|
Re: د. الافندى ....الحكومة تسير نحو الهاوية (Re: الكيك)
|
الترابي كبش المحرقة! الأحد 04 أبريل 2004 01:17 عبدالله اسكندر
هل يفتش الرئيس عمر البشير عن كبش محرقة يقدمه ثمناً لتعثر السلام في جنوب السودان وغربه، فوجده في حليفه السابق الدكتور حسن الترابي؟ ام انه وجد في الترابي كبش محرقة يقدمه ثمناً للوصول الى هذا السلام؟
لا يبدو في سلوك الحكومة السودانية، سواء في المفاوضات مع «الحركة الشعبية» في كينيا من اجل السلام في الجنوب، أو في محاولات التفاوض الحالية في انجامينا مع «حركة العدل والمساواة» و«حركة تحرير السودان» اللتين تواجهان القوات الحكومية وحلفاءها في دارفور، ما يشير الى ترجيح رد على السؤالين السابقين. اذ ان كمية التعتيم على سير هذه المفاوضات، بعد مرحلة من الشفافية انتهت عملياً في نهاية العام الماضي، لا تساعد في معرفة النيات الفعلية للبشير.
الكلام الرسمي السوداني يؤكد التزام السلام مع حركة جون قرنق لإنهاء الحرب التي لا تزال حتى الآن متوقفة بفعل تمديد وقف النار وليس اعلان هدنة دائمة بين الطرفين، مما يجعل اشتعالها مجدداً أمراً محتملاً.
وبغض النظر عن نسبة المسؤولية عن تعثر المفاوضات في كينيا، فإن تركيزها في الشهور الثلاثة الماضية التي كان يفترض ان تشهد توقيع الاتفاق على المرحلة الانتقالية تمهيداً للسلام الشامل، على منطقة ابيي يعني نسف عامل الثقة الذي على أساسه بني «بروتوكول مشاكوس». فهذا الاتفاق الذي يضع الاهداف المستقبلية لعملية السلام ينظم في الوقت نفسه المرحلة الانتقالية لست سنوات والتي في ختامها يجري الاستفتاء على تقرير المصير للجنوب. وما رافق المفاوضات على «المناطق المهمشة» (ابيي والنيل الازرق وجبال النوبة) الحائرة بين الشمال والجنوب لا يشجع سكانها على خيارات الوحدة التي يقول البشير انه يعمل من اجلها. فبدل السعي الى اعطاء تطمينات لمعاملة هذه المناطق بمنطق العدل والمساواة، اندفعت المفاوضات الى مساومات على المحاصصة، من غير اعتبار كبير لمصلحة السكان المحليين الذين قد يجدون انفسهم ضحية تقاسم الثروات في منطقتهم بين الطرفين المتفاوضين.
هذا المأزق التفاوضي في الجنوب لا يقل تعقيداً عن المشكلات في ولايات دارفور وكيفية حلها والتعامل مع الأطراف المرتبطة بها. اذ ان ملامح الأزمة في الجنوب تتكرر عموماً في الأزمة في الغرب، خصوصاً طبيعة المطالب التي ترفعها القوى المحلية وتعامل السلطات المركزية فيها، ودفع الجيش وميليشيات قبلية عربية في مواجهة فظة مع الحركات المناطقية.
وقد يكون البشير ادرك، خلال مراحل التفاوض الذي وافق عليه بعدما استتبت له السلطة بإبعاد الترابي، وهو إبعاد استغله لترتيب علاقاته العربية خصوصا مع مصر، وانهاك الاحزاب التقليدية (خصوصاً الأمة والاتحادي) وشقها عبر اجتذاب بعضها الى السلطة، انه ليس مطلق اليد، او انه بدأ بمراجعة حساباته. قد يكون ادرك ان ثمة قوى في الجيش والأمن لا تزال ترتبط على نحو او آخر بالترابي، او ان بعضها ما زال يعارض طبيعة السلام المطروح والتنازلات الامنية والسياسية المطلوبة لانجاح العملية في الجنوب والغرب على السواء، وذلك بعد موافقة عسيرة على الترتيبات الأمنية في المرحلة الانتقالية.
وهذا مأزق آخر للسلام الذي يبدو ان البشير غير قادر على تحمل مسؤولية فشله. وفي ظل فقدان اي شفافية او الدلائل الملموسة على الاتهامات الموجهة الى ضباط كبار والى الترابي وحزبه، لا يستبعد ان يكون البشير يحاول القاء هذه المسؤولية على معارضة داخلية تهرباً من الحسابات التي تهدد بها الادارة الاميركية في حال فشل المفاوضات، وهو المحتاج اكثر من اي وقت مضى الى العلاقة مع واشنطن. كما لا يستبعد ان يكون البشير الذي بدأ قبل اقل من اسبوعين عملية اعادة تنظيم الأجهزة الأمنية يرغب في اطاحة القوى، داخل المؤسسة العسكرية، الممانعة لخطة السلام الحالية، عبر الحديث عن خطط تخريبية وانقلابية تساعده على التخلص من رموز الممانعة تدريجاً. وفي الحالين، تتعامل السلطات السودانية مع اتهاماتها للترابي وحزبه كمخرج من هذه المآزق، وتقدمه كبش محرقة ثمناً للسلام الذي ما زال صعباً وللفشل المحتمل لهذا السلام.
ولعل مثل هذه الممارسات هي التي ضربت، وتضرب، التفاؤل الذي رافق بداية الجولة الحالية من التفاوض والتي تُمدد منذ شهور، وتنمي الشكوك بنوعية السلام المقبل. كما تنمي الشعور بأن حكومة البشير تحاول ان تتقاسم السلطة مع قرنق وحده، وتستثني سلفاً القوى الشمالية الفاعلة، ليس كشركاء في السلطة وحسب وانما ايضا كمساهمين في الحياة السياسية. وذلك على رغم الشعارات المتكررة عن الديموقراطية، وعن السعي الى اشراك تمثيل أوسع في بناء المرحلة المقبلة.
الحياة اللندنية ارسل هذا الموضوع
| |
|
|
|
|