة كل الاقاليم بما فيها اقليم دارفور من المركز. الحكومات الاقليمية مع ضخامة جهازها التشريعي والتنفيذي والاداري معزولة عن مواطنيها وعاجزة عن حل مشاكلها لانشغالها فقط بجباية الضرائب لتوفير المرتبات والامتيازات للكوادر السياسية والادارية وعلى حساب الخدمات الاساسية كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.


    الغاء الادارة الاهلية عام 1970 دون ايجاد البديل المناسب والمقبول في اقليم الولاء للقبيلة فيه هو في الغالب اضر بمصالح المواطنين، وفي ظل النظام الحالي تم تسييس القبائل... حكومة الانقاذ لم تكتف حسب ما جاء في مذكرة النظام الاهلي بالتأثير على زعماء العشائر وحدهم بل حاولت التأثير على اتباعهم مستخدمة سياسة الترغيب والترهيب تمنحهم او تمنعهم الوظائف القيادية وفق اثبات او عدم اثبات الولاء السياسي، ترتب على هذا التسييس المتصل للكيانات القبلية والاثنية تآكل عوامل التماسك والتعايش في مجتمع دارفور ودخوله في مرحلة انفلات امني تسبب في حدوثه انعدام الثقه بين قبائل عاشت مع بعضها منذ مئات السنين وغياب الاداري الاهلي المسئول والمحايد سياسيا والملتزم بحفظ الامن والنظام داخل مجموعته وبينها وبين المجموعات الاخرى. أخطاء كثيرة ساهمت سياسات المركز في تعميقها، حرمان الاقليم من الانشطة التنموية التي توفر فرص عمل تستوعب الفاقد التنموي... اعداد كبيرة من هؤلاء استوعبهم النظام في مؤسساته ليصبحوا بحكم مناصبهم طرفا في صراعات تعددت وتنوعت اطرافها دون اي اعتبار لما قد تسببه من دمار للاقليم وللوطن.





                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de