|
أزمة "الشريعة" و"القانون". . محاولة للفهم (Re: Waeil Elsayid Awad)
|
http://islamtoday.net/articles/show_articles_content.cf...atid=186&artid=11747
محمود سلطان 13/2/1429 20/02/2008
كيف ينظر مسلمو العالم العربي إلى اقتراح "روان وليامز" رئيس أساقفة "كانتربرى" بتبنّي "بعض" مواد الشريعة الإسلامية في القانون البريطاني؟! إنّ رصد وتحليل مضمون تلك النظرة، ربما يجيب عن التساؤل الأهمّ فيما يتعلق بمستوى "نضج" الوعي الجمعي العربي، وقدرته على فهم "الآخرـ الغربي" ومفهوم الأخير عن فكرتي "التعايش" أو "الصدام" مع الإسلام. المسلمون في العالم العربي تلقوا اقتراح "وليامز" بتفسيرات موغلة في عاطفيتها؛ إذ اعتبروه "شهادة نصرانية" على أفضلية "الشريعة" على "القانون" البريطاني، أو بمعنى أبسط "انتصارًا" للإسلام في البلاد النصرانية!. ولم يُستثن من هذا المنطق البسيط إلا بعض المؤسسات الإسلامية السنية الرسمية، حيث كانت على وعْي مغاير وأكثر فهمًا لمغزى ودلالة الاقتراح. وليامز لم تكنْ تَعْنيه مثل تلك المفاضلة بين الشريعة والقانون البريطاني، ولكنه كان يبحث عن مخرج لإنقاذ مظلة "التعددية الثقافية"، من مخاطر تحولها إلى "سلطات متعددة" موازية لسلطة الدولة، والتي قد تبدأ بظهور محاكم مدنية "عرفية" تعمل مستقلة عن المحاكم المدنية "الرسمية"، وقد تتطور لاحقًا لكي تكون نواة لعزلة سياسية تمهد لظهور دولة موازية للدولة الأمّ. اقتراح رئيس أساقفة "كانتربرى" وردود الفعل البريطانية العنيفة عليه- والتي بلغت مبلغ "الهوس"- كانت تدور رحاها بعيدًا عن "الفضاء الديني"؛ إذ لم يكن الدفاع عن الإسلام كدين حاضرًا في ذهن "وليامز" حال قدّم اقتراحه، ولا كان الذَّوْد عن النصرانية العقدية حاضرًا في وعي النخبة التي ردت عليه بـ"هستيريا" على حدّ تعبير المتحدثة باسم لجنة الشئون الإسلامية البريطانية "كاثرين هيزلتاين". كان الأول يبحث عن "صيغة قانونية" لحلّ مشكلة "اندماج" الأقليات المسلمة، من خلال الاعتراف ببنود معينة من الشريعة الإسلامية في القانون البريطاني تراعي ما أسماه "الضمير الديني في المعاملات".. فيما كان الطرف الثاني يدافع عن "علمانية بريطانيا" وليس عن النصرانية، وعن "وحدة القانون" ومجابهة أية محاولة لفرض تشريع ديني موازٍ للقانون المدني. إذن.. لا الإسلام كدين ولا النصرانية كعقيدة كانا حاضرين في السجال الحادّ على خلفية اقتراح "وليامز"، وإنَّما كان السؤال عن آلية مناسبة لدمج المسلمين في مجتمع استقرّ على أن يعيش في محاضن التعددية منذ عقود. بل إن قطاعًا من النخبة العلمانية البريطانية فسّر طرح أسقف الكنيسة "الأنجليكانية" بأنه "اقتراح التفافي" يستخدم الإسلام بانتهازية لـ"خدمة النصرانية" في مواجهة "أوروبا الوثنية" على حدّ تعبير البابا بندكوتس السادس عشر، في حين بالغ البعض منهم باعتباره "مؤامرة" نصرانيةـ إسلامية تستهدف النيل من علمانية بريطانيا!. والحال أن النخبة البريطانية تعتبر أقلّ النخب السياسية في أوروبا التي يقلقها مستقبل نصرانيتها، فإذا كانت ألمانيا وفرنسا- على سبيل المثال- تولي "النصرانيةـ الثقافية" أهمية قصوى باعتبارها مكونًا أساسيًا للهوية، فإن بريطانيا استقرّ لديها بالتراكم قبولها بأن يحل "الإجماع الوطني" محل "الهوية التقليدية" في رسم حدود تمايزها الحضاري، وانتهى هذا الإجماع على أن يتعايش الجميع في ظل بيئة متسامحة لا بأس من تعدد هوياتها وتجاورها في كنف نظام قانوني واحد يقبل به الجميع. ولعلّ ما يفسر غياب مثل هذا القلق على "النصرانية" عدم اكتراث النخبة الليبرالية البريطانية بما نشر من تقارير تشير صراحة إلى أن "بريطانيا تهجر النصرانية" وإلى خلو الكنائس من روّادها، واضطرار مقاطعة "ويلز" على سبيل المثال إلى استقدام كهنة من القبائل الهندية- التي اعتنقت النصرانية على يد البعثات التبشيرية من "ويلز"- لتسدّ النقص الحادّ في رعاة الكنائس المحلية، وذلك وفق تقرير نشرته صحيفة "وطني" النصرانية المصرية المتشددة في يناير عام 2007. ولذا فإنه من الخطأ الجسيم اعتبار جدل "الشريعة" و"القانون" في بريطانيا حاليًا "فتحًا إسلاميًا" لبلاد الفرنجة، فهو "الخطأ" الذي سيترتب عليه أخطاء أكثر جسامة، ربما يسدّد فواتيرها المسلمون البريطانيون حال استقبالهم هذا الجدل بذات التفسير العاطفي الذي اعتمده مسلمو العالم العربي، غير أن ما يبعث على التفاؤل أن المؤسسات الدينية الرسمية في العالم العربي كانت أكثر وعيًا بفحوى هذا الجدل، وكذلك النواب المسلمون في مجلس العموم البريطاني، وهو ما يعزّز الاعتقاد بأن المؤسسات الرسمية مازالت هي الأقرب إلى الممارسات المسئولة، والقادرة على فهم طبيعة الحراك السياسي الديني في أوروبا، خاصة في الملفات التي يكون المسلمون أو الإسلام طرفًا أساسيًا في آتونها.
|
|
|
|
|
|
|
|
|